على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية «16 – 20»

“لنْ يستطيعَ أحدٌ أنْ يركبَ على ظهرِك، ما لَمْ تَكُنْ مُنحنياً”

مارتن لوثر كينج

د. النور حمد

مصر تصدِّر نيابةً عن السودان

واضح من حديث وزير التجارة والصناعة المصري، أحمد سمير صالح، الذي سبق أن أوردناه، أن مصر تعلن على الملأ أنها تصدر المنتجات السودانية نيابةً عنه، بل وتتباهي أمام العالم بجودتها.

وهذا يجعل المرء في حيرةٍ من أمره. فكيف يسمح بلدٌ مستقلٌ كالسودان بإرسال مواده الخام؛ كالصمغ واللحوم والذرة والسمسم والكركدي والقونقوليس والقرض وغيرها إلى مصر، لا ليستهلكها المصريون كمشترين، مثلهم مثل غيرهم من الدول، وإنما لتقوم الدولة المصرية أو الشركات المصرية بإضفاء القيمة المضافة عليها، التي قد لا تتعدى التنظيف والتغليف كما سبق أن ذكرنا، ثم إرسالها إلى الخارج بوصفها منتجاتٍ مصرية؟ هل يصعب على السودان أن يبرِّد لحومه أو يحولها إلى صيغ أخرى أو أن يغلف سمسمه أو صمغه أو زهرة الكركديه التي ينتجها بوفرة، وغير ذلك من السلع، ثم يرسلها إلى الخارج كمنتجاتٍ سودانية؟ أوليس من مسؤولية الدولة أن تسعى بكل السبل إلى إضفاء القيمة المضافة على منتجاتها الأولية لزيادة قيمتها، ومن ثم جني عوائدٍ دولاريةٍ منها تسهم في تحسين اقتصاد البلاد وأحوال العباد؟ أكثر من ذلك، وكما سبق أن ذكرنا، أن مصر؛ سواءً كانت الدولة المصرية أو التجار المصريين يشترون المنتجات السودانية بالعملة المحلية من داخل السودان، بل وبعملةٍ سودانيةٍ يقول البعض إن تزييفها يجري داخل مصر نفسها. فالشاحنات المصرية يُسمح لها بأن تدخل في العمق السوداني وتشتري مباشرةً من المنتجين فتشحن ما اشترته ثم ترسله مباشرةً إلى مصر. في حين أن الشاحنات السودانية لا يُسمح لها بعبور الحدود المصرية. أليس هذا، في حدِّ ذاته هيمنةٌ وامتهانٌ واستضعافٌ يدل على مذلَّةِ وانعدامِ كرامةِ من يحكموننا؟ لقد رضخ نظام الفريق البرهان للنظام الحاكم في مصر بصورةٍ لا أظنها قد حدثت قط بين أي بلدين جارين. بل، يمكن القول، وبكل تأكيد إن الفريق البرهان ومعه قطاعٌ من دهاقنة النظام الإخواني اللصوصي يبيعون الآن السودان لمصر، راضخين للمشروع المصري الكبير لاستلحاق السودان الذي يجري إعداده الآن بموافقة البرهان وطاقمه. وسوف نرى ذلك عندما نناقش في حلقةٍ قادمةٍ فيديو الصحفي الاقتصادي المصري، محمد أبو عاصم الذي جرى تبادله بكثافةٍ لافتةٍ في منصات التواصل الاجتماعي السودانية مؤخرا.

تذهب المنتجات السودانية إلى مصر عن طريقين: الطريق الأول عبر العلاقة بين شركات الجيش السوداني والجيش المصري. وقد أوردت صحيفة “سودان تربيون” أن الجيش السوداني الذي يحكم البلاد حاليًا يسيطر على قطاع تصدير الحيوانات الحية، إضافة إلى المذبوحة من مسلخ يمتلكه في العاصمة الخرطوم. (راجع: صحيفة سودان تربيون على الرابط: (https://shorturl.at/2I6Lf. ولابد من التنبيه هنا إلى أن ما تجنيه شركات الجيش السوداني من عملاتٍ حرة، ومن أسلحةٍ، أو من أيٍّ من احتياجاتها الأخرى، نظير ما تقوم بتصديره إلى مصر، لا يدخل في حسابات الدولة السودانية. وإنما يذهب إلى الدولة الموازية التي يسيطر عليها الجيش والنظام الإخواني اللصوصي. وقد تفاقم ذلك واتسعت دوائره، بصورةٍ غير مسبوقةٍ، بعد أن وصل الفريق عبد الفتاح البرهان إلى السلطة.

أيضًا يذهب جزءٌ كبيرٌ من موارد السودان عن طريق المصدِّرين القُدامى الذين سمح لهم النظام الإخواني، منذ فترة حكم الرئيس عمر البشير، بمواصلة أعمالهم التجارية نظير التماهي السياسي مع النظام الحاكم. فطبقة رجال المال والأعمال التي اتسعت أعمالها وترسخَّت في الفترة الاستعمارية استطاعت، رغم تقلُّبات الأحوال السياسية في السودان في فترة ما بعد الاستقلال، أن تُبقي على مصالحها مع مختلف الأنظمة العسكرية. وقد أتى نظام الإنقاذ بخطةٍ محكمةٍ للهيمنة السياسية والاقتصادية الكاملة، لم يسبقه عليها لا نظام الفريق إبراهيم عبود ولا نظام المشير جعفر نميري. فنظام الإنقاذ ما أن وصل إلى السلطة في عام 1989 شرع في فرض ما يُسمى “التمكين”، وهو السيطرة الكاملة بواسطة التنظيم الحاكم على كل مفاصل الدولة.

بدأ التمكين بتسريح غالبية العاملين في الخدمة المدنية ووضع أعضاء التنظيم الحاكم في أماكنهم، على قاعدة “الولاء قبل الكفاءة”. ثم تمددت إجراءات التمكين لتشمل السيطرة على كامل اقتصاد الدولة بواسطة أعضاء التنظيم الإخواني. بهذا أصبحت أنشطة التصدير والاستيراد، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية، في يد التنظيم الحاكم. ولا مجال للآخرين أن يبقوا في هذه الدائرة إلا عن طريق إثبات ولائهم الكامل للممسكين بالسلطة والثروة من أهل التنظيم الإخواني الحاكم. وهكذا ارتدف النظام معه على سرجه قطاعًا من أصحاب المصالح الاستثمارية والتجارية. وكان من بين هؤلاء زعماء أحزاب سياسية وورجال صناعة وتجارة وقيادات قبلية وشيوخ طرق صوفية. إلى جانب ذلك، لف النظام حول نفسه تجمُّعات حديثة، شملت قطاعًا من الأكاديميين ومن أهل الأدب والفن والإعلام والرياضة.

أما الطريق الآخر الذي تذهب به مواد السودان الأولية إلى مصر فهو طريق التهريب. والأرجح عندي أن ما يذهب إلى مصر من موارد السودان الاقتصادية عن طريق التهريب المباشر، أو عن طريق دفع الرشى لموظفي الجمارك على الحدود، أكبر بكثير مما يجري عبر الطرق الرسمية. وبما أن نظام الحكم في السودان نظامٌ لصوصيٌّ سيطر عليه الفساد المؤسسي، فإن بعض العاملين من كبار الضباط في الجيش والشرطة وكبار المسؤولين في الدولة منخرطون بمختلف الصور في أنشطة التهريب المباشر، وفي أنشطة التهريب الأخرى التي تجري عبر شبكات الفساد. وكما ذكرنا من قبل أن ثوار ترس الشمال حين قاموا بإيقاف الشاحنات المصرية المتجهة إلى مصر وتفتشيها وجدوا سبائك الذهب مخبأةً وسط عبوات الحبوب، كما سبق أن ذكرنا. وما من شك أن قمة السلطة ممثلةً في البرهان وحلفائه يغضون الطرف عن أنشطة التهريب لسببين؛ أولهما: الزبائنية التي تربط بين مركز السلطة وقادة القوى الأمنية التي تحرس النظام. أما السبب الآخر: فهو عدم اكتراث الفريق البرهان بسيادة السودان وبموارده وهو يسعى لتلقي الدعم والحماية المصرية واستدامة إمساكه بالسلطة.

لا بد من الإشارة هنا إلى أن الفريق البرهان قد سار على طريقٍ مطروقٍ مشى عليه قبله الرئيس عمر البشير وتنظيمه الإخواني. ويتمثَّل ذلك النهج في نهب موارد البلاد وإيداعها الجيوب الخاصة في حسابات واستثماراتٍ ضخمة خارج السودان. وهذا هو ديدن الكثير من الأنظمة الديكتاتورية العسكرية الكليبتوقراطية. وقد ساد هذا النهج حتى الآن لفترةٍ بلغت 36 عامًا. وعلى سبيل المثال، فإن البترول الذي ظل يُستخرج عبر عقدٍ من الزمان قبل انفصال الجنوب، لم يعرف السودانيون إلى اليوم مقدار ما جري تصديره منه، على وجه الدقة. كما أن عائداته لم تدخل خزينة الدولة، ولم يشعر السودانيون بأي أثرٍ بارزٍ له على حياتهم. كما أن الذهب ظل يُستخرج بكمياتٍ كبيرةٍ لما يقارب العشرين عامًا حتى الآن، ولم ير له السودانيون، أيضًا، أثرًا على حياتهم. وسوف نعرض لتهريب الذهب السوداني في الفقرات القادمة.

الفترتان اللَّتان سيطر فيهما على مقاليد الأمور كلٌّ من الرئيس المخلوع عمر البشير وخلفه الفريق البرهان، الذي عمل تحت إمرته، وقاد انقلاب 25 أكتوبر 2021، على الوثيقة الدستورية وخارطة طريق التحول الديمقراطي، هما الفترتان اللَّتان حدث فيهما هذا الانفجار الكبير في إنشاء مصانع الصناعات التحويلية، في مصر. وواضحٌ جدًا أن هذا الانفجار الضخم في أعداد المصانع في مصر قد كان نتيجةً مباشرةً لتفاقم معدلات الفساد في السودان، بل وللعمالة الصريحة من جانب البشير والبرهان لمصر. لقد أصبح السودان في هذه الفترة المظلمة وكأنه مستعمرةٌ مصرية. وقد حدث ذلك بطريقةٍ خفيَّةٍ بالغة النعومة. في هذه الفترة، جعلت مصر من نفسها وكيلاً شبه حصريٍّ لتصدير منتجات السودان بإسمها. وكما رأينا، كيف لم يجد وزير التجارة المصري أي حرجٍ في أن يسرف في مدح المنتجات السودانية ويتباهى بها أمام العالم وكأنها من منتجات بلده! وكل المنتجات التي عدَّدها الوزير المصري لا تنتج منها مصر شيئًا، باستثناء قليلٍ من الكركديه والسمسم والذهب، التي لا تقارن كمياتها قط بما ينتجه السودان منها. وتعج شبكة الانترنت بالإحصاءات الدولية التي تؤكد الكميات القليلة مما تنتجه مصر من هذه السلع.

مصر تصدر الذهب السوداني

أورد موقع Trends in Africa أن صادرات مصر من الذهب  إلى دولة الإمارات العربية المتحدة قد ارتفعت في الفترة من يناير إلى نوفمبر 2024، بنسبة 103% ، بقيمةٍ بلغت 1.7 مليارًا من الدولارات. أما بالنسبة لسويسرا، فقد زادت صادرات مصر من الذهب بنسبةٍ بلغة 193%، بقيمة بلغت 1 مليار دولارًا خلال نفس الفترة. وهي الفترة الممتدة من يناير إلى نوفمبر 2024. ويقول الموقع إن أغلب هذا الذهب الذي تصدره مصر ذهبٌ سوداني. ويجري إرسالة إلى مصر بواسطة شركة مصرية سودانية نشأت في صورة شراكة بين جهاز المخابرات العامة المصري ومنظومة الصناعات الدفاعية السودانية، التي صدرت ضدها عقوباتٌ أمريكية. (راجع: موقع Trends in Africa، على الرابط: https://shorturl.at/VWmH9). ولابد من التذكير هنا بما سبق أن قلناه وهو أن مصر كانت تصوِّت في المحافل الدولية على تمديد فرض العقوبات على السودان، وقد اتضح لاحقًا أنها تفعل ذلك لكي تصبح هي المستحوذ لمنتجاته بكونها المنفذ الوحيد المتاح لصادراته.

جبريل وتهريب الذهب

من أقوى الأدلة على شفط موارد السودان لمصلحة مصر ما ورد على لسان وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم الذي قال لوكالة (رويترز): إن السودان أنتج 64 طنًّا من الذهب في عام 2024، غير أن القدر الذي جرى تصديره رسميًا كان31 طنًا فقط. ويعني ذلك أن أكثر من نصف الإنتاج من الذهب قد خرج من البلاد عبر طرقٍ غير رسمية. فتصوروا وزيرًا للمالية في دولةٍ يتسرَّب من بين يديه أكثر من نصف إنتاج بلاده من الذهب، ولا يجد حرجًا في قول ذلك للصحافة العالمية، ثم لا يذكر ما قام به هو من تحقيق حول أسباب هذا التسريب الضخم، ولا ما هي خطته لإيقاف هذا الهدر العجيب لموارد البلاد. تحدث الوزير جبريل إبراهيم في هذا الأمر وكأنه يتحدث عن بلادٍ أخرى، وكأنه ليس وزير مالية السودان! (راجع صحيفة “التغيير” على الرابط:  https://shorturl.at/BbFPF). بل، ظهر السيد جبريل إبراهيم في فيديو وهو يرتدي زيًّا عسكريًا، مع الكدمول الدارفوري، ليحكي أنه كان في دولةٍ جارةٍ وإن مسؤوليها ذكروا له إنهم حصلوا في عام 2024 عن طريق التهريب وحده على 48 طنًا من ذهب السودان. وقد جَبُنَ الوزير جبريل حتى عن ذكر اسم تلك الدولة، رغم أن مسؤوليها قالوا له ذلك دون حياءٍ وبجرأةٍ وقحةٍ أمام عينيه. وقد عكس هذا في نظري مبلغ استهانتهم به وبقدر بلاده. ثم، حتى بعد أن جاء ليحكي لشعبه هذه المعلومة في مقابلة مبثوثة، لم يستطع أن يذكر إسم تلك الدولة، وقال مرة أخرى “دولة جارة”! فهل هذه قياداتٌ يرجى منها أن تحفظ أي قدرٍ من الكرامة لبلادها ولشعبها؟ لكن، لا عجب فقد شاهد جبريل إبراهيم حرص رئيسه البرهان على تقديم فروض الولاء والطاعة للنظام المصري. فقد لخَّص الفريق البرهان ولاءه المطلق للنظام المصري يوم أن قدَّم التحية العسكرية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لدى استقباله له في القاهرة. قدم البرهان التحية العسكرية إلى الرئيس السيسي رغم أن الأخير استقبله بالزي المدني، كرئيسٍ مدنيٍّ “منتخبٍ” للشعب المصري، وليس كقائدٍ لانقلاب عسكري. لكنها الرغبة في الانبطاح التي تعمي صاحبها وتجعل جلده أكثر سماكةً من جلد التمساح.

بئرٌ معطلة وقصر مشيد

يمقل الفريق البرهان في نظري نمطًا بالغ الغرابة من الخراب النفسي. فإلى جانب جنونه بالسلطة أظهر لهفًا استثنائيًا على جني الثروات الطائلة. وهو أمرٌ عُرفت به العصابة الإخوانية التي حكمت السودان عبر الستة وثلاثين عامًا الماضية. لكنه فاقها كثيرًا في هذا المنحى. فقد رشح في الأيام الأخيرة أن الفريق البرهان راكم في السنوات الخمس الأخيرة ثروةً بلغت 5 مليارات دولار. هذا البرهان أُتي به ليشارك في إدارة فترةٍ انتقاليةٍ قصيرةٍ يُسلِّم بعدها البلاد إلى أهلها. لكنه اختار بدلاً عن ذلك أن يخون الأمانة، ويستقوى على شعبه بالقوة العسكرية. أكثر من ذلك قام بنهب المال العام وذهب به دون أدنى ذرةٍ من حياءٍ إلى تركيا ليبني لنفسه فيها قصرًا بملايين الدولارت. وهو حدثٌ كشف عنه سفير سوداني سابق في تركيا كان شاهدًا على إجراءات الشراء. (راجع صحيفة التحرير على الرابط: https://shorturl.at/mlyIW) فعل البرهان هذا في حين أن أكثر من نصف الشعب السوداني يعيش تحت خط الفقر. وفي حين يُعدُّ السودان من أبأس الدول في البنيات التحتية وفي جميع الخدمات التي ترعاها الدولة. والأدهى والأمر، أن البرهان اشترى قصره هذا وهو يعد للحرب التي تسببت في تهجير 13 مليون سوداني من بيوتهم!

مصر تُصَنِّع القطن السوداني

في 16 أبريل 2009، أصدر أمين أباظة، وزير الزراعة، قرارًا باستيراد 3000 طن قطن من السودان لصالح شركة الدلتا الزراعية. وتقول صحيفة اليوم السابع المصرية، التي أوردت الخبر أن ذلك قد جاء نتيجة لما ظل يعانيه المزارعون فى مصر بسبب عدم قدرتهم على تسويق محصول القطن لثلاثةِ أعوامٍ متتالية،  بسبب انخفاض سعره. وهو ما دفع المزارعين المصريين فى المحافظات المصرية إلى الإقلاع عن زراعة القطن. وبالتالي، انخفضت المساحات المزروعة قطنًا خلال ذلك الموسم إلى 300 ألف فدان، مقارنة بالعام السابق الذى كانت المساحة فيه تزيد عن 650 ألف فدان. (راجع: صحيفة اليوم السابع على الرابط: https://rb.gy/tzmwyf). وفي 24 /08‏/2017  أعطى الدكتور عبدالمنعم البنا، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصري، الموافقة على سفر لجنة من الإدارة المركزية للحجر الزراعي المصري إلى السودان بغرض الإشراف على فحص وتبخير 6500 طن من القطن السوداني، وذلك لحساب إحدى الشركات. وشدَّد القرار على الالتزام الكامل بجميع إجراءات الفحص التي تتم عند وصول الشحنة إلى مصر، وذلك طبقا للقوانين والتشريعات الحجرية المُنظِّمة في هذا الشأن. (راجع: موقع النيلين على الرابط: https://shorturl.at/0LKUS).

وفي 1 أبريل 2022 كشفت الحكومة المصرية، أن أهم المجموعات السلعية التي استوردتها مصر من السودان قد كانت حيوانات حية بقيمة 193.2 مليون دولارا. حبوب بقيمة 70.8 مليون دولارا، وقطن بقيمة 43.6 مليون دولارا، ولحوم بقيمة 24.2 مليون دولارا. (موقع صحيفة الراكوبة على الرابط: https://shorturl.at/tACly). ولا بد من الملاحظة هنا أن هذه الأرقام لا تشمل التهريب الذي يجري عبره شفط القدر الأكبر من الموارد السودانية بواسطة مصر. وأعني هنا التهريب الذي يجري بعلم سلطات الجمارك في المنافذ الحدودية والآخر، وهو الأكبر، الذي يجري عبر الحدود في المناطق الصحراوية. ويبلغ طول الحدود المشتركة بين مصر والسودان حوالي 1270 كيلو مترًا.

 (يتواصل).

على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (15 – 20)

الوسومالجيش السوداني الجيش المصري الخرطوم الذهب السوداني السودان القطن السوداني د. النور حمد مارتن لوثر كينج مصر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش السوداني الجيش المصري الخرطوم الذهب السوداني السودان د النور حمد مصر المنتجات السودانیة الفریق البرهان الجیش السودانی جبریل إبراهیم موارد السودان ملیون دولارا على الرابط الذی یجری على طریق من الذهب عن طریق أکثر من إلى مصر سبق أن مصر من وزیر ا

إقرأ أيضاً:

عقيدة الهيمنة الإسرائيلية من دمشق إلى غزة

ترجمة: بدر بن خميس الظفري

((كلما تصرفت إسرائيل كأنها إمبراطورية إقليمية، ازداد شعور المنطقة بأنها كيان استعماري متغطرس))

الهجوم الإسرائيلي الأخير على دمشق كان تجسيداً حيّا لعقيدة مدروسة، ولم يكن مجرد غارة جوية معزولة، فقبل اسبوع، استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية وزارة الدفاع السورية، مقر القيادة العسكرية، ومحيط القصر الرئاسي. كان القصف في قلب دمشق الرمزي والسيادي، وليس عند الجبهات أو قرب الحدود.

الحجة كانت واهية، وهي حماية مزعومة للأقلية الدرزية في سوريا. لكن لا ينبغي لأحد أن يُخدع، فالمسألة كلها تتعلق بإبراز القوة والغطرسة وليس بالحماية. لم يكن الهجوم لأجل الدروز، وهم عرب سوريون أصيلون، وإنما لتكريس عقيدة إسرائيلية قديمة تقوم على تفتيت المنطقة، تمتد من أنقاض غزة إلى وزارات دمشق المقصوفة، مرورًا بزعزعة استقرار دول بأكملها.

دولة قتلت أكثر من 60 ألف فلسطيني في غزة، غالبيتهم من النساء والأطفال، وأصابت أكثر من 130 ألفًا، ودمرت قرابة 80% من مباني القطاع، لا يمكنها أن تدّعي فجأة الدفاع عن الأقليات.

دولة تبني ما يُعدّ أكبر معسكر اعتقال مفتوح في العالم، وتستخدم الجوع كسلاح، وتمارس نظام فصل عنصري يومي في الضفة الغربية المحتلة، وتُكرّس التمييز في قانونها الأساسي، لا تمتلك أي مرتكز أخلاقي. وآخر ما يمكنها التظاهر به هو القلق على مصير الدروز في سوريا، وهو القلق الذي تستغله لإخفاء نوايا أكثر ظلمة.

الهدف لم يكن عسكريًا بقدر ما كان رمزيًا، فساحة الأمويين تعدّ روح دمشق، ونُصبًا للفخر السوري والكرامة العربية وليست مجرد تقاطع طرق. فهي تحتضن تمثال "سيف دمشق"، وتستحضر إرث الخلافة الأموية التي امتدت يومًا من الأندلس إلى قلب آسيا.

قبل ثمانية أشهر فقط، شهدت هذه الساحة احتفالات السوريين بانتهاء ستة عقود من الاستبداد. وفي وضح النهار، اختارت إسرائيل أن تضرب هناك، مدركة أن الساحة محاطة بمحطات تلفزة عربية ودولية، وأن المشهد سيتكرر على مدار الساعة في الشاشات ومواقع التواصل. لقد كانت إهانة متعمدة أمام العدسات.

وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عبّر عن ذلك بوضوح حين نشر بفخر مقطعًا لمقدمة برامج سورية تفرّ من مقعدها أثناء البث المباشر، وخلفها وزارة الدفاع تحترق. كان عرضًا مسرحيًا يرمي إلى ترهيب السوريين وتخويف العرب.

كان ذلك القصف غير قانوني ولا أخلاقي، وأسّسَ لخطوة جديدة ضمن استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى فرض الهيمنة الإسرائيلية على منطقة ممزقة وضعيفة ومقسّمة. هذا ركن أساسي من عقيدة إسرائيلية عابرة للحكومات والحدود والحروب، وليست عقيدة طارئة عابرة.

فمنذ اندلاع الثورة السورية، نفذت إسرائيل عددًا من الهجمات على سوريا يفوق ما نفذته طوال العقود السابقة مجتمعة. وقامت بتدمير منظم للبنية التحتية العسكرية، وشنّت مئات الغارات، وعمّقت احتلالها لمناطق استراتيجية، بما في ذلك سلاسل جبلية جنوب سوريا. وتحوّلت غاراتها إلى روتين تفقد طابعها الاستثنائي، في محاولة لتطبيع الانتهاك، ومحو السيادة، وإنهاء الحضور الإقليمي السوري.

لكن المسألة أعمق من الأفعال، إذ أصبحت العقيدة واضحة في تصريحات قادتها، فوزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، صرّح بعد فرار الأسد بيوم واحد فقط: "فكرة سوريا موحدة ذات سيادة غير واقعية". أما المحاضر العسكري رامي سمعاني فقال: "سوريا دولة مصطنعة... ويجب على إسرائيل أن تُسهم في زوالها. ستحل مكانها خمسة كانتونات". وأعلن وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، بوضوح: "لن ينتهي القتال إلا عندما يغادر مئات الآلاف من سكان غزة... وتُقسّم سوريا".

إنها سياسة تتجسد على أرض الواقع، وليست مجرد تصريحات ارتجالية.

تعود جذور هذه العقيدة إلى ما يُعرف بـ"عقيدة الأطراف" التي صاغها ديفيد بن غوريون وإلياهو ساسون في السنوات الأولى لقيام إسرائيل. فبما أن إسرائيل لا تستطيع الاندماج في العالم العربي، قررت تطويقه من خلال بناء تحالفات مع قوى غير عربية (تركيا وإيران وإثيوبيا)، واستغلال الانقسامات الداخلية في الدول العربية عبر دعم الأقليات الدينية والعرقية.

لقد كان الهدف ثلاثيًا وهو: بناء علاقات مع دول غير عربية متحالفة مع الغرب، وتقويض وحدة العرب من الداخل، وتعويض رفض العرب الجماعي لإسرائيل. وقد ساعد هذا النهج إسرائيل على البقاء في بداياتها، لكنه لم يكن يومًا دفاعيًا، بل توسعيًا بامتياز.

قال بن غوريون ذات مرة: "هدفنا هو تدمير لبنان، وشرق الأردن، وسوريا... ثم نقصف ونتقدم". وأضاف: "علينا أن نبني دولة ديناميكية تميل نحو التوسع"، مؤكّدًا أن "لا وجود لترتيب نهائي... لا فيما يخص النظام، ولا الحدود، ولا الاتفاقيات الدولية". وقال بصراحة: "حدود الطموحات الصهيونية يحددها الشعب اليهودي، ولا يمكن لأي عامل خارجي أن يقيّدها".

تلك ركائز تأسيسية ما تزال تحكم السلوك الإسرائيلي حتى اليوم، وليست مجرد أحلامٍ طوباوية.

ولكن مع تغيّر المعادلات الإقليمية، تغيّرت الأهداف. فمصر وقّعت معاهدة سلام، وسقط الشاه في إيران، وتقاربت تركيا مع الفلسطينيين، فاضطرت إسرائيل إلى تغيير عقيدتها، لكن الهدف الأساسي، وهو التفتيت، ظل ثابتًا.

طبّقت إسرائيل هذه الوصفة في لبنان والعراق والسودان، ولكن سوريا تبقى الجائزة الكبرى. ذلك أن سوريا هي أكثر الدول العربية المحيطة بفلسطين اكتظاظًا بالسكان، وشعبها لا يرى فلسطين قضية خارجية بل امتدادًا تاريخيًا وجغرافيًا وروحيًا لذاته، ثم إن بلاد الشام ذاكرة جماعية وليست مجرد جغرافيا، وفوق ذلك كله، لأن إسرائيل تحتل أرضًا سورية.

لذا، قضت إسرائيل العقد الماضي تبني علاقات مع مكونات كردية ودرزية داخل سوريا، تمهيدًا لاستغلالها لاحقًا في مشروع التقسيم. والآن، ترى إسرائيل أن الوقت قد حان لتنفيذ هذا السيناريو.

لكن بالرغم من كل ذلك فإن سوريا ليست هي النهاية، ولكنها مجرد محطة في منتصف الطريق، فطموحات إسرائيل توسّعت لتشمل الأطراف الأبعد من الإقليم، وأصبحت إيران وباكستان في مرمى نظرها.

خلال الحرب الأخيرة على إيران، دعت شخصيات إسرائيلية، خصوصًا في صحيفة "جيروزاليم بوست" ومراكز الأبحاث اليمينية، بشكل صريح إلى تقسيم إيران، وكتب أحدهم مخاطبًا الرئيس الأمريكي: "ادعم تغيير النظام... وامضِ نحو تحالف شرق أوسطي لتقسيم إيران... وامنح ضمانات أمنية للمناطق السنية والكردية والبلوشية الراغبة بالانفصال".

مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات طالبت باعتبار التعدد العرقي في إيران نقطة ضعف استراتيجية ينبغي استغلالها. وحتى باكستان أصبحت الآن ضمن الرؤية، وأطراف إسرائيلية تتحدث عن إعادة رسم المنطقة "من باكستان إلى المغرب".

أما "اتفاقات إبراهيم"، فهي ليست اتفاقيات سلام بقدر ما هي أدوات لتطبيع هذا المشروع الذي هو تحويل إسرائيل إلى مركز اقتصادي وأمني وتكنولوجي للمنطقة.

لقد بات المسؤولون الإسرائيليون أكثر صراحة في طرح رؤيتهم، فقد عرض سموتريتش رؤية لإسرائيل في قلب نظام إقليمي جديد، كإمبراطورية راعية، وقال صراحة إن الدول العربية "عليها أن تدفع" لإسرائيل مقابل حمايتها من إيران وحماس، وكانت الرسالة واضحة، وهي: إسرائيل تقدم العنف، وجيرانها يدفعون الجزية، في صورة تعاون. لكنها في الحقيقة ليست إلا هيمنة متنكرة في هيئة دبلوماسية.

أما ستيفن ويتكوف، مبعوث ترامب للشرق الأوسط، فقالها بلباقة أكبر: "لو تعاونت كل هذه الدول، لأصبحت أكبر من أوروبا... إنهم يعملون في الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والبلوك تشين... الجميع هناك رجال أعمال".

إن هذا ليس اندماجًا، وانما ضمّ للاقتصادات، والسياسات، والسيادة. إنها خطة لبناء تكتل تقوده إسرائيل، يتجاوز أوروبا ويتحدى مراكز القوى العالمية.

لكن هنا تحديدًا تكمن الحسابات الخاطئة، فكلما توسعت إسرائيل، زاد عدد أعدائها، وقد بدأت بالبحث عن حلفاء في الأطراف، وانتهت بجعل هذه الأطراف عدوًا وجوديًا، فها هي إيران وتركيا وباكستان، التي كانت تُعدّ خصومًا بعيدة، أصبحت اليوم تنظر إلى إسرائيل كتهديد مباشر. وفي العالم العربي، وحّدت مجازر إسرائيل في غزة، وإهانتها لدمشق، وهجماتها على بيروت وصنعاء وطهران، مشاعر الشعوب كما لم تفعل أي قمة سياسية من قبل.

كلما تصرفت إسرائيل كإمبراطورية إقليمية، ازداد وعي المنطقة بها ككيان استعماري. والإمبراطوريات الاستعمارية، كما يعلمنا التاريخ، لا تدوم.

ما تعدّه إسرائيل تفتيتًا قد يتحول في لحظة إلى توحيد: توحيد الغضب، وتوحيد الإدراك بأن التهديد الحقيقي لا يكمن في إيران، ولا سوريا، ولا الإسلام السياسي، بل في عقيدة الهيمنة ذاتها، وهذه العقيدة، بخلاف الصواريخ التي تطلقها إسرائيل اليوم، لن تمر دون رد، فالمستقبل الذي تحلم به إسرائيل، مستقبل السيطرة والخضوع، ليس المستقبل الذي ستسمح به شعوب هذه المنطقة.

لقد مرّوا بهذا من قبل، ونجوا من إمبراطوريات، ودفنوا صليبيين ومستعمرين وطغاة، وتعلّموا أن العقيدة الوحيدة التي تستحق أن تُحمَل، هي تلك التي توحّدهم، لا تفرّقهم.

قد ترسم إسرائيل خرائط جديدة، وتستغل الأقليات، وتقصف العواصم، وتجوع الأطفال، لكنها لن تتمكن من قصف طريقها نحو الخلود. ولن تسكت المنطقة إلى الأبد. ولن تبني مستقبلها على أنقاض الآخرين لأن تلك الأنقاض تبقى في الذاكرة، وفي هذه الأرض، الذاكرة سلاح فتاك وليست مجرد جرح.

سُمية غنوشي كاتبة بريطانية تونسية، متخصصة في شؤون الشرق الأوسط.

الترجمة عن موقع ميدل إيست آي.

مقالات مشابهة

  • انفصال فعلي".. حميدتي يعلن حكومة ومجلسا رئاسياً من قلب دارفور ويصعّد التحدي للجيش السوداني!
  • في شوارع بورتسودان.. البرهان يقف على مبادرة إنسانية عظيمة
  • اجتماع لمناقشة سير العمل في طريق يحضر – جبل مطحن بذمار
  • شاهد بالفيديو.. بسبب القطوعات التي تشهدها مدينة بورتسودان.. شيبة ضرار يمنح مدير الكهرباء مهلة 12 ساعة ويهدد بإقتحام المكاتب بــ”الفرشات” و “البطاطين”
  • شاهد بالصور.. الممثلة المصرية الشهيرة رندا البحيري تهنئ فريق الزمالة أم روابة السوداني بتدوينة جميلة لهذا السبب (!!!)
  • مواطن من جزيرة “نقزو” بولاية نهر النيل شمالي السودان، يتمكّن من اصطياد تمساح – صور
  • الجنيه السوداني يتراجع إلى مستوى قياسي مع ارتفاع الواردات
  • تايمز أوف إسرائيل: البرهان لن يوقع اتفاقا يتناقض مع انتصاراته العسكرية.. والتطبيع بين السودان وإسرائيل تلوث بسبب الإمارات
  • عقيدة الهيمنة الإسرائيلية من دمشق إلى غزة
  • الخارجية المصرية: معبر رفح لم يُغلق من الجانب المصري والدعاية المغرضة تستهدف تشويه دورنا