سؤال وجواب..إضاءة على الأزمة السياسية بين مالي والجزائر
تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT
في سياق إقليمي متوتر تعيشه منطقة الساحل والصحراء بغرب أفريقيا، وضمن تحولات في جغرافيا البحث عن النفوذ والتموقع من طرف العديد من اللاعبين الدوليين، عادت الأزمة السياسية بين مالي والجزائر إلى الساحة من جديد.
وكدولتين متجاورتين تشتركان في حدود برية تصل إلى 1359 كيلومترا، وتجمع بينهما العديد من التحديات المشتركة، لم يكن من المتوقع أن يصلا لمرحلة إغلاق الأجواء بسبب حوادث تعتبر هامشية بمنطق المصالح والعلاقات المشتركة، ولكن الخلاف جاء مدفوعا بخلفيات من التوتر وتباين المواقف حول العديد من القضايا المحلية والإقليمية.
وفي أكثر من مرة، أعربت الجزائر عن حرصها على أمن واستقرار جارتها الجنوبية مالي التي تنشط فيها العديد من الحركات المسلحة والانفصالية التي تعمل على تهديد وحدتها.
وفي التقرير التالي تسلط الجزيرة نت الضوء على الأزمة السياسية بين ماكاو والجزائر، والخلفيات التي تقف وراءها، وتأثيرها على المشهد السياسي والاقتصادي والأمني في البلدين.
ما جذور الأزمة الحالية؟في عام 2015 نجحت الجزائر في التوصل إلى اتفاق السلام والمصالحة بين الحكومة المالية وقادة الحركات الأزوادية الذي وضع حدا للحرب في الشمال المالي وخاصة في مدن كيدال وغاو وتمبكتو.
وبعد انقلاب 2021 وتولي الجيش مقاليد الحكم بشكل دائم، انتهجت مالي سياسية جديدة تهدف في مجملها إلى البحث عن السيادة عن طريق الابتعاد عن الشركاء التقليديين والتوجه نحو لاعبين جدد في الساحة الأفريقية.
إعلانوفي سنة 2023 اندلعت موجة من المواجهات في الشمال المالي بين الجيش النظامي المدعوم من قوات فاغنر من جهة، والحركات الأزوادية وبعض التنظيمات المسلحة من جهة أخرى.
وبوصفها راعيا رسميا لاتفاق السلام والمصالحة، استضافت الحكومة الجزائرية قادة الفصائل الموقعة على الصلح مع حكومة باماكو، كما استقبلت بعض الزعماء السياسيين والدينيين مثل الإمام والداعية محمود ديكو.
وإثرك تلك التحركات والمساعي، أعرب المجلس العسكري في مالي عن غضبه من الجزائر واتهمها بالقيام بأعمال عدائية.
وبعد اتهامات أحادية صادرة من باماكو، قام البلدان باستدعاء سفيريهما للتشاور في ديسمبر/كانون الأول 2023.
لكن الماكينة الدبلوماسية الجزائرية تحركت وقتها وعملت على احتواء الأزمة، إذ أصدر وزير الخارجة أحمد عطاف بيانا جاء فيه أن حكومة بلاده تعلن تمسكها الراسخ بسيادة جمهورية مالي ووحدة أراضيها.
وفي يناير/كانون الثاني 2024 أعلن المجلس العسكري الحاكم في مالي خروجه من اتفاق السلام والمصالحة الموقع في 2015 بين حركات أزواد والحكومة المالية، والذي كانت الجزائر ترعى بنود مخرجاته.
وقال الناطق باسم المجلس العسكري وقتها العقيد عبد الله مايغا، إن الوسيط الجزائري لم يعد قادرا على الوفاء بالضمانات التي تم الاتفاق عليها 2015.
وتعتبر الجزائر أن النزاع المسلح في الجنوب المالي يشكل تهديدا لأمنها، كما أن المجتمع الأزوادي في مالي يرتبط بشكل وثيق مع نظيره في الجزائر.
وبعد معركة تنزواتن التي وقعت في يوليو/تموز 2024 وقتل فيها حوالي 80 من قوات فاغر و40 من الجيش المالي على يد مقاتلي الطوارق، أصبحت الجزائر تشعر أن القوّات المسلحة في مالي وسّعت معاركها مع المتردين واقتربت من حدودها، فدخلت في مرحلة الجاهزية القتالية، الأمر الذي دفعها إلى إسقاط الطائرة المسيرة في نهاية الأسبوع الماضي.
إعلانوبعد إسقاط الطائرة أعلنت كونفدرالية دول الساحل استدعاء سفرائها من الجزائر، وردت عليه الأخيرة بإغلاق المجال الجوي أمام باماكو.
كيف ستؤثر الأزمة على علاقات الجزائر في المنطقة؟تعتبر الجزائر فاعلا رئيسا في الساحل الأفريقي، وتاريخيا لها نفوذ وتأثير في المنطقة، وفي الآونة الأخيرة عملت على تعزيز حضورها عن طريق التنمية والتبادل التجاري.
وفي الأعوام القليلة الماضية، فتحت تجارة المقايضة (سلعة مقابل سلعة) مع مالي والنيجر وموريتانيا، وباتت منتجاتها حاضرة في أسواق منطقة الساحل.
وعندما أرادت دول إيكواس استخدام القوة في النيجر لاستعادة الشرعية السياسية، عارضت الجزائر ذلك الخيار، واستخدمت ثقلها الدبلوماسي لمنعه، خوفا من زيادة التوتر في المنطقة وجرها إلى مزيد من الصراع.
وعلى المستوى الإقليمي قد لا تؤثر مالي في تحالف دول الساحل للتصعيد مع الجزائر، لأن الشركات الجزائرية دخلت في شراكات اقتصادية قوية في العام الماضي مع حكومة النيجر وبدأت تعمل على المساهمة في استغلال الغاز واستخراج النفط، وبناء مشاريع الكهرباء والطاقة.
وفي حديث للجزيرة نت قال المحلل السياسي وأستاذ الإعلام في جامعة المدية الدكتور حكيم بوغرارة "إن الجزائر في منطقة الساحل كانت دائما شريكا رئيسيا، وساهمت في محاربة الإرهاب في المنطقة بشكل فعال، وفي الأعوام الماضية ساهمت بمبلغ مليار دولار في منطقة الساحل لبناء مرافق ومنشآت تنموية من شأنها أن تساهم في تحسين حياة السكا".
هل من تداعيات على الخلاف بين الدولتين؟وانطلاقا من الخلافات المتكررة بين مالي والجزائر التي بدأت بعد مجيء العسكريين إلى الحكم في باماكو، قد ينظر إلى التأثير والحضور التاريخي الذي لعبته الجزائر في أزمة الطوارق في مالي بأنه قد انتهى.
وتشير دراسة أعدها مركز أوداغست للدراسات الاستيراتيجية إلى أن أخطر التداعيات المحتملة لهذا التوتر المتصاعد بين الجانبين بأنه قد يدفع الجزائر إلى إعادة النظر في حيادها تجاه النزاع المزمن في الشمال المالي، وخصوصا في علاقاتها مع الحركات الأزوادية.
إعلانوتقول الدراسة بأنه إذا قررت الجزائر استخدام ورقة التأثير وعدم الحياد، فإن الحكومة في مالي ستجد نفسها أمام وضعية بالغة التعقيد، قد تجهض التقدم العسكري الذي حققته باماكو مؤخرا في مناطق الشمال.
أما حكومة مالي، فقد برهنت من خلال العمليات العديدة التي قامت بها على الحدود مع موريتانيا والجزائر فإنها لا تعتبر احترام مبدأ عدم المخاطرة في انتقال الصراع عن طريق الحدود من أولياتها، بقدر ما تهتم بملاحقة المسلحين.
ما مستقبل العلاقة بين البلدينومنذ عهد الاستقلال تميزت العلاقة بين الجزائر ومالي بالترابط والتشابك، وظلت الجزائر داعما اقتصاديا لحكومات باماكو.
وقد تميز البلدان بعلاقات ثنائية خاصة، ساهم في تعزيزها الرئيس موديبو كيتا الذي كان اشتراكيا ويشاطر زعماء الجزائر في كثير من الأفكار والأيدلوجيات.
وسعى مدويبو كيتا إلى إنهاء التوتر بين المغرب والجزائر عبر عقده لقمة خاصة جمعت بين البلدين عام 1968.
وفي عام 2015 نجحت الجزائر في إنهاء الصراع في الشمال المالي الذي خلف أكثر من 130 قتيل، وتسبب في تشريد ريع مليون نسمة من مناطق كيدال وتمبكتو.
ويستبعد مراقبون أن تصل الجزائر ومالي إلى مرحلة من العداء، أو حتى القطيعة النهائية للعلاقات الدبلوماسية بحكم المصالح المشتركة.
كما أن السرعة اللافتة التي شكلها تعاطي بروكينافاسو والنيجر مع قرار سلطات مالي قد لا يتجاوز شكليات تقتضيها أعراف الدول التي تشترك في اتحادات كونفدرالية وأمنية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات منطقة الساحل فی المنطقة الجزائر فی العدید من فی مالی
إقرأ أيضاً:
سكة القدس-يافا.. مشروع ربط بين الساحل الفلسطيني والمدينة المقدسة
خط سكة حديدية افتتح في القرن الـ19 ليربط بين مدينتي القدس ويافا الفلسطينيتين، بطول يبلغ نحو 87 كيلومترا.
جاء المشروع الفريد في محيطه آنذاك تزامنا مع تصاعد المطامع الاستعمارية الأوروبية في أراضي الدولة العثمانية، التي كانت تعاني من ضعف اقتصادي وسياسي متزايد.
منحت الدولة العثمانية عام 1888 اليهودي يوسف نافون امتياز بناء المشروع، وباعه بدوره إلى مستثمر فرنسي تكفل بإنشاء السكة وإدارتها.
أوقفت السلطات الإسرائيلية لاحقا تشغيل خط القدس-يافا مع استحداث بدائل أخرى، وحولت مسار السكة التاريخية إلى متنزهات ومرافق ترفيهية.
رؤية المشروعتصاعدت مطامع الدول الاستعمارية في فلسطين بالتزامن مع تراجع قوة الدولة العثمانية في منتصف القرن الـ19، ويعود ذلك إلى أهمية موقعها الإستراتيجي بالنسبة للقوى الأوروبية الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا وروسيا، على الجانبين الاقتصادي والديني.
وقد شكلت الطريق الواصلة بين القدس وميناء يافا على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط عنصرا محوريا في الطموحات الاستعمارية تجاه الأراضي الفلسطينية، بسبب أهميتها في رحلات الحجاج المسيحيين إلى بيت المقدس، إلى جانب دورها في دعم طرق التجارة الممتدة نحو الخليج العربي والهند، أبرز المستعمرات الأوروبية آنذاك.
تكررت محاولات تنفيذ مشروع خط سكة حديدية على الأراضي الفلسطينية، إذ سعى المستثمرون مرارا للاستفادة من نظام الامتيازات الذي كانت تمنحه الدولة العثمانية للشركات والأفراد بهدف تشييد مشاريع نوعية داخل أراضيها.
أرسلت بريطانيا عام 1856 بعثة إلى الدولة العثمانية لمناقشة إمكانية إنشاء خط يربط الساحل الشرقي للبحر المتوسط بالخليج العربي، ورغم عدم الموافقة على المشروع حينها، فإنه أسهم في تأسيس وعي استثماري وإستراتيجي بأهمية السكة الحديدية في المنطقة.
لفتت البعثة البريطانية انتباه اليهودي الإنجليزي موشيه منتفيوري، الذي عرف بنشاطه في تمكين الاستيطان اليهودي في فلسطين. فبادر إلى طرح فكرة إنشاء خط سكة حديدي يربط بين يافا والقدس تحديدا، وقدمها إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك اللورد هنري جون تمبل، الذي شجع الفكرة.
إعلاناستعان منتفيوري بمهندس ذي خبرة في إنجاز السكة الحديدية الممتدة من القاهرة إلى الإسكندرية، فأشاد بالمشروع بعد إجرائه دراسة موسعة، رغم تخوفات أبداها بسبب وعورة تضاريس فلسطين التي قد تعقد التنفيذ.
ورغم تداول المشروع جديا داخل دوائر الحكومة العثمانية، فإنه لم يحظ بالموافقة النهائية، وذلك لأسباب عدة، أبرزها: تخوف الدولة من توسع النفوذ الأجنبي على أراضيها، وخاصة النفوذ اليهودي، إلى جانب تكلفة المشروع الباهظة، التي تطلبت التزامات مالية وتنفيذية واضحة لم تتوفر في ذلك الوقت.
لم يوقف رفض منتفيوري محاولات المستثمرين الحصول على امتياز إنشاء خط سكة حديدي في فلسطين، إذ برزت لاحقا مبادرات أميركية وأخرى ألمانية وفرنسية، غير أن مسألة التمويل ظلت دائما العائق الأساسي الذي حال دون نيل الموافقة العثمانية.
شكل عام 1888 نقطة تحول حاسمة في مسار المشروع، حين نجح رجل الأعمال اليهودي يوسف نافون في الحصول على الامتياز بعد جهود استمرت أكثر من 3 سنوات، روج في غضونها للمشروع لدى السلطات العثمانية.
وقد نص الامتياز على إنشاء خط سكة حديدي يربط بين يافا والقدس، مع منح الحق بالتفرع نحو مدينتي نابلس وغزة.
فشل نافون بتمويل المشروع، فباع الامتياز إلى رجل الأعمال الفرنسي برنارد كولاه، بعد أن أظهرت الدراسات الفرنسية أن المشروع مربح اقتصاديا، ومنحت الحكومة الفرنسية نافون وسام الشرف تقديرا لجهوده في تعزيز نفوذها في المنطقة.
مثّل هذا المشروع الرأسمالي تعاونا نادرا بين مصالح اليهود والأوروبيين المسيحيين، في ظل تصاعد المطامع الاستعمارية الأوروبية في فلسطين، إلى جانب تكثيف الهجرة اليهودية إليها في أواخر القرن الـ19.
تدشين السكةافتتح خط القدس-يافا على مراحل عدة، بدأت في مارس/آذار 1890 عندما دشن محافظ بيت المقدس آنذاك إبراهيم حقي باشا أول محطة للسكة في قرية يازور الفلسطينية، ثم وصل أول قطار إلى محطة القدس في أغسطس/آب 1891، وأقيمت بعد ذلك مراسم رسمية لافتتاح الخط بحلته شبه الكاملة في سبتمبر/أيلول 1892، وسط احتفال مهيب حضره قناصل أجانب ومسؤولون عثمانيون.
المواصفات الفنيةاعتمدت الشركة الفرنسية للأشغال العامة في تنفيذها للمشروع على المواصفات الفرنسية للخطوط الحديدية، إذ بلغ طول الخط نحو 87 كيلومترا، وتكوّن من 176 جسرا، جهز بعضها مصمّمو برج إيفل الفرنسي.
أما القاطرات فصنعت في الولايات المتحدة الأميركية، واتُّبع في تسميتها الأسلوب الأوروبي التقليدي، إذ حملت الأولى اسم يافا والثانية القدس والثالثة اللد، وهكذا على التوالي.
امتاز قياس سكة الحديد في فلسطين بالضيق مقارنة بالمعايير المتبعة في معظم دول العالم، إذ أنشئت بعرض متر واحد فقط بهدف توفير التكاليف. كما شُكلت بمنحنيات ضيقة في بعض المناطق لتتلاءم مع طبيعة التضاريس الفلسطينية المليئة بالمنحدرات والتعرجات.
واعتمد تشغيل القاطرات في البداية على الفحم الحجري المستورد من بريطانيا، لكن اندلاع الحرب العالمية الأولى دفع الدولة العثمانية للاكتفاء بأخشاب الأشجار بدلا عن الفحم المستورد من بريطانيا التي كانت تعاديها آنذاك.
إعلانلم تقتصر وظيفة السكة الحديدية على نقل الركاب بين يافا والقدس فحسب، بل شملت أيضا نقل البضائع ومواد البناء والمياه، مما أسهم إيجابا في تنشيط الحركة الاقتصادية وتعزيز التطور الحضري في المناطق التي وصل القطار إليها.
ومن جهة أخرى، رافقت إنشاء السكة آثار سلبية عدة على الفلسطينيين، كان أبرزها مصادرة أراضيهم ومساكنهم لإقامة الخط عليها، وحرمان أصحاب الجِمال من مصدر رزقهم في نقل المسافرين بين المدن، إلى جانب معاناة العاملين في شق السكة من ظروف العمل القاسية وتدني الأجور، رغم فقد العديد منهم حياته أثناء تنفيذ الأعمال في المناطق الوعرة.
يبدأ القطار مساره بين القدس ويافا برحلة يومية واحدة في كل اتجاه، متوقفا في 8 محطات لصعود الركاب ونزولهم، وهي: يافا واللد والرملة وسجد ودير آبان وبتير والولجة والقدس، إلا أن محطة الولجة بقيت غير مكتملة الإنشاء.
كانت الرحلة تستغرق نحو 3 ساعات من نقطة الانطلاق إلى النهاية، وقد تطول أحيانا في بعض أيام الشتاء، بسبب الأضرار التي كانت تلحق بالسكة جراء الفيضانات وانهيارات الأتربة والحجارة.
وبلغت تكلفة تذكرة الدرجة الأولى 4 دولارات، والثانية 33 سنتا، وكانت تختلف عن الأولى بخلو قاطراتها من المقاعد. ثم في عام 1896 أضيفت درجة ثالثة بأسعار مناسبة لاستقطاب السكان المحليين.
كما تفرع عن خط القدس-يافا خطان آخران، أحدهما يربط حيفا بمدينة نابلس، والآخر يمتد من محطة اللد إلى بئر السبع قرب الحدود المصرية.
ما بعد الحرب العالمية الأولىدخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى إلى جانب حلفائها ضد فرنسا وبريطانيا، مما دفعها إلى مصادرة خط السكة الحديدي -الذي كانت ترأسه شركة فرنسية- واعتقال مديرها، كما استخدمت القاطرات لأغراض عسكرية، مثل نقل الجنود والأسلحة.
وبعد هزيمة العثمانيين في نهاية الحرب وسيطرة الانتداب البريطاني على الأراضي الفلسطينية، اشترى الإنجليز عام 1922 الخط من الشركة الفرنسية، وأنشأوا "شركة خطوط السكك الحديدية الفلسطينية".
وظف الانتداب السكة لتحقيق أهدافه الرامية إلى تكثيف الاستيطان اليهودي في فلسطين، إذ نقل على متنها عددا كبيرا من العائلات اليهودية المهاجرة نحو القدس من مختلف دول العالم، ومن أوروبا بشكل خاص.
ومع اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 ضد سياسات الانتداب البريطاني الداعمة لاستيلاء المنظمات الصهيونية على الأراضي الفلسطينية، استهدف المقاومون الفلسطينيون خطوط السكة بسلسلة من العمليات التفجيرية، نظرا لاستخدامها في نقل الذخائر العسكرية والجنود البريطانيين، مما دفع سلطات الانتداب إلى تشييد حصون قرب بعض المحطات، وتعزيز الدوريات العسكرية.
وفي يوم 11 يناير/كانون الثاني 1945 فجرت منظمة الإرغون الصهيونية المسلحة مجموعة من محطات السكة الحديدية، وألحقت أضرارا بالغة بها، في عملية عرفت لاحقا باسم "ليلة الجسور".
أعاد الاحتلال الإسرائيلي صيانة سكة القدس- يافا بعد نكبة 1948، لكنه أخضعها لمجموعة من التغييرات، كان أبرزها طمس النقش العثماني "قدس شريف" الكائن على جدار مبنى محطة القدس، والإبقاء على لافتة "أورشليم" التي نصبت في فترة الانتداب البريطاني.
تضاءل نشاط السكة الحديدية تدريجيا بعد افتتاح الطريق الرئيس الذي يربط القدس والساحل الفلسطيني، إلى أن أُلغي عملها يوم 14 أغسطس/آب 1998.
ثم أعادت الحكومة الإسرائيلية تشغيل جزء منها عام 2005، لكن استحداث الخط الكهربائي السريع بين القدس وتل أبيب إلى جانب تطوير شبكة قطارات حديثة، أدى إلى إيقاف العمل بسكة الحديد التاريخية نهائيا.
إعلانحولت الحكومة في أعقاب ذلك مواقع المحطات التاريخية إلى مقاهٍ ومطاعم ومناطق ترفيهية، كما خصصت بعضها للمشي والركض وركوب الدراجات الهوائية.