السودان يتقدم بشكوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية: خطوة رمزية أم مسار قانوني فعال؟
تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT
د. محمد تورشين
تقدّمت الحكومة السودانية مؤخرًا بشكوى رسمية أمام محكمة العدل الدولية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، تتهمها فيها بالتورط في جرائم إبادة جماعية ارتُكبت في السودان، لا سيما تلك التي استهدفت إثنية المساليت في ولاية غرب دارفور، وبالتحديد في مدينة الجنينة.
وتُعد هذه الخطوة، من وجهة نظر العديد من المتابعين، بمثابة تحرك رمزي من قبل السلطات السودانية، يهدف إلى نقل القضية من الأروقة الدبلوماسية والسياسية إلى المسار القانوني الدولي.
إلا أن جدوى اللجوء إلى هذه المحكمة في ظل الظروف الراهنة تثير الكثير من التساؤلات. فاختصاص محكمة العدل الدولية يقتصر أساسًا على النزاعات بين الدول، وهو ما يجعل إمكانية إصدارها لأحكام ملزمة في قضايا مثل الإبادة الجماعية أمرًا محدودًا، خاصة وأن الإمارات سبق أن أبدت تحفظًا على المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وهي المادة التي تمنح المحكمة ولاية البت في هذه القضايا.
وفي هذا السياق، من المتوقع أن ترتكز دفوع الإمارات خلال جلسات الاستماع على عدم اختصاص المحكمة، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إصدار المحكمة بيانًا بعدم ولايتها للنظر في القضية، استنادًا إلى هذه التحفظات.
ومع تواتر هذا السيناريو، يبرز سؤال محوري وجوهري: لماذا لم تلجأ الحكومة السودانية إلى المحكمة الجنائية الدولية بدلًا من محكمة العدل الدولية؟ فالأخيرة، وحتى في حال قبولها الدعوى، فإن أقصى ما يمكن أن تصدره سيكون على الأرجح توصيات بدفع تعويضات مالية للضحايا، دون اتخاذ خطوات عملية أو قانونية بحق المسؤولين عن ارتكاب الجرائم.
في المقابل، تملك المحكمة الجنائية الدولية أدوات أكثر تأثيرًا، بما في ذلك إصدار مذكرات توقيف بحق المسؤولين المتورطين في جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، وهو ما من شأنه أن يؤثر فعليًا على تحركات القيادة السياسية لدولة الإمارات، بل ويمكن أن يفتح الباب أمام المطالبة بمشاركتها في إعادة إعمار السودان.
ومع ذلك، يبدو أن الحكومة السودانية تُحجم عن التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية، خاصة في ظل عدم تعاونها الكافي في ملفات سابقة، وعلى رأسها تسليم المطلوبين للعدالة الدولية مثل الرئيس السابق عمر البشير، وأحمد هارون، وعبد الرحيم محمد حسين. هذا التردد يعكس غياب الإرادة السياسية في اتخاذ خطوات جادة على طريق العدالة الانتقالية ومبدأ عدم الإفلات من العقاب.
وعليه، يرى كثيرون أن الحكومة السودانية مطالبة بإعادة النظر في استراتيجيتها، وأن تتحلى بالشجاعة السياسية لتسليم المتهمين الصادرة بحقهم مذكرات توقيف، والتعاون الفعلي مع المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما أن الجرائم محل النزاع وقعت في إقليم دارفور، وهو ما يمنح المحكمة ولاية قانونية مستمرة بموجب إحالة مجلس الأمن.
كما أن المسؤولين الإماراتيين لا تُوجَّه إليهم اتهامات بالإبادة فقط، بل تشمل أيضًا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهو ما يعزز من فرص تدخل المحكمة الجنائية الدولية بشكل مباشر وأكثر فاعلية.
ختاما، يبدو أن الاكتفاء باللجوء إلى محكمة العدل الدولية سيُنتج انتصارًا رمزيًا محدود الأثر، دون أن يُعالج فعليًا معاناة المدنيين في دارفور، أو يضمن تحقيق العدالة والإنصاف للضحايا. لذا، فإن مراجعة هذا المسار واعتماد نهج أكثر صرامة بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، يمثل الخيار الأكثر واقعية وجدوى في المرحلة المقبلة
باحث وكاتب سوداني ، متخصص بالشأن المحلي والشؤون الإفريقية
الوسوممحمد تورشينالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: المحکمة الجنائیة الدولیة محکمة العدل الدولیة الحکومة السودانیة وهو ما
إقرأ أيضاً:
الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال (الجبهة الثورية) تدين الاعتداء على الحدود السودانية
أدانت الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال الجبهة الثورية هجوم مليشيا الدعم السريع المسنودة بقوات خليفة حفتر على السودان في محور المثلث الحدودي .وقالت في بيان لها لقد نفذَّت مليشيا الدعم السريع المتمردة هجوم عسكري إرهابي في محور المثلث على الحدود السودانية الليبية تحت إسناد كتيبة “السلفية” التابعة لقوات خليفة حفتر، ويُعد هذه الهجوم واحدة من مشاهد الإرهاب الإستعماري المستنكر بأشد وأغلظ العبارات، ويمثِّل ذلك إعتداء سافر علي وحدة وسيادة السودان وتقويض مستهجن لإستقرار المواطنيين السودانيين وخرق فاضح لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وتهديد واضح للسلم والأمن الإقليمي.تُعرِب قيادة الحركة الشعبية-شمال “الجبهة الثورية” عن شجبها وإدانتها بشدة لهذا الهجوم الهمجي الذي نُفِّذ من قِبل مليشيا الدعم السريع الإرهابية وقوات حفتر الليبية على الأراضي السودانية، وهذا يؤكد أن الإستعمار الظلامي ما زال يعمل بخبث على تنفيذ مخططاته العبثية، ولكن القوات المسلحة والقوات المساندة لها والقوى السياسية الوطنية وكافة الشعب السوداني يقفون الآن في صف واحد للدفاع عن قيم الحرية والكرامة والسيادة والتاريخ الراسخ.تطلَّب قيادة الحركة الشعبية “الجبهة الثورية” من الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية إدانة هذا التدخل العسكري الإستعماري الذي لا يمكن إنكاره أبدًا في ظِل إنفتاح العالم المعاصر، والذي يشاهد الأحداث الجارية لحظة وقوعها، وهنالك أدلة من الممكن عرضها في الوقت المناسب، ولا مناص من وقوف العالم إلى جانب الحقائق التي لا يمكن إخفائها البتة، وعلى قوات حفتر وغيرها أن تعلم إستحالة إستعمار السودان، والمقاومة الوطنية مستمرة في نضالاتها بكل صمود إلى أن يكتمل التحرر الوطني.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب