لجريدة عمان:
2025-07-29@02:24:52 GMT

نحنُ والغرب.. استرداد التمثيل

تاريخ النشر: 15th, April 2025 GMT

عندمَا سلّمنا للغرب تراثنا يعرِضُه علينا ويُفصّله ويبحث فـي تجاويفه ويُخرجه على الهيئة التي يُريد، عند ذاك خسرنا قسْمًا من إعادة تشكيل هُويّتنا السرديَّة، من الوقوف على قراءة حقيقيّة لمن نحن، وما هو تاريخنا. تحتاجُ الأمم قطْعًا فـي كلّ مرحلةٍ من الزمن إعادة قراءة لتاريخها والبناء عليه من أجْل نهضةٍ حقٍّ، ومن أجل بناءٍ سليم لمقبلٍ فاعل ومتأسّسٍ.

لقد تعرّضنا عبر التاريخ إلى هزّتين فاعلتين فـي تكدير التراث، الهزّة الأولى كانت فـي العودة فـي التفاسير، تفاسير القرآن الكريم إلى القصص الإسرائيليّة، وإلى المرويّات اليهوديّة نظرًا فـي الكوْن وفـي تاريخ الرسل والملوك، وفـي بيان بداية الكون ونهاياته، فـي روايات الطبري وابن كثير أساسًا، وهو ما انعكسَ سلْبًا أيضا فـي تدوينهما لتاريخ العرب من وفْرَةِ الأساطير من جهةٍ ومن تسرُّب الرؤية الإسرائيليّة ومرورها إلى الاعتقاد العالم والشعبيّ أيضًا، مثّل فـيها عبيد بن شريّة الجُرهمي صُورةً عن التخييل التاريخي الضّارب فـي التهويم وفـي الأدبيّة من جهة، المؤثّر، الفاعل، فـي تدوين التاريخ واتّخاذه مرجعًا علميّا فـي أحايين عديدة من جهة ثانية.

تلكَ هزّةٌ أثَّرت بشكل بالغٍ فـي تشكيل الذاكرة العربيّة وفـي بناء أرضيَّةٍ معرفـيّة لتاريخٍ يُمكن الصُّدور عنه والبناء عليه. أمّا الهزَّة المعرفـيّة الثانية، فقد كانت فـي العصر الحديث، عندما تولّى المستشرقون عُهْدة عرْضِ التراث العربيّ وتقديم أعلامه، وتحقيق مصادره وتقديمها وعرضها، وبناء نوى البحث الكبرى فـيه وتشكيل أرضيّة معرفـيّة صارت مرجعًا وسنَدًا يبني عليه علماؤنا آراءهم لحدّ اليوم، رغمًا عن المراجعات الجذريّة والنقد العالم الذي تعهّد به إدوارد سعيد بدْءًا ومن عدد من تلامذته فـي نقد مرجعيّة الاستشراق وخلوّه من البراءة العلميّة. العجيب فـيما أفكّر فـيه دومًا ولا أجد له جوابًا، لمَ إدوارد سعيد لا يُشكِّلُ مرجعيَّة علميَّة فـي الجامعات العربيّة؟ لمَ ليس مدوَّنة تعليميّة بها نُعلِّمُ طلبتنا أصول النقد الحضاري والتاريخي والأدبيّ والمعرفـي؟ إدوارد سعيد بابٌ من المعرفة مركوز فـي خاصرة الثقافة الغربيَّة، ومثّل بنقده للسلطة ولأصول المعرفة ولهيمنة الغرب مرجعًا لفلاسفة تهزُّ أسماؤهم مدرّجات العلم عند العرب والغرب.

لا شكَّ أنّنا فـي هذه المرحلة من وفْرَة العواصِف التي تقضُّ مضجع الهُويّة العربيّة الإسلاميّة، وترسِّخ خطابًا كونيًّا يُقيم سرديّات الغالب -بعبارة ابن خلدون- بحاجةٍ إلى رؤيةٍ فلسفـيّة عميقة وإلى أدواتٍ إجرائيّة تُنْصِفُ الهامش وتبين سكاكين المركز، فهذه السرديَّة الغربيّة قد تعدَّت الهيمنة الثقافـيّة والمعرفـيّة التي تجلّت فـي أعمال المستشرقين الذين مهّدوا لفكرٍ استعماريٍّ ولتشكيل صُورة نمطيّة عن العرب والمسلمين، قوامها الدونيّة والوحشيّة والحاجة إلى التمدين وإلى ترسيخٍ فـي هوَّة التبعيّة، الغربُ لم يكن يومًا طالبًا لعلمٍ بأرضِ العرب، وإنّما كان علمُه موجَّهًا ومعرفته قليلة، ومنطق الدونيّة والتبعيّة المعرفـيّة جعلنَا نأخذ منه رؤيته لنا ولتاريخنا، ولا عجب فـي هذا المقام أن أذكر أنَّ ما أقامه عميد الأدب العربيّ من رؤيةٍ سطحيّة للشعر الجاهليّ نُكرانًا واعتقادًا جازمًا بنحله ووضعه هو نقلٌ لأفكارٍ غربيّة لمستشرقين آمن بهم وبعلمهم (ولسنا هنا فـي مقام الردّ على كتاب فـي الشعر الجاهلي، وإلاّ لأبنَّا ضعفه العلمي دون استنقاص من منزلة طه حسين) إيمانًا أعمى دون نقد أو تفحُّصٍ أو تنقيب، وقد عمد عبد الرحمن بدوي فـي همْز لطيف لطه حسين إلى ترجمة المقالات التي اتّخذها طه حسين مصدره دون الإشارة إليه، ونشرها فـي كتابٍ بعنوان دراسات المستشرقين حول صحّة الشِّعر الجاهلي، فإذا أنت تقرأ كلّ ما فـي كتاب فـي الشعر الجاهلي لطه حسين، وإذا أفكاره ومختلف حججه موزّعة فـي مقالات المستشرقين، فهل أنّ تيودور نلدكه (الذي أيضًا كتب كتابًا حمَّال نقدٍ حول تاريخ القرآن، وغفل عنه بعض العرب، واعتمده البعض الآخر دليلًا وشاهدًا ومصدرًا) أو مرجليوث أو بروينلش أو جولدتسيهر أو سبرنجر على وعي بدقائق شعر العرب وبمختلف دلالات ألفاظه وتراكيبه ومقاماته حتّى يُوجِّهوا قراءتنا لشعرنا القديم؟ فإن افترضنا ذلك، وهو أمرٌ متحقِّق عند قسم من المستشرقين، فهل يعني ذلك أنْ نأخذ عنهم رؤيتهم وآراءهم بدونيّةٍ وبوعيٍ ناقصٍ، وأن نُقدِّس ما بلغوه من آراءٍ تبدو أحيانًا سطحيّة وبسيطة. لا يعرف المستشرقون آليَّة الخبر فـي التراث العربيّ وأتوا أحيانًا بأخبارٍ تُثبِتُ وضع الشعر الجاهليّ (وهو أمرٌ يقينيّ ومثبَتٌ منذ القرن الثاني للهجرة)، ولم يكونوا فـي حاجة إلى إثباتِ هذا الوضع، ولكنّ العرب لحدِّ اليوم لهم قُدرة شعريَّة لا يُدركها أغلب المستشرقين، وهي إمكان النسج على منوالٍ، أو فـي أبهى الصُّور الفنيّة هي المعارضَة، ولكن الواضع الذي ينسج على منوال شاعرٍ يُراعي معجمه ومقامه وفضاءه، فهو وفـيٌّ لفضاء الشعر المتبَّع. هذا نموذجٌ فحسب حول إيماننا المبالغ فـيه بالآخر، الآخر الذي يحمل فـي الأصل مشروعًا للسيطرة، ومعيدٌ لإنتاج صور نمطيَّة عن الشرق (دون حتّى التفكير فـي أنّ الشّرقَ ليس واحدًا، والعرب أمم قد تتباين منازعها).

عودًا إلى إدوارد سعيد، فله الفضل فـي إعادة تعريف هذا الآخر المستشرق، وأن نحدّ من درجة إيماننا الأعمى به، ونحن اليوم فـي ظلّ فكرٍ غربيٍّ قادرٍ ومعلنٍ عن إمكان إزالة شعبٍ برمّته ومحوه من الوجود، نحتاج إلى إعادة ضبْط علاقتنا بالآخر، ولذلك نبدو فـي حاجة ماسّة إلى استدعاء أفكار إدوارد سعيد فـي قدرتها على تفكيك الأنماط الفكريّة، العالم الغربيّ اليوم يحتكر سرديَّة واحدة ويعمل بجدّ على إعادة صياغة الهُويّات وفقا لرؤيته التي تخدم منظومة العولمة تحكُّما فـي معطى آخر غير الأرضيّة الاستشراقيّة التي انتقدها إدوارد سعيد، اليوم التحكّم فـي البيانات والخوارزميات والمنصات الرقمية هو الذي يَعرِض هذه السرديّة التي يُمكن أن تنغرس فـي العقول، وأنّ تُحوِّل الكون إلى جنودٍ لصانع هذه البرمجيّات، العالم اليوم يتشكّل رقميّا، فـي حرْبٍ نحن -كما كنّا دوما- فـيها المتلقّون. أضحت بذلك السرديّة البديلة أكيدة، التي بها يُمكن أن يكون المثقَّف أداة للتحرّر فـي عالمٍ مقيَّد بالبرمجيّات، وجب أن يستردّ الهامش القدرة على التمثيل، وأن ينعتق من أثر ثقافة المستعمر الذي تلوّن فـي أقنعة جديدة والجوهر واحد، ولكن هل المثقَّف العربيّ اليوم على وعي بهذا الحمل الثقيل؟ وهل هو قادرٌ على الصدح بسرديّة بديلة عن السرديّة الواحدة للعالم الواحد فـي الكون الواحد؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إدوارد سعید ة التی

إقرأ أيضاً:

استرداد آثار مصر أبرز الملفات.. ماذا دار بين شريف فتحي و20 سفيرا وقنصلا من الموفدين للخارج؟

التقى شريف فتحي وزير السياحة والآثار، اليوم، مع أكثر من 20 سفيراً وقنصلاً عاماً من الموفدين لتمثيل الدولة المصرية، قبل سفرهم لتولي مهام مناصبهم في الخارج، وذلك في لقاء موسع عُقد بمقر وزارة الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج بالعاصمة الإدارية الجديدة.

يأتي ذلك في إطار التعاون والتنسيق المستمر بين وزارتي السياحة والآثار والخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج.

 وزير السياحة والآثار 

واستهل شريف فتحي، اللقاء بالترحيب بـ السفراء والقناصل، متمنياً لهم التوفيق في مهام عملهم المقبلة.

وأكد أهمية الدور الذي يقومون به في الترويج للسياحة في مصر وتقديم صورة شاملة وحديثة عن مصر تعكس عراقة الحضارة المصرية القديمة وتطور الحاضر، وتبرز ما يتمتع به المقصد السياحي المصري من مقومات غنية ومتميزة ومنتجات وأنماط سياحية متنوعة ومختلفة ومتفردة، بما يُعزز مكانة مصر على خريطة السياحة العالمية ويساهم في زيادة الحركة السياحية الوافدة إلى مصر وجذب أيضاً مزيد من الاستثمارات إليها.

وزير السياحة والآثار: تحويل الشقة السكنية سياحي بدون رسوموزير السياحة والآثار: موعد المتحف المصري الكبير لم يحدد بعد .. ونتوقع ١٨ ألف غرفة فندقية هذا العاممعاون وزير السياحة والآثار يكشف محتوى منصة egytap للتدريبوزير السياحة والآثار: محتوي جديد بشكل يومي على منصة تدريب egypt tap

واستعرض وزير السياحة والآثار رؤية ورسالة الوزارة وملامح استراتيجيتها الحالية، والتي ترتكز بشكل أساسي على إبراز المقصد السياحي المصري باعتباره المقصد الأول في العالم من حيث تنوع الأنماط والمنتجات السياحية التي يتميز بها، من سياحة ثقافية وشاطئية وروحانية وصحراوية ومغامرات وغيرها.

وأضاف أن استراتيجية الوزارة تهدف أيضاً إلى تحقيق الأمن الاقتصادي السياحي، والذي يستهدف تحقيق عوائد مستدامة تنعكس إيجاباً على البيئة والمجتمعات المحلية المحيطة بالمواقع السياحية والأثرية المختلفة، وبما ينعكس إيجاباً على سلوكياتهم وحرصهم على الحفاظ على هذه المناطق.

كما تحدث عن حرص الوزارة على مراجعة وتحديث الخطط والرؤى والاستراتيجيات التي تعمل من خلالها بشكل دوري لتحقيق المستهدفات من قطاع السياحة في مصر وخاصة في ضوء المتغيرات والتنبؤات الحالية والمستقبلية المبنية على دراسات وتحليلات تتغير مع تطورات السوق العالمية والمتغيرات الحالية على الساحة السياسية والاقتصادية.

وأكد شريف فتحي  حرص الوزارة ووضعها لملف تدريب وتأهيل وتطوير العنصر البشري بها وبقطاع السياحة والآثار في مصر، على رأس أولوياتها، مشيرا إلى أن الاستثمار في العنصر البشري والعمل على بناء القدرات وخاصة الطاقات الشابة الموهوبة التي تمتلك مهارات متخصصة تؤهلها للعمل في قطاع السياحة والآثار؛ هو أيضا ضمن استراتيجية الوزارة.

كما تحدث الوزير عن حرص الوزارة على تبادل الخبرات بين مختلف الدول في مجال السياحة والآثار ومنها التعاون لتنظيم ورش عمل مهنية مشتركة، منوهاً بورشة العمل التي نظمتها الوزارة على هامش المشاركة الماضية في فعاليات معرض سوق السفر العربي (ATM) بدبي والتي شارك فيها عدد من شركات السياحة المصرية والبحرينية لتكون منصة مبدئية للتعاون بينهما.

واستعرض الوزير أيضاً مشروع تطوير الخدمات بمنطقة أهرامات الجيزة ما يأتي في إطار جهود الوزارة لتحسين التجربة السياحية بالمقصد السياحي المصري لا سيما في المتاحف والمواقع الأثرية، مشيراً إلى حرص الوزارة على رعاية وحماية الخيول والإبل والحيوانات الأليفة بالمناطق الأثرية ومنها منطقة أهرامات الجيزة، وذلك بالتعاون مع وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، وبالتنسيق مع بعض جمعيات المجتمع المدني الخاصة بالرفق بالحيوان.

وأكد الوزير أن الدولة ملتزمة التزامًا كاملاً بالحفاظ على التراث والتاريخ المصري، مشيراً إلى حرص الوزارة على تحقيق التوازن بين حماية الآثار ودراسة سبل تعظيم الاستفادة منها اقتصاديًا، دون الإخلال بقيمتها الأثرية أو الإضرار بالبيئة المحيطة بها.

ونوه بأن هناك العديد من الملفات والمشروعات التي تعمل الوزارة عليها حالياً بالتعاون مع اليونسكو.

وأكد الوزير التزام وحرص الدولة المصرية- ولا سيما من خلال التعاون القائم والمستمر بين وزارتي السياحة والآثار والخارجية وشئون المصريين بالخارج- على استرداد الآثار المصرية التي خرجت من مصر بطريقة غير شرعية.

كما تحدث الوزير عن أهمية معارض الآثار المؤقتة التي يتم إقامتها بالخارج في الترويج السياحي لمصر وإلقاء الضوء على ما يتمتع به المقصد السياحي المصري من مقومات ومنتجات سياحية متنوعة، مشيراً إلى الموافقة الأخيرة لمجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار على إقامة معرضين مؤقتين للآثار في كل من إيطاليا وهونج كونج مما يعمل على الترويج للمقصد السياحي المصري بهذه الدول.

وأجاب الوزير على استفسارات الحضور عن العديد من الموضوعات التي تتعلق بقطاعي السياحة والآثار وتطويرهم، واستمع لمقترحاتهم  في هذا الشأن.

وقد شارك في الحضور من وزارة السياحة والآثار المهندس أحمد يوسف مساعد الوزير لشئون الإدارات الاستراتيجية والقائم بأعمال الرئيس التنفيذي للهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي.

طباعة شارك وزير السياحة والآثار سفير وزير السياحة والآثار يلتقي سفراء مصر مصر السياحة

مقالات مشابهة

  • اليوم.. إريك تراوري ينضم لمعسكر الإسماعيلي في برج العرب
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • اليوم.. إيريك تراوري ينضم لمعسكر الإسماعيلي في برج العرب
  • غزة - الكشف عن عدد شاحنات المساعدات التي دخلت القطاع اليوم
  • عاجل. خليل الحية ينتقد انسحاب إسرائيل من مفاوضات الدوحة رغم التقدم الذي تحقق ويدعو العرب للزحف نحو فلسطين
  • استرداد آثار مصر أبرز الملفات.. ماذا دار بين شريف فتحي و20 سفيرا وقنصلا من الموفدين للخارج؟
  • موسكو تتهم كييف والغرب برفض الدبلوماسية لحل نزاع أوكرانيا
  • إدوارد سعيد يقرأ بنيامين نتنياهو
  • اليوم .. الإسماعيلي يواجه مودرن سبورت وديا استعدادا للدوري
  • طريقة استرداد المصرية المتزوجة من أجنبى للجنسية والرسوم المطلوبة