الجزيرة:
2025-11-23@11:53:56 GMT

حرب غزة غيّرت معادلة التجارة بين تركيا وإسرائيل

تاريخ النشر: 27th, March 2025 GMT

حرب غزة غيّرت معادلة التجارة بين تركيا وإسرائيل

إسطنبول – لطالما بدت التجارة بين أنقرة وتل أبيب كأنها آخر ما تبقى من خيوط لا تنقطع في علاقة تتقلب بين التوتر والتطبيع. فعلى وقع كل أزمة سياسية، كانت الشاحنات تواصل عبورها، والأسواق تُبقي على نبض التعاملات كأنّ الاقتصاد في منأى عن السياسة.

لكن الحرب على قطاع غزة جاءت لتُربك المعادلة وتعيد رسم الخطوط الحمراء من جديد، فتركيا التي طالما اختارت أدوات الدبلوماسية في إدارة خلافاتها مع إسرائيل، وجهت هذه المرة رسائلها عبر الموانئ والمعابر، لا عبر البيانات فقط.

تصعيد اقتصادي غير مسبوق، وتضييق متسارع على التجارة، وحراك سياسي يبدو أنه يغذّى من ضغوط داخلية وأخرى إقليمية؛ كل ذلك يفتح الباب أمام تساؤلات عن دوافع هذا التحول التركي، فلماذا قررت أنقرة هذه المرة الدخول في مسار مقاطعة اقتصادية مفتوحة ضد تل أبيب؟

اقتصاد بمعزل عن السياسة

رغم المسارات المتعرجة للعلاقات السياسية بين أنقرة وتل أبيب منذ الاعتراف التركي الرسمي بإسرائيل عام 1949، فإن التجارة الثنائية ظلت بمنأى عن تلك التقلبات، بل سجلت نموا مطردا مع توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين في ديسمبر/كانون الأول 1996، والتي دخلت حيّز التنفيذ في مايو/أيار 1997، لتصبح لاحقا أحد أهم محركات التبادل التجاري في منطقة الشرق الأوسط.

إعلان

وبحسب دراسة أكاديمية أعدّها الباحثان إلهان غُلو وميراج يازجي من جامعة نيفشهير، تشير البيانات إلى أن حجم التجارة الخارجية بين تركيا وإسرائيل ارتفع من 44 مليون دولار فقط عام 1995 إلى نحو 5.83 مليارات دولار في 2015 بزيادة بلغت 9.93 مرات.

وبينما شهدت العلاقات الدبلوماسية أزمات كبرى، أبرزها سحب تركيا سفيرها من تل أبيب في أعقاب هجوم الجيش الإسرائيلي على سفينة "مرمرة" عام 2010، فإن تلك الأزمات لم تنعكس سلبا على حجم التبادل التجاري.

فقد ارتفعت صادرات تركيا إلى إسرائيل من 260 مليون دولار في 1995 إلى 2.70 مليار دولار في 2015، في حين ارتفعت وارداتها من 180 مليون دولار إلى 1.67 مليار دولار، محققة فائضا تجاريا لصالح أنقرة في معظم السنوات.

وبحسب بيانات جمعية المصدرين الأتراك، احتلت إسرائيل في السنوات الأخيرة مكانة بارزة ضمن قائمة شركاء تركيا التجاريين، إذ جاءت في المرتبة 16 بين أكبر مستوردي المنتجات التركية عام 2014، بصادرات بلغت قرابة 2.95 مليار دولار.

الحرب على غزة

بعد عقودٍ من تحييد الاقتصاد عن السياسة في إدارة العلاقة مع تل أبيب، شكّلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، نقطة تحوّل غير مسبوقة في السياسة الاقتصادية التركية تجاه إسرائيل.

فعلى وقع المجازر المتواصلة، اختارت أنقرة تحويل أدواتها الاقتصادية إلى وسيلة ضغط مباشر، توسعت تدريجيا وصولا إلى إعلان وزارة التجارة التركية في الرابع من مايو/أيار 2024 تعليق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل، مع تأكيد رسمي أن استئنافها مرهون بضمان تدفق كاف ومنتظم للمساعدات الإنسانية إلى غزة.

وإلى جانب ذلك، اتخذت تركيا مجموعة من الإجراءات الاقتصادية والإدارية الأخرى منذ بدء الحرب، من بينها:

تعليق خطط التعاون في مجال الطاقة مع إسرائيل يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وإلغاء زيارة كانت مقررة لوزير الطاقة التركي. استبعاد إسرائيل من قائمة الدول المستهدفة بالتصدير، بحسب ما أوردته صحف اقتصادية إسرائيلية في ديسمبر/كانون الأول 2023. وقف رحلات الخطوط الجوية التركية إلى إسرائيل حتى أكتوبر/تشرين الأول 2024، قبل تمديد القرار حتى مارس/آذار 2025. إعلان

هذا التصعيد في السياسات التجارية انعكس سريعا على الأرقام. فبحسب بيان رسمي صادر عن وزارة التجارة التركية، تراجع حجم التجارة بين البلدين بنسبة 32% خلال الفترة من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى الثاني من مايو/أيار 2024، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وشهدت الصادرات التركية انخفاضا بنسبة 30%، في حين تراجعت الواردات من إسرائيل بنسبة 43.4%.

أما على مستوى الأداء الشهري، فقد أظهرت بيانات جمعية المصدرين الأتراك هبوطا في صادرات تركيا إلى إسرائيل من 489 مليون دولار في أكتوبر/تشرين الأول 2022 إلى 348 مليونا في الشهر نفسه من عام 2023. وفي المقابل، انخفضت الواردات من 241 مليون دولار إلى 99 مليونا.

وبحسب أحدث بيانات صادرة عن هيئة الإحصاء التركية، فإن تعليق التبادل التجاري مع إسرائيل لا يزال ساريا حتى الآن، دون تسجيل أي تعاملات تجارية بين البلدين في جداول الصادرات والواردات الرسمية.

ضغط شعبي وتشكيك متصاعد

على وقع تصاعد القصف على غزة، شهدت الساحة التركية موجة واسعة من الانتقادات الشعبية والسياسية الموجهة للحكومة، مطالبة بوقف فوري وشامل لجميع أشكال التبادل التجاري مع إسرائيل.

ورغم إعلان أنقرة تعليق معاملاتها التجارية رسميا، تواصلت الاحتجاجات في الشارع التركي، وتركزت في جانب منها على الشركات المحلية العاملة في السوق الإسرائيلية، كالمظاهرات أمام مقر شركة "زورلو القابضة" التي استجابات أخيرا للضغوط وأعلنت تصفية أعمالها بالكامل في السوق الإسرائيلية.

ولم تنه تلك الخطوات الجدل، إذ طفت على السطح اتهامات تشير إلى أن الخطوة الحكومية كانت شكلية لا فعلية، وأن التجارة لم تتوقف فعليا، إلا أن أنقرة نفت هذه الادعاءات مرارا، مؤكدة التزامها التام بقرارات الحظر.

في هذا السياق، أُثيرت قضية استمرار وصول النفط الأذربيجاني إلى إسرائيل عبر تركيا من خلال خط باكو-تبليسي-جيهان، مما أثار موجة غضب شعبي. وردت وزارة الطاقة التركية بنفي قاطع، مؤكدة أن الخط يُشغل وفق اتفاقية دولية، وأن الشركة التركية المشغلة لا تتدخل في بيع النفط أو تحديد وجهته، ولم تُسجل أي شحنات متجهة إلى إسرائيل منذ بدء الحظر.

بعض الشركات التركية تكبدت خسائر نتيجة توقف التصدير إلى إسرائيل حيث كانت تمثل منفذا لمنتجاتها (شترستوك) الرابحون والخاسرون

أثّرت المقاطعة الاقتصادية التركية بشكل واضح على الطرفين، وإن تفاوتت حدة الأضرار. فعلى الجانب الإسرائيلي، كشفت المقاطعة هشاشة الوضع الاقتصادي المعتمد على السوق التركية، خاصة في قطاع البناء الذي تستورد منه إسرائيل نحو 70% من احتياجاتها من الحديد وثلث الإسمنت، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وتعطل مشاريع وزيادة الضغط على سوق العقارات. كما تضرر قطاع السيارات بعد توقف توريد طرازات شهيرة مصنّعة في تركيا وسط صعوبات لوجيستية وبدائل أكثر كلفة، في حين أثبتت محاولات التحايل على الحظر عبر وسطاء أنها مكلفة وغير مجدية.

إعلان

أما في تركيا، فقد واجهت شركات التصدير، خاصة الصغيرة والمتوسطة، خسائر مباشرة نتيجة توقف التصدير إلى سوق كانت تمثل منفذا رئيسيا لمنتجاتها، إذ تعتمد بعض الشركات على السوق الإسرائيلية بنسبة تبلغ 80%. وقدّر رئيس جمعية المصدرين الأتراك الخسائر بـ5 إلى 6 مليارات دولار سنويا.

من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي مصطفى أكوتش أن التجارة لم تعد "خطا أحمر" في العلاقات التركية الإسرائيلية، لأن الشارع التركي فرض معادلة جديدة بعد الحرب على غزة، ومع تصاعد المجازر والاحتجاجات الشعبية، لم يعد بالإمكان فصل الاقتصاد عن الموقف السياسي.

ويضيف، في حديث للجزيرة نت، أن نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة كشفت استياء شعبيا واسعا من موقف الحكومة، مما دفعها لاعتماد المقاطعة كضرورة سياسية وأداة ضغط حقيقية، لا مجرد موقف رمزي. ويؤكد أن أنقرة باتت تدرك أن ربط التجارة بالسياسة يعزز مكانتها، خصوصا أنها تملك بدائل تغنيها عن السوق الإسرائيلية.

وبحسب أكوتش، فإن الحكومة التركية كانت الرابح السياسي الأكبر من هذه الخطوة، إذ استعادت جزءا من رمزيتها في دعم فلسطين داخليا وخارجيا، في لحظة كانت بأمس الحاجة فيها لتعزيز حضورها الشعبي والإقليمي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان أکتوبر تشرین الأول السوق الإسرائیلیة التبادل التجاری ملیون دولار إلى إسرائیل مع إسرائیل إسرائیل من دولار فی الأول 2023

إقرأ أيضاً:

بدر بين السياسة والسلاح: معادلة الحضور المزدوج في الدولة العراقي

20 نونبر، 2025

بغداد/المسلة: يسلط تحليل، الضوء على التحول الذي تعلنه منظمة بدر وهي تتجه – وفق ما قاله القيادي أبو تراب التميمي – إلى تثبيت ثنائية العمل السياسي والتمثيل الأمني معاً، في معادلة تبدو شديدة الحساسية داخل المشهد العراقي، إذ يبدو أن التوجه العام للمنظمة يميل إلى تعزيز حضورها في مؤسسات الدولة من دون التفريط بالأذرع المسلحة التي تراها جزءاً من هويتها التاريخية.

ويفيد تحليل مراقبين بأن التصريحات الأخيرة تعكس محاولة لطمأنة الأطراف السياسية بأن مشروع دمج الفصائل داخل هيئة الحشد الشعبي يمضي في إطار رسمي، بينما يشير آخرون إلى أن هذا الدمج يمنح المنظمة فرصة لإعادة صياغة دورها الأمني تحت مظلة قانونية أوسع.

ويبدو أن حديث التميمي عن “الجنود المدافعين عن النظام السياسي” يشي برغبة في تقديم بدر كفاعل وطني يتجاوز الاصطفافات الحزبية، فيما تشير قراءات مستقلة إلى أن المنظمة تسعى لاستثمار حضورها داخل الحشد من أجل ضمان تمثيل سياسي مستدام.

وتتحدث مصادر مطلعة عن أن بدر تحاول إعادة رسم صورتها كجسر بين هياكل الدولة والفصائل، ولا يمكن نسيان أن حضورها العسكري ظل مؤثراً في سنوات القتال ضد داعش، ما يجعل مسألة التخلي الكامل عن السلاح غير واردة بحسب تقديرات محللين.

ومن الضروري ملاحظة أن التميمي أكد عدم وجود تمييز داخل صفوف بدر بين المرجعية العراقية أو الإيرانية، في إشارة تُقرأ على أنها محاولة لفكّ الارتباط الذهني بين المنظمة والتبعية الخارجية.

وتشير المراصد السياسية إلى أن وصف الانتخابات السابقة من قبل التميمي بأنها “طائفية” يقابله اليوم مشهد أكثر تداخلاً، حيث تتحدث تقديرات غير رسمية عن ارتفاع حجم المال السياسي بنسبة تتجاوز 30% مقارنة بالدورات الثلاث الماضية مجتمعة، وهو ما يعمّق مخاوف من تأثير النفوذ المالي على إعادة تشكيل الخريطة الانتخابية المقبلة.

وعلى صعيد آخر، يقول محلل سياسي إن بقاء بدر لاعباً مزدوج الوظيفة يجعلها جزءاً من معادلة توازنات تتغير بسرعة.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تهرب من الاتفاق.. والمقاومة في غزة تعيد صياغة معادلة الشرق الأوسط
  • طاقة المستقبل من قلب الصحراء: هل تتحول تونس إلى المورد الأول للهيدروجين الأخضر لأوروبا؟
  • تركيا.. إطلاق تحقيق ضد عمدة أنقرة منصور يافاش
  • هآرتس: إسرائيل غير قادرة على المنافسة في الشرق الأوسط الجديد لترامب
  • صدمة تهزّ إسرائيل.. موقع غامض ينشر قائمة اغتيالات ويعرض أسعاراً للقتل تصل إلى 100 ألف دولار
  • فيدان: الاتحاد الأوروبي يفتقد الإرادة لضم تركيا.. وليس نحن!
  • بـ3 مليارات دولار.. توركسل التركية و”غوغل كلاود” تتفقان لإنشاء منطقة سحابية
  • سبيل الله.. التفوق اليمني في معادلة الصراع العالمي
  • هزات أرضية متتابعة تضرب مدينة عثمانية التركية
  • بدر بين السياسة والسلاح: معادلة الحضور المزدوج في الدولة العراقي