لجريدة عمان:
2025-10-08@02:22:35 GMT

ترامب ونتنياهو يمضيان بنا إلى عالم قبيح

تاريخ النشر: 9th, April 2025 GMT

عشنا زمنا كان اللقاء فيه بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي لا يسفر إلا عن الفخر لكل من الإسرائيليين واليهود الأمريكيين إذ يرون زعيميهما الديمقراطيين وهما يعملان معا. وأعرف أنني لست وحدي إذ أقول: إن الفخر ليس بالشعور الذي نبع بداخلي إذ رأيت الصورة الودية للقاء دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي يوم الاثنين.

ولكنه شعور القرف والغم.

كلا الرجلين طامح إلى الطغيان، وكل منهما يعمل على تقويض سيادة القانون وما يعرف بالنخب في بلده، وكل يسعى إلى سحق ما يطلق عليه «الدولة العميقة» المؤلفة من المهنيين الحكوميين. وكلٌّ يمضي ببلده مبتعدا عما كان يوما طموحا مطلقا إلى أن يكون «نورا للأمم» ويتجه به إلى أن يكون قوميا عرقيا منغلقا وحشيا مستعدا لتعميم التطهير العرقي. وكلٌّ يعامل معارضته السياسية لا بوصفها مشروعة وإنما بوصفها عدوا في الداخل، وكلٌّ ملأ مجلسه الوزاري بمعدومي الكفاءة المنتقين بعناية بسبب ولائهم لشخصه بدلا من ولائهم لقوانين بلدهم.

وكلٌّ يقود بلده مبتعدا عن حلفائه التقليديين الديمقراطيين. وكلٌّ يؤكد التوسع في الأرض باعتباره حقا إلهيا ـ فـ«من خليج أمريكا إلى جرينلاند» و«من الضفة الغربية إلى غزة».

في 2008، نشر فريد زكريا كتابا نافذا بعنوان «عالم ما بعد أمريكا»، فذهب فيه إلى أن الولايات المتحدة سوف تبقى القوة العالمية المسيطرة وأن «صعود الباقين» ـ من قبيل الصين والهند ـ يعني أن السيطرة الأمريكية النسبية سوف تتقلص مع انحسار حقبة الحرب الباردة.

وينخرط ترامب ونتنياهو ـ كلٌّ في بلده ـ في خلق العالم «ما بعد الأمريكي» و«ما بعد الإسرائيلي». غير أنني لا أعني بما بعد الأمريكي أن تفقد أمريكا قوتها النسبية وإنما أن تتخلى عامدة عن هويتها الجوهرية بوصفها بلدا ملتزما ـ في أفضل أيامه ـ بسيادة القانون في الداخل وتحسين أوضاع البشرية كلها في الخارج. وأعني بما بعد الإسرائيلي أن تتخلى إسرائيل عامدة عن هويتها الجوهرية باعتبارها بلدا ديمقراطيا مؤمنا بسيادة القانون في منطقة طغاة، وبلدا سوف يبقى دائما يعلي أولوية «السلام الدائم» مع الفلسطينيين (بشرط ضمان أمن إسرائيل) على نيل «قطعة دائمة» من الضفة الغربية وغزة.

وليس بوسع المرء حقا أن يتخيل ترامب أو نائب الرئيس جيه دي فانس يطمحان إلى إقامة أمريكا التي وصفها رونالد ريجان في خطاب الوداع الذي ألقاه في الحادي عشر من يناير سنة 1989. إذ تكلم ريجان عن الحاجة إلى أن نرسخ في أبنائنا «ماذا تكون أمريكا وماذا تمثل في تاريخ العالم الطويل». فأمريكا تلك كانت منارة أخلاقية وسياسية، «مدينة شاهقة عزيزة مقامة على صخور أقوى من المحيطات، تعمرها الرياح، ويباركها الرب، وتغص بالبشر من كل الأنواع يعيشون في تناغم وسلام، مدينة حرة الموانئ تطن فيها التجارة والإبداع. وإن تحتم أن تكون للمدينة أسوار، فهي أسوار ذات أبواب، وأبواب مفتوحة لكل ذي إرادة وهوى للوجود هنا».

بدلا من ذلك، يريد ترامب وفانس أن يغيرا أمتنا فتصبح أمريكا ما بعد الريجانية، أمريكا التي تعامل الحلفاء الديمقراطيين ممن يتبنون السوق الحرة وسيادة القانون من قبيل الاتحاد الأوروبي معاملة الاحتقار. لقد أكد ترامب أخيرا أن الاتحاد الأوروبي تأسس لـ«ضرب أمريكا»، وكرر ذلك في لقائه مع نتنياهو في المكتب البيضاوي. فكم هو مبهر ما في هذا التصريح من حقد خالص وجهل بالتاريخ.

يريد ترامب وفانس أيضا أن يمضيا بنا إلى عالم ما بعد أمريكا الذي يقابل أنصار الحرية والمدافعين عنها في الخطوط الأمامية ـ وأعني أوكرانيا ـ بمطالبتهم بحقوق في معادنهم في مقابل تقديم مساعدة عسكرية على مضض.

ويريدان أخيرًا أن يمضيا بنا إلى عالم ما بعد أمريكي يفتقد إلى أدنى الاهتمام بالحفاظ على القوة الناعمة ـ ناهيكم عن تعزيزها، وأعني بالقوة الناعمة القدرة على اجتذاب الحلفاء والمهاجرين الموهوبين، والقوة الناعمة مفهوم أشاعه أستاذ العلوم السياسية جوزيف ناي. فقد ازدريا القوة الناعمة، لجهلهما التام بحقيقة أننا لو خسرناها، فقد خسرنا قدرتنا على ضم بلاد أخرى إلينا في صياغة عالم أكثر تقبلا لمصالحنا وقيمنا، وهي الميزة العظمى التي طالما نعمنا بها دون روسيا والصين.

من خلال التقليص الأحمق لحكومتنا والازدراء لكثير للغاية من حلفائنا ـ حسبما أخبرني لاري دايموند خبير الديمقراطية في جامعة ستاتفورد ـ «لا يدمر ترامب فقط وظائف وقيمًا، وإنما هو حرفيًا يضعف أمريكا من جديد». وهذا تقريبا هو ما بعد أمريكا التي نشأت فيها، وأطمح إلى أن أرى أحفادي ينشأون فيها، في حدود ما أتخيل.

ويجتهد نتنياهو في العمل على خلق عالم ما بعد إسرائيلي مماثل. فقد فصل ترامب مدير مباحثه الفيدرالية لعدم تحليه بالقدر الكافي من الولاء، ونتنياهو قريب من القيام بمثل ذلك في رونين بار رئيس جهاز شين بيت ـ معادل المباحث الفيدرالية ـ برغم حظوته باحترام واسع النطاق، ويأتي هذا في وقت يجري فيه بار تحقيقا مع بعض كبار مساعدي نتنياهو بشأن علاقات مزعومة مع الحكومة القطرية.

نتنياهو نفسه تجري محاكمته في اتهامات بالفساد. وتتهمه المعارضة الإسرائيلية ـ وعدد غير قليل من أقارب الرهائن ـ بإطالة أمد حرب غزة استرضاءً للعنصريين اليهود الذين يديمون بقاءه في السلطة ويديمون بعده أيضا عن السجن المحتمل. وهذه الإطالة تحبط أيضًا أي تحقيق في الحرب الكارثية التي بدأت تحت سمعه وبصره ولأسباب تتعلق مباشرة بفشله السياسي: أي قناعته بأنه يمكن شراء حماس بأكياس الأموال القطرية.

وهو يحاول أيضًا، بالمناسبة، أن يبعد المحامية العامة المستقلة الشجاعة في إسرائيل لإظهارها ما يعده نقصا في الولاء. ومنذ توليه السلطة في أواخر 2022، يتولى نتنياهو أيضا مهمة تقويض سلطة المحكمة العليا الإسرائيلية التي تتيح لها مراجعة قرارات الجناحين التنفيذي والتشريعي في الحكم. ويتصل هذا بأجندة حزبه الدينية القومية المشتملة على هدف ضم الضفة الغربية وغزة وإجلاء أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وهو هدف لا يمكن تحققه إلا بضرب قدرة المحكمة على كبح رئيس الوزراء وائتلافه الوزاري اليهودي العنصري.

هدف نتنياهو اليوم هو «تفكيك كل مكونات الديمقراطية الجوهرية» حسبما كتب ميكي جيتزين مدير (صندوق إسرائيل الجديد) في صحيفة هاآرتس يوم الأحد. «والمنهج في هذا بسيط: تثير دوامة من التحركات الجريئة غير القانونية، في وقت واحد، وعلى جميع الجبهات. وفيما يقوم الشعب برد فعل على إقالة رئيس الخدمة الأمنية في جهاز شين بيت، تقوم أنت بدفع تشريعات صارمة ضد - المنظمات غير الحكومية -. وحينما ينشغل الجميع بوضع المستشارين القانونيين، تدفع أنت بمشاريع قوانين تيسر استبعاد المرشحين العرب».

ويجد الشعب والمعارضة أنهما مشتتان إذ يصعب عليهما «استيعاب السيل الجارف» حسبما أضاف، فتتشظى المقاومة. فهل تجدون ذلك مألوفًا؟

لقد اندمجت استراتيجيتا ترامب ونتنياهو المحليتان اندماجًا حقيقيًا بالتسلح بمعاداة السامية باعتبارها وسيلة لنزع الشرعية عن المنتقدين أو لإخراسهم. ويعلم قرائي هنا أنني لا أكن أي احترام لأي متظاهر في حرم جامعي ينتقد الإجراءات الإسرائيلية في غزة دون أن ينطق بكلمة واحدة تدين حماس ناهيكم بكلمة لدعم الأوكرانيين الذين تجتاح روسيا البوتينية بلدهم الديمقراطي. ولكن بلدنا لا يزال ـ حتى الآن ـ بلدا ديمقراطيا، ولو لم يكن الناس منخرطين في أعمال عنف أو تحرش بطلبة آخرين داخل الفصول أو خارجها، فيجب أن يكونوا أحرارًا يقولون ما يشاؤون وما يرغبون، ومن ذلك مناصرة دولة فلسطينية بأي حجم يريدون.

لقد قال لي جوناثان جاكوبي، المدير الوطني لمشروع نيكسوس المعني بمكافحة معاداة السامية ودعم الديمقراطية: إن «الرئيس ترامب استغل ظاهرة حقيقية تحتاج إلى معالجة ـ وهي ظاهرة معاداة السامية التي تنشأ من النقاشات حول إسرائيل ـ ليستخدمها في تبرير حملات قمع الهجرة والتعليم العالي وحرية التعبير فيما يتعلق بإسرائيل».

وبوصفي يهوديا أمريكيا، فإنني في غنى عن دفاع ترامب المنافق. فهو لا يزال الشخص الذي دافع في عام 2017 عن القوميين البيض والنازيين الجدد الذين تظاهروا في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا ووصفهم بأنهم «من خيار الناس». كما تبنى فانس حزب (البديل لألمانيا) المتعاطف مع النازية والمستخف بالهولوكوست، والذي دعا قادته الشعب الألماني إلى الكف عن التكفير عن جرائم النازية.

ومصداقا لتحذير الحاخام شارون بروس من مجمع إيكار في لوس أنجلوس ببلاغة في عظته يوم الثامن من مارس: «نتعرض نحن اليهود لاستغلالنا في دفع أجندة سياسية سوف تلحق ضررًا جسيمًا بالنسيج الاجتماعي، وبالمؤسسات الأفضل حماية لليهود ولكل الأقليات. نحن الآن نتعرض للاستغلال. إذ يجري استغلال ألمنا، ووجعنا في تدمير حلم الديمقراطية متعددة الأعراق، وتعزيز هدف دولة مسيحية بيضاء».

شأن ترامب، وبفضل ترامب، يشعر نتنياهو أنه محصَّن، وأنه ما من شيء يمكنه إسقاطه. ويتسرب هذا التفكير إلى من هم دونه، وهذا هو ما يفضي إلى حوادث من قبيل حادث الشهر الماضي إذ قتلت قوات إسرائيلية 15 من المسعفين وعمال الإنقاذ في جنوب غزة، في حادثة قابلتها «سلسلة قيادات دنيا بالتكذيب» على حد قول ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي لصحيفة هآرتس.

من حسن الطالع أن المجتمع المدني الإسرائيلي قد أظهر كثيرا من النضال ـ يفوق كثيرا ما أظهره نظيره الأمريكي حتى الآن ـ ولا عجب في ذلك. ففي حين يستطيع ترامب أن يدين النخب الأمريكية فتهلل له قاعدته، يعلم الإسرائيليون أن بلدهم لا يستطيع أن ينجو بدون نخبه التقنية والعلمية والعسكرية. ولذلك رأينا هذا الشهر 18 من قادة الأمن الإسرائيلي السابقين ـ في الجيش والموساد وشين بيت والمخابرات الحربية والشرطة ـ يعلنون أن نتنياهو غير صالح للعمل رئيسًا للوزراء لأن «أداءه يمثل خطرًا واضحًا وحاضرًا على أمن الدولة اليهودية الديمقراطية ومستقبلها».

وليست لدي سوى رسالة واحدة لكل من يطمحون إلى الحيلولة دون الوصول إلى عالم ما بعد أمريكا وما بعد إسرائيل: هذا أهم نضال في حياتنا. وأنا معكم قلبا وقالبا، ولم يصبني التعب بعد. فماذا عنكم؟

توماس فريدمان كاتب عمود رأي في الشأن الخارجي في جريدة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب «من بيروت إلى القدس».

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ما بعد أمریکا عالم ما بعد إلى عالم رئیس ا إلى أن

إقرأ أيضاً:

أولمرت: ترامب يمكنه وقف الحرب إن أراد ونتنياهو لا يستطيع مخالفته

يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت أنه من المبكر التنبؤ بنتائج المفاوضات التي انطلقت في مدينة شرم الشيخ المصرية لبحث تنفيذ خطة وقف الحرب في قطاع غزة، لكنه يجزم بأن بنيامين نتنياهو لا يمكنه مخالفة ما يريده الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وفي وقت سابق اليوم، قالت وسائل إعلام مصرية إن جلسات غير مباشرة بدأت بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي لبحث تهيئة الأوضاع الميدانية ووضع آلية لتبادل الأسرى وفق خطة ترامب.

وأعرب أولمرت -في لقاء مع الجزيرة- عن أمله في أن يتمكن ترامب من إجبار نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية– على وقف الحرب التي أكد أنها طالت أكثر مما يجب.

فنتنياهو متأثر جدا بمواقف شركائه في الحكومة لكنه في الوقت نفسه ليس مستعدا لمخالفة ما يريده ترامب، الذي قال أولمرت إنه سبق وأجبره على وقف الحرب مع إيران وأمره بإعادة طائرات إسرائيلية كانت في طريقها إلى طهران.

وطالب ترامب علنا بوقف الهجمات على مدينة غزة من أجل تسهيل هذه المفاوضات، وهو تصريح يراه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، مهمّا ويعكس إصراره على إنهاء الحرب.

ولا يثق أولمرت في نتنياهو الذي يقول إنه أطال الحرب لحماية مصالحه السياسية الخاصة دون النظر لمصالح الدولة العليا، لكنه قال إنه على يقين من قدرة ترامب على وقف الحرب.

كما لا يعرف أولمرت إن كان نتنياهو قد وافق على مفاوضات شرم الشيخ أم لا، لكنها انطلقت لأن ترامب أرادها، وهو ما يعني برأيه أن وقف الحرب مرهون بما يريده الرئيس الأميركي وليس رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وأكد أولمرت أنه لم يكن معارضا للحرب في بدايتها، بل إنه يرى أنها كانت واجبة وحتمية بعد الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لكنه شدد على أنها ما كان يجب أن تستمر أكثر من شهرين أو ثلاثة لأن هذا يمثل خطرا على حياة الأسرى والجنود الإسرائيليين والفلسطينيين أيضا.

إعلان

ويجب على إسرائيل أن تحقق في الفشل في منع هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفي كيفية إدارة حكومة نتنياهو لهذه الحرب وأولوياتها، وفق أولمرت الذي قال إنه يأمل  أن تكون هناك حكومة جديدة  قادرة على الوصول إلى هذه النقطة.

وختم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق حديثه مع الجزيرة بالتأكيد على أن سياسيات نتنياهو خلقت انقساما غير مسبوق داخل إسرائيل التي أصبحت بحاجة للتعافي واستعادة الوحدة التي كانت صفة دائمة لها.

 

مقالات مشابهة

  • ترامب ونتنياهو.. وجهان لإجرامٍ واحد
  • قضية الجزر إلى الواجهة.. نتنياهو: الصواريخ الإيرانية يمكن أن تصل إلى أمريكا
  • نتنياهو: إيران طورت صواريخ باليستية قادرة على ضرب أمريكا
  • نتنياهو: إيران تطور صواريخ قادرة على ضرب أمريكا.. وتل أبيب تحمي العالم الحر
  • مباحثات بين بوتين ونتنياهو حول 3 قضايا مهمة
  • بوتين ونتنياهو يناقشان خطة ترامب
  • أولمرت: ترامب يمكنه وقف الحرب إن أراد ونتنياهو لا يستطيع مخالفته
  • مكالمة متوترة بين ترامب ونتنياهو بعد رد حماس على الخطة الامريكية
  • أنت دائمًا سلبي.. مكالمة غاضبة بين ترامب ونتنياهو عقب ردّ حماس
  • اتصال "متوتر" بين ترامب ونتنياهو.. ماذا حدث؟