يبدو أن الولايات المتحدة وإيران قد وضعتا قدميهما على أول طريق التوصل لاتفاق -ولو مؤقتا- بشأن برنامج طهران النووي، وذلك بعد عاصفة التهديدات المتبادلة التي شهدتها الأسابيع الماضية.

ولا يستبعد محللون توصل الطرفين لاتفاق قريب بشأن البرنامج النووي الإيراني، لكنهم استبعدوا التوصل لهذا الاتفاق إذا أرادت الولايات المتحدة تضمينه مسألة صواريخ طهران ونفوذها في المنطقة.

فبعد جولة مفاوضات غير مباشرة هي الأولى بين الجانبين منذ تولي دونالد ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة مطلع العام الجاري، أعرب الجانبان عن تفاؤلهما بإمكانية التوصل لاتفاق يضمن مصالح الطرفين ويحافظ على الجدية والاحترام المتبادل.

والتزمت عُمان الصمت ومنعت الصحفيين من الوصول لمقر المفاوضات حتى توفر جوا أقل توترا للوفدين، كما يقول مراسل الجزيرة في مسقط سمير النمري، مشيرا إلى أن لقاء السبت المقبل "قد يكون بداية وضع الخطوط العريضة لهذه النقاشات التي لا يعرف ما الذي يجري بحثه فيها".

أجواء إيجابية لا تعني التوصل لاتفاق

ورغم ردة الفعل الإيجابية، فإن المحلل الإستراتيجي في الحزب الجمهوري أدولفو فرانكو يرى أن هذه المفاوضات أولية، مشيرا إلى أن إيران تريد مباحثات غير مباشرة كسبا للوقت لتطوير برنامجها النووي.

إعلان

وخلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"، قال فرانكو إن إدارة ترامب طلبت مباحثات مباشرة ودون شروط مسبقة حتى لا يستغرق التوصل لاتفاق عامين كما حدث في الاتفاق الأول.

وتوقع المتحدث التوصل لاتفاق مؤقت مدته عام أو عامان لا يتضمن القضايا الإقليمية الأخرى، كمقدمة لمفاوضات أوسع واتفاق أطول، مؤكدا أن الولايات لمتحدة لن تسمح لطهران بامتلاك قنبلة نووية.

ورجح فرانكو ألا تعتمد الولايات المتحدة على مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذين يمنعون من الوصول لغالبية المنشآت الإيرانية، ويرى أن عدم توجيه ضربة عسكرية لمنشآتها النووية سيكون مكسبا إيرانيا من أي اتفاق مع ترامب.

اتفاق مؤقت محتمل

وعن التنازلات التي تحدث ترامب ومبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف عن تقديمها من أجل التوصل لاتفاق، قال فرانكو إنها قد تتعلق بإرجاء مناقشة ملفات تهم إسرائيل وبعض حلفاء واشنطن العرب مثل الصواريخ الإيرانية ودعم أنصار الله (الحوثيين) في اليمن وحزب الله في لبنان.

لكن فرانكو -الذي قال إنه يتحدث مع ترامب ووزير خارجيته مايك روبيو مباشرة- أكد أن أي اتفاق مقبل لن يكون مشابها للاتفاق السابق الذي استغلت إيران فيه رفع العقوبات عنها لتطوير برنامجها النووي.

ولم يختلف أستاذ الدراسات السياسية بجامعة طهران الدكتور حامد موسوي مع حديث فرانكو بشأن إمكانية التوصل لاتفاق سريع بشأن البرنامج النووي، لكنه قال إن ذلك سيكون متربطا تماما برفع العقوبات أو تخفيفها على الأقل.

ويرى موسوي أن إيران تمتلك سعة في الوقت لا تمتلكه الولايات المتحدة، ومن ثم فإن الحديث عن الملف النووي فقط مع رفع العقوبات عن إيران قد ينتهي باتفاق نهاية الصيف المقبل كما يريد الأميركيون.

لكن المتحدث استبعد تماما التوصل لاتفاق قريب في حال تناولت المباحثات البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي لطهران، لأن هذه الأمور مرتبطة بأمور أخرى لا يمكن التفريط بها، فضلا عن موقف المرشد الأعلى علي خامنئي فيها.

إعلان

ولا يرى موسوي أن لدى إيران مشكلة في تخفيض تخصيب اليورانيوم ولا في فتح منشآتها أمام التفتيش، لأنها لا تريد الحصول على سلاح نووي، مشيرا إلى أنها استجابت لطلب أميركي بتخفيض نسبة التخصيب إلى 60%، لكنها لن تقبل بوقفه تماما.

ومع اعترافه بأهمية رفع العقوبات بالنسبة لإيران، فإن موسوي يعتقد أن طهران ليست ضعيفة على النحو الذي يحاول البعض تصويره، لأنها تمتلك برنامجا نوويا متطورا وآخر صاروخيا متقدما جدا.

أما أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف في باريس حسني عبيدي، فيرى أن المفاوضات لم تسقط منذ اللحظة الأولى ولم تحقق تقدما كبيرا، وإنما ناقشت ما سيتم التفاوض بشأنه وآلية هذه المفاوضات.

ويعتقد عبيدي بإمكانية التوصل لاتفاق أوسع يشمل قضايا خلافية أكبر في حال تمكن الطرفان من التوصل لاتفاق أولي بشأن النووي والعقوبات، وهو يرى أن كلا الطرفين لا يريد انهيار المفاوضات.

ودعم عبيدي الحديث عن قدرة إيران على المفاوضات لفترة طويلة، وقال إنها استفادت من انسحاب ترامب من الاتفاق السابق بأن طورت قدراتها النووية، مضيفا أنها تفهم طبيعة الإدارة الأميركية الحالية بينما الأخيرة لا تفهم طبيعة طهران ولا تملك رفاهية الوقت.

وعن تراجع ترامب عن تهديداته بضرب إيران، قال عبيدي إن الرئيس الأميركي قد يعتبر هذا التراجع تنازلا من جانبه وفي الوقت نفسه سيعتبر المفاوضات مبررا له أمام الإسرائيليين وأعضاء الحزب الجمهوري، لأنه من الصعب ضرب إيران والتفاوض معها في الوقت نفسه.

لذلك، فإن ترامب يحاول التفاوض مع طهران حاليا على برنامجها النووي مع تأجيل الحديث عن الأمور التي تمثل مخاوف لإسرائيل وبعض حلفاء واشنطن في المنطقة، كما يقول عبيدي.

وخلص المتحدث إلى أن إيران وصلت للعتبة النووية وأنها تريد هذه العتبة وليس الوصول لقنبلة نووية، لكن الأوروبيين والأميركيين لا يثقون بها ويعتقدون أنها تستغل المفاوضات من أجل تصنيع السلاح، كما أنها أيضا لا تثق بهم ولا تضمن ألا ينسحب الأميركيون مستقبلا من أي اتفاق يتم توقيعه.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دونالد ترامب الولایات المتحدة التوصل لاتفاق إلى أن

إقرأ أيضاً:

كيف تنظر إيران لمشاركة أميركا بمشروع باسني الباكستاني؟

طهران- يشهد ميناء باسني الواقع في جنوب إقليم بلوشستان الباكستاني تطورا جديدا بعد عرض قائد الأركان الباكستاني الجنرال عاصم منير على الولايات المتحدة الاستثمار فيه بمبلغ يقدّر بـ1.2 مليار دولار.

وتعد هذه الخطوة تحولا مهما في المشهد الإقليمي، إذ يفتح المشروع الباب أمام حضور أميركي محتمل في منطقة ذات موقع إستراتيجي على مدخل المحيط الهندي وبالقرب من ميناء جوادر الذي يشكل محور التعاون الاقتصادي بين الصين وإسلام آباد.

يثير التحرك الباكستاني اهتماما واسعا ومخاوف متزايدة لدى إيران التي تتابع ما قد يترتب على الوجود الأميركي من تأثيرات على مصالحها بالمنطقة، خصوصا في ظل سعيها إلى تعزيز دور ميناء تشابهار كمركز تجاري يربط الهند بآسيا الوسطى.

طرحت #باكستان على #الولايات_المتحدة مشروعًا طموحًا لإنشاء ميناء جديد في مدينة #باسني الساحلية المطلة على بحر العرب، في خطوة تهدف إلى استقطاب الاستثمارات الأمريكية ومنح #واشنطن منفذًا استراتيجيًا في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية.#رؤية pic.twitter.com/hmnWK2et5b

— Roayah Media Network (@Roayahnofficial) October 5, 2025

قلق إستراتيجي

يُنظر إلى مشروع باسني كعامل جديد يمكن أن يعيد رسم خرائط النفوذ البحري والتجاري في جنوب آسيا، ويضيف بعدا جديدا إلى التنافس القائم بين واشنطن وبكين ونيودلهي وطهران.

في هذا السياق، أوضح أستاذ العلوم السياسية مصطفى نجفي أن ميناء باسني يقع في منتصف ساحل مكران، وهو من أقرب النقاط القابلة للتطوير إلى الحدود الإيرانية، ما يمنحه حساسية جيوسياسية عالية من وجهة نظر طهران.

وأشار، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن الموقع الجغرافي للميناء، الذي لا يبعد سوى نحو 160 كيلومترا عن الحدود الإيرانية وقرابة 280 كيلومترا عن ميناء تشابهار، يجعله ضمن نطاق المراقبة العملياتية لطهران، وبالتالي فإن أي وجود أميركي محتمل فيه سواء على شكل استثمار أو إدارة لوجستية، سيُعد مصدر قلق إستراتيجي بالنسبة لها.

إعلان

وبيّن نجفي أن هذه التطورات تأتي بعد إلغاء الولايات المتحدة الإعفاءات الخاصة بميناء تشابهار في سبتمبر/أيلول 2025، وهو ما قد يدفعها إلى البحث عن بدائل في السواحل الباكستانية لتعزيز نفوذها في جوار إيران والصين، وللضغط على المشروع الإيراني- الهندي في تشابهار.

ومع ذلك، يرى أن الموقف الإيراني ما زال يتسم بالحذر والترقب، فالمشروع لم يتبلور بعد بشكل نهائي، والتهديد لا يُعد فعليا بعد، بل محتملا.

انعكاسات محتملة

وحسب نجفي، فإن إلغاء الإعفاء الأميركي جعل المستثمرين الدوليين أكثر حذرا في التعامل مع مشروع تشابهار، في حين سيؤدي أي حضور لواشنطن في باسني إلى زيادة المنافسة في ممرات النقل شمال- جنوب. لكنه أكد أن تشابهار يمتلك مزايا بنيوية كونه المنفذ الوحيد الذي يربط إيران مباشرة بشبكة السكك الحديدية الداخلية ثم إلى آسيا الوسطى وروسيا.

ووفقا له، فإن تسريع مشروع خط تشابهار- زاهدان وتوفير ضمانات استثمارية للشركاء الآسيويين يمكن أن يحافظ على موقع إيران الإستراتيجي.

أما على صعيد العلاقات الإيرانية-الباكستانية، فرأى أن هذا المشروع يحمل انعكاسات محتملة على الثقة المتبادلة بين البلدين، نظرا لطبيعة العلاقات المعقدة ومتعددة الأوجه بينهما، فطهران تدرك أن إسلام آباد تسعى إلى الموازنة بين محاور كبرى تشمل الصين، والولايات المتحدة، ودول الخليج.

ويؤكد نجفي أنه في حال تحوّل باسني إلى منصة ذات حضور عسكري أو استخباراتي أميركي، فإن ذلك سيلقي بظلال سلبية على هذه العلاقات الثنائية.

وما يهم طهران -باعتقاده- هو عدم عسكرة سواحل مكران، إذ تعتبر أن هذه المنطقة يجب أن تبقى فضاء للتعاون الاقتصادي لا ساحة للتنافس العسكري بين القوى الكبرى. وفي المقابل، إذا اقتصر المشروع على الطابع الاقتصادي واللوجستي، فلن تثيره بحساسية كبيرة.

???? بزشكيان : ايران تقدر دعم باكستان لها ضد عدوان الكيان الصهيوني

قال الرئيس الايراني إن مواقف الحكومة والبرلمان والشعب الباكستاني العزيز في الدفاع عن جمهورية إيران الإسلامية ودعمها خلال العدوان الإرهابي الذي استمر 12 يومًا من قِبل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة مُشجعة للغاية. pic.twitter.com/btB5lFCqMb

— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) August 3, 2025

تفهم متبادل

وسيتخذ الرد الإيراني المحتمل على أي حضور أميركي في باسني -وفق نجفي- 3 ركائز رئيسية:

تعزيز مشروع تشابهار عبر الإسراع في ربطه بالسكك الحديدية واستقطاب شركاء آسيويين غير غربيين. إجراء حوار إستراتيجي مع باكستان لضمان عدم تحويل باسني إلى قاعدة ذات طابع عسكري. تنويع الشراكات التجارية للحد من أثر العقوبات الأميركية وتخفيف الضغوط الاقتصادية.

واعتبر أن إيران لا تسعى إلى المواجهة المباشرة، بل تهدف إلى إدارة المخاطر والحفاظ على ميزتها الجيو- اقتصادية في سواحل مكران، وأن مشروع باسني يمثل إنذارا مبكرا يستوجب التعامل معه بأدوات دبلوماسية واقتصادية وبنيوية.

كما أشار إلى أن هذا المشروع لا يمس طهران وحدها، بل مصالح بكين مباشرة، وقد يؤدي إلى تصاعد التنافس الأميركي- الصيني داخل باكستان، ما يجعل إسلام آباد منطقة تماس بين القوتين الكبيرتين. وخلص إلى أن هذه التطورات قد تدفع في المقابل إلى تعزيز التعاون الإيراني- الصيني في المجالات الاقتصادية والأمنية والممرات الإقليمية.

إعلان

من جهته، اعتبر الدبلوماسي الإيراني السابق بوزارة الخارجية المتخصص في الشؤون الباكستانية محسن روحي صفت أن أي استثمار أجنبي -بما في ذلك الأميركي- يصب في مصلحة إسلام آباد من حيث تطوير البنى التحتية وتوسيع شبكة المواصلات، خصوصا في إقليم بلوشستان الذي يشكل نحو نصف مساحة البلاد، لكنه ما زال يعاني ضعفا في التنمية رغم غناه بالموارد الطبيعية والمعادن التي لم تستثمر بعد.

وأوضح للجزيرة نت أن أبرز عوائق التنمية في الإقليم تتمثل في نقص التمويل وضعف البنية التحتية للنقل من طرق وسكك حديدية وموانئ. وفي رأيه، فإن تنميته، سواء من الجانب الباكستاني أو الإيراني، تصب في مصلحة أمن طهران، إذ إن تعزيز النشاط الاقتصادي في المنطقة يسهم في الحد من التحركات المسلحة والنزعات الانفصالية، وهو ما يخدم استقرار البلدين.

وختم روحي صفت بالقول إن العلاقات بين طهران وإسلام آباد، رغم ما تشهده من تنافس إقليمي، تقوم على تفهم أمني متبادل، إذ يدرك الطرفان أنه لا توجد نية أو مصلحة في اتخاذ خطوات عدائية على المستوى الإستراتيجي، مما يجعل مشروع باسني بعيدا عن أن يشكل مصدر قلق كبير لإيران في الوقت الراهن.

مقالات مشابهة

  • كيف تنظر إيران لمشاركة أميركا بمشروع باسني الباكستاني؟
  • قناة «فرانس 24» تبرز إشادة الرئيس ترامب بالدور المصري في التوصل لاتفاق غزة
  • إيران: لا نرى أي مبرر لإجراء محادثات نووية مع الدول الأوروبية
  • تونس تصدر تحذيرا بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة
  • السيسي يدعو ترامب لحضور توقيع اتفاق وقف حرب غزة حال التوصل إليه
  • العواصم الأوربية الكبرى تريد إحياء المفاوضات النووية مع إيران
  • 3 دول تؤكد عزمها على إحياء المفاوضات النووية مع إيران
  • الترويكا الأوروبية تعلن عزمها إحياء المفاوضات النووية مع إيران
  • الرئيس السيسي: ترامب يستحق عن جدارة نوبل للسلام لجهوده في التوصل لاتفاق غزة.. مصطفى بكري: مصر تصنع التاريخ مجددا لقدرتها على وقف نزيف الدم بغزة| أخبار التوك شو
  • أول تصريح لـ ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين بعد التوصل لاتفاق غزة