البقاء لله.. مات أبي
تاريخ النشر: 23rd, March 2025 GMT
حمد الحضرمي
لا يعلم الإنسان متى يأتيه الأجل ويفارق الحياة الدنيا ويترك الأهل والأحباب، لأنَّ وقت الموت من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، إلّا أن الموت حق لا فرار منه، ومنتهى كل حي وسنة الله في عباده، ولكن الابتلاء يكون كبيراً عندما يكون الموت موت الأب، لأنَّ الأب نعمة عظيمة، وموته فاجعة تكسر القلب وتقصم الظهر، ولن يأتي مثله أحد، ولن يسد مكانه أحد، وستثبت لك الأيام هذا الواقع، فحب الأب حبٌ صادقٌ، وخوفه وحرصه عليك ليس له مثيل، والفارق بينكما كبير، فأنت تبتسم عندما تكون سعيدًا، وهو يبتسم عندما يراك أنت سعيدًا.
الأب له مكانة وقيمة في حياة الأبناء؛ فهو صاحب قلب كبير وتضحية ووفاء وعطاء بلا حدود، ونصائحه سديدة وعباراته وكلماته جميلة لها معانٍ جليلة، ومواقفه الكريمة لا حصر لها ولا عد، وابتسامته صادقة نابعة من قلب نقي يحب أن يرى ابنه في صحة وعافية وسعادة وسرور، فالأب يرجو لابنه على الدوام الخير والسلامة والنجاح في حياته، وتجده دائمًا رافعًا يديه داعيًا ربه: اللهم اشرح صدر ابني ويسر له أمره وارزقه الخير والرشاد، ويتبع ذلك ناصحًا يا بنّي المشوار أمامك طويل، والمهمة صعبة وتستحق التضحية والمثابرة والإصرار لتُحقق النجاح في حياتك في الدنيا وفي الآخرة، ولذلك تكون وفاة الأب ورحيله عن الدنيا خسارة كبيرة لا تعوض.
لن أنسى ما حييت عندما أوصاني أبي في حياته، وهو الأب الرحيم صاحب الحكمة والشفقة والعطف والمحبة والكرم والجود، قائلًا: "يا بنّي اجعل علاقتك بالله كبيرة، وعندما تحاصرك الهموم والأحزان استعن بالله، فلا كرب مع الله، وحافظ على الصلاة في المسجد مع الجماعة، لأنَّ الصلاة هي السعادة وباب النجاة والنجاح في الحياة". كما أوصاني بفعل الخير ونصرة المظلوم والدفاع عن حقوقه، ثم قال لي: "تخيَّر شريكة حياتك التي تعينك على الحياة؛ فالمرأة الصالحة كنزٌ ونعمة عظيمة من أعظم نعم الدنيا والآخرة". فكيف أنسى رجلًا كان كل شيء في حياتي، وكان هَمَّه وهدفه الدائم أن تعيش عائلته الكبيرة في محبة ووئام ومودة وسلام، وتستمر المحبة بينهم للأبد.
أُبشِّرُك يا أبي الغالي بأنني قد نفَّذتُ وصيتك لي، فحبي وخوفي ورجائي وثقتي بالله كبيرة، وإنني محافظ على الصلاة في المسجد مع الجماعة، وأسعى لفعل الخير ونصرة المظلوم، وقد تزوجت زوجة طيبة كريمة تقية، ورُزقتُ منها بالأبناء والبنات الصالحين، الذين يدعون الله لك بالرحمة والمغفرة، وقد سمَّيتُ ابني البكر على اسمك تكريمًا لك وفخر له. ولكن يؤسفني أن ابلغك يا أبي الحبيب بأنني لم أستطع تنفيذ وصيتك الخاصة وتحقيق هدفك النبيل، رغم محاولاتي المتكررة، لأن البعض كانت غايته تحقيق مصالحه الشخصية، دون مراعاة للحقوق العامة ومصالح العائلة، وكما تعلم أنه من الصعب إقناع الآخرين وإلزامهم بتنفيذ شيء لا يرغبون في تنفيذه.
فيا أيُّها الأبناء.. محظوظ منكم من كان أبيه ما يزال على قيد الحياة، يعيش معه ويسمع صوته وكلماته ونصائحه، ويسعى في خدمته ورعايته، وإدخال الفرح والسرور والبهجة في حياته قبل مماته، فالموت سيأتي عاجلًا أم آجلًا، ليأخذ منك أعظم نعمة لا تشعر بقيمتها إلّا عندما تفقدها، وستبقى وفاة الأب مرحلة صعبة تمر على الابن وفاجعة مؤلمة، تحرق القلب، وتمزق الفؤاد ألماً وحسرة، وتشعر وقتها بالضيق والاختناق، وتتوقف الكلمات في الحناجر، ولا تستطيع فعل شيء سوى الحزن والبكاء، لأنك لن ترى أباك بعد اليوم إلا في المنام أو في جنات النعيم- اللهم اجعلنا من أهل الجنة - وهكذا تكون النهاية والوداع الأخير بين الأب وابنه، وعلينا وقتها التسليم والرضا بقضاء الله وقدره والصبر والسلوان، والدعاء لآبائنا ولجميع موتانا وموتى المسلمين بالمغفرة والرحمة والرضوان.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ما حكم قراءة القرآن حال لبس الحذاء؟
حول قراءة القرآن الكريم في الأماكن العامة أثناء ارتداء الحذاء، أوضحت دار الإفتاء المصرية الحكم الشرعي لهذه المسألة، مؤكدة أن القراءة جائزة شرعًا مع مراعاة الطهارة الشخصية والأدب مع كلام الله عز وجل.
قراءة القرآن من أفضل العبادات
تُعد تلاوة القرآن الكريم عبادة عظيمة يتقرب بها الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى، لأنها سبيل للخشوع ومصدر للعلوم. عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفْضَلُ العِبادَةِ قِراءةُ القُرآنِ» [أبو نُعيم، الدَّيْلَمِي].
كما أوضح الإمام زين الدين المُنَوي أن القراءة أفضل من جميع الأذكار العامة، لما فيها من مناجاة الله والاشتغال بعلمه.
حكم قراءة القرآن حال لبس الحذاء
أكدت الفتوى أن الأمر الشرعي بالقراءة والاستماع للقرآن مطلق، ويشمل جميع الأوقات والأماكن والأحوال إلا ما استثناه الشرع.
وردت النصوص القرآنية والسنية على مشروعية القراءة في كافة الأحوال، مثل:
قوله تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [العنكبوت: 45]
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «اقْرَؤوا القُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ» [رواه مسلم]
وعليه، جازت قراءة القرآن حال ارتداء الحذاء، مع مراعاة أن يكون خاليًا من نجاسة ظاهرة.
الاستئناس بسنة الصلاة بالنعلين
ثبت في السنة النبوية أن الصلاة في النعال الطاهرة جائزة، لما ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ فِيهِمَا قَذَرًا…» [أبو داود، أحمد]، كما أشار الإمام النووي إلى جواز الصلاة في النعال إذا كانت طاهرة.
وبما أن القراءة خارج الصلاة لا تشترط إزالة الحذاء، فإن قراءة القرآن أثناء المشي أو في وسائل المواصلات جائزة شرعًا، بشرط عدم الانشغال الكامل عن الذكر وقراءة القرآن.
لا مانع شرعًا من قراءة القرآن الكريم حال لبس الحذاء، ما دام الإنسان طاهرًا مما يمنع القراءة، كالجنابة، وما دامت نعالُه نظيفة. ومع أن القراءة بدون الحذاء أفضل من باب الأدب مع الله عز وجل، فإن الأمر واسع ويشمل جميع الأماكن والأحوال ما لم يرد دليل استثناء من الشرع.