"فضيحة أتلانتيك" تكشف فوضى إدارة ترامب
تاريخ النشر: 27th, March 2025 GMT
ربما من أعظم الدروس لعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هو التمييز بين الصدمة والمفاجأة.
وفي هذا السياق، أثار مقال نشره رئيس تحرير مجلة "أتلانتيك"، جيفري غولدبرغ، صدمة كبرى، حيث كشف عن إدراجه عن طريق الخطأ في دردشة جماعية على تطبيق سيغنال، كانت تُستخدم لتنسيق ضربة عسكرية ضد الحوثيين في اليمن، وتضمنت المناقشات تفاصيل عن التوقيت، الرسائل السياسية، والخطط العملياتية، دون أن يلاحظ أحد أن غولدبرغ كان جزءاً من المجموعة.
الديمقراطيون يضغطون لتسليم تسريبات محادثة "أتلانتيك" - موقع 24جاء في وثيقة أن مشرعين ديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي، سعوا أمس الأربعاء، إلى إجبار إدارة الرئيس دونالد ترامب على تسليم سجلات متعلقة بالكشف عن خطط عسكرية شديدة الحساسية، تمت مشاركتها عبر تطبيق مراسلة تجاري.
وكتبت الصحافية مويرا دونيغان في صحيفة "غارديان" البريطانية، أن ما جرى لم يكن مجرد خطأ، بل تجسيداً لفوضى إدارة ترامب وافتقارها لأدنى درجات الكفاءة والمسؤولية. فأن يُضاف صحافي بارز إلى محادثة تتعلق بعمل عسكري سرّي، يعكس مستوى غير مسبوق من اللامبالاة والاستهتار، فضلاً عن غرابة التخطيط لضربات جوية عبر مجموعة دردشة.
وتضيف الكاتبة: "إننا نعيش في عصر حيث الناس الذين يتمتعون بالسلطة الفائقة، هم الأقل ملاءمة لها".
Brand-news photos from Atlantic Editor-in-Chief revealed that he was added to the group chat containing several officials of Donald Trump's administration by National Security Adviser Michael Waltz, despite the latter claiming he "never met" the editor. https://t.co/b5U5aATErR
— Irish Star US (@IrishStarUS) March 27, 2025 تخطيط عشوائي لضربة عسكريةفي إطار دعم إدارة ترامب للحروب الإسرائيلية في الشرق الأوسط، سعت إلى استهداف الحوثيين، الذين كانوا يشنون هجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، ووافق ترامب على تنفيذ ضربات جوية أكثر فتكاً وأقل دقة من تلك التي نفذتها إدارة بايدن لاحقاً، بحسب الكاتبة.
وبحسب أحد المشاركين في الدردشة، الذي عرّف عن نفسه بأنه جيه دي فانس، نائب الرئيس، فإن الهدف الرئيسي من الضربة لم يكن استراتيجياً بقدر ما كان "رسالة لإظهار القوة على الساحة العالمية".
What the accidentally leaked war group chat reveals about the Trump administration | Thanks to the Signal leaks, we can see how the administration acts when they think they are in private. It’s not a pretty sight https://t.co/5tWvAy5HOh pic.twitter.com/pdDlisraR1
— George Roussos (@baphometx) March 26, 2025 انتهاك لقواعد السرية والأمن القوميعادةً ما يتم التخطيط لمثل هذه العمليات بسرية تامة، بعيداً عن أعين وسائل الإعلام والحكومات الأجنبية، لضمان سلامة العسكريين المشاركين ومنع أي تدخلات، لكن إدارة ترامب لم تلتزم بهذه القواعد، بحسب الكاتبة، إذ كشفت التسريبات أن كبار المسؤولين ناقشوا الضربة عبر تطبيق سيغنال باستخدام هواتفهم الشخصية، لأن الأجهزة الحكومية لا تسمح بتنزيله. وفي الظروف العادية، تُعقد مثل هذه الاجتماعات في غرف آمنة مزودة بتقنيات مضادة للمراقبة، حيث يُمنع إدخال الهواتف منعاً لتسريب المعلومات.
مستشار الأمن القومي الأمريكي يتحمل مسؤولية "فضيحة أتلانتيك" - موقع 24أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز، أمس الثلاثاء، أنه يتحمل "كامل المسؤولية" عن الخرق الأمني الفاضح، الذي حصل من جراء ضمّه من طريق الخطأ صحافياً إلى مجموعة مراسلة سرية للغاية، ناقش خلالها عدد من كبار المسؤولين شنّ غارات ضدّ الحوثيين في اليمن.
وهذه إجراءات وُضعت لحماية المصالح الأمنية: لمنع أي اختراق من قبل وكالات الاستخبارات الأجنبية أو وسائل الإعلام، ولحماية الأمريكيين، وللامتثال لقوانين حفظ السجلات، والالتزام بهذه الإجراءات يعكس احتراماً للسلطة التنفيذية والقانون.
وبحسب الكاتبة لم يكن اختيار "سيغنال" عشوائياً، إذ إن "مشروع 2025"، الذي صاغته مؤسسة هيرتدج فاونديشن كدليل لسياسات ترامب، أوصى باستخدام تطبيقات مشفرة لإدارة شؤون الدولة، بهدف التحايل على قوانين حفظ السجلات الرسمية.
ويتميز سيغنال بقدرته على محو الرسائل تلقائياً، وقد قام مستشار الأمن القومي، مايكل والتز، بضبط إعدادات الدردشة بحيث يتم حذفها بعد أسابيع، في خطوة تنتهك القوانين الفيدرالية.
خطأ فادح..روبيو يتحدث عن تسريب مناقشات سرية عبر تطبيق سيغنال - موقع 24اعترف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الاربعاء بـ "خطأ فادح" إثر ضم صحافي الى مجموعة دردشة تضم مسؤولين أمريكيين ناقشوا الضربات ضد الحوثيين في اليمن.
تكشف هذه الحادثة عن جوهر إدارة ترامب الثانية: الفوضى، واللامبالاة، والاستهتار بالأمن القومي، وازدراء القوانين والمؤسسات. فهي إدارة تتصرف كما لو أن العواقب لا تعنيها، حتى لو تعلق الأمر بأسرار الحرب. وما كشفته هذه التسريبات ليس مجرد خطأ غير مقصود، بل انعكاس لطريقة إدارة تفتقر إلى الحد الأدنى من الانضباط والمسؤولية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية اليمن ترامب الحوثيين فانس الحوثيون اليمن ترامب البيت الأبيض فانس إدارة ترامب
إقرأ أيضاً:
من التصعيد إلى التهدئة.. ماذا وراء الانسحاب الأمريكي من اليمن؟
في تحول لافت بمسار الحرب الدائرة في اليمن، أعلنت الولايات المتحدة مساء الثلاثاء 6 مايو وقفًا لإطلاق النار مع جماعة الحوثيين، في خطوة وُصفت بأنها تعكس تراجعًا تكتيكيًا أكثر من كونها إنجازًا سياسيًا أو عسكريًا. وجاء الإعلان المفاجئ، الذي تم بوساطة عُمانية، بعد أسابيع من تصعيد غير مسبوق بين القوات الأمريكية والحوثيين، لا سيما في البحر الأحمر.
ذا هيل: ترامب حاول تسويق وقف إطلاق النار بوصفه “انتصارًا أمريكيًا” ونتيجة للقوة، بينما يُظهر الواقع أن هذا التفاهم ما هو إلا تراجع مغلف بالتهويل السياسي
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد فجّر مفاجأة حين أشاد بصمود مقاتلي الحوثيين و”قدرتهم الكبيرة على تحمّل العقاب”، رغم أن إدارته أشرفت على حملة عسكرية ضارية ضدهم، عُرفت باسم “الراكب الخشن”، وبدأت منتصف مارس/ آذار الماضي بهدف ردع الجماعة المدعومة من إيران عن استهداف الشحن الدولي والأصول البحرية الأمريكية.
لكن نتائج الحملة جاءت دون المأمول، إذ أسقط الحوثيون سبع طائرات مسيّرة أمريكية، وفُقدت طائرتان مقاتلتان، وخسرت واشنطن ما يزيد عن مليار دولار، دون تحقيق مكاسب استراتيجية تُذكر.
الكاتب والمحلل السياسي د. عمران خالد، وهو طبيب حاصل على ماجستير في العلاقات الدولية، تناول في مقال نشرته صحيفة ذا هيل الأمريكية هذا التراجع الأمريكي، واعتبره مؤشرًا على فشل نهج القوة في التعاطي مع واقع سياسي وأمني معقد، يتجاوز حدود اليمن ليطال عمق التحالفات الأمريكية في المنطقة.
تهدئة هشة وتصدع في التحالفات
الهدنة التي أعلن عنها ترامب استُثنيت منها إسرائيل بشكل لافت، الأمر الذي أثار استياءً في تل أبيب وكشف، بحسب المراقبين، عن تصدّع في المحور الأمريكي–الإسرائيلي. فالهجمات الحوثية على إسرائيل لم تتوقف، بل وصلت إلى مشارف مطار بن غوريون قبل إعلان الهدنة بأيام، وهو ما ردّت عليه إسرائيل بقصف مطار صنعاء الدولي، دون أن يردع ذلك الحوثيين عن مواصلة استهدافهم للمصالح الإسرائيلية “تضامنًا مع فلسطين”.
ويضيف د. عمران خالد في مقاله أن الحوثيين اعتبروا ما حدث نصرًا رمزيًا واستراتيجيًا في آن، إذ تمكنوا من فرض معادلة ردع غير مسبوقة، أجبرت واشنطن على التفاوض دون تحقيق أهدافها العسكرية، والأهم دون أن يدفع الحوثيون أثمانًا سياسية تجاه إسرائيل.
في المقابل، ظهرت ملامح ارتباك في مواقف بعض الدول العربية الحليفة لواشنطن، خصوصًا تلك التي راهنت على تحجيم الحوثيين عسكريًا وسياسيًا خلال السنوات الماضية. وتشير التقارير إلى أن الإمارات العربية المتحدة – رغم خصومتها العميقة مع الحوثيين – كانت مترددة في دعم التصعيد الأمريكي الأخير، في ما قد يُفهم على أنه بداية لإعادة تقييم أوسع لجدوى التعويل على الولايات المتحدة في الملفات الأمنية الحساسة.
إيران في الخلفية
رغم أنها لم تكن طرفًا مباشرًا في المفاوضات، تُتهم إيران بأنها المحرّك الأساسي للحوثيين. غير أن تقارير متقاطعة تُفيد بأن طهران ربما شجعت الجماعة على الدخول في التهدئة، ضمن حسابات إقليمية أوسع تتعلق بمحادثاتها النووية وسعيها لتخفيف حدة التوتر مع واشنطن.
ذا هيل: منطقة الشرق الأوسط تدخل اليوم مرحلة جديدة من الضبابية، حيث تتقلص موثوقية الولايات المتحدة كضامن أمني، وتتزايد التساؤلات في العواصم العربية حول جدوى التحالف مع واشنطن
ويطرح د. عمران خالد في مقاله تساؤلًا محوريًا: هل وقف إطلاق النار مجرد ترتيب مؤقت فرضه الإنهاك العسكري الأمريكي، أم أنه جزء من تفاهمات غير معلنة بين واشنطن وطهران؟ وفي كلتا الحالتين، تبقى إيران المستفيد الأكبر من استمرار الحوثيين كلاعب فاعل في معادلات الإقليم، خاصة في الضغط على إسرائيل والممرات التجارية الدولية.
تراجع أمريكي مغلف بالتهويل السياسي
وبحسب المقال المنشور في ذا هيل، فإن ترامب حاول تسويق وقف إطلاق النار بوصفه “انتصارًا أمريكيًا” ونتيجة للقوة، بينما يُظهر الواقع أن هذا التفاهم ما هو إلا تراجع مغلف بالتهويل السياسي. ويرى الكاتب أن ما جرى هو “ترتيب تكتيكي” لا أكثر، قابل للانهيار في أي لحظة، خصوصًا مع تأكيد الحوثيين احتفاظهم بحق استئناف الهجمات في أي وقت.
يشير المقال إلى أن منطقة الشرق الأوسط تدخل اليوم مرحلة جديدة من الضبابية، حيث تتقلص موثوقية الولايات المتحدة كضامن أمني، وتتزايد التساؤلات في العواصم العربية حول جدوى التحالف مع واشنطن في ظل هذه التراجعات. أما إسرائيل، التي باتت أكثر عزلة، فمصداقية ردعها أصبحت على المحك، في وقت لا يزال فيه الحوثيون يجنون ثمار سرديتهم كقوة مقاومة تتحدى الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.
وختم د. عمران خالد مقاله بالقول إن قرار ترامب لا يعكس استراتيجية للسلام، بل محاولة للهروب من كلفة صراع لم يُحسم. فكما هي الحال في كثير من قرارات السياسة الخارجية الأمريكية، يبدو أن الشكل غلب المضمون، وأن “الاستراحة” الحالية قد لا تطول في ظل ديناميكيات الشرق الأوسط المتغيرة.