انسحاب قوات الدعم السريع من مواقع استراتيجية في الخرطوم، بما في ذلك القصر الرئاسي والمقر العام للجيش، يشير إلى تراجع نفوذها العسكري والسياسي، مما يعزز موقع الجيش السوداني كفاعل رئيسي في المشهد السياسي. قد يسرع هذا التطور من انهيار التحالفات القبلية والسياسية التي كانت تدعم الدعم السريع، خاصة في ظل تصاعد الخسائر الميدانية وتآكل شرعيتها.


قد تتدخل دول إقليمية مثل مصر والإمارات لدفع الأطراف نحو تسوية سياسية، خاصة إذا استمر تراجع الدعم السريع، مما قد يفتح الباب لمفاوضات جديدة بوساطة دولية أو إفريقية. قد يحاول الجيش استغلال هذه المكاسب لتعزيز شرعيته عبر تشكيل حكومة مدنية موالية له أو إجراء انتخابات، لكن التحدي الأكبر سيكون تحقيق الاستقرار في المناطق الأخرى التي لا تزال خارج سيطرته.
الانسحاب من الخرطوم قد يشكل بداية تحول الدعم السريع إلى قوة إقليمية في دارفور وكردفان بدلاً من كيان وطني يطمح للسيطرة على العاصمة. هذا قد يخلق واقعًا جديدًا حيث يتحول الدعم السريع من طرف رئيسي في الحرب إلى قوة غير مركزية قد تستمر في التأثير من الأطراف. رغم سيطرة الجيش، فإن غياب دعم مدني حقيقي قد يطيل أمد الصراع السياسي. القوى المدنية المنقسمة قد تجد في هذه التطورات فرصة لإعادة تنظيم نفسها، لكنها في نفس الوقت قد تتعرض لضغوط من الجيش للقبول بواقع سياسي جديد يكرس سلطته.
قد تظهر فصائل داخل الجيش أو تيارات إسلامية كقوى مؤثرة، خصوصًا مع استمرار غياب الحلول المدنية القابلة للتطبيق. قد يكون انسحاب الدعم السريع من الخرطوم جزءًا من إستراتيجية لإعادة التموضع في مناطق أكثر أهمية مثل دارفور أو كردفان، حيث يتمتع بقواعد دعم لوجستي وقبلي أقوى. إذا فقدت قوات الدعم السريع القدرة على المواجهة المباشرة، قد تلجأ إلى تكتيكات حرب العصابات في العاصمة أو المناطق الريفية، مما قد يؤدي إلى تصعيد العنف بشكل غير تقليدي.
استعادة الجيش للمواقع الرمزية مثل القيادة العامة يعزز معنويات قواته، لكن التحدي الأكبر سيكون في الحفاظ على الأمن ومنع هجمات انتقامية. يمكن أن يكون الانسحاب مدروسًا بهدف تجنب استنزاف قواته في مواجهة مباشرة مع الجيش السوداني، مع التركيز على عمليات الكر والفر في أماكن أخرى مثل الأبيض ونيالا، مما يسمح له بالمحافظة على تأثيره العسكري دون خسائر ضخمة.
يجب مراقبة ما إذا كانت قوات الدعم السريع ستنجح في إعادة تسليح نفسها عبر طرق تهريب السلاح من ليبيا أو تشاد أو حتى عبر دعم إقليمي غير معلن. وجود قوات الدعم السريع في دارفور يمنحها أفضلية في القتال غير النظامي، حيث يمكنها الاعتماد على التضاريس الوعرة والمعرفة بالبيئة المحلية لتجنب الحصار العسكري.
مع سيطرة الجيش على المراكز الحيوية، قد تشهد العاصمة هدوءًا مؤقتًا، لكن لا يُستبعد حدوث اشتباكات متفرقة أو هجمات مفاجئة من بقايا قوات الدعم السريع. قد تشهد مناطق مثل دارفور وكردفان والنيل الأزرق تصاعدًا في العنف، حيث قد يحاول الدعم السريع تعويض خسائره في الخرطوم عبر السيطرة على موارد إضافية مثل مناجم الذهب والمعابر الحدودية.
الضغوط الدولية قد تدفع الأطراف إلى طاولة المفاوضات، خاصة إذا وصلت المعارك إلى طريق مسدود، لكن أي اتفاق سيكون هشًا ما لم يُضمن مصالح جميع الأطراف، بما في ذلك الميليشيات والقوى المدنية. قد يتحول الصراع إلى نمط غير مركزي، حيث تخوض قوات الدعم السريع حرب استنزاف عبر تفجيرات وعمليات تسلل داخل الخرطوم، فيما يسيطر الجيش على المدن الكبرى دون إنهاء وجود الدعم السريع تمامًا، مما يؤدي إلى حالة "لا حرب ولا سلام".
قد تتدخل أطراف دولية مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الإفريقي لفرض وقف إطلاق النار، مع ضغوط على الجيش والدعم السريع للقبول بتسوية سياسية. في حالة استمرار الانسحابات والخسائر، قد تتفكك قوات الدعم السريع إلى مجموعات أصغر، مما يزيد من الفوضى في دارفور والمناطق الحدودية. قد يظهر لاعبون جدد داخل السودان، مثل الحركات المسلحة في دارفور أو القوى الإسلامية، مما يعقد المشهد أكثر.
رغم المكاسب العسكرية للجيش، فإن استقرار السودان على المدى الطويل سيعتمد على قدرة الجيش على فرض الأمن دون انتهاكات تزيد من السخط الشعبي، وإمكانية دمج قوات الدعم السريع أو تفكيكها دون إطالة أمد العنف، ودور القوى السياسية المدنية في تشكيل حلول سياسية تمنع عودة الصراع. يجب متابعة التحركات الإقليمية خاصة من مصر والإمارات وإثيوبيا والتطورات الميدانية في دارفور، لأنها قد تكون المؤشر الحاسم لمسار الأزمة في الأسابيع المقبلة.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الدعم السریع من فی دارفور

إقرأ أيضاً:

القوات السودانية تصد هجوما واسعا للدعم السريع على الفاشر

قُتل 40 شخصا على الأقل اليوم الاثنين في هجوم لقوات الدعم السريع على مخيم أبو شوك للنازحين في ضواحي مدينة الفاشر بإقليم دارفور في غرب السودان، حسب غرفة طوارئ مخيم أبو شوك، فيما قالت مصادر عسكرية لمراسل الجزيرة نت محمد زكريا إن القوات المسلحة السودانية تمكنت من تحييد أكثر من 254 عنصرا من القوات المهاجمة.

وأفادت غرفة الطوارئ في بيان بمقتل 40 شخصا وإصابة أكثر من 19 "بين الطلقة الطائشة والتصفية المباشرة بعد أن توغلت قوات الدعم السريع داخل مخيم أبو شوك من الناحية الشمالية من الفاشر".

وأكدت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر، وهي مجموعة من المتطوعين المنادين بالديمقراطية، حصيلة القتلى، مشيرة إلى أن "من بينهم من تمت تصفيته بشكل مباشر داخل صفوف المدنيين في مشهد يعكس حجم الانتهاكات المروعة التي تُرتكب بحق الأبرياء العزل".

وتحاصر قوات الدعم السريع مدينة الفاشر ومخيمات اللاجئين المحيطة بها منذ مايو/أيار 2024.

وفي أبريل/نيسان سيطرت عناصر الدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين، الواقع على مقربة من أبو شوك.

وقالت مصادر عسكرية للجزيرة نت إن القوات المسلحة السودانية والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح والمقاومة الشعبية، "تصدت لهجوم قوات الدعم السريع من ثلاثة محاور، على مخيم أبو شوك للنازحين في ضواحي مدينة الفاشر بإقليم دارفور مستخدمة أكثر من 500 سيارة قتالية".

وتابعت المصادر أن هذه المحاولة لاجتياح المدينة تحولت إلى انتكاسة عسكرية، حيث تمكنت القوات المسلحة، مدعومة بالمدافعين، من استعادة عشرات المركبات العسكرية وتحييد المئات من المهاجمين.

وأكدت المصادر للجزيرة نت "أن الهجوم انطلق من الجهات الشرقية والشمالية الشرقية والجنوبية"، مدعوما بآليات ثقيلة ونيران مدفعية كثيفة. ومع ذلك، كانت القوات المسلحة السودانية في حالة استعداد تام، وتمكنت من صد الهجوم واستعادة 34 سيارة قتالية، بما في ذلك مصفحات وعربات "صرصر" بكامل تجهيزاتها، إضافة إلى إحراق 16 مركبة وتحييد أكثر من 254 عنصرا من قوات الدعم السريع.

انتصار ميداني

وقال العقيد أحمد حسين مصطفى، للجزيرة نت إن "الهجوم تم تنفيذه عبر 543 سيارة قتالية، انطلقت من معسكر زمزم للنازحين، الذي استولت عليه قوات الدعم السريع وحوّلته إلى قاعدة عسكرية، بالإضافة إلى تحركات من مناطق جنوب وشمال المدينة"، وأكد أن قوات الدعم السريع "دفعت بمرتزقة ومجموعات تابعة للهادي إدريس والطاهر حجر في مقدمة الهجوم، تحت غطاء مدفعي كثيف، لكن القوات المدافعة تمكنت من تحييد المئات منهم، فيما فرّ من تبقى باتجاه المناطق المفتوحة".

إعلان

وقال أبوبكر أحمد إمام، الناطق الرسمي باسم المقاومة الشعبية للجزيرة نت، إن الهجوم جاء بعد أيام من التحشيد العسكري المكثف، تلاه قصف عنيف استهدف الأحياء السكنية والبنية التحتية داخل المدينة.

وأضاف أن هذا الأمر دفع القوات المدافعة إلى الرد بقوة، مما أسفر عن تكبيد المهاجمين خسائر فادحة موضحا أن "عمليات مطاردة فلول القوات المهاجمة لن تتوقف حتى تأمين كامل محيط المدينة".

وفي رسالة موجهة إلى القادة والجهات المعنية، دعا إمام إلى "تجاوز الشعارات والتحرك العاجل لفك الحصار المفروض على الفاشر، وإنقاذ المواطنين من الكارثة الإنسانية المتفاقمة، وخاصة ما يتعلق بالجوع ونقص الإمدادات الأساسية". وأشار إلى أن "النصر الحقيقي لا يُقاس بعدد المركبات المستردة، بل بقدرة الدولة على حماية المدنيين وتأمين احتياجاتهم".

 

هجوم الدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين في أبريل/نيسان الماضي (شبكات التواصل الاجتماعي) صمود يومي

ومع مرور أكثر من عامين على الحصار، تغيّرت ملامح الفاشر، ليس فقط في بنيتها، بل في وجدان سكانها الذين باتوا يرون في البقاء مقاومة، وفي التماسك انتصارا.

وقال الباحث الاجتماعي أسعد إبراهيم للجزيرة نت "ما يحدث في الفاشر تجاوز حدود المعركة العسكرية"، مشيرا الى أن الناس أعادوا تعريف معنى الحياة، فالأم التي تطعم طفلها من علف الحيوانات، والشاب الذي يوزع الطعام والماء على التكايا والجندي الذي يقاتل وهو يعلم أن أسرته بلا غذاء هؤلاء لا يرون أنفسهم ضحايا، بل جزءا من معركة أكبر من الرصاص".

ورغم القصف المتواصل، خرج سكان بعض أحياء الفاشر للاحتفاء بالمقاتلين، وارتفعت الهتافات من داخل الأزقة المحاصرة، بينما تداول مواطنون في مدن سودانية أخرى صورا ومقاطع توثق لحظات المقاومة، وعبّروا عن تضامنهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدين أن الفاشر تقاتل باسم الجميع.

وقال الناشط الإغاثي عبد المنعم عبد الله للجزيرة نت إن "الفاشر اليوم ليست مجرد مدينة تقاتل، بل باتت تختصر معنى الكرامة في زمن الانكسار وراية مرفوعة في وجه الحصار والجوع والقصف" وأضاف حين "يتابع الناس في الخرطوم ومدني وبورتسودان أخبارها، فهم لا يتابعون معركة بعيدة، بل يتابعون نبضا من وطنهم، ومرآة لوجعهم وأملهم"

وأسفرت الحرب التي تعصف بالسودان منذ أبريل/نيسان 2023 عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 13 مليونا داخل وخارج البلاد فيما تصفه الأمم المتحدة بأكبر أزمة نزوح في العالم.

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يستهدف مواقع للدعم السريع في ولاية شرق دارفور
  • مأساة الكوليرا تضرب النازحين في دارفور.. «المشتركة» تتصدى لهجوم الدعم السريع على الفاشر
  • للمرة 228.. قوات الدعم السريع تفشل في دخول الفاشر
  • تحقيق إعلامي يكشف وجود قاعدة عسكرية لمليشيا الدعم السريع مخبأة في الصحراء الليبية
  • القوات السودانية تصد هجوما واسعا للدعم السريع على الفاشر
  • مجددا.. “الدعم السريع” يرتكب مجزرة بشعة في معسكري نازحين شمال دارفور
  • السودان: مقتل 40 مدنياً في هجوم على مخيم أبو شوك.. واتهامات بـإعدامات ميدانية
  • عاجل: 40 قتيلاً في هجوم للدعم السريع على مخيم للنازحين في دارفور
  • الوجه الآخر لحرب السودان.. مرتزقة وراء البحار
  • قوات الجيش السوداني تصد هجمات لمدفعية ميليشا الدعم السريع في الفاشر