لجريدة عمان:
2025-06-15@04:34:37 GMT

من يسدل الستار على «مسرح الابتكار»؟

تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT

في عام (2014)، أعلنت شركة (ثيرانوس) الناشئة في وادي السيليكون ابتكارها التحويلي في فحوصات الدم، وتبعًا للاهتمام العلمي والمجتمعي بهذا الابتكار الواعد؛ قُدّرت قيمة الشركة في ذلك الوقت بتسعة مليارات دولار، ولكن كشفت الأحداث المتتابعة بأن التقنيات والأجهزة التي يقوم عليها الابتكار لم تكن ذات جدوى واقعية، مما عرَّض مؤسسي الشركة للمحاكمة بتهمة الاحتيال، واستقطبت هذه المحاكمة التي انتهت في عام (2023م) اهتمامًا واسعًا داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، وعلى سبيل المثال، وصفت إحدى التغطيات الإعلامية قصة شركة (ثيرانوس) بأنها أحد أشكال رمزية «مسرح الابتكار»، وأن ما أعلن عنه بأنه ابتكار «لم يكن سوى أنصاف حقائق، لأن ادعاء شركة (ثيرانوس) بقدرتها على إجراء فحوصات الدم باستخدام قطرة من وخزة إصبع بدلًا من إبرة في الوريد ليس سوى سراب»، والسؤال: هل مسرح الابتكار ظاهرة جوهرية تستحق التوقف والتحليل، أم أنها مجرد حالات فردية لشركات ناشئة وطموحة؟

في البدء، لا بد من الإشارة إلى أن «مسرح الابتكار» هو في الأصل مصطلح علمي وليس تعبيرًا مجازيًا في الصحافة، وقد صاغ هذا المصطلح المؤلف ورائد الأعمال المشهور (ستيف بلانك)، ويمكن القول إن هذا المصطلح لم يكتسب الاهتمام مثل جميع المصطلحات الشائعة في الابتكار سوى مؤخرًا، وذلك مع تكرار قصص الابتكارات التحويلية التي هي في الأصل ليست ابتكارات حقيقية، ويفترض مفهوم مسرح الابتكار بأن الميل العام للإشارة إلى معظم ممارسات الرشاقة الاستراتيجية والتفكير التصميمي كمصادر نموذجية للابتكار يعكس حالة عدم الفهم الكامل لجذور الابتكار، ويحدث ذلك بقصد أو دون قصد، وتؤدي في النهاية إلى فشل الابتكارات بعد أن تصل إلى ذروة التوقعات المبالغ فيها.

والوقوع في فخ مسرح الابتكار لا ينطبق على الشركات الناشئة والقائمة على التكنولوجيا وحسب مثل شركة (ثيرانوس)، ولكنه يحدث مع جميع محاولات التطوير والابتكار الفردي والمؤسسي، ونجد أن مجموعات الابتكار والشركات والمؤسسات تعمد إلى زيادة عدد الأنشطة المولدة للابتكار، مثل حلقات العمل النقاشية، وبرامج دعم الأفكار الابتكارية، ومسابقات الهاكثون، والمختبرات ومسرعات الشركات وبالتالي، والمنطق الظاهري يتوقع بأن وجود هذه الممارسات يُعد محرّكًا لأن تصبح المؤسسات أكثر قدرة على الابتكار، ولكن في الواقع، هناك احتمالات عديدة بأن تنفيذ هذه الأنشطة على طول سلسلة الابتكار لا يعدو كونه نشاطا سطحيا يُوجد عملًا غير ضروري للمؤسسة، ولا يضيف قيمة حقيقية للابتكار المؤسسي، فهو يصنع الضجيج ويبقي فرق العمل مشغولة ولكن دون إضافة القيمة إلى الابتكار.

وبمعنى أدق، فإن ظاهرة مسرح الابتكار هي محاولة المبتكرين والمؤسسات للاستجابة للمتغيرات الخارجية، ومتطلبات التطور، وذلك من خلال محاكاة الممارسات المتعارف عليها، وتنفيذ الأنشطة الهجينة والرمزية، والتي ليس لها تأثير جوهري على أي مرحلة من مراحل عملية الابتكار، ولكن في بعض الأحيان، قد يتم الخلط بين حالات مسرح الابتكار وبين محاولات الفشل في تطوير الفكرة الابتكارية، وهما نوعان مختلفان من نتائج المحاولات، وتختلف الدوافع فيهما بشكل جذري، ففي إطار سعي المؤسسات لانتهاج مسارات ابتكارية، أصبحت أنشطة توليد الأفكار -مثل الهاكاثونات ومسابقات الأفكار- من الممارسات الراسخة التي تكتسب قيمة كبيرة، وإذا فشلت هذه الأفكار بسبب العوائق المنهجية، أو تحديات في التنفيذ فإن هذه الجهود لا تصنف ضمن ظاهرة مسرح الابتكار، لأن الفشل هو جزء لا يتجزأ من العملية التطويرية، ويمكن التعامل مع هذه الحالات بتفعيل الأدوار الحيوية لمُمارسي الابتكار في المؤسسة، مثل إضافة وحدات للدعم في هيكلية المؤسسة، ووضع خطط موجهة لتسهيل مرحلة تنفيذ مبادرات الابتكار، والتركيز على استكشاف آفاق جديدة للعمل، ورسم صورة للمستقبل المنشود، ولكن مع مواجهة اللحظة الراهنة لفهم مسألة الطموح بشكل واقعي، لأن كل جهد في الابتكار هو بمثابة قرار استثماري، وعلى متخذي القرار المفاضلة بين تحقيق الاستدامة والنمو المتسارع، أو المحافظة على البقاء بتحقيق العائد المتوقع وبأقل درجة من المخاطر.

وأما حالات مسرح الابتكار فهي على النقيض تمامًا من المحاولات الفاشلة، لأنها تتميز بوجود حالة عدم الترابط بين التوقعات والممارسات الفعلية، وكذلك بغياب التوافق بين الطموح ومحركات التنفيذ، ويعود ذلك إلى عدم وجود دوافع حقيقية لدعم الابتكار، وبذلك تقتصر الممارسات على مواكبة الحراك القائم، وليس على تثمين القيمة المكتسبة من الابتكار، ونجد أمثلة كثيرة على نشوء ثقافات مؤسسية غير صحيحة، مثل الاعتقاد بأن الوحدات الإدارية أو المجموعات المعنية بالابتكار يجب أن تكون حرفيًا ودائمًا مُبدعةً، وذلك من حيث إمداد المؤسسة بمخزون لا ينضب من الأفكار الإبداعية التي قد تُستخدم أو لا تُستخدم، وهذا التوجه يتسبب في تراكم مبادرات الابتكار غير المنجزة، وبالتالي هدر الوقت والجهد لإضفاء طابع مسرحي على الابتكار، ولكن دون الوصول إلى مخرجات حقيقية وذات قيمة في التطوير والابتكار.

وعلى الرغم من أن مسرح الابتكار شائع جدًا على كل المستويات؛ إلا أن هناك فهمًا محدودًا بشأن المخاطر والتبعات السلبية التي يمكن أن تنشأ من هذه الظاهرة، فالهاجس الأكبر هو في احتمالية أن تتورط شركات الابتكار في قضايا الاحتيال، ولكن الآثار السلبية لمسرح الابتكار أكبر بكثير، وتشمل العديد من الجوانب الفردية والمؤسسية، وعلى عدة مستويات؛ وفي مقدمتها يأتي فشل مجموعات الابتكار والمؤسسات في اقتناص فرص إطلاق محركات ابتكارية لحلول جديدة وواقعية للتحديات التي تواجهها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تُحدث أنشطة الابتكار المجزأة والمهجورة فجوات عميقة تحول دون القدرة على إحياء الأفكار الابتكارية عندما تتوفر الدوافع الجدية لتبني الجهود، وتوجيهها إلى المسار الصحيح في التنفيذ.

إن ظاهرة «مسرح الابتكار» لا ترتبط بشكل حصري مع الشركات العلمية والتكنولوجية التي تطلق ابتكارات وهمية بغية الحصول على قيمة سوقية في القطاعات الصناعية الرائدة، ولكنها كامنة في معظم محاولات التطوير التي تضع مبادرات ابتكارية ذات وقع ملفت، ولكن تأثيرها في إضافة القيمة الابتكارية ضئيل أو معدوم، وعلى المجتمع العلمي مسؤولية تفعيل أدوات أكثر دقة لتقييم التأثير المحتمل في قياس مخرجات الابتكار بشكل واقعي، وأخلاقي لضمان مصداقية الجهود المعرفية والابتكارية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مجمع إرادة: التوتر اضطراب طبيعي ولكن استمراره دون تدخل يكون ضارًا

أميرة خالد

أوضح مجمع إرادة والصحة النفسية بالرياض عضو تجمع الرياض الصحي الثالث، أن التوتر أو القلق هو جزء طبيعي من الحياة، ويمثل استجابة الجسم الطبيعية للضغوط والتحديات اليومية، وفي بعض الحالات يمكن أن يكون مفيدًا، ويساعد على التركيز والإنجاز واتخاذ القرارات بسرعة، غير أن التوتر يصبح ضارًا إذا استمر لفترات طويلة وأثّر سلبًا على حياة الشخص دون إدارة صحيحة.

وبين استشاري الطب النفسي، المساعد للخدمات الطبية بالمجمع الدكتور عبدالإله بن خضر العصيمي، أن ردود فعل الجسم أثناء التوتر والقلق ناتجة عما يسمى “الجهاز العصبي الذاتي السمبثاوي”، وهرمونات التوتر في الجسم التي بدورها تقوم بتنظيم وظائف الأعضاء والغدد في الجسم بصورة ذاتية، وتتأثر بالضغوط الخارجية والبيئية وما تتلقاه الحواس غالبًا.

وأوضح أن هذا الاضطراب يظهر في عدة صور، أشهرها وأكثرها شيوعًا الخوف المفرط من أشياء -لا تشكِّل خطرًا حقيقيًا أو يكون هذا الخطر ضئيلًا- كبعض الحشرات، والدماء، والإبر، والرعد، والقطط، وركوب الطائرة، والمرتفعات، والأماكن الضيقة، والمصاعد وغيرها، ويطلق عليه الرهاب المحدَّد، ويمكن أن يحدث على شكل نوبات هلع متكررة، وتصل ذروة النوبة غالبًا خلال عشر دقائق، وغالبًا ما ترافقها أعراضًا جسدية، ويشعر المصاب بها بالتوتر والقلق الشديد من حدوث نوبة أخرى قادمة، ويتوتر أيضًا متوقعًا إصابته بمرض خطير أو مميت أو فقدان السيطرة، كما أنه يكون على شكل خوف من الإحراج أو الانتقاص أثناء التفاعل الاجتماعي وخصوصًا في بعض المواقف (مثل التحدث أمام الجمهور) ويصاحبه انسحاب من تلك المواقف، أو ظهور أعراض جسدية محددة مثل رعشة الأطراف، التعرق، الخفقان، وصعوبة في الكلام، ويطلق عليه “القلق الاجتماعي”، إضافة إلى أنه ينتج عن كثرة تناول الكافيين، واضطراب النوم، أو بعد تناول أدوية معينة، ونادرًا بسبب مرض عضوي، أو بعد تناول مواد منشطة.

وأفاد أن هذا الاضطراب يحدث لدى الأطفال بعد عمر السنتين فيما يسمى اضطراب “قلق الانفصال عن الوالدين”، ويتضمن الخوف المفرط من الانفصال عن الوالدين أو الأشخاص المقربين، مبينًا أن التوتر والقلق يكون عامًا وبشكل يومي تقريبًا، ويعاني المصاب به من تفكيرٍ وهمّ مفرط في الأحداث اليومية، والخوف من حدوث أسوء الاحتمالات، ويكون مصحوبًا بالتململ والإحساس بالتعب وضعف التركيز وسرعة الغضب، ويترافق معه بعض الأعراض الجسدية واضطراب النوم.

وأشار المساعد للخدمات الطبية بمجمع إرادة بالرياض، إلى أن هناك اضطرابات توتر وقلق أخرى، منها، رهاب الساح أو (رهاب الخلاء) ويأتي على شكل خوف من أن يكون في مكان ما أو الخروج عندما يكون الهروب صعبًا أو محرِجًا، أو عندما تكون المساعدة غير متوفرة، وغالبًا يتم تجنُّب هذه (الأماكن أو الأوضاع) من الشخص، ومنها ما هو مصاحب لاضطرابات الصدمة (مثل التعرض للقتل أو الكوارث الطبيعية أو الحوادث الخطيرة أو غيرها)، وتشمل الأعراض أيضًا اليقظة المفرطة، وظهور ذكريات مرتبطة بالصدمة بشكل مفاجئ، والسلوكيات التجنبية، والأرق والأحلام السيئة المرتبطة بالصدمة، وأعراض الاكتئاب وغيرها.

وأضاف الدكتور العصيمي، أن من ضمن العوامل للإصابة بالتوتر أو القلق، ضغوط الحياة وتغيراتها التي ينتج عنها رد فعل مفرط غير متكيف يصاحبه أعراض القلق “العلاقة مع الآخرين، العمل، الدراسة، الأمور المالية، الزواج، الطلاق ونحوها”، وتسهم أنماط التفكير السلبية والشخصية وتأثير البيئة المحيطة والتاريخ العائلي كعوامل أخرى تحفز التوتر والقلق.

وعن مضاعفاته، أوضح أن القلق كاضطراب مستمر يعيق حياة الشخص مهنيًا وأكاديميًا واجتماعيًا، ويصاحبه أعراض عضوية مزعجة كارتفاع في ضغط الدم، والسكر، وأعراض الجهاز الهضمي، والأعراض العصبية، والشد في الجسم، وضعف المناعة، والعجز الجنسي.
وعن مواجهة التوتر أو القلق فبيّن أن ذلك يكون بتخفيف تناول الكافيين أو ما يمكن أن يزيد من التوتر، وتعديل النظام الغذائي إلى صحي، وتنظيم النوم، ووضع جدول من النشاطات والهوايات الممتعة، وتنظيم الوقت والأولويات، وأخذ قسطٍ من الراحة وممارسة التأمل وطرق الاسترخاء كالتنفس العميق وغيره.

وذكر الدكتور عبد الإله العصيمي أن العلاج بالأدوية النفسية والجلسات النفسية لدى المختصين في الطب النفسي، وعلم النفس الإكلينيكي، والمتابعة في الخطة العلاجية المقررة تساعد في علاج أغلب اضطرابات التوتر والسيطرة عليها بشكل فعال.

مقالات مشابهة

  • جيش الاحتلال: استهداف مقر "منظمة الابتكار والبحوث الدفاعية الإيرانية" في طهران
  • البعد الأخلاقي في مسيرة الابتكار الإنساني (3- 3)
  • مجمع إرادة: التوتر اضطراب طبيعي ولكن استمراره دون تدخل يكون ضارًا
  • الآسيوي يزيح الستار عن جدول مباريات العراق في تصفيات كأس آسيا تحت 23 عاماً
  • تعزيز الشراكات لتصدير الابتكار: عبد العزيز مستاوي يؤكد أهمية تأجير براءات الاختراع في دعم الاقتصاد الأخضر
  • أحمد موسى: مصر لم ترفض دخول قافلة الصمود ولكن تدعو لاحترام السيادة والتنظيم
  • الاتفاق تم.. ولكن التوقيع مؤجل: مودريتش يضع هذا الشرط قبل إعلان انتقاله إلى ميلان
  • «مصطفى بكري»: مصر لا تمانع من مرور قافلة الصمود لمساعدة الفلسطينيين ولكن يجب التنسيق أولا
  • سرقة ووفاة وتنازل وبراءة.. القصة الكاملة لإسدال الستار على سرقة فيلا نوال الدجوي
  • ياسين: مع التكنولوجيا ولكن ليس على حساب السيادة والقانون