أكدت الدكتورة نوريا سانز، مديرة المكتب الإقليمي لمنظمة اليونسكو بالقاهرة، أن مصر تسير بخطى واثقة نحو ترسيخ نموذج فريد في التعليم القائم على الذكاء الاصطناعي، من خلال شراكة قوية بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، تهدف إلى تمكين المعلمين وجعلهم في قلب التحول الرقمي لا على هامشه.

جاءت تصريحات سانز خلال ورشة العمل الوطنية للتصديق على الإطار الوطني لكفاءات الذكاء الاصطناعي للمعلمين (AI CFT)، والتي تمثل مرحلة محورية في بناء منظومة تعليمية قادرة على مواكبة التغيرات العالمية، وأوضحت أن الورشة تستهدف مناقشة إطار عمل يجعل من المعلمين قادة في استخدام التكنولوجيا وليس مجرد مستخدمين لها، مؤكدة أن الهدف الأساسي هو تعزيز الدور الإنساني للمعلم في زمن تتسارع فيه أدوات الذكاء الاصطناعي.

وأضافت سانز أن منظمة اليونسكو تؤمن بأن الذكاء الاصطناعي يجب أن يظل متمحورًا حول الإنسان، وأن التكنولوجيا لا ينبغي أن تحل محل المعلمين أبدًا، بل يجب أن تكون وسيلة تمكّنهم وتوسع قدراتهم الإبداعية، وتحافظ في الوقت نفسه على القيم الإنسانية وحقوق الإنسان، وتشجع على التعلم مدى الحياة للجميع.

وأشادت سانز بالجهود المصرية في تطوير الإطار الوطني لكفاءة الذكاء الاصطناعي للمعلمين، مؤكدة أنه يمثل خطوة استراتيجية ستُسهم في إعداد المعلمين للتفاعل النقدي والإبداعي مع تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل الفصول الدراسية، بما يعزز جودة التعليم ويضع مصر في موقع ريادي على مستوى المنطقة.

وأشارت إلى أن الشراكة بين وزارتي التربية والتعليم والاتصالات تُعد نموذجًا عالميًا للتكامل بين قطاعات الدولة، وتجسيدًا عمليًا للتعاون الذي يقود الابتكار. وقالت إن هذه الشراكة أثمرت عن مشروعات رائدة أبرزها مشروع "المدارس المفتوحة المُمكَّنة بالتكنولوجيا للجميع (TEOSS)"، الذي عمل على مواءمة الإطار المرجعي لكفاءات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للمعلمين بما يتناسب مع أولويات مصر وواقعها الوطني.

وأضافت أن اليونسكو دعمت تنظيم المسابقة الوطنية لتميز المعلمين في إعداد المحتوى الرقمي، التي أظهرت قدرًا كبيرًا من الإبداع لدى المعلمين المصريين، حيث شارك أكثر من 600 معلم قدّموا نماذج رائدة في توظيف التكنولوجيا لإثراء العملية التعليمية، وهو ما يعكس اتساع قاعدة الكفاءات الرقمية داخل منظومة التعليم المصري.

وأشارت سانز إلى أن تقرير الرصد العالمي للتعليم (GEM Report 2024 / 2025) وضع مصر في مقدمة الدول الرائدة في التحول الرقمي في التعليم، مشيدة بما تحقق من إنجازات في تدريب المعلمين على استخدام التكنولوجيا وتطوير مهاراتهم في تقييم الطلاب. وأوضحت أن التقرير ذكر مصر عدة مرات كنموذج للتقدم في مجال التعليم، حيث تلقى معظم معلمي المرحلة الابتدائية تدريبًا متخصصًا، فيما تلقى أكثر من 90٪ منهم تدريبًا في تقييمات القراءة، وهو مؤشر على التطور الكبير في منظومة إعداد المعلم.

كما نوهت مديرة مكتب اليونسكو إلى الشراكة الممتدة مع شركة هواوي ضمن مشروع "المدارس المفتوحة"، الذي يهدف إلى دعم التعليم الرقمي في المناطق النائية من خلال إنشاء مراكز تعلم عن بُعد وتوفير دورات تدريبية في تكنولوجيا المعلومات، بما يضمن وصول التعليم الرقمي إلى جميع الفئات دون استثناء.

وأكدت سانز أن مصر اتخذت خطوات ملموسة لإدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم عبر استراتيجيتها الوطنية المتكاملة، والتي تضع الإنسان والمعرفة والابتكار الأخلاقي في قلب التنمية المستدامة. وأضافت أن هذا التوجه يعكس رؤية مصر المستقبلية التي توازن بين التطور التكنولوجي والحفاظ على القيم الإنسانية في التعليم.

كما أعربت سانز عن تقديرها العميق للتقدم الذي أحرزته مصر في تحسين بيئات التعلم، مشيرة إلى الجهود الواضحة للحد من الكثافة الطلابية داخل الفصول الدراسية وتحسين جودة التعليم، وهي خطوات أساسية نحو تحقيق تعليم أكثر إنصافًا وفاعلية. كما أشادت بارتفاع نسبة الحضور الطلابي التي بلغت نحو 87%، معتبرة ذلك دليلًا على التزام الدولة المصرية الجاد بتطوير التعليم وبناء جيل رقمي مبدع يواكب المستقبل.

بهذا، تؤكد اليونسكو من خلال تصريحات مديرة مكتبها الإقليمي في القاهرة أن التجربة المصرية في التحول الرقمي للتعليم تمثل نموذجًا يحتذى إقليميًا ودوليًا، حيث يظل المعلم في مركز الاهتمام باعتباره صانع التغيير وقائد الثورة التعليمية الرقمية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التحول الرقمی فی التعلیم

إقرأ أيضاً:

هل يُنقذ الذكاء الاصطناعي الاقتصادات المتقدمة من أعباء الديون؟

كينيث روجوف / ترجمة - فاخرة الراشدية -

لا يوجد شك بأن الذكاء الاصطناعي يُغير الاقتصاد العالمي اليوم بوتيرة متسارعة، لكن هل للحد الذي يُنقذ الدول الغنية من ضغوط الديون المتزايدة؟ لا سيما مع تفاقم العبء على برامج الرعاية نتيجة شيخوخة السكان، وإن يكن كذلك، فهل يمكن لهذه الدول أن تدير عجزًا ماليًا أكبر، وكأنها تحمّل الأجيال القادمة عبء الديون الحالية؟

بالتأكيد أن التقييم المتفائل للتأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي على النمو الاقتصادي قد رفع أسواق الأصول خلال السنوات الماضية، ويتجلى ذلك بشكل لافت في أسواق الأسهم التي تواصل صعودها، رغم الشلل السياسي في فرنسا، وإغلاق الحكومة والتدخلات في استقلالية البنك المركزي في الولايات المتحدة، فضلًا عن هجرة الكفاءات عالية المهارة من المملكة المتحدة. مع أنني لطالما جادلت بأن الذكاء الاصطناعي سيحل في نهاية المطاف مشكلة ضعف النمو في الاقتصادات المتقدمة، إلا أنني حذرت أيضًا من أن العديد من العقبات المحتملة قد تبطئ وتيرة هذا التحول. ومن العوامل المادية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية العديدة التي يجب أخذها في الاعتبار، إمدادات الكهرباء، وحقوق الملكية الفكرية، ونقص الكفاءات الماهرة في مجال الذكاء الاصطناعي، والحاجة إلى إنشاء نظام شامل يحكم كيفية تواصل روبوتات الدردشة وتبادل المعلومات، بما في ذلك آلية التسعير. وقد استثمرت شركات الذكاء الاصطناعي مبالغ طائلة للهيمنة على السوق (إذا سمحت الحكومات بذلك)، واستعدادها لاستنزاف الأموال مقابل المستخدمين والمعلومات، وربما في المستقبل غير البعيد، ستحتاج هذه الشركات إلى إنشاء مصادر دخل وعلى الأغلب سيكون ذلك عبر الإعلانات، تمامًا كما فعلت شركات التواصل الاجتماعي من قبل.

على الرغم من أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أشارت إلى تبني مجال الذكاء الاصطناعي، إلا أن المسائل الشائكة المتعلقة بكيفية ترميز الأحكام الأخلاقية في هذه النماذج، والتي تقع حاليًا ضمن اختصاص مجموعة صغيرة من المطورين، ستُعالج في نهاية المطاف من قِبل الكونجرس الأمريكي والمحاكم، وكذلك من قِبل السلطات في دول أخرى. ومع ذلك، فإن أكبر موجة اعتراض ستصدر على الأرجح من مئات الملايين من العاملين في الوظائف المكتبية الذين ستطيح بهم هذه التكنولوجيا، ليصبحوا القضية السياسية الجديدة، تمامًا كما كان عمّال المصانع في العقود الماضية، وعمّال الزراعة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

أي شخص يعمل على الحاسوب معرضٌ للأتمتة، والاعتقاد بأن عددًا قليلًا من الشركات يمكنه استبدال جزء كبير من القوى العاملة دون أي اضطرابات سياسية ليس سوى ضربًا من الخيال. فباستثناء حدوث تحوّل سلطوي جذري، سيكون الاضطراب الاجتماعي أمرًا لابد منه، وهو ما سيمنح مادة سياسية قوية لشخصيات مثل زهران ممداني السياسي الاشتراكي وعمدة نيويورك البالغ من العمر 33 عامًا، خاصة في ظل تأثير الذكاء الاصطناعي على تقليص فرص العمل أمام الأجيال الشابة. إلى جانب ذلك، هناك حقيقة مقلقة تتمثل في تركيز العديد من التطبيقات الأكثر تقدمًا للذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، ما قد يشعل سباق تسلح واسع النطاق، وربما يؤدي إلى انتشار حروب تُدار بأنظمة قتالية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تشمل جيوشًا من الطائرات المسيّرة. كما أن الانقسامات والصراعات الجيوسياسية تضر بالنمو الاقتصادي على المدى الطويل، ومن المحتمل أن تُضعف الإيرادات الضريبية بقدر ما قد تعززها. ومن جهة أخرى، قد يمنح الذكاء الاصطناعي دولًا صغيرة وجماعات إرهابية القدرة على الوصول إلى أبرز العلماء في مجالي الفيزياء والبيولوجيا بضغطة زر واحدة. وأخيرًا، فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض، رغم إنكاره المستمر لتغير المناخ، لا تعني أن التهديدات التي يشكلها الاحتباس الحراري العالمي قد زالت، حيث من المتوقع أن تتصاعد تكاليف تغير المناخ غير المنضبط بشكل حاد خلال العقود القادمة، ما لم يتمكن أسياد الذكاء الاصطناعي من حل المشكلة، رغم توصلهم إلى أن الحل يكمن في تقليل عدد السكان بشكل كبير.

ومن المغالطة أن فكرة ظهور الذكاء الاصطناعي العام، بعد فترة انتقالية طويلة وسيئة، سيحل جميع مشاكل العالم الغني. فحتى لو عزز الذكاء الاصطناعي العام النمو الاقتصادي، فمن شبه المؤكد أنه سيؤدي إلى زيادة كبيرة في حصة رأس المال في الناتج، وانخفاض مماثل في حصة العمالة. في الواقع، يشهد سوق الأسهم ازدهارًا لأن الشركات تتوقع انخفاض تكاليف العمالة. وبناءً على ذلك، لا يمكن ترجمة توقعات الأرباح المرتفعة المنعكسة عن ارتفاع أسعار الأسهم على أنها نمو اقتصادي شامل.

ويعيدنا هذا إلى مسألة الدين الحكومي، حيث لا يوجد ما يدعو إلى افتراض أن النمو الناتج عن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى زيادة مُماثلة في عائدات الضرائب الحكومية، مع أن هذا الافتراض يُعد مُنطقيًا في الماضي. فحصّة رأس المال باتت أكثر تركّزًا في أيدي فئة محدودة تمتلك نفوذًا سياسيًا واسعًا، كما أن رأس المال نفسه قادر على الانتقال بسهولة عبر الحدود بحثًا عن بيئات ضريبية أقل تكلفة، ما يجعل فرض الضرائب عليه أصعب بكثير مقارنة بضرائب العمالة.

وبالرغم من أن رفع الحواجز الجمركية قد يحدّ نظريًا من هذا الهروب الرأسمالي، فإن مثل هذه السياسات ستنعكس سلبًا على اقتصادات الدول نفسها في نهاية المطاف. صحيح أن الذكاء الاصطناعي يقود تحولًا واسعًا، وأصبح بالفعل عاملًا محوريًا في تسريع سباق تسلّح جديد بين الولايات المتحدة والصين مع اعتماده المتزايد في الأنظمة العسكرية المتقدمة، إلا أنه سيكون من المغامرة أن تفترض الاقتصادات المتقدمة أن هذه التقنية قادرة وحدها على معالجة مشكلات الميزانيات العامة التي عجز السياسيون عن حلّها.

كينيث روجوف، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، وأستاذ الاقتصاد والسياسات العامة في جامعة هارفارد

مقالات مشابهة

  • هل روبوتات الذكاء الاصطناعي مجرّد ضجيج أم أمل حقيقي؟
  • هل يُنقذ الذكاء الاصطناعي الاقتصادات المتقدمة من أعباء الديون؟
  • الغردقة.. «التحول الرقمي والتطوير المؤسسي» ورش عمل ضمن فعاليات مؤتمر قادة الخدمة الاجتماعية بالأزهر
  • رئيس الوزراء يتابع مع وزير الاتصالات مشروعات التحول الرقمي ومسابقة ديجيتوبيا
  • رئيس جامعة بنها يتابع اختبارات أساسيات التحول الرقمي بالذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يحقق أرباحًا قياسية في سوق الفوركس العربي: الثورة الرقمية وتحليل البيانات المتقدم
  • استثمارات بقيمة 100 مليار جنيه تعزز مكانة ڤودافون في دعم التحول الرقمي
  • الإمارات تقود المنطقة في تبنِّي الذكاء الاصطناعي بالمتاجر الإلكترونية
  • دمج الذكاء الاصطناعي والسلوك الرقمي داخل الفصول الدراسية
  • وزير التعليم يشهد بروتوكول تعاون مع معهد سالزبورغ للبكالوريا التكنولوجية