الخطة الإيرانية الثلاثية تجاه سوريا الجديدة
تاريخ النشر: 16th, March 2025 GMT
كان السقوط السريع، وغير المتوقّع لبشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 تطورًا جيوسياسيًا خطيرًا فاجأ حتى أكثر الخبراء السوريين خبرة. وأدى هذا السقوط إلى إثارة نقاشات حول طبيعة العلاقة التي ستقيمها إيران مع سوريا في المستقبل.
تسبّب سقوط الأسد في أضرار جسيمة لعقيدة الدفاع المتقدم للسياسة الخارجية الإيرانية، والتي تسمّيها طهران "محور المقاومة".
حيث صرّح وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، مباشرة بعد 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بأن التصريحات القادمة من إيران تهدف إلى "التدخل في الشؤون الداخلية السورية وتحريض الشعب السوري".
وفي حين أدلى آية الله خامنئي وقادة الحرس الثوري بتصريحات تزعج القيادة الجديدة في دمشق، فقد بعث وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ووزارة الخارجية الإيرانية برسائل أكثر دفئًا إلى الحكومة السورية الجديدة.
وأظهرت تلك التصريحات المتباينة أن طهران لم تتخذ بعد قرارًا واضحًا بشأن كيفية التعامل مع سوريا الجديدة، وأنها تمر بحالة من الارتباك الشديد وخيبة الأمل العميقة.
إعلانمن جانبها، أقامت روسيا بسرعة اتصالات مع أحمد الشرع، الذي تولى قيادة سوريا بعد انهيار نظام البعث، وأرسلت وفدًا روسيًا رفيع المستوى إلى دمشق للقاء رئيس الجمهورية السورية.
ولكن، يبدو أن إقامة اتصالات بين إيران والنظام السوري الجديد لن تكون سهلة كما هو الحال بالنسبة لموسكو، التي كانت، إلى جانب طهران، الداعم الرئيسي لنظام بشار الأسد.
أول خطوة لإيرانأظهرت إيران رغبتها في إقامة علاقات مع الحكومة السورية الجديدة من خلال تعيين الدبلوماسي الإيراني المخضرم محمد رضا رؤوف شيباني ممثلًا خاصًا في سوريا، وذلك بعد شهر واحد من مغادرة بشار الأسد دمشق. ويُعد شيباني، أحد أكثر الدبلوماسيين الإيرانيين دراية بالمنطقة.
بدأ شيباني عمله سفيرًا لإيران في لبنان عام 2005، وكان يشغل هذا المنصب خلال حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل. ثم عُين سفيرًا في سوريا عام 2011، حيث خدم في دمشق خلال أكثر سنوات الحرب الأهلية السورية شراسة.
بالإضافة إلى ذلك، شغل منصب سفير إيران في كل من تونس، وليبيا، كما تولى منصب مساعد وزير الخارجية المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط. وقبل تعيينه ممثلًا خاصًا لسوريا، كان يعمل ممثلًا خاصًا لعراقجي لشؤون غرب آسيا. هذه السيرة الذاتية المختصرة تقدم دليلًا واضحًا على اهتمام طهران بتطوير العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة.
الخطة الإيرانية الثلاثية لسوريايمكن القول إن إيران لا تتعجل في اتخاذ خطوة رسمية لإقامة علاقات دبلوماسية مع دمشق. ففي المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا، ستراقب إيران التطورات من كثب، وستتفاوض مع دول لها علاقات جيدة مع الحكومة السورية الجديدة، مثل تركيا، وقطر، لتحديد كيفية التعامل مع دمشق. وتشمل السياسة الإيرانية الثلاثية تجاه سوريا المراحل التالية:
المرحلة الأولى: المراقبة والمفاوضاتفي هذه المرحلة، تتابع إيران التطورات في سوريا وتجري مشاورات مع الدول المؤثرة. وفي هذا السياق، التقى محمد رضا رؤوف شيباني، في موسكو، مع الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونائب وزير الخارجية الروسي لمناقشة المستجدات في سوريا.
إعلانكذلك، سيبقى شيباني على اتصال وثيق مع وزارتَي الخارجية التركية، والقطرية لمناقشة التطورات السورية.
المرحلة الثانية: الاتصالات غير المباشرةبعد انتهاء مرحلة المراقبة والمفاوضات، ستنتقل إيران إلى مرحلة الاتصالات غير المباشرة مع دمشق عبر وسطاء. هناك دولتان مرشحتان للعب دور الوسيط بين إيران، وسوريا، وهما قطر، وتركيا.
قد تختار إيران وسوريا إحدى هاتين الدولتين، أو ربما تستخدم كلتيهما في قضايا مختلفة لضمان التواصل غير المباشر بينهما.
نجاح هذه المرحلة سيكون مفتاحًا للانتقال إلى المرحلة الثالثة، حيث ستُبحث قضايا رئيسية مثل تحصيل إيران ديونَها على سوريا، ومراجعة الاتفاقيات الاقتصادية والثنائية التي وقعت خلال فترة حكم بشار الأسد لتحديد أيّ منها سيستمر وأيّ منها سيُلغى.
المرحلة الثالثة: اللقاءات الدبلوماسية المباشرةفي هذه المرحلة، سيُعقد اجتماع بين وزيرَي الخارجية الإيراني، والسوري في دولة ثالثة، مما سيمهّد الطريق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية تدريجيًا، بدءًا من تعيين قائم بالأعمال كخطوة أولى.
ومع ذلك، فإن العوامل التي قد تؤدي إلى بطء هذا المسار، هي: الأحداث التي شهدتها سوريا بين عامي 2011 و2024، والمرحلة الانتقالية التي تعيشها سوريا، والصعوبات التي تواجهها الحكومة الجديدة، والتحديات التي تواجه إيران نفسها، سواء داخليًا أو خارجيًا.
كل هذه العوامل قد تؤدي إلى تقدم هذه العملية ببطء، لكن من الواضح أن إيران تسعى إلى استعادة نفوذها في سوريا وفقًا لخطة تدريجية ومدروسة.
الموقف السوريلم يغلق الرئيس السوري أحمد الشرع، ووزير الخارجية أسعد الشيباني الباب أمام إيران فيما يتعلق بإعادة العلاقات بين البلدين. فقد قال وزير الخارجية: "نهدف إلى إعادة بناء العلاقات مع كل من روسيا وإيران، وقد تلقينا رسائل إيجابية بهذا الشأن".
أما الرئيس السوري أحمد الشرع، فقد أدلى بأول تصريح بشأن إيران بعد ثلاثة أسابيع من سقوط نظام بشار الأسد، قائلًا: "نريد إقامة علاقات متوازنة مع الجميع. وعلى الرغم من الجراح التي تسببوا بها، فقد قمنا بواجبنا تجاه السفارة الإيرانية في سوريا. كنا نتوقع تصريحات إيجابية من إيران، وكان ينبغي عليها أن تقف إلى جانب الشعب السوري".
إعلانوهكذا لم يستبعد الرجلان إعادة العلاقات مع إيران، إلا أنهما شددا بشكل خاص على أهمية "العلاقات المتوازنة"، وأخذ رغبات الشعب السوري بعين الاعتبار.
الغضب الشعبي تجاه إيرانخلال زيارتي إلى دمشق بعد أسبوعين من سقوط نظام الأسد، التقيت بشخصيات سورية مختلفة، من مسؤولين إلى مواطنين عاديين، وناقشنا مستقبل سوريا.
كشفت هذه اللقاءات، أن السوريين يحملون غضبًا أكبر تجاه إيران مقارنة بروسيا. وبالتالي، فإن تهدئة هذا الغضب الشعبي والحصول على قبول للعلاقات الدبلوماسية مع إيران قد يستغرق وقتًا طويلًا.
في هذا السياق، قال الصحفي السوري حمزة خضر إن الحكومة السورية الجديدة لديها تحفظات بشأن إقامة علاقات مع إيران، رادًا السبب إلى دعم إيران المطلق لبشار الأسد، وسعيها لنشر مشاريعها الخاصة داخل سوريا. وأشار إلى أن إيران كانت تسعى لتحويل سوريا إلى مدينة أو ولاية تابعة لها، مما يجعل دعمها للأسد مختلفًا عن الدعم الذي قدمته روسيا.
وأضاف أن هذا لا يعني انعدام أي علاقات بين سوريا وإيران، لكنه يعتقد أن العلاقات بين البلدين ستكون مماثلة لعلاقات إيران مع تركيا ودول الخليج، أي محدودة وغير إستراتيجية كما كانت في عهد الأسد.
مستقبل العلاقات بين البلدينمن جانبه، يرى رئيس مركز الدراسات الإيرانية الدكتور سرحان أفاجان أن إقامة علاقة بين إيران وسوريا ستكون أمرًا صعبًا، إذ تبدي الحكومة السورية الجديدة تحفظًا تجاه إيران.
وأشار إلى أن إيران لن تتعجل في بناء علاقات مع الحكومة الجديدة في دمشق، بل ستأخذ وقتها في متابعة التطورات قبل اتخاذ أي خطوات.
أما الصحفي السوري خالد عبده، فهو أيضًا يعتقد أن العلاقات بين إيران وسوريا لن تتشكل في المستقبل القريب. قائلًا إن "العداوة أو الصداقة بين الدول ليست دائمة، لكن في الوقت الحالي لا يمكن أن تعود العلاقات إلى طبيعتها كما كانت في عهد الأسد". وأضاف أن العلاقات قد تبدأ بشكل محدود عبر الوسطاء أو الأجهزة الاستخباراتية، لكن لا مجال لعودة العلاقة الوثيقة التي كانت قائمة في السابق.
إعلانوأكد عبده أن "أي محاولة لإعادة العلاقات مع إيران بدون موافقة الشعب السوري ستكون مستحيلة"، مشيرًا إلى أن "الشعب السوري لا يزال يعاني من جراحه، وأن غضبه تجاه إيران لم يهدأ بعد، مما يجعل أي تقارب في المستقبل القريب غير مرجّح".
وإجمالًا، يمكننا القول إن الحكومة السورية الجديدة لا تضع إعادة العلاقات مع إيران ضمن أولوياتها، حيث تركّز على إدارة المرحلة الانتقالية بشكل سلس، وإعادة إعمار البلاد، وضمان تحقيق الأمن بشكل كامل، ورفع العقوبات الدولية.
أما إيران، فواضح أنها اتخذت قرارًا بعدم التسرع، بل ستراقب التطورات في سوريا من كثب قبل أن تقرر كيفية التعامل مع الحكومة الجديدة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الحکومة السوریة الجدیدة علاقات مع إیران وزیر الخارجیة الشعب السوری العلاقات بین إقامة علاقات العلاقات مع تجاه إیران بشار الأسد علاقات بین مع الحکومة بین إیران فی سوریا أن إیران فی دمشق
إقرأ أيضاً:
كيف ستدير سوريا علاقتها بإسرائيل في هذه المرحلة؟
لم يعُدْ سرًا وجود مفاوضات بين سوريا وإسرائيل في بعض العواصم، بيد أن السؤال عما إذا كانت هذه المفاوضات مقتصرة على ترتيبات أمنية بخصوص التطورات التي جرت بعد الحرب على وقع احتلال إسرائيل شريطًا حدوديًا واسعًا في جنوب سوريا، أم هي مقدمة لاتفاق سلام شامل، في ظل تحرك أميركي يهدف إلى إعادة هندسة المنطقة عبر إطفاء بؤر التوتر، بما يسمح لواشنطن بإعادة تشكيل الواقع الإقليمي، بما يتطابق ورؤيتها لدورها العالمي في المرحلة المقبلة؟
السياق والتوقيتالمفاوضات بين دمشق وتل أبيب، أو ما يصح تسميته بـ" مبادرة التهدئة"، تأتي كجزء من سياق أوسع لانعطافة إستراتيجية أميركية، وغربية بالتبعية، للحفاظ على دور فاعل في ضبط مفاعيل المشهد الدولي، والتأثير في توجهاته المستقبلية، في ظل بروز اللاعب الصيني بقوّة الذي بات يتمدد على جميع المفاصل الجيوسياسية الدولية ناثرًا مشاريعه الواعدة في كل ركن، منذرًا بإزاحة الغرب من موقع الريادة في قيادة النظام الدولي.
وقد أثبتت التطورات أن الساحة الشرق أوسطية تنطوي على مصالح أميركية، توازي، إن لم تتفوّق على مصالح واشنطن في جنوب شرق آسيا، التي رصدت لها موارد ضخمة. وفي ظل تقدير أميركي بأن مواجهة الخطر الصيني لا تتم بترك فراغات كبيرة له ليتمدد بها، مقابل حصاره في بحر الصين، وصحارى الشرق الأوسط وبحاره وممراته المائية، كعناصر مهمة في هذه اللعبة الجيوسياسية التي يتسع نطاقها ليشمل العالم برمته.
إعلانوتبعًا لذلك، وفي ضوء توازن القوى العالمي الجديد، بعد أن قلصت التكنولوجيا الصينية الفوارق بدرجة كبيرة، تجد إدارة ترامب نفسها مضطرة للبحث عن آليات جديدة لضمان استمرار التفوق، وهذا ما أكدته زيارة ترامب لدول الخليج العربي، وإيجابية مواقفه تجاه مطالبها، حيث شكّل دعم سوريا محورها الأساسي.
ورشة مفاوضاتثمّة ما يمكن وصفه بـ "ورشة مفاوضات" انطلقت فعالياتها في أكثر من عاصمة إقليمية ودولية: أبو ظبي، وباكو، وتل أبيب، وربما أماكن أخرى. ما يجري حتى اللحظة يبدو أنه اختبار أو مرحلة تعارف بين المفاوضين، وتقديم كل طرف أطروحاته، والتي غالبًا ما تكون بسقف مرتفع، يجري بعد ذلك تشذيبها للتوافق مع المنطق والواقع. لم يرشح أي شيء عما يدور في كواليس هذه المفاوضات، لكن هناك مؤشرات عديدة على انطلاقها، من ضمنها توقف القصف الإسرائيلي والانفتاح الأميركي المتسارع على دمشق، كذلك تغير الخطاب السياسي تجاه الإدارة السورية الجديدة في كل من تل أبيب، وواشنطن.
لا يعني ذلك أن الأمور تسير بسلاسة وأننا بتنا على بعد أمتار قليلة من التوصل إلى تفاهمات صلبة، بقدر ما يعني تهيئة بيئة مناسبة للمفاوضات، تبدأ بالتهدئة الميدانية ووقف الهجوم الإعلامي الإسرائيلي ضد السلطة السورية الجديدة، وهو شهد بالفعل تحولًا، من خطاب يدعو لعدم الثقة بهذه السلطة إلى خطاب يؤكد على عدم الرغبة بالتدخل بالشأن السوري، وفق وزير خارجية إسرائيل جدعون ساعر.
من الطبيعي أن يتم التركيز في هذه المرحلة على الملفات الأمنية، وأن يقود المفاوضات المختصون بالمسائل الأمنية، على ذلك تأخذ المفاوضات طابعًا تقنيًا بحتًا، بعيدًا عن الأيديولوجيا والمواقف السياسية والحساسيات المختلفة، ولا سيما أن بين البلدين تاريخًا متواصلًا من الترتيبات الأمنية كان يجري تحديثها بعد كل تطور، وآخر الإجراءات كانت المنطقة العازلة التي أعقبت حرب أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، والتزم بها الطرفان حتى سقوط نظام الأسد.
إعلان حاجة دمشق للسلاممنذ وصول الإدارة الجديدة للسلطة في دمشق أعلنت بشكل غير موارب، أن الاستقرار والسلام يقفان على رأس جدول أولوياتها في المرحلة القادمة، وبالتالي ليست معنية بلعبة الصراع التي انخرط بها نظام الأسد، على الأقل نتيجة انتمائه لـ"حلف الممانعة" وتسهيل نشاط إيران المناوئ لإسرائيل، والواضح أن إدارة الشرع قرأت جيدًا التحوّل في المزاج الإقليمي الرافض لاستمرار الحروب، ومنطق العسكرة الذي فرضته إيران وحاولت تاليًا التكيف مع متطلبات هذا التحوّل.
لكن أيضًا، متطلبات المرحلة، وضرورة الخروج من واقع، أقل ما يُقال عنه أنه واقع معقد إلى أبعد مدى، فرضت على دمشق تبني خيار البحث عن فرصة السلام، للهرب من واقع موازٍ حقيقي وليس افتراضيًا، سمته الانهيار الاقتصادي والعزلة الدولية، قد يصبح هو التعريف الأساسي لسوريا المستقبلية.
تدرك دمشق أن لها حسابات حساسة في المعادلات التي يجري تأسيسها في المنطقة، وأنها لاحقة لضلع إقليمي أكبر، وربما نقطة غير مرئية في دائرة من الفاعلين الإقليميين الأقوياء، اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، وأنها مضطرة للعب تحت ظلال هذه القوى، ما دامت قد دخلت اللعبة بدون أدوات قوّة، على كل الصعد، وبحمل ثقيل من الأزمات والاحتياجات.
وفق ذلك، رأت دمشق أن الانخراط ضمن الهندسة التي تجريها واشنطن، بالتنسيق مع الفاعلين الإقليميين، في الخليج العربي وتركيا، فرصة أرادت التقاطها، ورافعة للخروج من دائرة التهميش والدمار، إذ لا يمكن تحقيق الاستقرار بجوار كيان يعتقد أنه يمتلك ناصية المنطقة، ولا يمكن جذب أموال الاستثمار بدون وضع مستقر، ما يعني تحويل سوريا إلى نموذج الدولة الفاشلة، وهو الكابوس الذي حاول حكّام سوريا الجدد الهروب منه، مع إدراكهم أنه لن يكون في جعبتهم، وهم يجلسون على طاولات التفاوض، سوى تقديم التنازلات.
إعلان إسرائيل والسلام بالإكراهليست هذه اللحظة المناسبة التي ترغب بها إسرائيل للانخراط في عملية سلام مع سوريا، فلا المزاج الإسرائيلي ولا النخب المؤثرة في وارد السير في هذا المسار الآن، والتفكير الإسرائيلي في هذه المرحلة في مكان آخر، حيث تصحو إسرائيل، بعد طوفان الأقصى، على واقع إستراتيجي مختلف لم تشهد ذاكرتها مثيلًا له منذ قيامها، ولا حتى بعد حرب عام 1967 حينما انهارت بوابات دول الطوق العربي وبات بإمكان الدبابات الإسرائيلية العبور إلى العواصم دون أي عوائق لوجيستية أو عسكرية سوى عائق التوازنات الدولية في خضم الحرب الباردة وحدود النفوذ المرسومة بين مناطق أميركية وأخرى سوفياتية.
الطموح الإسرائيلي في سوريا أكبر من سلام قد يتم التراجع عنه يومًا إذا تغيرت المعطيات، حيث تتجه تفضيلات إسرائيل إلى صناعة كيانات موازية للدولة السورية، كيانات تعتمد في بقائها على الدعم الإسرائيلي، وتدفع دمشق وحكامها إلى الانكفاء نهائيًا عن المطالبة بأراضٍ تحتلها إسرائيل، وتزيد عليها الجنوب حيث المياه الوافرة والأراضي الزراعية وقوة العمل التي تحتاجها المزارع والورش في حيفا والجولان والجليل، واعتقاد قادة إسرائيل أن تحقيق هذا الطموح لن يكلف كثيرًا، وكل ما ستفعله تل أبيب الإشراف على إدارة الصراعات في جنوب سوريا لخدمة مصالحها الجيوسياسية.
لكن التطور المفاجئ تمثل في موقف تركيا ودول الخليج العربي من التغيير في سوريا، ودفع واشنطن إلى احتضانه وجعله مصلحة للأمن القومي الأميركي، الأمر الذي أثار ريبة إسرائيل من احتمال إخراجها من الترتيبات التي هي في الواقع أكبر من مجرد استيعاب سوريا، بقدر ما هي تشكيل لواقع شرق أوسطي مرتبط بدوائر عالمية أوسع، ومشاريع جيوسياسية على نطاق أكبر، وبالتالي فإن إسرائيل تدخل مرحلة التفاهمات مع دمشق كنوع من الاختبار لمسارات التحرك الإقليمي والدولي، ولا سيما بعد تهميشها من تحركات الرئيس ترامب الأخيرة في المنطقة، وحالة الجفاء مع أوروبا، التي بدورها بدأت الانخراط المكثف في دهاليز الملفات الشرق أوسطية.
إعلان هل الصفقة وشيكة؟بناء على هذه المقدمات، لا يبدو أن ما يدور بين دمشق وتل أبيب في هذه المرحلة هي مفاوضات سلام نهائية، بقدر ما هي مباحثات للتوافق على إطار أمني جديد بعد تراجع إسرائيل عن الترتيبات السابقة، وثمة عوامل كثيرة تؤكد هذا الاحتمال:
اختلال توازن القوى بشكل كبير يمنع دمشق من الذهاب إلى مفاوضات سلام تحتاج لأوراق قوّة تجبر إسرائيل على التنازل عن الجولان. تحتاج الإدارة السورية الجديدة إلى مدى زمني أطول للقيام بخطوة عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، إذ بالرغم من تفضيل قطاعات واسعة من السوريين التركيز على الجوانب الاقتصادية والإعمار، وبالتالي الابتعاد عن الحروب الخارجية؛ لا تزال الصورة غير واضحة بالنسبة للنظام الجديد في دمشق، وبالتالي يشكّل خوضها في عملية سلام، قد تقدم خلالها تنازلات جغرافية مغامرة خطرة. عدم حاجة إسرائيل إلى سلام يرتّب عليها التزامات بحجم التنازل عن أراضٍ تحتلها في الجولان، ومن مصلحة إسرائيل إبقاء الوضع الأمني هشًا على جبهتها الشمالية، وإبقاء دمشق تحت ضغط الإحساس بعدم الأمان من جهة إسرائيل، إلى حين نضوج ظروف مواتية للحصول على تنازلات كبيرة باطمئنان. لا تطرح الأطراف التي تحتضن النظام السوري الجديد: الإقليمية والدولية، مسألة التوصل إلى اتفاق سلام بين دمشق وتل أبيب، في هذه المرحلة، لإدراكها أن الظروف غير ناضجة، وأن من شأن الاختلاف في أي مرحلة من مراحل التفاوض قد يفجر جولات صراعية تطيح بالاستقرار السوري الهشّ، لذا فالأفضل هو التوصل لترتيبات أمنية صارمة بين الطرفين تضمن الهدوء إلى حين التوصل لإطار سلام قابل للتطبيق.الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline