يمثل شهر رمضان المبارك فرصة ثمينة لتجديد الروح وتهذيب النفس، حيث يُعد شهرًا للتغيير الإيجابي يعزز من الشعور بالسكينة والطمأنينة، فالصيام في هذا الشهر لا يقتصر فقط على الامتناع عن الطعام والشراب، بل يُعد تمرينًا روحيًا ونفسيًا ينمي القدرة على ضبط النفس والتحكم في الانفعالات، ويخفف من حدة القلق والتوتر.

ومع ذلك، قد يواجه بعض الصائمين تحديات نفسية، مثل الإرهاق والتعب النفسي وتقلبات المزاج.

وفي هذا الصدد، يؤكد الدكتور سليمان بن خليفة المعمري أخصائي الإرشاد في مركز حياة للاستشارات النفسية والأسرية، أن هناك علاقة مباشرة بين الامتناع عن الطعام والحالة المزاجية.

ويُضيف: إن الصحة النفسية والجسدية تعتمد على توازن "المثلث الذهبي" المتمثل في النوم، والغذاء، والحركة.

لذا، قد يؤثر الصيام على المزاج ويسبب بعض المشاكل مثل الصداع والقلق في الأيام الأولى من رمضان، ولكنه يشير إلى أن الإنسان يمتلك القدرة على التكيف والمرونة النفسية لضبط نفسه، ويؤكد أن الصيام، خصوصًا عندما يُؤدى بهدف التقرب إلى الله، يخلق تأثيرًا إيجابيًا على المزاج والحالة النفسية.

الإيجابيات النفسية

يشير الدكتور المعمري إلى العديد من الفوائد النفسية التي يمكن أن يجنيها الصائم خلال الشهر الفضيل. ففي رمضان، يعيش الإنسان أجواء من النفحات الربانية، إذ تزداد قربته من الله سبحانه وتعالى، ما يعزز الشعور بالسكينة والطمأنينة.

كما يُعد رمضان فرصة لترويض النفس وتهذيبها، حيث يتخلى المسلم عن طعامه وشرابه وعاداته اليومية. ومن الفوائد الأخرى التي ينالها الصائم أيضًا التصالح مع الذات والتوبة من المعاصي، ما يعزز شعور الشخص بالسلام الداخلي ويجعله يتقبل نفسه بشكل أفضل. كما يعزز رمضان من القيم النفسية مثل العفو والتسامح، ويقلل من مشاعر الغضب والجدال والعصبية، مما يساعد في التعافي النفسي والتخلص من العادات السلبية مثل الغل والحقد والحسد والغيبة والنميمة.

التحكم في الانفعالات

وأوضح الدكتور المعمري، أن الصيام يلعب دورًا مهمًا في تحسين قدرة الإنسان على التحكم في انفعالاته. فالصيام الحقيقي هو الذي يساعد الشخص على ضبط نفسه وانفعالاته، استنادًا إلى الحديث الشريف "الصيام جُنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يصخَب، فإن سابّه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم". هذا الحديث يعكس كيف يُمكن للصائم أن يتسامى عن الرد على المسيء ويعفو عن المخطئ، مما يعزز القدرة على التحكم بالمشاعر والانفعالات. وبهذا، يصبح شهر رمضان مدرسة لتعلم ضبط النفس والمشاعر.

وفيما يخص تعزيز الصلة الروحية، أشار المعمري إلى أن الدراسات الباراسيكولوجية تؤكد أن الدعم الروحي من خلال الاتصال بالمقدسات يعزز الصحة النفسية. فشهر رمضان يعزز من الروابط الروحية بين العبد وربه من خلال أداء الشعائر التعبدية كالصلاة وقراءة القرآن والذكر والصدقات، ما يقوي الإيمان ويعزز التواصل الروحي مع الله.

التحديات النفسية

من جهة أخرى، تناول المعمري التحديات النفسية التي قد يواجهها الصائم خلال شهر رمضان، موضحًا أن التغييرات في الروتين اليومي، مثل مواعيد الطعام والنوم ووسائل الترفيه، قد تسبب صعوبات نفسية لبعض الأفراد. كما أن الأشخاص الذين يتناولون أدوية علاجية للاكتئاب قد ينسون تناولها في أوقات محددة بسبب الصيام. وأيضًا، يعاني البعض من تقلبات المزاج نتيجة للإدمان على بعض العادات مثل شرب الشاي والقهوة أو التدخين. إلا أن هذه التحديات، وفقًا للمعمري، يمكن التغلب عليها بالإرادة والعزيمة، والدعم الاجتماعي من الأهل، واستشارة المختصين.

كما أضاف المعمري: إن الدراسات تشير إلى تأثير إيجابي للصيام على العديد من الاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب، حيث إن الروحانيات والاتصال بالله يساهمان في تهدئة النفس. لكنه نوه إلى أن بعض الحالات مثل اضطرابات الوسواس القهري الديني قد تتأثر سلبًا، مما يستدعي استشارة مختصين نفسيين.

تنظيم الوقت

وشدد المعمري، على أهمية تنظيم الحياة اليومية خلال شهر رمضان، وأوصى بضرورة الالتزام بمواعيد منتظمة للنوم والأكل. كما أكد على ضرورة تفادي السهر، والحصول على قسط كافٍ من النوم ليلاً، مع أخذ قسط من الراحة أثناء النهار. كما يمكن للصائم الاستفادة من تقنيات التأمل والاسترخاء لتعزيز صحته النفسية، مشيرًا إلى أن الصلاة في خشوع تساعد في تحسين اليقظة الذهنية، وأن الأوقات التي تسبق الإفطار أو السحر تعد فرصًا مثالية للتأمل والاسترخاء عبر ترديد الأذكار والأدعية.

وختم المعمري حديثه بتأكيد أن رمضان ليس فقط شهرًا للعبادة، بل هو فرصة للتأمل في النفس وتطوير الوعي الذاتي، وهو فرصة لتزكية الروح وتهذيب النفس للوصول إلى أفضل حالتها النفسية والروحية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: شهر رمضان إلى أن

إقرأ أيضاً:

ارتفاع حالات الاضطرابات النفسية بين الجنود الإسرائيليين

أفادت نائبة رئيس قسم إعادة التأهيل في وزارة الدفاع الإسرائيلية، تمار شمعوني، بزيادة كبيرة في عدد الجنود الذين يعانون من اضطرابات نفسية منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وذكرت شمعوني لإذاعة الجيش الإسرائيلي، الأحد، أن الوزارة عالجت منذ السابع من أكتوبر نحو 62 ألف حالة نفسية، ليصل العدد اليوم إلى حوالي 85 ألف حالة، ووصفت هذه الزيادة بأنها “غير مسبوقة”. وأوضحت أن ثلث الجنود يواجهون مشاكل نفسية مباشرة بعد أحداث 7 أكتوبر.

وأشارت شمعوني إلى صعوبة تقديم العلاج للجميع بالسرعة المطلوبة، حيث يتعامل المعالج النفسي الواحد مع ما يصل إلى 750 جنديًا، وفي بعض المناطق أكثر من ذلك.

وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” قد حذرت في نوفمبر/تشرين الثاني من “أزمة نفسية واسعة” في إسرائيل، مشيرة إلى تزايد حالات الإدمان على المخدرات ووجود ما يقارب مليوني شخص بحاجة لدعم نفسي، بينهم عدد كبير من الجنود.

وفي سياق متصل، رُصد ارتفاع في حالات الانتحار بين صفوف الجيش، حيث انتحر الجندي نهوراي رافائيل بارزاني نتيجة اضطراب ما بعد الصدمة جراء مشاركته في القتال، إضافة إلى انتحار ضابط الاحتياط توماس إدزغوسكس (28 عامًا) من لواء “غفعاتي” بعد صراع نفسي، وفق الإعلام العبري.

وبحسب معطيات رسمية إسرائيلية نُشرت في أكتوبر الماضي، سجّل الجيش 279 محاولة انتحار خلال 18 شهرًا، بينها 36 حالة وفاة.

وتستمر الخروقات لوقف إطلاق النار الذي أعلن في 10 أكتوبر، حيث أعلنت وزارة الصحة في غزة السبت عن مقتل 367 فلسطينيًا وإصابة 953 آخرين، إضافة إلى استمرار نقص الغذاء والدواء في القطاع الذي يضم نحو 2.4 مليون نسمة.

 

المصدر: الوكالات

كلمات دالة:غزةإسرائيلاضطرابات نفسية

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

إسراء عبد السلام

صحفية حاصلة على درجة الماجستير في الصحافة والإعلام الرقمي، تعمل في مجال الصحافة باللغتين العربية والإنجليزية، ولها خبرة دولية في إعداد التقارير والمحتوى الإعلامي وتقديم تغطيات إخبارية متنوعة.

الأحدثترند ارتفاع حالات الاضطرابات النفسية بين الجنود الإسرائيليين الكويت تسحب جنسيتها من الداعية طارق السويدان قبل مواجهة ريال مدريد..مدرب سيلتا فيغو يدافع عن ألونسو: سيكون مدرباً مذهلاً أردوغان يغيّر مجرى علاقة نجم تركي شهير.. نصيحة تؤجل طلاقه عام كامل ثورة في خطة برشلونة..فليك يقدم للعالم لامين يامال صانع الألعاب Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا فريقنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اقرأ ايضاًالبرهان وحميدتي يوافقان على اجراء محادثات في السعودية

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • أمطار وغبار وصقيع.. كيف ينعكس الطقس على المزاج والصحة النفسية؟
  • الركُون
  • الأمراض النفسية ... أزمة صامتة تهدد العالم
  • إصدار توثيقي جديد يستعرض حياة وآثار الشيخ نبهان بن سيف المعمري
  • كيف يؤثر العمل من المنزل على الصحة النفسية؟
  • أحكام وتحذيرات.. الذكاء الاصطناعي بين الإباحة والتحكم الشرعي
  • الأوروبيون يعانون الاحتراق الوظيفي: كيف نعزز الصحة النفسية في العمل؟
  • ماليزيا تدعو تايلاند وكمبوديا إلى ضبط النفس
  • "حد أقصى".. انطلاق تصوير مسلسل روجينا لـ رمضان 2026 من إخراج ابنتها
  • ارتفاع حالات الاضطرابات النفسية بين الجنود الإسرائيليين