الجزيرة:
2025-12-14@06:54:24 GMT

العالم في غياب الناتو: سيناريوهات محتملة

تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT

العالم في غياب الناتو: سيناريوهات محتملة

بدا ترامب ـ منذ عودته منتصرًا إلى البيت الأبيض ـ وكأنه معولُ الهدم التاريخي لـ"الناتو"، وتواترت تقارير من منصات إعلامية أميركية وغربية، ذات عراقة في صناعة الخبر، عن احتمال خروج الولايات المتحدة الأميركية من حلف شمال الأطلسي، أو تقليص التزاماتها تجاه المنظمة بشكل كبير.

كما أنه من المتوقع ـ حال ثبتت صحة هذه التقارير ـ أن يعيدَ الحلف تعريف هويته، بوصفه تحالفًا أمنيًا وعسكريًا أوروبيًا، منفصلًا عن هويته السابقة، التي كان عليها مع الولايات المتحدة.

والحال أن التلاسن الخشن والفظ والعلني بين ترامب الأميركي من جهة، وزيلينسكي بكل حمولته ورمزيته الأوروبية، من جهة أخرى، ليل الجمعة 30 فبراير/ شباط، وطرد الأخير من البيت الأبيض، في سلوك نادر بعيد عن العرف الدبلوماسي، لم يكن في فحواه الحقيقي، خلافًا على صفقة المعادن الأوكرانية، أو رفض النزول عند شروط بوتين بالإكراه، وإنما كان تعبيرًا، عن أزمة هي الأعمق في تاريخ الناتو منذ تأسيسه في أواخر أربعينيات القرن الماضي، حملت توماس فريدمان على ألا يخفي صدمته، وتلميحه المباشر إلى أن ترامب "يلعب دور عميل روسي على شاشة التلفزيون"!

كان المسؤولون الأوروبيون يدركون عندما انتُخِب ترامب أن المبادئ الأساسية للنظام الذي أعقب الحرب العالمية الثانية سوف تتعرض للتهديد، وقد شعروا بالفزع أثناء الحملة الانتخابية عندما قال إنه سيشجع الروس على فعل كل ما يريدونه تجاه أعضاء حلف شمال الأطلسي الذين لم يساهموا بما يكفي، في رأيه، في التحالف، لا سيما أنه ـ بعد الحرب الباردة ـ فككت أجزاءٌ كثيرة من أوروبا دباباتها، وأغلقت المصانع التي كانت تصنع الذخيرة القياسية، معتقدة أن الحرب البرية في أوروبا أصبحت الآن أمرًا لا يمكن تصوره.

إعلان

بالطبع، تمتلك بريطانيا وفرنسا قدرات نووية مستقلة، لكنها لا تشكل سوى جزءٍ ضئيلٍ من حجم الترسانات الأميركية والروسية.

وقد بدأ بعض الزعماء الأوروبيين، بمن في ذلك ماكرون، في الاعتراف بأن أوروبا استجابت ببطء شديد لتوسّلات الولايات المتحدة بأن تنفق المزيد على جيشها وإعادة تسليحه. وتعود هذه الحجج إلى ما قبل أن يتصور أي شخص أن رئيسًا أميركيًا قد يقف إلى جانب بوتين.

يقول تقرير حديث صادر عن مركز الأبحاث الأوروبي بروغل Bruegel إن أوروبا ستحتاج إلى نحو 300 ألف جندي إضافي، بتكلفة نحو 262 مليار دولار، لتحل محل الولايات المتحدة بالكامل في الأمور الدفاعية. وخلص المركز إلى أن "الأعداد صغيرة بما يكفي لكي تحل أوروبا محل الولايات المتحدة بالكامل".

وقال زيلينسكي قبل أن يتشاجر مع ترامب بأسبوع: "دعونا نكون واضحين: لا يمكننا استبعاد احتمال رفض أميركا التعاون مع أوروبا في القضايا التي تهددها. لقد تحدث العديد من القادة عن احتياج أوروبا إلى جيشها الخاص: جيش أوروبا. أعتقد حقًا أن الوقت قد حان. يجب إنشاء القوات المسلحة الأوروبية ".

ويعتقد برنار هنري ليفي، المعلق والفيلسوف الفرنسي البارز، "أن أوروبا ليس لديها خيار. لقد أخبرنا الرئيس الأميركي ووزير الدفاع ووزير الخارجية، أننا لا نستطيع الاعتماد على الولايات المتحدة إلى ما لا نهاية. يتعين علينا أن نتحد أو نموت. وإذا لم نتحرك، فسوف نتحمل – في غضون عامين أو ثلاثة أو خمسة أعوام- هجومًا روسيًا جديدًا، ولكن هذه المرة، في دولة من دول البلطيق، أو بولندا، أو في أي مكان آخر".

والحال أنه لم تكن هذه هي المرة الأولى، التي يتصدر سؤال مستقبل الناتو، عناوين ومانشيتات الصحف، وكيف يبدو العالم حال اختفائه أو بدونه، مع كل أزمة دولية أو إقليمية، يفتّ الانقسام بشأنها، عضد وحدة المنظمة الأمنية والعسكرية الأضخم في العالم. حتى بات مثل هذا السؤال، يثير سخرية البعض، ويعتبره من قبيل الإلهاء، أو يتم استدعاؤه في كل مرة، لا يجد فيه الصحفيون، أخبارًا، يسودون بها صفحات الجرائد.

إعلان

ففي 29 أغسطس/ آب 2018 كتب "مايكل روهل" في مجلة الناتو، متهكمًا من مثل هذا السؤال، وقال: "قبل خمسة عشر عامًا، عندما أدت حرب العراق إلى تقسيم حلفاء الناتو، حتى إن البعض تحدث عن نهاية الحلف الأطلسي، ظل الصحفي المخضرم جيم هوغلاند هادئًا، وقال خلال جلسة تبادل أفكار مع سفراء الناتو إن التنبؤات بشأن الزوال الوشيك لحلف شمال الأطلسي كانت موجودة منذ زمن طويل". بل إنه، بغمزة، ألقى بعض اللوم على زملائه الصحفيين: كلما مررنا بيوم إخباري بطيء في صحيفة واشنطن بوست، ننشر مقالًا بعنوان "إلى أين حلف شمال الأطلسي؟!".

وفي السياق لم يكن ترامب أول أرفع مسؤول أميركي، يهدد بـ"اختفاء الناتو" أو ابتزازه.. ففي خطاب ألقاه في بروكسل في يونيو/ تموز2011، حذر وزير الدفاع الأميركي آنذاك روبرت غيتس حلفاء واشنطن الأوروبيين من أنه إذا لم يبدؤُوا في دفع المزيد من الأموال لأمنهم، فقد يصبح حلف شمال الأطلسي يومًا ما شيئًا من الماضي.

ومع ذلك، اختفت ـ بمضي الوقت ـ التهديدات، ولغة الابتزاز.. وظل الحلفُ حاضرًا، لأن الناتو ـ كما يعتقد المنظرون الأمنيون الغربيون ـ كان الصفقة الأمنية الأهم، في تاريخ الدول الأعضاء، ولا تزال محتفظة بذات الأهمية، سواء لأوروبا القلقة من الخروج المحتمل لواشنطن من جهة، أو لأميركا المتوثبة صوب الخروج الناعم من جهة أخرى.

إذ يظل مبدأ الدفاع الجماعي ـ بحسب المادة الخامسة للمنظمة ـ يقع في قلب المعاهدة التأسيسية لحلف شمال الأطلسي. ويظل هذا المبدأ فريدًا ودائمًا يربط أعضاءه معًا، ويلزمهم بحماية بعضهم البعض، ويرسي روح التضامن داخل التحالف.

علاوة على ذلك، بالنسبة للعديد من دول منطقة ما بعد الاتحاد السوفياتي، والتي ترغب في إظهار استقلالها عن روسيا من خلال علاقاتها مع منظمة حلف شمال الأطلسي، فإن نهاية الدور الأمني ​​الأميركي في أوروبا سوف يشكل كارثة إستراتيجية. إذ إن توازن القوى الجديد في مرحلة ما بعد أميركا في أوراسيا من شأنه أن يحكم عليهم بالبقاء بشكل دائم في مجال النفوذ الروسي.

إعلان

فضلًا على ذلك فإنه ـ عاجلًا وليس آجلًا ـ سوف تفقد الولايات المتحدة ـ ومعظم حلفائها السابقين ـ قدرتهم على التعاون عسكريًا، ومن دون إجراءات ومعايير حلف شمال الأطلسي المجربة والمختبرة، فإن حتى دور الولايات المتحدة كقوة تمكينية عسكرية "القيادة من الخلف" سوف يصبح أكثر صعوبة بكثير عن ذي قبل.

وإذا نظرنا إلى المستقبل، فإن كانت الولايات المتحدة تريد الدعم الدولي في صراع مع الصين أو إيران – أو أي درجة من التماسك السياسي الدولي بشأن قضايا تتراوح من الفضاء إلى الدفاع الصاروخي إلى التوسع الروسي – فإن بناء هذا الإجماع سيكون أكثر صعوبة بكثير بدون الناتو والتحالفات المماثلة له.

ناهيك عن أن حلف شمال الأطلسي سيظل "حقيقة واقعة" يتعين على كل الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض أن تتعايش معها، وذلك بسبب التشريع الذي تم سنّه في قانون تفويض الدفاع الوطني الذي يقيد قدرة الرئيس الأميركي على الانسحاب من جانب واحد من التحالفات دون موافقة الكونغرس.

وباختصار فإن العالم بدون حلف شمال الأطلسي سيكون بمثابة "صفقة سيئة" بالنسبة للولايات المتحدة، وحلفائها، وشركائها في أوروبا وخارجها على حد تقدير مايكل روهل في مجلة الناتو ذاتها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان الولایات المتحدة حلف شمال الأطلسی من جهة

إقرأ أيضاً:

غارديان: دونالد ترامب يسعى إلى تغيير الأنظمة في أوروبا

يرى الكاتب الصحفي جوناثان فريدلاند أن الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب لم تعد مجرد شريك متردد لأوروبا، بل تحولت إلى طرف معادٍ يسعى صراحة إلى التأثير في مستقبلها السياسي.

وقال الكاتب -في عموده بصحيفة غارديان- إن الأمر وصل إلى العمل على تغيير الأنظمة داخل القارة، استنادا إلى ما ورد في إستراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة التي تقول إن "تنامي نفوذ الأحزاب الأوروبية الوطنية" مدعاة لتفاؤل كبير، وإن الولايات المتحدة ستفعل ما بوسعها لمساعدة أوروبا على "تصحيح مسارها الحالي".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2واشنطن بوست: "الدعم السريع" تحتجز آلاف الرهائن وتقتل مَن لا يدفع فديةlist 2 of 2نيوزويك: 3 مؤشرات على حرب وشيكة بين الولايات المتحدة وفنزويلاend of list

وقد وجهت إستراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة انتقادات حادة إلى أوروبا، واعتبرتها مهددة بالاندثار الحضاري بسبب الهجرة وتراجع المواليد وما تصفه بقمع حرية التعبير.

ترامب وقادة أوروبيون والأمين العام لحلف الناتو مارك روته يحضرون اجتماعا في البيت الأبيض (الأناضول)

وأكد الكاتب أن هذا الخطاب الذي يعكس رؤية ثقافية وعنصرية ترى أن أوروبا تفقد هويتها البيضاء والمسيحية لا يقتصر على لغة أيديولوجية أو مزايدات إعلامية، بل يمثل خطة سياسية واضحة تعلن واشنطن بموجبها نيتها دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة واليمين المتشدد في دول أوروبية كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، والعمل على إضعاف الاتحاد الأوروبي.

ويربط فريدلاند هذا التوجه بالمصالح الروسية، معتبرا أن تقويض الاتحاد الأوروبي هدف إستراتيجي قديم بالنسبة لموسكو، وهو ما يفسر الترحيب الروسي بالسياسة الأميركية الجديدة، في تقاطع غير مسبوق بين موقفي واشنطن والكرملين.

لحظة مفصلية

ويتناول المقال أسباب العداء الأميركي للاتحاد الأوروبي، مرجحا أن جزءا منه يعود إلى قدرة الاتحاد على فرض قيود وتنظيمات تحد من نفوذ شركات أميركية وشخصيات نافذة مثل إيلون ماسك، إضافة إلى رغبة ترامب في التعامل مع دول أوروبية متفرقة يسهل الضغط عليها بدل تكتل قوي موحد.

إعلان

وبغض النظر عن الدوافع يؤكد الكاتب أن الولايات المتحدة باتت ترى الاتحاد الأوروبي خصما لا حليفا، وهو واقع لم يعد قابلا للإنكار، وبالفعل حاول المدافعون عن ترامب القول إن الإدارة لا تعادي أوروبا بحد ذاتها، بل الاتحاد الأوروبي تحديدا.

أوروبا تواجه لحظة مفصلية تتطلب شجاعة سياسية للاعتراف بأن التحالف الأطلسي يمر بأزمة عميقة، وأن الاعتماد التقليدي على الولايات المتحدة لم يعد مضمونا

وعلى الصعيد الأمني، ينتقد فريدلاند الموقف الأميركي من الحرب في أوكرانيا، معتبرا أن واشنطن تمارس ضغوطا على كييف للقبول بشروط تصب في مصلحة روسيا، في وقت يتجاهل فيه قادة أوروبيون -بمن فيهم الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته– حقيقة أن أقوى دولة في الحلف باتت أقرب إلى موسكو منها إلى حلفائها التقليديين.

من جهة أخرى، يسلط الكاتب الضوء على التناقض في الموقف البريطاني، حيث يعلن رئيس الوزراء كير ستارمر دعمه لأوكرانيا، لكنه يواصل إعطاء الأولوية للعلاقة مع واشنطن على حساب التعاون الأوروبي، سواء في ملفات الدفاع أو التجارة.

ويخلص المقال إلى أن أوروبا تواجه لحظة مفصلية تتطلب شجاعة سياسية للاعتراف بأن التحالف الأطلسي يمر بأزمة عميقة، وأن الاعتماد التقليدي على الولايات المتحدة لم يعد مضمونا.

وفي ظل هذا الواقع، يدعو الكاتب القادة الأوروبيين إلى مواجهة الحقيقة وبناء موقف أوروبي أكثر استقلالية وتماسكا بدل التمسك بعلاقات لم تعد متبادلة ولا قائمة على الثقة القديمة.

مقالات مشابهة

  • أرحلوا حالًا… الولايات المتحدة تنهي الوضع القانوني المؤقت للإثيوبيين
  • دونالد ترامب يسعى لتغيير أنظمة الحكم في أوروبا
  • اتفاق تاريخي بين الولايات المتحدة والمكسيك لتقاسم المياه بعد تهديد ترامب
  • غارديان: دونالد ترامب يسعى إلى تغيير الأنظمة في أوروبا
  • أرحلوا حالًا... الولايات المتحدة تنهي الوضع القانوني المؤقت للإثيوبيين
  • صدع يضرب ضفتي الأطلسي| ترامب يهدد بالتصعيد ضد أوروبا.. وقادة القارة العجوز يتعهدون بالاستقلال عن واشنطن
  • مادورو يتهم الولايات المتحدة بـالقرصنة.. وترامب يعلن قرب بدء مكافحة تهريب المخدرات برًا
  • الولايات المتحدة تعتزم تفتيش حسابات التواصل الاجتماعي للراغبين بدخولها
  • ترامب يتباهى: أحرر المعتقلين في تركيا بمكالمة مع أردوغان!
  • المستشار الألماني: أوكرانيا سلمت الولايات المتحدة مقترحًا لخطة السلام