عربي21:
2025-07-29@18:39:59 GMT

قرار الحرب وقرار السلم.. لبنان مثالا

تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT

للمصطلحات في لبنان معاجمُها الخاصة، تختلف باختلاف مُطلقيها. في المبدأ، هي مصطلحات في صلب أي نظامٍ سياسي، لا تكتمل الدولة بدونها، لكنها تصير إشكالية في النسخة اللبنانية. كلمة "السيادة" مثلا، لا تفيد المعنى ذاته لدى الجميع، تُفهَمُ أو تُوظَفُ عند البعض بصورة تختلف عند فريقٍ آخر، تتغير المواقف بشأن هذا المصطلح ربطا بالعلاقات الخارجية لكل فريق، ولا يبقى الأمر محصورا في دائرة القوة السياسية هذه أو تلك، يتحول إلى حالة شعبية.



يفضل اللبنانيون كلمة "الجمهور"، يعطونها "قيمة" أكبر، وهي مُجَرَبة في "شد العصب" الذي قد يكون سياسي التمظهر، لكن الكل يدرك أن عنصره الأكثر فاعلية هو الطائفية والمذهبية؛ رغم أن معظم الأطراف تؤكد الابتعاد عنهما. يفرض ذلك "الأدبيات" اللبنانية، وتشترك في "اللعبة" ماكينة تضم السياسي والصحافي والمثقف والفنان، كل في "اختصاصه"، يشارك بتعميم خطاب يترك للجمهور (ظاهريا) حيزا واسعا في كيفية فهم وتوظيف المصطلحات والشعارات في الاصطفاف أو الاتهام السياسيين، بمسافة لا تبعد كثيرا عن الشارع الذي يحذر منه الجميع، مع أن الجميع تقريبا جربه، نقَلَ الخلافات إليه، وكثيرا ما اُسُتخدِم كـ"عصا غليظة" حين تصير الخلافات "خشنة"، خصوصا في مواجهات الدفاع عن "الديمقراطية التوافقية"، التي يقبل بها الجميع والتي يكاد لبنان ينفرد فيها وحيدا.

تجيد القوى اللبنانية التحرك في هذه المساحات، وتوظيفها بما يناسب برامجها السياسية، التي لا يمكن قراءتها بمعزل عن العلاقات الخارجية والتحالفات، إذا صحت تسمية تحالف.

الأمر نفسه بالنسبة لمصطلحات أخرى تتراشقها القوى في اشتباكاتها السياسية وغير السياسية، مثل "الحياد"، "الرئيس القوي"، "الجيش القوي"، لكن يتم التعامل مع المصطلح الأخير بحذر كبير، لأن الأكثرية تحرص على تحييد الجيش عن الاصطفافات والخلافات.

اليوم، ثمة مصطلح يحتل الصدارة، "قرار الحرب والسلم"، فنادرا ما يخلو منه خطاب، وهو من "الأدبيات" الرئيسة في العهد الجديد. المصطلح دولي، ومن البديهي تكراره والتمسك به، لكن هل يستطيع لبنان في وضعه الحالي التعامل معه كباقي الدول؟ هل يُسمَح له، وبأي اتجاهات، وفي طرف المعادلة "إسرائيل"، بتاريخها واحتلالاتها وجرائمها؟

يميل المرء إلى تجزئة المصطلح الـ"تريند"، الذي كغيره من المصطلحات ليس له معنى واحد في لبنان، البعض يرى أن هناك من يستخدمه بوظيفية لجعله "مُسَلَّمة" فوق النقاش، مع أنه هو بالتحديد يحتاج نقاشا، ويرى أن تكراره بدون فهم تأثيره يؤدي إلى تبسيطه، وهو ليس بسيطا، وحين يُقَدَمُ كما يحدث الآن بمناخية ضاغطة كونه "ضرورة وطنية" (وهو ضرورة وطنية) ممنوع المساس بها، ولو في تفسير المعنى أو التصويب، كمصطلح بالدلالات اللبنانية، يتحول إلى ما يشبه الأمر الواقع، ويُقحَمُ في ساحة الاتهام بتعطيل قيام الدولة، وقد ازداد هذا المصطلح حرارة بعد موجة التسريبات التي سبقت الموقف الأمريكي الواضح بشأن فتح باب التفاوض السسياسي بين لبنان و"إسرائيل"، وليس بصيغته الحالية كلجان عسكرية خاصة بالنقاط الحدودية المحتلة.

بين "قرار الحرب" و"قرار السلم"، الجميع خلف الدولة في قرار اللا حرب، ومن المفترض أن لا يثير المصطلح الريبة، لكن لبنان في المسار الذي يسير، أو يُرغَمُ عليه، يحتاج حوارا وطنيا حقيقيا يُطمئِنُ الجميع بأن "قرار اللا حرب" لا يجب أن يعني بالضرورة "قرار السلم"، حوارا يحمي الدولة من رأسها إلى جميع مواطنيها. حين تواكبُ القوى المؤثرة حكومتها بما يحفظ مصلحة الدولة، فهي تحمي الحكومة والدولة معا.

الحوار يُجيب على الأسئلة الصعبة، منها: ماذا سيفعل لبنان أمام الضغوط التي ستزداد لإجباره على السير في التطبيع؟ ترتفع أصوات تحذر من أن تكون محاولات إقصاء بعض القوى الرئيسة مرحلة في سياق تصعيدي لتحديد الأحجام في المجلس النيابي المقبل، لاحتمال التوصل إلى إتفاقية مع الجانب الإسرائيلي، ودور مجلس النواب في ذلك.

من واجب الحكومة اللبنانية مصارحة مواطنيها عن الضغوط الخارجية التي لا طاقة لها بها، وهذا سيقود حتما إلى عبارة "تاريخية" أخرى يطيب للبعض استخدامها في الدولة وخارجها، وهي "حروب الآخرين على أرضنا"، وسيقود أيضا إلى تساؤل مشروع حول مصطلح "الحياد"، بنسخته الملبننة "الحياد الإيجابي"، وحول قدرة لبنان على النأي بنفسه بعيدا عن التورط في مشاريع وحروب الآخرين، وعلى أرضه طبعا. وهذه مسألة في غاية الأهمية، لأنها تمس بشكل مباشر بالثقة الضرورية بين أي حكومة وشعبها، وبالثقة المُفتَرَضَة بين شركاء الوطن.

التاريخ القريب يقول إن الإسرائيلي حوَّلَ معاهدات السلام السابقة، أو الأصح تعامل معها منذ البداية كمراحل تسويفية، لم يوقف خلالها حروبه ومشاريعه الاستيطانية، وصولا إلى "تمدده" الأخير في المنطقة، مع الفرق الذي يتضاعف في موازين القوى. والحاضر يقول إن الإسرائيلي يريد تحويل أي حالة "لا حرب" إلى معاهدة سلام.

اليوم، يُخرِجُ الإسرائيلي والأمريكي مفردتي النكبة والنكسة من الخصوصية الفلسطينية إلى العمومية العربية، وكلام ترامب عن تهجير الفلسطينيين وتحويل قطاع غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، أو إقامة دولة فلسطينية على الأراضي السعودية، يصب في الاتجاه.

مع أسفٍ نقول، كانت القمة العربية الأخيرة أقصى المستطاع الرسمي، في خضم متغيرات إقليمية تشبه الزلزال، ينظر نتنياهو فيرى "إسرائيل الكبرى" على مرمى حربٍ أخرى، يرى الوصول إلى فُراتِ سوريا أسهل، عينٌ على فُرات العراق، وأخرى على النيل، لتكتمل دولة الـ"من الماء إلى الماء". قد ينفي الإسرائيلي تصريحا، لكن ما قيمة النفي فعلا والتصريحات والمواقف الأميركية ليست بعيدة عن فكرة "الدولة التوراتية"؟ ماذا يفعل لبنان ومنذ تأسيسه رآه الصهاينة من قبل إقامة كيانهم "خطأ تاريخيا" (مقولة أرييل شارون)، ولربما يعتبرون حروبهم واجبا لـ"تصحيح الخطأ التاريخي"؟

وعند الحليف الأمريكي، لبنان "فائض في الجغرافيا" وفق هنري كسينجر، فأي ضمانة يمكن الركون إليها من القوة العظمى للحفاظ على هذا "الفائض الجغرافي" كدولة، يحتاج المرء أن يفهم جغرافيا بلاده، وأن يفهم شعب بلاده أيضا. كلنا نحتاج ذلك، قبل أن نُجبَرَ جميعا، عربا قبل اللبنانيين، على درس في "الجغرافيا التوراتية"، قد يكون الأقسى، وربما الأخير، ولن يكون عن لبنان فقط.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء لبنان السيادة الحرب السلم لبنان الحرب سيادة السلم مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

معيط: الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة من أكبر التحديات التي تواجه الدولة المصرية

أكد الدكتور محمد معيط، المدير التنفيذي وممثل المجموعة العربية بصندوق النقد الدولي، أن من أكثر التحديات التي تواجه مصر الحفاظ على معدلات تنمية عالية من أجل خلق فرص العمل، فمصر لديها معدلات خصوبة عالية، وشباب أعماره صغيرة، وهناك 900 إلى مليون شاب يدخلون سوق العمل سنويا ويبحثون عن فرص عمل جديدة.

وأضاف «معيط»، خلال حواره مع برنامج «ستوديو إكسترا نيوز»، المُذاع عبر شاشة «إكسترا نيوز»: «وبالتالي، يجب أن نصل إلى اقتصاد يخلق مليون فرصة عمل جديدة سنويا، ولكن لا يمكن أن تعينهم الحكومة، فالحكومة تخلق عدد فرص محدودة، وبالتالي، فإن القطاع الخاص هو الذي يمكنه خلق مليون فرصة عمل».

وأشار إلى أنه يتم العمل على زيادة نشاط القطاع الخاص من أجل زيادة النمو تتبعه زيادة في فرص العمل، ثانيا، استثمارات الحكومة تمولها من خلال موازنة الدولة أو تمويل بتكلفة عن طريق الاقتراض، ولكن إدخال القطاع الخاص للقيام بجزء من الاستثمارات الخاصة أو العامة، فإن هذه التكلفة أو العبء لا تتحملها الموازنة العامة للدولة، ما يمنح الدولة فرصة استدامة أكبر في النمو ويخفف العباء على الموازنة العامة للدولة ويحقق هدفا أساسيا بخلق فرص عمل أكثر.

اقرأ أيضاًمعيط: صندوق النقد الدولي يستعد لبدء المراجعة الخامسة مع مصر

معيط: مصر ملتزمة بخطة رفع الدعم نهائياً عن الوقود والمحروقات بحلول ديسمبر 2025

معيط: كل المؤشرات تشير إلى أن مصر تسير على خطى اقتصادية سليمة

مقالات مشابهة

  • إنقاذ شاب وانتشال جثمان والدته وقرار إزالة بعد إنهيار سقف منزل بالغربية
  • معيط: الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة من أكبر التحديات التي تواجه الدولة المصرية
  • ضياء رشوان: الأصوات التي تهاجم مصر لا تبحث عن الحقيقة بل عن التحريض
  • حمزة: أدعو جميع الشركات والمستثمرين الوطنيين والدوليين للمشاركة في هذا الحدث الاقتصادي النوعي كما أدعو الجميع لزيارة المعرض والتعرف على التطورات الاقتصادية والصناعية والثقافية والاجتماعية التي تشهدها سوريا
  • ترامب يقلص المهلة التي منحها لبوتين لوقف الحرب
  • ترامب: أنقذت العالم من 6 حروب.. وسأقلل مهلة الـ 50 يوما التي منحتها لبوتين
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • الجزائر تُفعّل قوانين التعبئة العامة.. جاهزية شاملة في وجه التهديدات الاستراتيجية
  • وزير العمل: تعاون مع العمل الدولية لتنمية المهارات وتعزيز الوظائف الخضراء
  • توتر أمني في عكار.. ما الذي حصل؟