هل تكتفي الحركة الإسلامية بحكم النهر والبحر؟
تاريخ النشر: 28th, March 2025 GMT
إنّ انسحاب قوات الدعم السريع من الخرطوم دون مواجهات عسكرية، ينبئ عن انعقاد اتفاق تحت الطاولة بين الجيشين المتحاربين، ومن ورائهما المحورين الإقليميين الداعمين لكل منهما، كما ذهب تحليل عرّاب مشروع النهر والبحر – مثلث حمدي، وأجدني مرجحاً لكفة هذا التحليل على كفات التحليلات الأخرى، لما فيه من شيء من الواقعية، وللغموض الذي ضرب جوانب العملية العسكرية الكبيرة، التي لم يحدث مثلها منذ اندلاع الحرب، وما يزيد هذه التكهنات معقولية هو انزواء إعلام الطرفين وعدم الخوض العميق في تفسير ما تم في الظلام، ما يؤكد أن هنالك أمر ما يجري الترتيب له في الخفاء، كما جرى لاتفاق سلام جوبا الذي كان في حقيقته اتفاقان – احدهما تحت الطاولة، كما اعترف بذلك زعيم أحد الأطراف الموقعة عليه، ومعلوم أن أنصار الجيشين لن يتقبلوا أي اتفاق ينهي الحرب دون قضاء أحد القوتين العسكريتين على الأخرى، وقد عرفت الميديا الاجتماعية أنصار القوة التي يرأسها قائد الجيش باسم (جماعة البل)، ففي حال اعلان أي نوع من هذه الاتفاقيات سيثور المناصرون للجهتين، لأن سقوف طموحاتهم كانت الأعلى ولا يرضون بغير النجوم، ومن هنا يمكن للناس تلمس مسارب ضوء السر العظيم الذي أخفته القيادتان، فيأتي فك شفرة الانسحابات المتتالية لقوات الدعم السريع منذ مدة ليست بالقصيرة، مع الأخذ في الاعتبار التضييق الدولي والإقليمي على الحركة الإسلامية في نسختها الأخيرة.
الحرب أشعلتها نسخة الحركة الإسلامية الأخيرة التي يقودها علي كرتي، وصبت زيت نارها على مدى سنتين، لاعتمادها على علاقاتها مع بعض البلدان الإسلامية مثل إيران وتركيا، وتنسيقها لوجستياً مع بعض التنظيمات الإسلامية كحماس والحوثي وحزب الله، وهذه العلاقات الاستراتيجية للحركة الأم التي أسسها حسن الترابي ثم ورثها العرّاب الجديد، استغلها في تكريس استمرار الحرب عشماً في استرداد الملك المنزوع بأمر الله وجهد السودانيين، ولكن يبدو أن طموح الحركة في العودة لحكم كامل الأراضي السودانية قد تضاءل، بعد سيطرة قوات الدعم السريع على غالب أرض الدولة، واستحالة إخراجها بأدوات الحرب المتقدمة من طائرات مسيّرة وطيران مؤجّر، لذا قررت الحركة اللجوء إلى التفاوض السري مع القيادة العليا لقوات الدعم السريع، عبر المستشارين المؤلفة قلوبهم الذين تجمع بينهم شعرة معاوية التنظيم الأم المنشطر، ففضلوا اتباع نظرية ثلث المال لا عدمه (المال تلته ولا كتلته)، والوصول لمثل هذا الاتفاق لابد وأن يكون برعاية السادة أصحاب المصلحة الدوليين والإقليميين، والمباركة حينما تأتي من اليد العليا ما على الخادمين إلّا التنفيذ، وفي هذا الخضم سيكون الرابح الأول لمخرجات الصفقة الحركة الشعبية لتحرير السودان – عبد العزيز آدم الحلو، والخاسر الأكبر حركات دارفور المساندة لجيش الحركة الإسلامية، ذلك لأن القادم لا مجاملة فيه لأحد.
الحركة الإسلامية تنظيم لئيم ومتجذر إقليمياً ودولياً ولا يجب الاستهانة به، وقد قاتل قوات الدعم السريع بالإعلام العربي المسخّر لأجله، و لمصلحة بعض الدول العربية التي ليست بذلك العداء السافر له، وباستقطابه لسكان وسط وشمال السودان بالدوافع الجهوية، وهو يعلم قبل غيره بتفاصيل الفسيفساء الاجتماعية السودانية، لذلك اعتمد منذ البدء على الحضن الاجتماعي للنهر والبحر، ويئس من الحواضن الاجتماعية للدعم السريع والحركة الشعبية الشمالية، فقوات الدعم السريع لن تنال رضا سكان النهر والبحر ولو اطعمتهم الحلوى، وفي آخر المطاف العرجا لمراحها، وكذلك الحركة الإسلامية الجهوية في نسختها الأخيرة بقيادة ابن الأحجار الكريمة، لن تجد موطئ قدم في الجغرافيا التي ليس لها فيها كادر لا ينتمي لمشروعها الجهوي، وفي البال ذهاب الجنوبيين جنوباً بفعل الدعم الاجتماعي والسياسي الذي حظيت به الحركة، وإلّا لما انفصل الجزء العزيز من الوطن، فتفكيك المعطيات الواقعية لسيرورة حكم الجماعة الإسلامية يؤكد أن تمكنها لأكثر من ثلاثة عقود على مقاليد السلطة، لابد وأن يكون مسنوداً بنفس النخب السياسية التي كشفت عن وجهها الحقيقي الذي كان رائفاً ومنافقاً، بعد أن جد جد بناء دولة المواطنة، ومن أمثال رموز هذه النخب التي نافقت الحركة الإسلامية في نسختها الأخيرة، محمد جلال هاشم والواثق كمير وعبد الله علي إبراهيم وأمجد فريد وآخرين، ولحقهم بعد (تحرير القصر) ياسر عرمان ابن الجزيرة الخضراء، فقرص الشمس لا يغطى بالغربال، وما تم سرّاَ لو أعلن جهراً سيجد من المؤيدين ما لا يخطر على قلب سوداني، لأن السودانيين يغلب عليهم الولاء الجهوي.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
رئيس وزراء السودان: الحرب في طريقها للنهاية والجيش يحقق التقدم
قال رئيس الوزراء السوداني الجديد كامل إدريس، إن الحرب الدائرة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع "في طريقها إلى نهايتها"، مؤكدًا أن الجيش يواصل تقدمه بثبات نحو تحقيق النصر على ما وصفها بـ"قوات التمرد". جاء ذلك في تصريحات أدلى بها خلال زيارته التفقدية لقيادة منطقة البحر الأحمر العسكرية، ونقلتها وكالة الأنباء السودانية الرسمية "سونا".
وأكد إدريس أن "القوات المسلحة تمثل صمام الأمان للبلاد"، داعيًا إلى حشد كافة الجهود والطاقات الوطنية، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، من أجل دعم القوات المسلحة في "حرب الكرامة"، بحسب وصفه، مشيدًا بما قدمته المؤسسة العسكرية من تضحيات للحفاظ على وحدة السودان واستقراره.
وأضاف رئيس الوزراء: "نوجه رسالة للعالم بأن القوات المسلحة السودانية قوية وقادرة على دحر التمرد وتحقيق الاستقرار في جميع أنحاء البلاد".
وخلال زيارته لمدينة بورتسودان، استقبله الفريق الركن محجوب بشرى، قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية، بحضور والي الولاية الفريق الركن مصطفى محمد نور وقادة المنطقة. واطلع إدريس على آخر التطورات الميدانية في المنطقة، فيما أكد قائد المنطقة أن القوات المسلحة في "أفضل حالاتها"، معربًا عن أمله في أن ينجح رئيس الوزراء في إنجاز الملفات الوطنية الكبرى التي تلبي تطلعات المواطنين.
وكان إدريس قد أدى اليمين الدستورية رئيسًا للوزراء، السبت الماضي، أمام رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، خلفًا لحكومة تصريف الأعمال التي تولت المسؤولية خلال الأشهر الماضية.
وفي خطاب تنصيبه، شدد إدريس على ضرورة إعمال "مبدأ المساواة" بين جميع القوى السياسية والفعاليات السودانية، والتزامه بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع، مشيرًا إلى أنه سيكون قريبًا من المواطن في كل المراحل القادمة.
كما أكد على أهمية بناء دولة القانون، بما يشمل النيابة العامة، والقضاء، والمحكمة الدستورية، مشددًا على تعزيز علاقات السودان الخارجية مع محيطه العربي والإفريقي وكافة دول العالم.
وفي إطار خطته للمرحلة المقبلة، كشف إدريس أن حكومته ستركز على الإعداد لاستفتاء وطني شامل، إلى جانب إطلاق حوار سوداني – سوداني لا يستثني أحدًا، ونبذ الجهوية والعنصرية.
وأكد التزامه بإدارة الجهاز التنفيذي والفترة الانتقالية "بكل كفاءة ونجاعة"، مع إعطاء أولوية قصوى لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في كافة أرجاء السودان.
كما أعرب عن اهتمامه بالوضع الاقتصادي ومعاش الناس، داعيًا إلى تعبئة كل الطاقات الداخلية لدعم الصادرات، وتفعيل القطاعين الزراعي والصناعي، مع إيلاء أهمية خاصة لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة لتخفيف العبء عن المواطنين.