عربي21:
2025-06-10@20:38:37 GMT

قرار الحرب وقرار السلم.. لبنان مثالا

تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT

للمصطلحات في لبنان معاجمُها الخاصة، تختلف باختلاف مُطلقيها. في المبدأ، هي مصطلحات في صلب أي نظامٍ سياسي، لا تكتمل الدولة بدونها، لكنها تصير إشكالية في النسخة اللبنانية. كلمة "السيادة" مثلا، لا تفيد المعنى ذاته لدى الجميع، تُفهَمُ أو تُوظَفُ عند البعض بصورة تختلف عند فريقٍ آخر، تتغير المواقف بشأن هذا المصطلح ربطا بالعلاقات الخارجية لكل فريق، ولا يبقى الأمر محصورا في دائرة القوة السياسية هذه أو تلك، يتحول إلى حالة شعبية.



يفضل اللبنانيون كلمة "الجمهور"، يعطونها "قيمة" أكبر، وهي مُجَرَبة في "شد العصب" الذي قد يكون سياسي التمظهر، لكن الكل يدرك أن عنصره الأكثر فاعلية هو الطائفية والمذهبية؛ رغم أن معظم الأطراف تؤكد الابتعاد عنهما. يفرض ذلك "الأدبيات" اللبنانية، وتشترك في "اللعبة" ماكينة تضم السياسي والصحافي والمثقف والفنان، كل في "اختصاصه"، يشارك بتعميم خطاب يترك للجمهور (ظاهريا) حيزا واسعا في كيفية فهم وتوظيف المصطلحات والشعارات في الاصطفاف أو الاتهام السياسيين، بمسافة لا تبعد كثيرا عن الشارع الذي يحذر منه الجميع، مع أن الجميع تقريبا جربه، نقَلَ الخلافات إليه، وكثيرا ما اُسُتخدِم كـ"عصا غليظة" حين تصير الخلافات "خشنة"، خصوصا في مواجهات الدفاع عن "الديمقراطية التوافقية"، التي يقبل بها الجميع والتي يكاد لبنان ينفرد فيها وحيدا.

تجيد القوى اللبنانية التحرك في هذه المساحات، وتوظيفها بما يناسب برامجها السياسية، التي لا يمكن قراءتها بمعزل عن العلاقات الخارجية والتحالفات، إذا صحت تسمية تحالف.

الأمر نفسه بالنسبة لمصطلحات أخرى تتراشقها القوى في اشتباكاتها السياسية وغير السياسية، مثل "الحياد"، "الرئيس القوي"، "الجيش القوي"، لكن يتم التعامل مع المصطلح الأخير بحذر كبير، لأن الأكثرية تحرص على تحييد الجيش عن الاصطفافات والخلافات.

اليوم، ثمة مصطلح يحتل الصدارة، "قرار الحرب والسلم"، فنادرا ما يخلو منه خطاب، وهو من "الأدبيات" الرئيسة في العهد الجديد. المصطلح دولي، ومن البديهي تكراره والتمسك به، لكن هل يستطيع لبنان في وضعه الحالي التعامل معه كباقي الدول؟ هل يُسمَح له، وبأي اتجاهات، وفي طرف المعادلة "إسرائيل"، بتاريخها واحتلالاتها وجرائمها؟

يميل المرء إلى تجزئة المصطلح الـ"تريند"، الذي كغيره من المصطلحات ليس له معنى واحد في لبنان، البعض يرى أن هناك من يستخدمه بوظيفية لجعله "مُسَلَّمة" فوق النقاش، مع أنه هو بالتحديد يحتاج نقاشا، ويرى أن تكراره بدون فهم تأثيره يؤدي إلى تبسيطه، وهو ليس بسيطا، وحين يُقَدَمُ كما يحدث الآن بمناخية ضاغطة كونه "ضرورة وطنية" (وهو ضرورة وطنية) ممنوع المساس بها، ولو في تفسير المعنى أو التصويب، كمصطلح بالدلالات اللبنانية، يتحول إلى ما يشبه الأمر الواقع، ويُقحَمُ في ساحة الاتهام بتعطيل قيام الدولة، وقد ازداد هذا المصطلح حرارة بعد موجة التسريبات التي سبقت الموقف الأمريكي الواضح بشأن فتح باب التفاوض السسياسي بين لبنان و"إسرائيل"، وليس بصيغته الحالية كلجان عسكرية خاصة بالنقاط الحدودية المحتلة.

بين "قرار الحرب" و"قرار السلم"، الجميع خلف الدولة في قرار اللا حرب، ومن المفترض أن لا يثير المصطلح الريبة، لكن لبنان في المسار الذي يسير، أو يُرغَمُ عليه، يحتاج حوارا وطنيا حقيقيا يُطمئِنُ الجميع بأن "قرار اللا حرب" لا يجب أن يعني بالضرورة "قرار السلم"، حوارا يحمي الدولة من رأسها إلى جميع مواطنيها. حين تواكبُ القوى المؤثرة حكومتها بما يحفظ مصلحة الدولة، فهي تحمي الحكومة والدولة معا.

الحوار يُجيب على الأسئلة الصعبة، منها: ماذا سيفعل لبنان أمام الضغوط التي ستزداد لإجباره على السير في التطبيع؟ ترتفع أصوات تحذر من أن تكون محاولات إقصاء بعض القوى الرئيسة مرحلة في سياق تصعيدي لتحديد الأحجام في المجلس النيابي المقبل، لاحتمال التوصل إلى إتفاقية مع الجانب الإسرائيلي، ودور مجلس النواب في ذلك.

من واجب الحكومة اللبنانية مصارحة مواطنيها عن الضغوط الخارجية التي لا طاقة لها بها، وهذا سيقود حتما إلى عبارة "تاريخية" أخرى يطيب للبعض استخدامها في الدولة وخارجها، وهي "حروب الآخرين على أرضنا"، وسيقود أيضا إلى تساؤل مشروع حول مصطلح "الحياد"، بنسخته الملبننة "الحياد الإيجابي"، وحول قدرة لبنان على النأي بنفسه بعيدا عن التورط في مشاريع وحروب الآخرين، وعلى أرضه طبعا. وهذه مسألة في غاية الأهمية، لأنها تمس بشكل مباشر بالثقة الضرورية بين أي حكومة وشعبها، وبالثقة المُفتَرَضَة بين شركاء الوطن.

التاريخ القريب يقول إن الإسرائيلي حوَّلَ معاهدات السلام السابقة، أو الأصح تعامل معها منذ البداية كمراحل تسويفية، لم يوقف خلالها حروبه ومشاريعه الاستيطانية، وصولا إلى "تمدده" الأخير في المنطقة، مع الفرق الذي يتضاعف في موازين القوى. والحاضر يقول إن الإسرائيلي يريد تحويل أي حالة "لا حرب" إلى معاهدة سلام.

اليوم، يُخرِجُ الإسرائيلي والأمريكي مفردتي النكبة والنكسة من الخصوصية الفلسطينية إلى العمومية العربية، وكلام ترامب عن تهجير الفلسطينيين وتحويل قطاع غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، أو إقامة دولة فلسطينية على الأراضي السعودية، يصب في الاتجاه.

مع أسفٍ نقول، كانت القمة العربية الأخيرة أقصى المستطاع الرسمي، في خضم متغيرات إقليمية تشبه الزلزال، ينظر نتنياهو فيرى "إسرائيل الكبرى" على مرمى حربٍ أخرى، يرى الوصول إلى فُراتِ سوريا أسهل، عينٌ على فُرات العراق، وأخرى على النيل، لتكتمل دولة الـ"من الماء إلى الماء". قد ينفي الإسرائيلي تصريحا، لكن ما قيمة النفي فعلا والتصريحات والمواقف الأميركية ليست بعيدة عن فكرة "الدولة التوراتية"؟ ماذا يفعل لبنان ومنذ تأسيسه رآه الصهاينة من قبل إقامة كيانهم "خطأ تاريخيا" (مقولة أرييل شارون)، ولربما يعتبرون حروبهم واجبا لـ"تصحيح الخطأ التاريخي"؟

وعند الحليف الأمريكي، لبنان "فائض في الجغرافيا" وفق هنري كسينجر، فأي ضمانة يمكن الركون إليها من القوة العظمى للحفاظ على هذا "الفائض الجغرافي" كدولة، يحتاج المرء أن يفهم جغرافيا بلاده، وأن يفهم شعب بلاده أيضا. كلنا نحتاج ذلك، قبل أن نُجبَرَ جميعا، عربا قبل اللبنانيين، على درس في "الجغرافيا التوراتية"، قد يكون الأقسى، وربما الأخير، ولن يكون عن لبنان فقط.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء لبنان السيادة الحرب السلم لبنان الحرب سيادة السلم مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

صوفان: الإفراج عن الموقوفين هو دور لجنة السلم الأهلي، والأحداث الأخرى كحالات الخطف أو غيرها تقوم الدولة بكل إمكانياتها لملاحقة المطلوبين والمسؤولين عنها

2025-06-10najwaسابق نور الدين البابا: بعض الأسماء التي يسلط عليها الضوء اليوم وحولها الكثير من إشارات التعجب والاستفهام، ساعدت خلال معركة ردع العدوان على تحييد الكثير من القطع العسكرية التابعة للنظام البائد وهذا ما عجل النصر وتحرير سوريا انظر ايضاًنور الدين البابا: بعض الأسماء التي يسلط عليها الضوء اليوم وحولها الكثير من إشارات التعجب والاستفهام، ساعدت خلال معركة ردع العدوان على تحييد الكثير من القطع العسكرية التابعة للنظام البائد وهذا ما عجل النصر وتحرير سوريا

آخر الأخبار 2025-06-10مؤتمر صحفي لعضو اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي في وزارة الإعلام بدمشق 2025-06-10سلام: لبنان يعمل والمجتمع الدولي لضمان عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم 2025-06-10أجواء حارة بشكل عام وسديمية في المناطق الشرقية والبادية 2025-06-09كلية طب الأسنان في جامعة دمشق تحصل على الاعتماد الأوروبي ضمن ‏برنامج ‏Leader‏ الذي تقدمه الجمعية الأوروبية لطب الأسنان ‏ 2025-06-09“الوفاء والصمود” فعالية جماهيرية بحمص في ذكرى رحيل الشهيد الساروت وحصار حمص 2025-06-09وزير التربية والتعليم لـ سانا: التعليم ركيزة أساسية للتنمية وبناء سوريا الجديدة ‏ 2025-06-09وفاة طفلة غرقاً في بحيرة بريف عفرين شمال غرب حلب 2025-06-09ذبح 894 أضحية في مسلخ دمشق الفني خلال أيام عيد الأضحى 2025-06-09بمناسبة حلول عيد الأضحى.. الرئيس الشرع يستقبل وزير الداخلية وعدداً من مسؤولي الوزارة 2025-06-09منتخب سوريا لكرة القدم للرجال يواجه نظيره الأفغاني غداً في تصفيات كأس آسيا

صور من سورية منوعات تقرير علمي: ذوبان الأنهار الجليدية يغير وجه العالم ويهدّد حياة الملايين 2025-06-08 حلويات العيد: صناعة عريقة وطقوس ينتظرها السوريون من عيد لآخر 2025-06-03فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • فوضى المولدات.. ملاحقة المخالفات مستمرة وستطال الجميع
  • تحذير إسرائيلي من عواقب استمرار ارتكاب جرائم الحرب ضد الفلسطينيين
  • صوفان: الإفراج عن الموقوفين هو دور لجنة السلم الأهلي، والأحداث الأخرى كحالات الخطف أو غيرها تقوم الدولة بكل إمكانياتها لملاحقة المطلوبين والمسؤولين عنها
  • صوفان: إعطاء الأمان الذي حصل في بداية التحرير ساهم إلى حد كبير في حقن الدماء، هناك إنجازات كبرى تحققت في مجال السلم الأهلي شهد بها القاصي والداني
  • صوفان: من ضمن الصلاحيات التي طلبناها من رئيس الجمهورية إمكانية القيام بإجراءات، منها إطلاق سراح الموقوفين الذين لم تثبت إدانتهم إضافة إلى أمور تفاعلية مع مؤسسات الدولة
  • صوفان: وجود شخصيات على غرار فادي صقر ضمن هذا المسار له دور في تفكيك العقد وحل المشكلات ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد.. نحن نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا في مرحلة السلم الأهلي مضطرون لاتخاذ قرارات لتأمين استقرار نسبي للمرحلة
  • رئيس الوزراء اللبناني: الدولة فقط المنوط بها امتلاك السلاح وقرار الحرب والسلم
  • فضل الله: الدولة قادرة على حشد عناصر القوة التي تملكها لمواجهة الاعتداءات
  • رابطة قدماء القوى المسلحة هنأت قوى الامن بعيدها
  • النساء على الخطوط الأمامية.. كيف قلبت الحرب الأخيرة موازين القوى في الجيش الإسرائيلي؟