صحيفة الاتحاد:
2025-07-13@04:50:46 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: ثمن الكلام

تاريخ النشر: 15th, March 2025 GMT

 الكلام سعادة روحية أو شقاء روحي، فالكلمة في العلاقات العامة هي التي تدير معاني التفاعل البشري، وأصبحت الكلمة في زمن التواصل الاجتماعي ذات قدرات عالية في تمثيل القيم والمعاني البشرية، حيث اكتسبت الكلمة قوةً لم تكن لها من قبل من حيث سعة الانتشار وعبورها حدود المكان والزمان، وكل كلمة تقال في وسائل التواصل ستجد لها آذاناً سامعةً وعيوناً قارئةً في أي توقيت ظهرت، ومن أي مكان انطلقت وبسرعة هائلة وتفاعلية غير محددة، ولا أحد يسيطر عليها، وتنوعت الاستقبالات بين فهمٍ وسوء فهم وقبول وسخط، ولن يسيطر صاحب الكلمة على مصير كلمته ولا تأويلها أو فهمها.

ومن ثم فكل كلمةٍ لها سعرٌ. 
 وحدث مرةً لإعلامية بريطانية أن سافرت من لندن إلى جنوب أفريقيا، وحين حطت رحلتها في جوهانسبرغ اكتشفت أن مؤسستها التي تعمل فيها قد فصلتها عن العمل، وأصبح وجودها في جوهانسبرغ غير رسمي ولم تغطِ مؤسستها تكاليف وجودها هناك، وكان السبب هو تغريدةٌ أطلقتها قبل أن تغلق هاتفها وهي تستقل الطائرة، وكانت التغريدة تسيء للدولة التي ذهبت إليها، ولم تتحمل جريدتها تلك التغريدة فأعلنت فصلها، وهذا يحيلنا للكلمة التي قيلت لطرفة بن العبد ويل لهذا من هذا وأشاروا إلى لسانه ورأسه وانتهى به الأمر أن قتل بسبب قصيدة له، وهنا طار رأسه بسبب لسانه كما طارت وظيفة الإعلامية البريطانية بسبب تغريدة، مما يعيد صياغة المقولة إلى (ويلٌ لرأسك من أصبعك)، وهو الإصبع الذي يسمى في العربية بالسبابة فأصبحت أيضاً القاتلة، وسنظل نعود للمتنبي الذي أسعفته كلماته مراراً ولكنها قتلته أخيراً، وهو الذي قال: 
    لا خيل عندك تهديها ولا مال 
                   فليسعد النطقُ إن تسعد الحال
وقد عاش ما عاشه من عمرٍ وهو يستعين بنطقه ليبني نفسه ومجده، إلى أوقعه النطق بالمآسي فخسر صحبة سيف الدولة وفر من وجه كافور وانتهى على يد فاتك الأسدي، الذي هو لصٌّ وقاطع طريق وليس له موقعٌ في التاريخ غير أنه قاتلُ أهم شعراء العرب، وفي النهاية نشير إلى الحديث الشريف (وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم) وتظل اللغة أخطر النعم، وهذا ثمن اللغة وسعرها الباهظ.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة  الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: الفكر تحت سلطة الحرف د. عبدالله الغذامي يكتب: لسان الثقافة

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

بلال قنديل يكتب: كأن لم يكن

يمضي الإنسان في حياته وسط الزحام، بين الناس والأماكن والأحلام، يعيش تفاصيل كثيرة، يمر بمواقف لا تُنسى، يقابل أشخاصا يشاركونه الضحك والحزن، النجاح والفشل، الحب والخذلان. أصدقاء كانوا أقرب من النفس، أهل كنا نظن أنهم لن يغيبوا أبدا، مواقف كنا نعتقد أنها خالدة، أياما ضحكنا فيها حتى دمعت عيوننا، ليالٍ بكينا فيها ونمنا في أحضان من نحب. ثم فجأة، كأن لم يكن.

كم من أشخاص كانوا معنا في كل لحظة، نأكل معهم، نسافر، نخطط للمستقبل، نشاركهم أسرارنا، نثق فيهم ثقة عمياء، ثم حدث شيء ما، خلاف بسيط، مسافة زادت، حياة فرقت، اختيارات اختلفت، أو قدر قرر أن يسحبهم من حياتنا دون إنذار. 

في لحظة، يختفون، لا رسائل، لا مكالمات، لا لقاءات، فقط غياب، وسكون، وصور باهتة في الذاكرة، كأن لم يكن.

الحياة لا تتوقف، ونحن لا نملك رفاهية التوقف عند كل من غادر. نكمل، نبتسم، نضحك، لكن في القلب فراغ لا يُملأ، ومساحات من الحنين لا تجد عنوانا. نتذكر ضحكاتهم، كلماتهم، تفاصيلهم الصغيرة، ثم نصمت، لأن ما كان، لم يعد له وجود، كأن لم يكن.

ومن جهة أخرى، تمضي حياة الإنسان ككل بنفس الطريقة، يركض خلف أحلامه، يتعب، يجاهد، ينجح، يفشل، يفرح، يحزن، يصنع تاريخا خاصا به، يحاول ترك أثر، يظن أن الزمن سيتوقف له، ثم تأتي النهاية. يتوقف كل شيء، ويصمت كل شيء، وتنطفئ الأضواء، وتُغلق الصفحة، كأن لم يكن.

تلك الحقيقة القاسية تعلمنا الكثير، أن لا نتمسك بالأشياء الزائلة، أن لا نؤجل الحب، ولا نكتم الكلمة الطيبة، أن نتصالح، ونسامح، ونعبر عن مشاعرنا دون خوف. لأن اللحظة القادمة لا نعلم إن كانت ستأتي، ومن نراه أمامنا الآن، قد يكون غدا مجرد ذكرى، أو لا شيء، كأن لم يكن.

ولذلك، علينا أن نعيش كل لحظة بصدق، أن نعطي من نحبهم ما يستحقون، أن لا نتورط في كراهية، ولا نضيع أعمارنا في خلافات تافهة. فالرحيل قادم، سواء رحيل الأشخاص من حياتنا، أو رحيلنا نحن عن الدنيا كلها، والمهم في النهاية ليس من بقى ومن رحل، بل من بقي له في القلوب أثر، ومن ترك شيئا جميلا يُذكر، فلا يُقال عنه كأن لم يكن.

طباعة شارك الفرح الحزن الفشل

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: إفتقادنا للهوية المصرية!!
  • بلال قنديل يكتب: كأن لم يكن
  • هل يجوز إنهاء مصليا عن الكلام أثناء خطبة الجمعة؟ .. الأزهر للفتوى يجيب
  • غاري لينيكر هدّاف إنجلترا الذي تعرّض للاضطهاد بسبب منشور مؤيد لفلسطين
  • بالفيديو.. الكشف عن تفاصيل جديدة في جريمة السوداني الذي قتل طليقته الطبيبة وأفراد أسرتها بالسعودية.. قتل زوجته السابقة دفاعاً عن نفسه ووالدتها توفيت نتيجة “كومة سكري” والطفلة ماتت بسبب ضربة طائشة
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: هل التجارب غريزة بشرية؟
  • عبدالله عطيف ينفي اعتزاله كرة القدم: «الحساب كان متهكر»
  • ما الذي يحرك الطلب على المشاريع العقارية التي تحمل توقيع المشاهير؟
  • هل يجوز إنهاء المصلي عن الكلام أثناء خطبة الجمعة؟..الأزهر يجيب
  • د.حماد عبدالله يكتب: ما لنا وما علينا !!