رسم خريطة الخسائر البشرية للصراع في الكونغو الديمقراطية
تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT
تواجه جمهورية الكونغو الديمقراطية واحدة من أكبر أزمات النزوح والمساعدات الإنسانية في العالم بعد أن أجبرت المواجهات العسكرية آلاف السكان على مغادرة المنطقة.
فقد دفعت أعمال العنف المستمرة وعدم الاستقرار ملايين الأشخاص إلى الفرار من منازلهم، حيث قُتل ما لا يقل عن 7 آلاف شخص في الأشهر الأخيرة، وتعرض العديد منهم للإصابة.
كانت أعمال العنف هذا العام مدفوعة إلى حد كبير من قبل الجماعات المسلحة، وخاصة المتمردين من جماعة إم 23، الذين كثفوا هجماتهم في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
في يناير/كانون الثاني، سيطرت مجموعة إم 23 على مدينة غوما، عاصمة مقاطعة شمال كيفو الغنية بالمعادن، قبل أن تستولي على بوكافو، عاصمة مقاطعة جنوب كيفو المجاورة، في فبراير/شباط. ومنذ ذلك الحين، واصلوا تقدمهم نحو الغرب.
تأسست قوات إم 23 في عام 2012 بواسطة جنود كونغوليين سابقين، معظمهم من قبيلة التوتسي.
أخذت المجموعة اسمها من "حركة 23 مارس"، في إشارة إلى تاريخ توقيع اتفاقيات السلام عام 2009 بين حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية والحزب الكونغولي للدفاع عن الشعب، والتي كانت تهدف إلى دمج مقاتلي الحزب في الجيش الحكومي.
لكن قوات إم 23 اتهمت لاحقًا الحكومة بعدم تنفيذ الاتفاق بشكل كامل، مما دفعهم إلى بدء تمردهم.
سيطر متمردو إم 23 على مدينة غوما في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 لفترة قصيرة، ولكنهم هُزموا واضطروا إلى اللجوء إلى المنفى في عام 2013.
إعلانلكن بعد ما يقارب عقدًا من الركود، عاد هذا الفصيل للظهور في نهاية عام 2021، ومنذ ذلك الحين كثف حملته العسكرية في شرق جمهورية الكونغو.
وفقًا لخبراء الأمم المتحدة، تدعم رواندا مجموعة إم 23 من خلال تزويدهم بالقوات والذخيرة، لكن كيغالي تنفي هذه الاتهامات.
تسارع تقدم متمردي إم 23 فاقم من موجة الصراع الأخيرة في ديسمبر/تشرين الثاني 2024 بعد إلغاء محادثات السلام التي كانت تُجرى في أنغولا بين رئيسي الكونغو ورواندا بسبب الخلافات حول مجموعة إم 23.
فقد أصرّت رواندا على ضرورة وجود حوار مباشر بين حكومة الكونغو ومجموعة إم 23، وهو ما رفضته الحكومة الكونغولية في ذلك الوقت.
تسلسل تسارع الأحداث:27 يناير/كانون الثاني 2025، سيطر متمردو إم 23 على غوما، في أسوأ تصعيد منذ أكثر من عقد، استولوا على أكبر مدينة في شرق الكونغو، غوما، وهي مركز إنساني حيوي يقع بالقرب من الحدود الرواندية، ويعيش فيها أكثر من مليوني شخص.
16 فبراير/شباط 2025، سيطر متمردو إم 23 على بوكافو حيث تقدم المتمردون في وسط مدينة بوكافو دون مقاومة تذكر، حيث اتهمت الكونغو الديمقراطية رواندا بتجاهل الدعوات لوقف إطلاق النار.
19 مارس/آذار 2025، سيطر متمردو إم 23 على واليكالي وهي مدينة تعدين في شمال كيفو، وتعتبر أبعد نقطة وصلوا إليها غربًا، متجاهلين الدعوات لوقف إطلاق النار من الحكومة الكونغولية ورواندا، ثم أعلنوا انسحابهم من المدينة كإشارة للسلام.
نزوح الملايينتعد جمهورية الكونغو الديمقراطية موطنًا لواحدة من أكبر أعداد النازحين في العالم، حيث نزح أكثر من 7 ملايين شخص، من بينهم 3.8 ملايين في مقاطعتي شمال وجنوب كيفو في شرق البلاد.
وقد اضطر نحو 780 ألف شخص للفرار من منازلهم بين نوفمبر/تشرين الأول 2024 ويناير/كانون الثاني 2025 فقط.
إعلانوفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، منذ 1 يناير/كانون الثاني الماضي، فر أكثر من 100 ألف لاجئ إلى البلدان المجاورة، حيث لجأ 69 ألفا إلى بوروندي، و29 ألفا إلى أوغندا، ونحو ألف إلى رواندا وتنزانيا.
ربع السكان يواجهون نقصًا في الغذاءتظل الوضعية الأمنية في غوما، وهي مركز إنساني رئيسي، شديدة التوتر، حيث تحد القيود المفروضة على الحركة من وصول المساعدات إلى الأشخاص الذين في حاجة ماسة إليها.
يبلغ تقدير عدد سكان جمهورية الكونغو الديمقراطية نحو 112 مليون نسمة.
قبل التصعيد الأخير، كان 21 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وهو الرقم الأعلى عالميًا وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
بحلول نهاية عام 2024، كانت الحروب، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، والأوبئة قد دفعت 25.6 مليون شخص -أي ما يقارب ربع السكان- إلى انعدام حاد في الأمن الغذائي.
وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، كان 2.7 مليون شخص في شمال كيفو وجنوب كيفو وإيتوري يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء قبل التصعيد الأخير.
لقد أدت عمليات النهب التي استهدفت البنية التحتية الإنسانية والمستودعات إلى إعاقة جهود الإغاثة بشكل أكبر.
فقد فُقدت كميات كبيرة من الطعام والدواء والإمدادات الطبية في الهجمات التي استهدفت المنظمات الإنسانية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان جمهوریة الکونغو الدیمقراطیة الأمم المتحدة کانون الثانی أکثر من فی شرق
إقرأ أيضاً:
البرهان لبرنار هنري ليفي: هذه هي الديمقراطية
البرهان لبرنار هنري ليفي: هذه هي الديمقراطية
عبد الله علي إبراهيم
ملخص
قام وفد من الحزب الشيوعي بمدينة عطبرة بزيارة وزير البنى التحتية بولاية النيل ليقدم مبادرة للإسهام في حل مشكلات مياه المدينة لتعقد له محاكمة من أطراف جماعة “صمود” الحالية، وهي الجماعة التي يختلف معها الحزب الشيوعي خلافاً عصيباً منذ خرج عليها في مبدأ الثورة بعد توقيع الوثيقة الدستورية (يوليو 2019) في حين كانت تعرف بـ”قوى الحرية والتغيير”.
زار الفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي السودان في يوليو الماضي ليقف على حربه في عادة فكرية له وهي غشيان وغى الآخرين وتحريه والكتابة عنه. والتقى خلال زيارته الفريق الركن عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة السودانية في مدينة بورتسودان.
وأثار ليفي مسألة الانتقال الديمقراطي الموؤود والعالق منذ ثورة ديسمبر عام 2018. فقال “وساد صمت مطبق… ثم نهض (الجنرال)، وأشار لي بمرافقته إلى نهاية الحديقة القاحلة المظلمة، وبصحبة حفنة من الجنود الشباب المسلحين. خرج إلى الكورنيش حيث يأتي سكان بورتسودان بحثاً عن بعض الهواء النقي. تعرّف إليه بعض الشباب. هناك العشرات، وسرعان ما سيصبحون المئات. انفجرت موجة من التصفيق، وهتافات فرحة ’عاش السودان!‘، وبدأت جولة متواصلة من صور السيلفي”.
“هنا الديمقراطية”، صرخ في وجهي رافعاً قبضته. ثم، بلفتة مهيبة ولطيفة للحاضرين، قال “ذكّروا مروجي الدعاية الذين يتحدثون من دون علم، بأن كمال إدريس، أستاذ القانون المتميز، عيّن رئيساً للوزراء وسيشكل حكومة مدنية مئة في المئة”. بدا لنا أن عبارة الجنرال عن حكومة كمال إدريس مما أراد بها تطييب خاطر الفيلسوف ولم يقصدها لذاتها. ولو أرادها لذاتها لما احتاج إلى أخذ ليفي إلى شط البحر الأحمر ليرى مرأى العين “هذه هي الديمقراطية” من حناجر من اجتمعوا حوله بغير سابق موعد، وظل يلقى مثلهم أينما حل.
بدا لنا أن لا حكومة كامل إدريس، كما هي وربما حكومة تأسيس لـ”الدعم السريع” المسماة “موازية”، مما أراد بها العسكريون الديمقراطية كما يتعلق بها المدنيون منذ الثورة. فهي ربما مما أراد بها العسكريون خلق معبر بينهم و”الملكية” الذين اعتزلوا الحرب بالمرة حين وصفوها بأنها “عبثية” يتناطح فيها جنرالان سكرانان بالسلطان. ومتى قبلوا بحقيقتها جيّروها لمصلحتهم وخاضوها حرباً من وراء الحرب بين “القحاطة” (قوى الحرية والتغيير) و”البلابسة” (القوى المناصرة للقوات المسلحة وفيهم الإسلاميون). وهي فيهم “داحس وغبراء” من عهد الطلب في أروقة الجامعات.
وبينما صفوة المدنيين على هذا المزاج من الحرب عرف الجنرال مزاجاً آخر بين الشعب. فرأى الناس عن كثب، وبثمن فادح، تلاشي الدولة على يد جماعة خالطت الجريمة عندهم السياسة، بل غفرت للقوات المسلحة نفسها قعودها الركيك من دون الدفاع عن الأرض والعرض حين أزف وقته. وعليه فليس مزاجها للحرب غفلة عن الديمقراطية التي تتعلق بها صفوتهم، بل هي حرص حارص على تنزيلها في دولة لا في عتمة مواثيق “ترسى بها حيث تمسي”.
وهذا التوقف عن الديمقراطية مطلقة كما في مزاج كثير من الصفوة مما عرضت له الصحافية الأميركية آن أبلباوم في قصة لها عن حرب السودان بعد زيارة دقيقة نشرتها في “ذا أتلانتيك” (4 أغسطس- آب الجاري). فبينما لم تبرح صفوة السودانيين مصطلح الليبرالية وأشراطها رأت أبلباوم في السودان “نهاية” الليبرالية. فقالت إن عبارة “نهاية العالم الليبرالي” تترامى في ردهات صالات المؤتمرات الأكاديمية ولكنها في الأحامدة، قرية سودانية تأثرت بالحرب كانت قد زارتها، صارت هذه العبارة النظرية حقيقة. فالعالم الليبرالي سبق أن انتهى في السودان ولم يحل محله بديل. فمكنت الفوضى فيه من إشاعة فكرة ثالثة في الحكم. لا ديمقراطية ولا استبدادية، بل فوضوية وعدمية وتبادلية. فأرتنا حرب السودان المهلكة الفوضى والجشع اللذين يحلان محل النظام الليبرالي.
وهذه الأيديولوجيا، إن صح تسميتها كذلك في قولها، أطلقت من عقالها في الخرطوم في أبريل (نيسان) عام 2023 خلال تفريغ للمدينة عنيف ومرتجل حتى إن الناس الذين تحدثت إليهم أجهشوا خلال لقائهم بالبكاء بعد عامين من حدوثه. وهو البكاء الذي من وراء الديمقراطية التي أراها البرهان لليفي في حين تغيب عن صفوة لا تزال أسيرة فقه الليبرالية آية وشكلاً.
لم تطرأ للصفوة السياسية بعد “نهاية الليبرالية” التي نوهت بها أبلباوم في تشخيصها للحال السياسية. وهي عندها ما أشفق الناس لا على الليبرالية، بل مما يحل بعدها وقد غادرت. وهي الحال التي ساقت البرهان لأخذ ليفي ليريه وسط سودانيين عاديين شاغلاً ديمقراطياً أقرب إلى استغاثة وجود منه ديمقراطية مما تريد الصفوة في صورة حكومة كمال إدريس، أو في نقدها.
وجرت واقعتان خلال الأسبوع الماضي مما قد نقترب بهما من فهم مزاج الصفوة الليبرالي بإزاء مزاج شعبي ما بعد ليبرالي. فخرج في الحالة الأولى الصحافي محمد لطيف، مدير دار “طيبة برس”، قبل أيام على فيديو عن أزمة الكهرباء في البلاد وحملها نظام الإنقاذ الأصلي (1989-2019) والحاكم الآن من وراء ستار. وأخذ لطيف بحقه الليبرالي في نقد الحكومة كما ينبغي ليفاجئ المستمع إليه بأن حقيقة الحرب في ما أدلى كاسدة وكأنها مجرد حادثة غير سعيدة.
أما الواقعة الأخرى فهي الحملة التي قامت بها جماعات بعضها ينتمي إلى “صمود” ضد الحزب الشيوعي لأن فرعه في مدينة عطبرة، مركز قوته التاريخية، تقدم إلى سلطات الولاية بتمويل مشروع للطاقة الشمسية لإنارة المدينة. ونفث القائمون على الحملة ليبراليتهم في معارضة حكومة الأمر الواقع في بورتسودان التي ارتكب الحزب الشيوعي خطيئة التعاون معها في شأن ما.
فنعى لطيف خلال كلمته أنظمة الحكم السابقة في السودان، ونظام الإنقاذ بوجه خاص لأنها أهدرت قروضاً ووعوداً حال معهما دون أن تُغطى بخدمة الكهرباء، التي قال إنها لم تعُد ترفاً بل عصب الحياة، أقاليم كثيرة في السودان. ولا يعرف المرء إن كانت المسألة كما كيفها لطيف هي موضوع شكوى الناس في يومنا. فشكوى من شملتهم هذه الخدمة، وهم نفر كثير، هو تخريب “الدعم السريع” لمنشآتها. واعترف لطيف عجلاً به ثم لم يعُد له في كشفه الغطاء عما سماه الفساد الإداري والمالي في قطاع الكهرباء، أي الدولة التي كانت والقائمة أمراً واقعاً في بورتسودان. وتجنب لطيف بصورة لا أعرف كيف ساغت له إدخال شرط الحرب وأداءات أطرافها في معاناة الناس في يومنا من انقطاع التيار الكهربائي، فذكر من دون تعيين الجهة من وراء تدمير الحرب لثلاث محطات حرارية في الخرطوم وحدها هي بحري الحرارية وكرري الحرارية وود البشير.
ولم يطرأ له أن عيش هؤلاء الناس بغير كهرباء في يومنا مما ترتب على تحطيم مسيرات “الدعم السريع” لمنشآت إنتاج الكهرباء منذ يناير) الماضي. وبلغ الاكتواء به حد تظاهر طلاب في مدينة كريمة قبل أيام احتجاجاً على تطاول عيشهم في الظلام. وكان خزان مروي، الذي شيد عام 2009 وينتج 60 في المئة من الطاقة الكهربائية لسائر السودان، في عين عاصفة تلك المسيرات. فجرى ضربه بمسيّرات “الدعم السريع” في الثامن من يناير والـ13 من يناير، والثالث من مارس ، والثالث من أبريل والـ27 من أبريل من هذا العام. فانفجرت جراء المسيّرات في الثامن من يناير محطة مروي للتحويل الكهربائي وأدى ذلك إلى انقطاع كهربائي واسع.
وشب حريق في محطة مروي الكهربائية بعد قصف مسيّرة لـ”الدعم السريع” في الـ13 من يناير أدى إلى إظلام شامل في أنحاء البلاد. وكانت ضربة الثالث من أبريل قاصمة لظهر الإمداد الكهربائي، فشمل الضرب سد مروي ومحطة مروي الحرارية ومقر الفرقة 19 مشاة للقوات المسلحة، واشتعلت الحرائق وصارت المولدات الكهربائية رماداً في المحطة التحويلية. فعم الظلام الولاية الشمالية بصورة كلية. وفي الـ27 من أبريل الماضي استهدف مروي من دون خسائر تذكر، ناهيك عن المسيّرات التي ضربت محطات التحويل الكهربائي في أم دباكر بالنيل الأبيض ونهر سيتيت عطبرة والأبيض والقضارف.
فشكوى لطيف من الفساد في قطاع الكهرباء، الذي حرم سودانيين كثرٍ من الحصول على خدمة الكهرباء إلى يومنا لفساد نظم حكمنا التي سبقت واليوم، جديرة بالاعتبار وإن بدت أكاديمية إلى حد كبير في ظرفنا. ولكن يبكي الناس، كما يقول السودانيون، على الحي. وهم هنا من حال “الدعم السريع” دونهم ودون خدمة تيسرت لهم بغض النظر وحظر قانون الحرب الإنساني من استهداف منشآتها المدنية التي لا يكون عيش الناس إلا بها (المادة 54 من عهد جنيف).
من جهة أخرى، قام وفد من الحزب الشيوعي في مدينة عطبرة بزيارة وزير البنى التحتية بولاية النيل ليقدم مبادرة للإسهام في حل مشكلات مياه المدينة. وتمثلت المبادرة في تمويل شبكة طاقة شمسية لتشغيل محطة مياه عطبرة القديمة وتلافي مشكلات انقطاع التيار الكهربائي وخفض الكلفة من المياه على المواطن بالاستغناء عن المولدات التي تعمل بالغازولين. وجاء خلال بيان الحزب (31 يوليو) أن الوزير رحب بالمبادرة واتفقا على آلية يواصلان بها دراسة المشروع وتنفيذه، وشكر وفد الحزب في ختام بيانه الوزير على “حفاوة الاستقبال وحماسته للمشروع”.
وما صدر البيان حتى عقدت له محاكمة من أطراف جماعة “صمود” الحالية، وهي الجماعة التي يختلف معها الحزب الشيوعي خلافاً عصيباً منذ خرج عليها في مبدأ الثورة بعد توقيع الوثيقة الدستورية (يوليو 2019) في حين كانت تعرف بـ”قوى الحرية والتغيير”. واعتزل الحكومة الانتقالية التي تكونت بإثرها في أغسطس عام 2019، بل دعا إلى إسقاطها. وجاءت الحملة على الشيوعي بمثابة “مباراة رد” عليه استعادت مواقفه من تحالف “صمود” وأصداءها. فخرجت له رشا عوض، محررة صحيفة “التغيير” على “النت” والقيادية في “صمود”، تنقض خطوة الشيوعي على بينة ما كان زعم عن نفسه وعنهم. ورأت في اقتراب الشيوعي من الحكومة التي حاربها في حلف باسم “التغيير الجذري” وحفاوتها به انكساراً معيباً. فتساءلت كيف لتلك الحفاوة من الحكومة أن تكون مع حزب يرفع لواء تغييرها جذرياً. وهنا نكتة سياسية لأن دعوة الشيوعي إلى الجذرية كانت بسبب اتهامه لقوى “صمود” بما سماه “الهبوط الناعم” أي مستسلمة للمجلس العسكري بعد الثورة، بل خلال عهد الإنقاذ نفسه. فقالت رشا عوض ساخرة كيف تكرم حكومة الولاية (وهي عندها حكومة الكيزان لا تزال) وفادة حزب يريد اقتلاعها جذرياً وتغلظ معهم وهم من أراد، بحسب الشيوعي، “التسوية والهبوط الناعم” و”شراكة الدم” مع دولة الكيزان. واستنكرت قول الشيوعي إنهم إنما أرادوا بمشروعهم رفع المعاناة هوناً عن شعبهم. ورأت باطل دعوتهم هذه لأنها تعقد مع حكومة “تسرق الإغاثة من فم الجوعى وتبيعها في السوق”. وعليه فالحكومة ليست “مؤهلة لخدمة الجماهير لمجرد زيارة وفد من الحزب الشيوعي فرع عطبرة لها”.
غير خافٍ مما سبق أن صفوة لا للحرب خاصة تعيش ليبراليتها كاملة غير منقوصة لا في عهد نهاية الليبرالية كما تقول أبلباوم وحسب، بل في حين حلت، بالحرب، الفوضى والجشع والعدمية محلها. فجعلوا معارضتهم للحكومة، وهي استحقاق ليبرالي، سداً من دون أن يمدوا جسراً لتلطيف معاناة شعبهم. فانقطاع الكهرباء عن الناس مما تُسأل الحكومة عنه حصرياً ليزاح الغطاء عن فسادها التليد والحادث. ولا تطرأ لهم الحرب كسبب مباشر في ما عم الناس من إظلام لأن حصولهم على خدمة الكهرباء نفسها دون غيرهم من السودانيين، في ما توحي كلمة لطيف، سقط فساد. وإذا جرأ أحدهم أن يشفق على أهله كشيوعي عطبرة بخدمة أخذوه أخذاً وبيلاً لأنه أحسن الظن بحكومة ليست غير شرعية وحسب، بل الشعب نفسه نهب إرادتها. ولم يستصحب البرهان الفيلسوف الفرنسي الذي سأله عن تجميد التحول الديمقراطي الذي بدأ بالثورة إلى التظاهرة التلقائية التي يعرف أنها ستنعقد حوله سدى. فكما الصورة تغني عن ألف كلمة، أغنت التظاهرة عن كثير.