مالك عقار: بين نضال الأمس وخيانة الشعب الجنوب سوداني
تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT
مالك عقار: بين نضال الأمس وخيانة الشعب الجنوب سوداني
بقلم: عمار نجم الدين حسين
“ليس أشد على المرء من أن يرى رفيق دربه يبيع ما قاتل من أجله، ويدوس على دماء الشهداء مقابل حفنة من الفتات”.
التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى، والمبادئ لا تباع كما تباع المناصب. من كان بالأمس ينادي بالتحرر، ويحمل السلاح من أجل كرامة شعبه، أصبح اليوم جزءًا من آلة القمع، لا بل تخطى دوره في التواطؤ إلى دور أشد قبحًا: خيانة الرفاق وتسليم السلاح لخصوم الأمس من أجل مكاسب اليوم.
لقد بدأ الأمر حين اختار مالك عقار أن يكون نائبًا للبرهان، متجاهلًا الدماء التي أهرقتها حكومته في كل بقاع السودان، مكتفيًا بالمناصب والامتيازات التي يتيحها له تحالفه مع الإسلاميين الذين لطالما ادّعوا العداء لهم. لكن لم يقف عند هذا الحد، بل تجاوز الصمت إلى الفعل، وصار جزءًا من عمليات التهجير القسري لمواطني جنوب السودان من الجزيرة، حيث يتم التعامل معهم كالحيوانات، دون أي احترام لإنسانيتهم أو كرامتهم.
كان السكوت على جرائم النظام ضد الجنوبيين جريمة كبرى في حد ذاته، لكن عقار تجاوز ذلك ليصبح أداة في يد الإسلاميين لتنفيذ أجندتهم ليس فقط في السودان، بل داخل دولة جنوب السودان نفسها. لقد بات اليوم متورطًا في تسليح المعارضة الجنوبية داخل ولاية أعالي النيل، وتمرير السلاح إليها عبر طائرات هليكوبتر فاقت الثمانية رحلات محملة بالسلاح بدأت تلك الشحنات تصل الى الأراضي الجنوبية في بداية شهر مارس، في صفقة قذرة يكون فيها السلاح مناصفة بين “الجيش الأبيض” وبعض الفصائل المسلحة في أعالي النيل، بينما يحصل عقار وحلفاؤه في الخرطوم مقاتلين يتم إدخالهم إلى السودان واستخدامها في معركتهم ضد قوات الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال مقابل ذلك السلاح الذي يعين المعارضة الجنوبية في معركتها ضد شعب جنوب السودان.
إن أخطر ما يفعله مالك عقار ليس مجرد تورطه في تجارة السلاح، وإنما استغلاله للأوضاع الأمنية الهشة في جنوب السودان لصالح أجندة الإسلاميين في السودان. فهو، الذي يفترض أن يكون حليفًا لسلفاكير، أصبح اليوم يسلّح المعارضة ضد حكومة الجنوب، ليزرع بذور الفوضى في وطن كان جزءًا من نضاله، ويسهم في تقويض استقراره في لحظة حرجة.
إن ما يقوم به مالك عقار ليس فقط خيانة لمبادئ النضال المشترك، بل هو انحدار إلى درك لا قاع له. لقد انسلخ تمامًا عن كل ما كان يمثّله في السابق، ورضي بأن يكون مجرد بيدق في يد الإسلاميين في بورسودان، ينفذ لهم مهامهم القذرة مقابل أن يحتفظ بكرسيه.
إنه النموذج الأسوأ لمن ينقلب على قضيته، ويتحوّل من قائد ثوري إلى متواطئ في مشاريع التدمير، لا فرق بينه وبين أولئك الذين باعوا السودان للإسلاميين بالأمس، والذين يبيعونه اليوم من جديد.
قد يكون لكل خيانة ثمن، لكن بعض الخيانات لا تُغتفر، وبعض الانحرافات لا يمكن تصحيحها. مالك عقار اختار أن يكون في الجانب الخطأ من التاريخ، وحين يفقد المرء بوصلته الأخلاقية، يصبح كل شيء مجرد لعبة من أجل البقاء. لكن الشعوب لا تنسى، والتاريخ لا يمحو سطور الخيانة، حتى وإن كُتبت بحبر المناصب والذهب.
الوسومأعالي النيل الإسلاميين الجيش الأبيض الخرطوم السودان جنوب السودان سلفا كير ميارديت عمار نجم الدين مالك عقارالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أعالي النيل الإسلاميين الجيش الأبيض الخرطوم السودان جنوب السودان سلفا كير ميارديت مالك عقار جنوب السودان مالک عقار جزء ا من أن یکون
إقرأ أيضاً:
الوساطة بين الحق والباطل خذلان وخيانة
لا توجد قضية في تاريخ البشرية أوضح وأعدل من القضية الفلسطينية، ولم تتضامن شعوب العالم مع أي شعب آخر كما تضامنت مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، المظلومية فيها واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، لا يوجد شعب في العالم لا يعرف الظالم من المظلوم في فلسطين المحتلة، أو القاتل من المقتول، أو المجرم من الضحية، أو المعتدي والمغتصب والمحتل من المعتدى عليه والمغتصب وطنه والمحتلة أرضه منذ ثمانين عاما تقريبا، اليوم كافة الدول والأنظمة والشعوب حول العالم بمختلف لغاتها وأجناسها وأديانها وأوطانها، ترى نفسها معنية بنصرة القضية الفلسطينية، وإيقاف الجرائم الصهيونية في قطاع غزة، وتتخذ مواقف عملية لمعاقبة الكيان الصهيوني، والأنظمة والدول العربية والإسلامية التي تربطها بالشعب الفلسطيني روابط دينية ولغوية وتاريخية وجغرافية واجتماعية وإنسانية، ترى نفسها محايدة، وتدعي أنها وسيطة، هذا الموقف لا أساس له في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية الشريفة، ولا في المواثيق والمعاهدات الدولية، فالقرآن الكريم يخاطب المسلمين قائلا(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي إلى امر الله)، والسنة النبوية الشريفة تقول(انصر أخاك ظالما أو مظلوما)، وميثاق الأمم المتحدة ينص على: إن الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والتهجير القسري، من الجرائم ضد الإنسانية التي يحق لأي دولة في العالم أن تتصدى لها ولو بالقوة المسلحة. دول أمريكا اللاتينية اليوم تدعو دول العالم من منصة الأمم المتحدة إلى تشكيل جيش موحد لتحرير الشعب الفلسطيني من الكيان الصهيوني، وقادة أنظمة الدول العربية والإسلامية الذين يعتبرون أنفسهم زعماء لأهل السنة يرحبون بالخطة الأمريكية الصهيونية لتصفية القضية الفلسطينية، ويضغطون على فصائل المقاومة في قطاع غزة للقبول بها، وإلقاء السلاح، وتسليم القطاع لإدارة أمريكية بريطانية صهيونية، هذه الأنظمة ليست محايدة منذ بداية العدوان على غزة، ولم تكن يوما من الأيام وسيطاً نزيهاً في مفاوضات الدوحة، بل كانت وما زالت أداة امريكية لتضليل الشعوب العربية والإسلامية، ومخادعة المقاومة الفلسطينية في هذه المعركة، لا شك أن حقيقة هذه الأنظمة باتت واضحة لكافة الشعوب العربية والإسلامية، لا حياد بين الحق والباطل، ولا وساطة بين المظلوم والظالم.
لنأخذ العبرة من موقف سيد الشهداء على طريق القدس الأمين العام السابق لحزب الله سماحة السيد الشهيد حسن نصرالله -رضوان الله عليه- حينما طلب منه النظام السعودي الوساطة لدى أنصار الله لإيقاف الحرب بين اليمن والسعودية، فقال لهم صراحة أنا لست طرفا محايدا، ولا أستطيع أن أكون وسيطا في هذه الحرب، ولا يمكنني أن أطلب من شعب مظلوم يدافع عن نفسه أن يلقي سلاحه، ويقبل بالهزيمة احتراما للسعودية، هذا هو موقف القرآن الكريم، وموقف السنة النبوية الشريفة، وموقف أهل البيت -عليهم السلام- عبر التاريخ.
لا شك أن الأمة العربية والإسلامية اليوم معنية بإعادة النظر في حكامها وقادتها، وفكرها وثقافتها، وسيرتها وتاريخها، قبل أن يستحكم غضب الله عليها.
*أمين عام مجلس الشورى