التوازنات العسكرية والإستراتيجية تستعرض عضلاتها في المياة الإيرانية... رسائل مناورات إيران وروسيا والصين..
تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT
في خطوة لافتة تأتي في سياق إقليمي ودولي يشهد تحولات متسارعة على مستوى التوازنات العسكرية والإستراتيجية، أعلنت وكالة تسنيم الإيرانية عن بدء مناورات بحرية مشتركة بين روسيا والصين وإيران في ميناء تشابهار و( يعد تشابهار الذي يقع جنوب شرقي إيران أكبر ميناء بحري في إيران، ومنفذًا حيويا أساسيا )
الحدث لا يقتصر على بعده العسكري، بل يتداخل مع سياقات سياسية واقتصادية تعكس أولويات الدول المشاركة فيه، خاصة في ظل تصاعد الضغوط الغربية على هذه القوى وسعيها لتعزيز شراكاتها الدفاعية في مواجهة التحديات المتزايدة.
يتزامن إجراء هذه المناورات مع مرحلة دقيقة من التوترات المتزايدة بين إيران والولايات المتحدة، حيث تواجه طهران ضغوطا متصاعدة تتعلق ببرنامجها النووي وقدراتها الصاروخية، إلى جانب العقوبات الاقتصادية التي تستهدف مفاصل اقتصادها.
وتضفي التهديدات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب بشن عمل عسكري ضد إيران إن استمرت برفض التفاوض، على المناورات بعدا إضافيا يتجاوز الأبعاد العسكرية التقليدية إلى رسائل سياسية واضحة.
موقع المناورات
كما يضفي الموقع الذي اختير لتنفيذ هذه المناورات بعدا إستراتيجيا خاصا، فميناء تشابهار، المطل على المحيط الهندي، لا يمثل مجرد قاعدة بحرية إيرانية، بل يعد نقطة محورية في المشروعات الاقتصادية الإقليمية، كما يتمتع بأهمية جغرافية تجعله مركزا لطرق التجارة الدولية والطموحات اللوجستية الإيرانية.
وفي ظل هذه الاعتبارات، يبرز تساؤل حول ما إذا كان اختيار هذا الموقع يعكس توجهًا لتعزيز النفوذ البحري الإيراني، أو أنه يحمل في طياته رسائل أوسع تتجاوز الحدود الإقليمية لتشمل موازين القوى العالمية.
وبالنظر إلى الظروف الدولية الراهنة، فإن هذا التطور يثير اهتمام الأوساط السياسية والعسكرية، حيث يتزامن مع عزلة دولية متزايدة تواجهها روسيا نتيجة حربها في أوكرانيا، إلى جانب التنافس الحاد بين الصين والولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي.
هذه العوامل مجتمعة تضع المناورات البحرية الثلاثية في سياق أوسع من مجرد تعاون عسكري، لتشكل حدثًا يحمل أبعادًا متعددة على المستويين الإقليمي والدولي.
ردا على تهديد ترامب
ويرى القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني حسين كنعاني مقدم أن هذه المناورات في تشابهار تأتي ردا على تهديدات ترامب بشن هجوم على إيران، لافتا إلى أنه على ترامب أن يعلم أن إيران ليست وحيدة والدول الحليفة مثل روسيا والصين حاضرة إلى جانبها، وأن شن هجوم عسكري على إيران يعني الهجوم على الصين وروسيا، على حد قوله.
كما أوضح في حديثه للجزيرة نت، أنه بناء على الاتفاقيات طويلة المدى بين إيران والصين (25 سنة) وروسيا (20 سنة) والتي تتضمن بعض التعاون العسكري والأمني والمخابراتي كما تضم مناورات ثلاثية مشتركة بين البلدان الثلاثة ووفقا لجدول معين، تنظم مناورات كل فترة معينة بين هذه البلدان.
وأردف كنعاني "أن رسالة هذه المناورات واضحة وهي أن دول آسيا القوية ومنها الصين وروسيا وإيران وكذلك الدول الراغبة بالتعاون لتأمين أمان المنطقة قادرة على فعل ذلك".
أهمية جيوستراتيجية
من جهة أخرى، وفي حديث للجزيرة نت، أكد خبير الأمن الدولي عارف دهقاندار أن اختيار ميناء تشابهار لإجراء المناورات المشتركة بين إيران والصين وروسيا ينبع من الأهمية الجيوستراتيجية لهذه المنطقة.
وأوضح أن تشابهار، باعتباره الميناء الإيراني الوحيد المطل على المحيط، يوفر وصولا مباشرا إلى المياه الحرة، ويقع في موقع إستراتيجي بالقرب من المحيط الهندي، ما يجعله نقطة محورية في التحكم في طرق التجارة البحرية وبوابة حيوية للوصول إلى أسواق آسيا الوسطى.
وأضاف دهقاندار أن تشابهار يُعد جزءًا من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، كما يكتسب أهمية خاصة لروسيا التي تسعى إلى توسيع وجودها في المياه الدافئة، كما أشار إلى أن وجود هذه القوى الثلاث في تشابهار قد يحمل رسالة معينة إلى واشنطن وإدارة ترامب، لاسيما في ظل اعتبار الهند شريكا إستراتيجيا للولايات المتحدة في شبه القارة الهندية.
وفيما يتعلق بتوقيت إجراء النسخة السابعة من المناورات المشتركة "حزام الأمن البحري 2025″، أشار دهقاندار إلى أن هذا التوقيت يحمل دلالة مهمة، حيث تأتي هذه المناورات في ظل تزايد التهديدات الإسرائيلية والأميركية بشن هجوم عسكري على إيران للحد من برنامجها النووي.
العصا والجزرة
وأوضح أن هذا التصعيد الإقليمي، إلى جانب سياسة "العصا والجزرة" التي يتبعها ترامب، يزيد من تعقيد المشهد، مما يجعل هذه المناورات بمثابة إشارة إلى استعداد طهران لمواجهة أي تهديدات محتملة.
ومع ذلك، شدد دهقاندار على أن هذه المناورات لا ينبغي تفسيرها على أنها مؤشر على تشكل تحالف شرقي ضد الغرب، مؤكدًا أن روسيا والصين، كقوتين عالميتين، لديهما إستراتيجيات ومصالح خاصة بهما، وينبغي تحليل سلوكهما في إطار المنافسة بين القوى الكبرى.
وأضاف أن إيران، باعتبارها قوة إقليمية، لها دورها الخاص في المعادلات الدولية، وينبغي لها، خاصة في المجال العسكري، أن تعتمد على قدراتها الذاتية بدلًا من التعويل على القوى الكبرى.
وخلص دهقاندار إلى أنه رغم تصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة خلال فترة حكم ترامب، فإن إقامة هذه المناورات لا تعني بالضرورة تشكيل تحالف رسمي ضد الغرب، بل تمثل نموذجًا للتعاون البراغماتي بين الدول الثلاث وفقًا لمصالحها المشتركة.
واعتبر أن رد الفعل الهادئ من قبل إدارة ترامب على هذه المناورات يؤكد أنها لا تُشكل تهديدًا حقيقيًا للولايات المتحدة.
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: هذه المناورات روسیا والصین إلى أن
إقرأ أيضاً:
التحرك الأمريكي في ليبيا.. مصالح متجددة في ظل إدارة ترامب الثانية
أولًا: عودة ليبيا إلى واجهة الاهتمام الأمريكي
مع بداية الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، استعادت ليبيا مكانة متقدمة ضمن أولويات السياسة الخارجية الأمريكية, ويأتي ذلك في سياق إقليمي ودولي يشهد تحولات متسارعة، أبرزها تصاعد الصراع في الشرق الأوسط، واحتدام التنافس بين القوى الكبرى داخل القارة الإفريقية، ما جعل من ليبيا بوابة استراتيجية لا يمكن تجاهلها.
ثانيًا: خلفيات وأبعاد الزيارة الأمريكية
زيارة مستشار الرئيس الأمريكي، مسعد بولس، إلى كل من طرابلس وبنغازي، لم تكن مجرد بروتوكولية، بل يمكن قراءتها باعتبارها خطوة استطلاعية لجمع معلومات مباشرة من الفاعلين الليبيين، وتشكيل تصور دقيق لصانع القرار في واشنطن حول موازين القوى واتجاهات النفوذ.
وقد عبّر بولس خلال لقائه مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، عن قلق الولايات المتحدة العميق من الوضع الأمني في العاصمة طرابلس، في ظل استمرار انتشار السلاح بيد التشكيلات المسلحة، وغياب سيطرة حقيقية للدولة على هذه القوى.
ويأتي هذا القلق خصوصًا بعد الاشتباكات التي شهدتها العاصمة قبل نحو أربعة أشهر بين قوات حكومية وتشكيلات تابعة لقوة “دعم الاستقرار”، والتي قلّص الدبيبة نفوذها مؤخرًا، ما فاقم التوتر داخل طرابلس. واليوم، تعيش العاصمة على وقع حالة احتقان أمني متصاعدة، وسط مخاوف من تفجر الوضع في أي لحظة.
هذا الواقع دفع بولس إلى التركيز خلال محادثاته على أولوية الأمن والاستقرار، مشددًا على أن استمرار حالة التفلت الأمني يعيق أي مسار سياسي أو اقتصادي، ويثير قلقًا أمريكيًا ودوليًا متزايدًا مما قد يحدث، خاصة في ظل اقتراب استحقاقات مفصلية، منها الحديث عن تنظيم الانتخابات واستئناف المسار السياسي.
تأتي هذه الزيارة أيضًا في لحظة حساسة، حيث تواجه المنطقة خطر التصعيد بين إسرائيل وإيران، وهو ما يهدد إمدادات الطاقة العالمية، ويجعل من ليبيا — بثرواتها وموقعها الجيوسياسي — بديلًا استراتيجيًا في الحسابات الأمريكية.
ثالثًا: السيطرة الميدانية ودلالاتها الاستراتيجية
لا يمكن فصل التحرك الأمريكي عن المعادلة الميدانية الليبية. إذ يسيطر الجيش الليبي على نحو 80% من مساحة البلاد، وهي مناطق تحتوي على أهم الحقول النفطية والثروات المعدنية، إضافة إلى مناطق استراتيجية متاخمة لدول الساحل الإفريقي.
هذه السيطرة تعكس واقعًا أمنيًا يختلف عن حالة الانقسام السياسي، وتفتح المجال أمام فرص استثمارية وتنموية، لأن المصالح الاقتصادية — بما فيها الاستثمارات الأمريكية المحتملة — لا يمكن أن تتحقق في غياب الأمن والاستقرار. ولذلك، فإن هذه السيطرة تُمثل نقطة جذب لأي انخراط دولي يسعى لحماية المصالح الاستراتيجية في ليبيا.
رابعًا: واشنطن والمنافسة الدولية في إفريقيا
في الوقت الذي تُرسّخ فيه الصين وجودها الاقتصادي في إفريقيا، وتتابع فيه روسيا تعزيز مصالحها الاستراتيجية في عدد من الدول الإفريقية، تسعى واشنطن لإعادة التمركز في القارة، انطلاقًا من بوابة ليبيا.
فالتحرك الأمريكي يحمل طابعًا مزدوجًا: مواجهة تنامي النفوذ الروسي – الصيني، وتأمين إمدادات الطاقة، خصوصًا في حال تدهور الوضع في الخليج أو شرق المتوسط. وليبيا تُعد خيارًا مطروحًا، خاصة بعد أن أثبتت السنوات الماضية أن غياب الدور الأمريكي فتح المجال لتنافسات إقليمية ودولية معقدة.
خامسًا: آفاق التحرك الأمريكي وحدوده
ورغم هذا الاهتمام المتجدد، لا تزال السياسة الأمريكية في ليبيا تتسم بالغموض النسبي، إذ لم تُعلن الإدارة الأمريكية حتى الآن عن مبادرة واضحة أو رؤية متكاملة للحل، كما أن تعاطيها مع خريطة الطريق الأممية الحالية لا يزال ضبابيًا.
ويُثير هذا تساؤلات حول مدى استعداد واشنطن للانتقال من الدور الرمزي إلى دور فاعل في حلحلة الأزمة الليبية، خاصة في ظل الانقسام الحاد بين المؤسسات، وانتشار السلاح، وفشل المبادرات السابقة.
ليبيا بين الفرصة والتنافسإن عودة ليبيا إلى حسابات الإدارة الأمريكية تعكس تغيرًا في التقديرات الاستراتيجية، لكنها تظل مرهونة بمدى قدرة الأطراف الليبية على استثمار هذه اللحظة، والذهاب نحو توافق حقيقي يتيح بناء دولة مستقرة.
ففرص التنمية والشراكة مع القوى الكبرى قائمة، لكن تحقيقها يتطلب أولًا التأسيس لسلطة وطنية موحدة تُنهي الانقسام، وتفتح الباب أمام استثمار الموقع والثروات في مصلحة الليبيين.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.