نداء أوجلان وآفاق السلام الداخلي في تركيا
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
تلقى كرد تركيا النداء الذي أطلقه عبد الله أوجلان من داخل سجنه مطالباً حزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح وحل نفسه، بحماس كبير تجلى في التجمعين الجماهيريين الكبيرين في كل من ديار بكر ووان لمتابعة قادة حزب الشعوب الديمقراطي وهم يقرأون، عبر شاشات عملاقة، النص المكثف الذي كتبه أوجلان، باللغتين الكردية والتركية.
وقد جاء نداء أوجلان بدعوة من زعيم التيار القومي (التركي) المتشدد دولت بهجلي الغائب منذ بعض الوقت عن المشهد السياسي بسبب مرضه، أطلقها قبل أكثر من أربعة أشهر حفلت بتحليلات وأفكار على صفحات الجرائد وشاشات التلفزيون ومنصات الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من فضاءات التعبير. الوسط الكردي عموماً، وقادة حزب الشعوب الديمقراطي بصورة خاصة، يساهمون بحماس في هذه العملية السياسية ويعبرون عن تفاؤلهم الكبير بـ«هذه الفرصة» النادرة لحل المشكلة الكردية التي عمرها من عمر الجمهورية التركية. أوساط السلطة بالمقابل ترى الموضوع من منظور أنه فرصة للتخلص من الإرهاب ولا يعترفون بوجود مشكلة كردية، هذا ما كرره كل من أردوغان وبهجلي في كل مناسبة، مع تشديد الأخير على «الأخوة التركية ـ الكردية التي عمرها ألف عام»! حماس بهجلي للعملية وتمسكه بها على رغم عقبات كثيرة اعترضت طريقها هو الذي يراهن عليه المتفائلون، لأن الرجل معروف بتشدده القومي ومعاداته المزمنة للتعبيرات السياسية للمجتمع الكردي، إضافة إلى أنه يمثل «الدولة العميقة» في تركيا وفقاً لاعتقاد شائع، أو الدولة بنواتها الصلبة وهواجسها المتعلقة بالأمن القومي. لذلك يعتبر المتفائلون أن المسألة هذه المرة ستمضي في اتجاه الحل ما دام وراءها بهجلي بالذات، آخذين بنظر الاعتبار أن دور بهجلي في السلطة القائمة يتجاوز الحجم الصغير لحزبه في التحالف الحاكم إلى «بنية الدولة» و«عقلها المفكر».
كانت الاستجابة سريعة من قادة حزب العمال الكردستاني بأنهم سيتجاوبون بصورة إيجابية مع توجيهات أوجلان
ولوحظ على نص أوجلان أنه مدروس بدقة وربما كان نتاج «عقل جماعي» كردي. فقد شوهد الزعيم السجين في الصورة التي تم تداولها وسط قادة من حزب الشعوب الديمقراطي الذين قاموا بزيارته للمرة الثالثة في غضون شهرين، إضافة إلى ثلاثة سجناء سياسيين من القيادات المؤسسة للحزب، في رمزية عكست توحيد الرأي بين القادة المؤسسين وقادة الحركة السياسية الكردية في تركيا (حزب الشعوب) بشأن الخطوة التاريخية التي يطالب بها أوجلان.
كان لافتاً حرص نص أوجلان على رسم خطوط عريضة للمناخ الدولي والإقليمي والمحلي الذي تم تأسيس حزب العمال الكردستاني فيه كحركة سياسية مسلحة تعبر عن مظالم الكرد وتطلعاتهم المستقبلية، ويمكن تلخيصه بمناخ الحرب الباردة بين القطبين واشنطن وموسكو وصعود نجم الحركات اليسارية المسلحة في كثير من بلدان العالم بما في ذلك بعض البلدان الرأسمالية المتطورة. ليضيف النص أن تلك الشروط تغيرت بصورة جذرية بدءا من التسعينيات، وبخاصة بعد انهيار النموذج السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة. فدخل حزب العمال الكردستاني في متاهة من البحث عن معنى ودور جديدين يكرر فيها نفسه بلا جدوى. أي أن أوجلان يؤكد أن عمر حركته المسلحة قد انتهى منذ أكثر من ربع قرن، داعياً الحزب إلى حل نفسه لهذا السبب وليس بسبب ظرف مستجد، كما فعلت حركات مسلحة عديدة بعد إعادة تقييم تجربتها فتحولت إلى حركات سياسية تواصل نضالها بالوسائل السلمية المشروعة. كما أكد النص أن إلقاء الحزب للسلاح ليس نتيجة لهزيمة عسكرية لحقت به بل بقرار ذاتي ينبغي اتخاذه في مؤتمر عام يجمع الحزب بمختلف منظماته. فالدعوة إذن هي لعقد مؤتمر تاريخي يشكل منصة للتحول من حركة مسلحة إلى حركة سياسية.
كانت الاستجابة سريعة من قادة حزب العمال الكردستاني بأنهم سيتجاوبون بصورة إيجابية مع توجيهات أوجلان، وإن أضافوا أن نجاح العملية لا يتوقف عليهم فقط، فثمة طرف آخر، الدولة التركية، ستكون مساهمته حاسمة في تحقيق النجاح.
كل هذه التفاصيل تصب في خانة التفاؤل، لكن المشهد السياسي العام في تركيا يبدو وكأنه يمضي في اتجاه معاكس، أو على الأقل بما لا يبشر بمضي «العملية» بسلاسة. فقد ازدادت في الأشهر القليلة الماضية عمليات عزل رؤساء بلديات من حزب الشعوب الديمقراطي، أو شخصيات كردية فازت في الانتخابات المحلية على لوائح حزب الشعب الجمهوري، وتفتح دعاوى قضائية بحق رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو الذي بدأ استعداداته مبكراً للترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة، في مواجهة أردوغان وفقاً لسيناريو شائع، بل وصل الأمر إلى اعتقال اثنين من إداريي جمعية رجال الأعمال المعروفة بـ«نادي أشد الأثرياء في تركيا» وتقديمهما للمحاكمة، إضافة إلى أعداد متزايدة من الصحافيين، في إجراءات يمكن إجمالها بالاندفاع إلى مزيد من السلطوية والتضييق على حرية التعبير. ويبدو حزب الشعب الجمهوري هو الأقل حماسةً للعملية السياسية الجارية على جهة المسألة الكردية، لأنه يراها من منظور تكتيكي يتصل برغبة السلطة في استمالة الحركة السياسية الكردية لمساندة مشروع تعديل دستوري يتيح للرئيس أن يعيد ترشيح نفسه لولاية جديدة بعد استنفاد فرصه وفقاً للدستور المعمول به. ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن نص أوجلان نفسه قد أكد على مفهومه لـ«المجتمع الديمقراطي» كوعاء للحل المنشود.
المصدر: القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تركيا العمال الكردستاني تركيا العمال الكردستاني اوجلان سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب الشعوب الدیمقراطی حزب العمال الکردستانی قادة حزب فی ترکیا
إقرأ أيضاً:
سَفِلز مصر تُصدر "تقرير القاهرة العقاري 2025".. السوق يشهد تحولات جوهرية وآفاقًا واعدة في مختلف القطاعات
أطلقت شركة سَفِلز مصر، التابعة لشركة Savills العالمية للاستشارات العقارية، تقريرها السنوي بعنوان "تقرير القاهرة العقاري 2025"، والذي يسلط الضوء على التطورات والتحولات العميقة التي يشهدها السوق العقاري في مصر، متضمنًا رؤى مستقبلية متفائلة حول القطاعات العقارية الرئيسية، وتغيرات سلوك المستهلك، وآليات التمويل، والاتجاهات الهيكلية المؤثرة في المشهد العقاري.
القطاع التجاري: توسّع مستدام يعكس صمود الطلب
أبرز التقرير أن القطاع التجاري لا يزال من أبرز محركات النمو في السوق المصري، مع توقعات بإضافة أكثر من 1.1 مليون متر مربع من المساحات التجارية خلال السنوات المقبلة. وتشير بيانات "Oxford Economics" إلى توقعات بارتفاع مبيعات القطاع التجاري من 149.7 مليار دولار في 2025 إلى نحو 201.4 مليار دولار بحلول 2030، ما يعكس قوة الطلب الاستهلاكي ورغبة العلامات التجارية في التوسع.
وأشار التقرير إلى أن وفرة المعروض تمنح المستأجرين قدرة تفاوضية أكبر، مما يعزز من تنوع السوق ورفع مستوى التنافسية، في ظل عودة الزخم إلى منطقة وسط القاهرة كمركز للمشروعات التجارية عبر إعادة توظيف المباني التراثية.
القطاع الفندقي: نحو مضاعفة السعة وعودة ثقة المستثمرين
كشف التقرير عن استمرار نمو القطاع الفندقي بدعم من جهود الدولة لمضاعفة السعة الفندقية إلى 470 ألف غرفة بحلول 2028. وبلغت معدلات الإشغال نحو 75% في مطلع عام 2025، ما يعكس تزايد ثقة المستثمرين والزوّار بالسوق المصرية. كما يشهد السوق اهتمامًا متزايدًا من العلامات الفندقية العالمية بإعادة توظيف مبانٍ تاريخية وتحويلها إلى فنادق راقية.
القطاع السكني: استثمار آمن رغم التحديات
يؤكد التقرير أن القطاع السكني لا يزال من أكثر القطاعات استقرارًا، مع حفاظ أسعار الوحدات السكنية المقوّمة بالدولار على استقرار نسبي رغم تقلبات الجنيه. ويواصل المطورون جذب المستثمرين عبر خطط سداد مرنة، ووحدات جاهزة، وخصومات محدودة، رغم التحديات التي تمثلها ضعف القوة الشرائية.
كما سلط التقرير الضوء على الأدوات التمويلية الجديدة، مثل صناديق الاستثمار العقاري وبرامج التملك الجزئي، التي تسهم في توسيع قاعدة تملك المنازل، مع ازدياد الطلب الأجنبي على شراء العقارات في مصر، خاصة في ظل تسهيلات تملك الأجانب.
وحدات سكنية بعلامات تجارية: سوق ناشئة بنمو سريع
أشار التقرير إلى أن المشروعات السكنية ذات العلامات التجارية (Branded Residences) تشهد نموًا غير مسبوق، مع توقعات بزيادة المعروض في القاهرة بنحو سبعة أضعاف بحلول 2031. ويقود هذا التوسع ارتفاع الطلب من المستثمرين الأفراد واهتمام متزايد من العلامات الفندقية وشركات التصميم العالمية، في ظل توجه السوق نحو أنماط الحياة الراقية والمتكاملة.
القطاع الإداري: فجوة بين العرض والطلب
كشف التقرير عن فجوة ملحوظة في سوق المكاتب الإدارية، نتيجة تركّز المطورين على بيع وحدات صغيرة لا تلبّي احتياجات الشركات الكبرى. ومع ذلك، يرى التقرير في هذه الفجوة فرصًا استثمارية واعدة أمام مزودي مساحات العمل المرنة والمستثمرين المؤسسيين القادرين على توفير مساحات إدارية فاخرة وجاهزة للاستخدام.
التعليم والرعاية الصحية: استثمارات طويلة الأجل
اعتبر التقرير أن قطاعي التعليم والصحة يمثلان فرصًا استثمارية قوية مدفوعة بطلب مستمر، غير أن بطء التنفيذ يمثل تحديًا، في ظل ارتفاع التكاليف وصعوبة التمويل، والحاجة إلى مشغلين محترفين لضمان استدامة وجودة الخدمات.
توجّه السوق: من المضاربة إلى الاستدامة
كاتسبي لانجر-باجيت، رئيس شركة سَفِلز مصر، أشار إلى أن السوق العقاري المصري يواصل تعافيه بثقة، مدعومًا بتحسن الظروف الاقتصادية. وأضاف أن المستثمرين أصبحوا أكثر وعيًا بأهمية الإدارة الاحترافية والاستشارات الاستراتيجية لتحقيق قيمة طويلة الأجل.
في السياق ذاته، أكدت رانيا نظمي، رئيس قطاع الاستشارات الاستراتيجية، أن السوق بات أكثر استقرارًا مقارنة بالسنوات الماضية، مع عودة الطلب الفعلي ليقود حركة الشراء، ما يدفع المطورين نحو تصميم مشاريع أكثر عملية وتوافقًا مع احتياجات المستخدم النهائي.
نظرة مستقبلية
خلص التقرير إلى أن السوق العقاري في القاهرة يسير في مسار إيجابي مدعوم بالطلب الحقيقي والاستثمار المؤسسي، مع استمرار نمو القطاعات التجارية والفندقية، وتوسع المشروعات السكنية ذات العلامات التجارية والمشروعات متعددة الاستخدامات، مما يعزز من جاذبية العاصمة المصرية كوجهة استثمارية مستدامة حتى نهاية العقد الحالي.