الحلو: ألقيت باللؤلؤ أمام الخنازير
تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT
15 September, 2020
استمعت إلي القائد عبد العزيز الحلو يتحدث إلى شباب مقاومة حي العباسية في يوم ١٠ سبتمبر الماضي. وبدا من أثر اللقاءات الأخيرة في أديس أبابا معه قوله لهم إن مطلبهم كان العلمانية ولكنهم تنازلوا وسيقبلون بدستور يقوم على فصل الدين عن الدولة. ولا أعرف إن كانت الثورة المضادة والفلول يفرقون بين الأمرين من حيث المبدأ ناهيك من أنهم حلبوا تمسكه الباكر بالعلمانية حلباً يؤسفني القول إنه كان خصماً كبيراً من رصيد الثورة.
العلمانية مفهوم متروك في خطاب الدستور السوداني. فلم يرد في النقاش العام اليساري منذ حل الحزب الشيوعي في ١٩٦٥ وصراعه ضد مشروع الدستور الإسلامي في ١٩٦٨. واتفق لليسار وغير اليسار أن يدعوا للدولة المدنية هرباً من الحمولة الثقيلة لمفهوم العلمانية. والعلمانية والمدنية سواء إلا أن دعاة فصل الدين عن الدولة مصابون ب onomatophobia وهي الفوبيا من كلمة بذاتها لما يجلبه ذكرها من أذى من الماضي. وكان نبش الحركة الشعبية لمفهوم العلمانية مقروناً بالانفصال يوم سعد لفلول الثورة المضادة. فقد جاءهم المصلح يسعى إلى حتفه بأنفه. فهم من امتلك سردية العلمانية (سوءتها) لعقود في حين غادرها أهلها إلى صيغ استرضائية مثل الدولة المدنية لتأمين الوحش. ولا جدوى. ورغبتُ للحركة الشعبية أن تستقل بتحقيق عن تثمير الثورة المضادة لدعوتهم للعلمانية خصماً على الثورة.
استغربت من جهة أخرى لخروج الحركة الشعبية بالدعوة للعلمانية لفظاً بعد الثورة. وكان آخر ما تعاقدت به حول الدولة والدين مع حلفائها في ميثاق باريس (٢٠١٤) هو فتح باب النقاش مشرعاً في المسألة. فقال الميثاق:
ناقش الطرفان بعمق علاقة الدين والدولة كواحدة من القضايا الجوهرية واتفقا على مواصلة الحوار للوصول إلى صيغة مرضية لكل الأطراف.
ولم تنعقد حلقة علم لموصلة الحوار عن العلمانية إلى يومنا وقد انقضت ست سنوات حسوما. وجازفت الحركة الشعبية بعد الثورة بمطلب العلمانية والانفصال بدونها ولم "ترت" لحلفائها في المركز الذين تلقي ثورتهم المدنية عنتاً معروفاً. فتتربص بهم الثورة المضادة تنتظر عثرة لسان في الدين لتحل الثورة حلها للحزب الشيوعي في ١٩٦٥. نعلم أن الجبهة الثورية تفرقت أيدي سبأ، بل انقسمت الحركة الشعبية على نفسها. ولكن ليس هذا مبرر للحركة الشعبية لتلقي باللؤلؤ أمام الخنازير في توقيتهم المناسب.
ولا أعرف من أين للحركة الشعبية القناعة أن انفصال الدين عن الدولة لا يتحقق إلا بالنص صريحاً على العلمانية. فبينما ذكر الدستور الفرنسي لأول مرة في 1958 أن فرنسا دولة علمانية في ١٩٥٨(في حين كان ذلك مطلب الثورة الفرنسية في 1789 حتى أنها ألغت المسيحية وجاءت بدين ضرار) لم يأت الدستور الأمريكي بذكرها بالمرة. بل لم يأت هـذا الدستور حتى بصيغة "فصل الدين عن الدولة". وقال نصاً:
لا يصدر الكونغرس أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان أو يمنع حرية ممارسته، أو يحد من حرية الكلام أو الصحافة، أو من حق الناس في الاجتماع سلمياً، وفي مطالبة الحكومة بإنصافهم من الإجحاف.
فلست تجد في هـذا التعديل الأول للدستور الأمريكي، الذي سارت بذكره الركبان، إشارة لا للعلمانية ولا لفصل الدين عن الدولة. فما حكمة الحركة الشعبية ركوب الصعب والأمر أهون من ذلك كثيراً باعتبار كساد استثمارنا الفكري والسياسي في مصطلح العلمانية، بل هربنا للأمام منه؟
قال الحلو إنهم قبلوا بفصل الدين عن الدولة. وربما كانت المفاجأة التي تنتظره وهو يتهيأ للحوار مع الحكومة حول المطلب أنها، اي الحكومة، والجبهة الثورية سبق وتواثقا على هذا الفصل بالأحرف الأولى في محادثات السلام في جوبا. فاتفاق مسار دارفور قضى بالفصل العام بين المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة لضمان عدم استغلال الدين في السياسة. وتكرر في الاتفاقات الأخرى وجوب أن تقف الدولة على مسافة متساوية من الأديان والثقافات دون انحياز إثني أو ديني أو ثقافي يؤدي للانتقاص من هذا الحق. فما طلبته الحركة الشعبية من الحزب الشيوعي والدكتور حمدوك في أديس وقع في جوبا بالفعل.
لا أعرف إن جاز هنا استعادة كلمة حكيمة لماثيو أبور، الـذي هجر الحركة الشعبية في الثمانينات وهو من أبكارها، للعقيد قرنق. قال له يا قرنق لا تقتل أبناء الجنوب لمطلب العلمانية الذي لم يفلح أولاد المندكورات في بسطه على أهلهم واقناعهم به.
[email protected]
////////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدین عن الدولة الثورة المضادة الحرکة الشعبیة
إقرأ أيضاً:
مفتي تشاد: جائزة الإمام القرافي تمثل تقديرًا لبلادي وحافزًا لمواصلة خدمة العمل الإفتائي
شهدت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي للأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم كلمةً ألقاها سماحة الشيخ أحمد النور محمد الحلو، المفتي العام لجمهورية تشاد، تناول خلالها أهمية البحث في مجالات العلم والابتكار وارتباط ذلك بالفتوى، مؤكدًا أن السعيَ في هذا الميدان ليس وليد العصر الحديث، بل هو منهج الإنسان منذ القدم في خدمة نفسه ومجتمعه.
وأضاف أن هناك محاكاةً من بني البشر لسُنن هذا الكون التي خلقها الله عز وجل ليسير عليها، وإن كانت لن تخلو من توجيه انتقادات حتى من أبناء الغرب أنفسهم، ولكن مع ذلك هناك ثمراتٌ لا تخفى نستطيع توجيهها حسبَ الحاجةِ والضرورة، عملًا بالمبدأ السامي والأساسيِّ عندنا، ألا وهو "عمارةُ الأرض".
وأشار فضيلته إلى أن الذكاء الاصطناعي يمثل إحدى الظواهر البارزة في عصرنا لما يحمله من فرص وتحديات تستوجب توجيهه لخدمة الصالح العام، موضحًا أن دار الإفتاء المصرية تبذل جهودًا كبيرة لسدِّ الفجوة المعرفية في هذا المجال.
وقدم أعرب عن خالص شكره لفضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد، مفتي جمهورية مصر العربية، وفريق العمل بالأمانة العامة تقديرًا لدَورهم في هذا الصدد.
وتحدث المفتي العام لتشاد عن واقع بلاده التي وهبها الله ثرواتٍ طبيعيةً متنوعة، وكيف تسعى الدولة إلى استثمارها في التنمية والتطوير، مشيرًا إلى إسهامات علماء تشاد في بناء المدن القرآنية والمجمعات التعليمية التي خرَّجت آلاف الطلبة العاملين في مجالات الدعوة والإصلاح. وأكد أن دار الإفتاء التشادية شكَّلت سدًّا منيعًا أمام محاولات اختراق المجتمع بأفكار هدامة من خلال مواجهة التيارات الفكرية المناهضة بحكمة وصبر.
وفي ختام كلمته أعرب الشيخ أحمد النور محمد الحلو عن فخره واعتزازه بالتكريم الذي ناله من الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، بمنحه جائزةَ الإمام القرافي للتميز الإفتائي لهذا العام، مؤكدًا أن هذا التكريم يمثل تقديرًا لبلاده وحافزًا لمواصلة الجهد في خدمة العمل الإفتائي، وأوضح أن اسم الإمام القرافي يحظى بمكانة بارزة في تشاد، حيث توجد مؤسسة علمية رائدة تحمل اسمه منذ عشرين عامًا، تولى إدارتها والتدريس فيها لسنوات طويلة.
وأضاف قائلًا: "ما دام الأزهر الشريف ودار الإفتاء قائمينِ؛ فإن الخوف على الدين لا محلَّ له". كما أعرب عن شُكره لفضيلة مفتي الجمهورية معتبرًا مفتي مصر بمنزلة مُفْتٍ للعالم الإسلامي كله، وأنَّ المفتين في العالم نوَّاب عنه في أداء رسالتهم.
يذكر أن الشيخ أحمد النور محمد الحلو وُلِد عام 1946م في تشاد، وتلقى تعليمه الديني في السودان حيث تشرَّب علوم الفقه المالكي، وأصول الفقه، واللغة العربية، والحديث الشريف، مما أهّله ليكون أحد أبرز علماء الفتوى في إفريقيا، تولى الشيخ الحلو عدة مناصب دينية رفيعة، منها منصب المفتي العام لجمهورية تشاد عام 2013م، وعضوية المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، كما أسس مجمعًا علميًّا لنشر التعليم الشرعي ومحاربة الغلو والتطرف، وشارك في مؤتمرات دولية لدعم الاعتدال وترسيخ منهج الوسطية.
وتقديرًا لعطائه العلمي وإسهاماته في تطوير العمل الإفتائي، منحته الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم جائزة الإمام القرافي للتميّز الإفتائي لعام 2025، وهي جائزة دولية مرموقة تُمنح سنويًّا خلال المؤتمر العالمي للإفتاء، وتُعد تكريمًا للشخصيات التي ساهمت بجهود بارزة في ترسيخ المرجعية الوسطية ومواجهة التطرف من خلال البحث العلمي والممارسة الميدانية.