قرار الحرب وقرار السلم.. لبنان مثالا
تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT
للمصطلحات في لبنان معاجمُها الخاصة، تختلف باختلاف مُطلقيها. في المبدأ، هي مصطلحات في صلب أي نظامٍ سياسي، لا تكتمل الدولة بدونها، لكنها تصير إشكالية في النسخة اللبنانية. كلمة "السيادة" مثلا، لا تفيد المعنى ذاته لدى الجميع، تُفهَمُ أو تُوظَفُ عند البعض بصورة تختلف عند فريقٍ آخر، تتغير المواقف بشأن هذا المصطلح ربطا بالعلاقات الخارجية لكل فريق، ولا يبقى الأمر محصورا في دائرة القوة السياسية هذه أو تلك، يتحول إلى حالة شعبية.
يفضل اللبنانيون كلمة "الجمهور"، يعطونها "قيمة" أكبر، وهي مُجَرَبة في "شد العصب" الذي قد يكون سياسي التمظهر، لكن الكل يدرك أن عنصره الأكثر فاعلية هو الطائفية والمذهبية؛ رغم أن معظم الأطراف تؤكد الابتعاد عنهما. يفرض ذلك "الأدبيات" اللبنانية، وتشترك في "اللعبة" ماكينة تضم السياسي والصحافي والمثقف والفنان، كل في "اختصاصه"، يشارك بتعميم خطاب يترك للجمهور (ظاهريا) حيزا واسعا في كيفية فهم وتوظيف المصطلحات والشعارات في الاصطفاف أو الاتهام السياسيين، بمسافة لا تبعد كثيرا عن الشارع الذي يحذر منه الجميع، مع أن الجميع تقريبا جربه، نقَلَ الخلافات إليه، وكثيرا ما اُسُتخدِم كـ"عصا غليظة" حين تصير الخلافات "خشنة"، خصوصا في مواجهات الدفاع عن "الديمقراطية التوافقية"، التي يقبل بها الجميع والتي يكاد لبنان ينفرد فيها وحيدا.
تجيد القوى اللبنانية التحرك في هذه المساحات، وتوظيفها بما يناسب برامجها السياسية، التي لا يمكن قراءتها بمعزل عن العلاقات الخارجية والتحالفات، إذا صحت تسمية تحالف.
الأمر نفسه بالنسبة لمصطلحات أخرى تتراشقها القوى في اشتباكاتها السياسية وغير السياسية، مثل "الحياد"، "الرئيس القوي"، "الجيش القوي"، لكن يتم التعامل مع المصطلح الأخير بحذر كبير، لأن الأكثرية تحرص على تحييد الجيش عن الاصطفافات والخلافات.
اليوم، ثمة مصطلح يحتل الصدارة، "قرار الحرب والسلم"، فنادرا ما يخلو منه خطاب، وهو من "الأدبيات" الرئيسة في العهد الجديد. المصطلح دولي، ومن البديهي تكراره والتمسك به، لكن هل يستطيع لبنان في وضعه الحالي التعامل معه كباقي الدول؟ هل يُسمَح له، وبأي اتجاهات، وفي طرف المعادلة "إسرائيل"، بتاريخها واحتلالاتها وجرائمها؟
يميل المرء إلى تجزئة المصطلح الـ"تريند"، الذي كغيره من المصطلحات ليس له معنى واحد في لبنان، البعض يرى أن هناك من يستخدمه بوظيفية لجعله "مُسَلَّمة" فوق النقاش، مع أنه هو بالتحديد يحتاج نقاشا، ويرى أن تكراره بدون فهم تأثيره يؤدي إلى تبسيطه، وهو ليس بسيطا، وحين يُقَدَمُ كما يحدث الآن بمناخية ضاغطة كونه "ضرورة وطنية" (وهو ضرورة وطنية) ممنوع المساس بها، ولو في تفسير المعنى أو التصويب، كمصطلح بالدلالات اللبنانية، يتحول إلى ما يشبه الأمر الواقع، ويُقحَمُ في ساحة الاتهام بتعطيل قيام الدولة، وقد ازداد هذا المصطلح حرارة بعد موجة التسريبات التي سبقت الموقف الأمريكي الواضح بشأن فتح باب التفاوض السسياسي بين لبنان و"إسرائيل"، وليس بصيغته الحالية كلجان عسكرية خاصة بالنقاط الحدودية المحتلة.
بين "قرار الحرب" و"قرار السلم"، الجميع خلف الدولة في قرار اللا حرب، ومن المفترض أن لا يثير المصطلح الريبة، لكن لبنان في المسار الذي يسير، أو يُرغَمُ عليه، يحتاج حوارا وطنيا حقيقيا يُطمئِنُ الجميع بأن "قرار اللا حرب" لا يجب أن يعني بالضرورة "قرار السلم"، حوارا يحمي الدولة من رأسها إلى جميع مواطنيها. حين تواكبُ القوى المؤثرة حكومتها بما يحفظ مصلحة الدولة، فهي تحمي الحكومة والدولة معا.
الحوار يُجيب على الأسئلة الصعبة، منها: ماذا سيفعل لبنان أمام الضغوط التي ستزداد لإجباره على السير في التطبيع؟ ترتفع أصوات تحذر من أن تكون محاولات إقصاء بعض القوى الرئيسة مرحلة في سياق تصعيدي لتحديد الأحجام في المجلس النيابي المقبل، لاحتمال التوصل إلى إتفاقية مع الجانب الإسرائيلي، ودور مجلس النواب في ذلك.
من واجب الحكومة اللبنانية مصارحة مواطنيها عن الضغوط الخارجية التي لا طاقة لها بها، وهذا سيقود حتما إلى عبارة "تاريخية" أخرى يطيب للبعض استخدامها في الدولة وخارجها، وهي "حروب الآخرين على أرضنا"، وسيقود أيضا إلى تساؤل مشروع حول مصطلح "الحياد"، بنسخته الملبننة "الحياد الإيجابي"، وحول قدرة لبنان على النأي بنفسه بعيدا عن التورط في مشاريع وحروب الآخرين، وعلى أرضه طبعا. وهذه مسألة في غاية الأهمية، لأنها تمس بشكل مباشر بالثقة الضرورية بين أي حكومة وشعبها، وبالثقة المُفتَرَضَة بين شركاء الوطن.
التاريخ القريب يقول إن الإسرائيلي حوَّلَ معاهدات السلام السابقة، أو الأصح تعامل معها منذ البداية كمراحل تسويفية، لم يوقف خلالها حروبه ومشاريعه الاستيطانية، وصولا إلى "تمدده" الأخير في المنطقة، مع الفرق الذي يتضاعف في موازين القوى. والحاضر يقول إن الإسرائيلي يريد تحويل أي حالة "لا حرب" إلى معاهدة سلام.
اليوم، يُخرِجُ الإسرائيلي والأمريكي مفردتي النكبة والنكسة من الخصوصية الفلسطينية إلى العمومية العربية، وكلام ترامب عن تهجير الفلسطينيين وتحويل قطاع غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، أو إقامة دولة فلسطينية على الأراضي السعودية، يصب في الاتجاه.
مع أسفٍ نقول، كانت القمة العربية الأخيرة أقصى المستطاع الرسمي، في خضم متغيرات إقليمية تشبه الزلزال، ينظر نتنياهو فيرى "إسرائيل الكبرى" على مرمى حربٍ أخرى، يرى الوصول إلى فُراتِ سوريا أسهل، عينٌ على فُرات العراق، وأخرى على النيل، لتكتمل دولة الـ"من الماء إلى الماء". قد ينفي الإسرائيلي تصريحا، لكن ما قيمة النفي فعلا والتصريحات والمواقف الأميركية ليست بعيدة عن فكرة "الدولة التوراتية"؟ ماذا يفعل لبنان ومنذ تأسيسه رآه الصهاينة من قبل إقامة كيانهم "خطأ تاريخيا" (مقولة أرييل شارون)، ولربما يعتبرون حروبهم واجبا لـ"تصحيح الخطأ التاريخي"؟
وعند الحليف الأمريكي، لبنان "فائض في الجغرافيا" وفق هنري كسينجر، فأي ضمانة يمكن الركون إليها من القوة العظمى للحفاظ على هذا "الفائض الجغرافي" كدولة، يحتاج المرء أن يفهم جغرافيا بلاده، وأن يفهم شعب بلاده أيضا. كلنا نحتاج ذلك، قبل أن نُجبَرَ جميعا، عربا قبل اللبنانيين، على درس في "الجغرافيا التوراتية"، قد يكون الأقسى، وربما الأخير، ولن يكون عن لبنان فقط.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء لبنان السيادة الحرب السلم لبنان الحرب سيادة السلم مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
مدبولي يؤكد دعم الدولة لمختلف المشروعات الثقافية المتنوعة التي تستهدف تقديم الخدمات خاصة للشباب والنشء
توجه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، خلال جولته بمشروعات المبادرة الرئاسية " حياة كريمة" بالقرى المستهدفة بمحافظة القليوبية، لتفقد مكتبة مصر العامة بمدينة شبين القناطر.
ولدى وصوله لمقر المكتبة، أكد رئيس مجلس الوزراء دعم الدولة لمختلف المشروعات الثقافية المتنوعة التي تستهدف تقديم الخدمات خاصة للشباب والنشء، مؤكدًا أن مكتبات مصر العامة تلعب دورًا محوريًا في نشر الوعي وتنمية مهارات الشباب والأطفال، وهذه المشروعات تأتي تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بالعمل على بناء الإنسان المصري وتحقيق أهداف رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة.
وأكد المهندس/ أيمن عطية، محافظ القليوبية، أن مكتبة مصر العامة بمدينة شبين القناطر تعد إضافة مهمة للمنظومة الثقافية في القليوبية، مشيرًا إلى أن هذه المشروعات تسهم في بناء الوعي والمعرفة لدى الأجيال الجديدة، وهناك حرص على تكثيف الأنشطة والفعاليات في جميع فروع المكتبات بالمحافظة؛ لضمان استفادة أكبر عدد من المواطنين من هذه الخدمات.
وأضاف المحافظ: تعتبر المكتبة الفرع الثاني بالمحافظة بعد مكتبة بنها، وجار العمل على إنشاء فرع ثالث في شبرا الخيمة، وهذا التوسع يعكس مدى اهتمام القليوبية بنشر الثقافة والمعرفة، مؤكدًا أن هذه المكتبات ستظل مصدرًا لإلهام الأجيال القادمة وتخريج المواهب والعظماء القادرين على بناء مستقبل الوطن، كما أكد أهمية القراءة في بناء الوعي والمعرفة للشباب والنشء بالمحافظة.
من جانبه، أوضح السفير/ رضا الطايفي، مدير صندوق مكتبات مصر العامة، أن منظومة مكتبات مصر العامة باتت تضم 34 مكتبة عامة منتشرة في 18 محافظة، إضافة إلى 24 مكتبة متنقلة، لافتا إلى أن مكتبة شبين القناطر هي الفرع 31 لمكتبات مصر العامة على مستوى الجمهورية، كما تعد الفرع الثاني لمكتبات المنظومة في محافظة القليوبية بعد مكتبة بنها، فضلا عن الفرع الثالث للمكتبة في شبرا الخيمة المنتظر افتتاحها في الربع الأول من العام القادم.
فيما أوضحت / أماني ناجي، مدير المكتبة، أن المكتبة الجديدة تضم 3 طوابق بمساحة 210م2، وبها قاعة اطلاع الأطفال، وقاعة اطلاع الكبار، ومركز للحاسب الآلي، وقاعة الأنشطة، كما تضم مسرحاً للعروض الثقافية والفنية، وقاعات أطفال للتعليم والأنشطة الإبداعية (قراءة – رسم – مهارات متنوعة)، وقاعات أخرى حديثة للتدريب مجهزة للكبار وذوي الهمم، بالإضافة إلى مكتبة إلكترونية متطورة.
وخلال تفقده قاعة اطلاع الأطفال الصغار بالطابق الأرضي، أجرى الدكتور مصطفى مدبولي حوارا وديا مع الأطفال، ونصحهم بضرورة الاهتمام بالقراءة في جميع المجالات، مؤكدًا أهمية معرفة تاريخ مصر وحضارتها ومختلف العلوم الأخرى، مؤكدا لهم أن القراءة لا غنى عنها لبناء مستقبل مشرق لهم ولبلدهم.
ثم صعد رئيس الوزراء للطابق الأول وتفقد معمل الحاسب الآلي، وقاعة الأنشطة، وقاعة اطلاع الكبار، حيث أجرى حوارا مع عدد من الطلاب المترددين على المكتبة، والذين أوضحوا استفادتهم من مختلف الأنشطة التي تقدمها المكتبة لهم، بجانب القراءة والاطلاع على أحدث الموسوعات العلمية، كما استمع إلى ابتهالات دينية قدمتها إحدى الطالبات في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم.