خبير يتحدث للجزيرة نت عن تحديات إيكواس في النيجر وهل هي غطاء لفرنسا؟
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
أخفقت دبلوماسية اللحظات الأخيرة لمجموعة إيكواس في التوصل إلى تفاهم مع المجلس العسكري في النيجر بعد رفضها مقترحه للخروج من أزمة البلاد، والمتلخص بـ "ثلاث سنوات للانتقال إلى النظام الدستوري".
وبينما قال رئيس وفد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) عبد السلام أبو بكر، وهو رئيس نيجيريا الأسبق، إن اللقاء مع ممثلي المجلس العسكري كان مثمرًا.
ولكن إلى أين تتجه الأوضاع؟ وهل تستطيع الجارة نيجيريا قيادة التدخل العسكري إذا أصبح هو الخيار؟ للإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها، التقت الجزيرة نت الكاتب والباحث السياسي النيجيري، والخبير في الشؤون الأفريقية، إبراهيم زين كونجي.
وهذا نص الحوار:
هناك فجوة كبيرة بين المنظومة الحاكمة في النيجر وبين مجموعة إيكواس. اللقاء الأخير أعطى بصيصًا من الأمل لكن هذا لا يعني كثيرًا فيما يخص تهدئة الأمور أو رأب الصدع أو عودة المياه إلى مجاريها، وهناك مشوار طويل جدًا بين الطرفين.
هل كل مجموعة إيكواس مستعدة لدعم العملية العسكرية التي تصر عليها المنظمة؟هذا سؤال جوهري ومهم؛ لأن هناك تضليلًا كبيرًا، والمعروف أنها مجموعة اقتصادية لكنها مع الأسف تحوّلت بين عشية وضحاها إلى غرفة عمليات سرية. ولا يوجد من ضمن أعضائها الـ 15 إلا 4 دول لديها استعداد لشن عملية عسكرية ضد النيجر، والبقية بين متحفظ ومعترض ومستعد للقتال إلى جوار النيجر، لو فرض هذا الخيار.
والمجموعة المتحمسة هي: نيجيريا وساحل العاج والسنغال وبنين، وهذه لا تريد خوض الحرب إلا لإرضاء فرنسا، لأن الأخيرة تريد التدخل العسكري، ولكن ينقصها الغطاء وهذه الدول تعطيها المسوغات.
لماذا رفضت إيكواس الفترة الانتقالية التي طرحها المجلس العسكري للعودة للعملية السياسية، خاصة، وأنها قبلت ذلك في حالة مالي وبوركينا فاسو؟
في الواقع لم يقدّم المجلس العسكري مقترحًا لإيكواس بفترة انتقالية تمتد لثلاث سنوات، بل كان المقترح موجهًا للشعب ولم يقل ثلاث سنوات، لكن فترة لا تتجاوز ثلاث سنوات يتخللها عقد مؤتمر وطني شامل لجميع مواطني النيجر ومكوناته وأطيافه. والمجلس في تقديري غير معني بما يدور في أروقة إيكواس، بسبب تشدد المنظمة وتعنتها.
هل تملك إيكواس القدرات العسكرية واللوجستية للتدخل في النيجر؟لا تملك إيكواس قدرات مالية ولا عسكرية ولا لوجستية تسمح لها بالتدخل العسكري، كان حماسًا تقف خلفه فرنسا، وتدفع لتدخل القوات الفرنسية بغطاء من المنظمة الأفريقية، لكن الأمر تفاقم الآن، وأصبحت النيجر ساحة تجاذبات دولية.
كيف سيتعامل المجلس العسكري في النيجر إذا نفذت إيكواس تهديداتها؟ وما عوامل القوة والضعف لديه؟يُعدّ الجيش النيجري من أكثر الجيوش الأفريقية احترافية ومهنية، وثقتهم بقدرتهم على التصدي لأي اعتداء عسكري خارجي كبيرة.
أعتقد أنهم استعدوا منذ وقت مبكر لكل الاحتمالات، كما أن الشعب كله يقف إلى جانب الجيش وبقوة، فضلًا عن إعلان التعبئة العامة وفتح باب التطوع للدفاع عن البلاد، وكلها تُحسب لصالح الجيش النيجري.
لا أعتقد أن الرئيس النيجيري تينوبو لديه فرصة لقيادة المجموعة؛ لأن أمامه خطوطًا حمراء كثيرة؛ فمجلس الشيوخ لديه ضد التدخل، وكذلك المزاج الشعبي، ورجال الدين من مسلمين ومسيحيين ضد التدخل.
وما يدفع تينوبو هو فاتورة قديمة لرجال أعمال فرنسيين ساندوه ضد الرئيس السابق ساني أباتشي، الذي طردهم من نيجيريا، ويريد إرضاء فرنسا بأي ثمن.
رئيس المجلس العسكري في النيجر عبد الرحمن تياني صرح بعد لقاء الوفد الأفريقي أن مالي وبوركينا فاسو ستواجهان مع النيجر كل التحديات. كيف نفسر هذا التصريح؟ما ذهب إليه الجنرال تياني هو تأكيد لما سبق وأن صرحت به الدول ذاتها، ولكنه أراد أن يبعث برسائل في بريد إيكواس بأن الأمر ليس مزحة. وأضيف إليها دولة رابعة هي غينيا، وهي دول بينها روابط دم ومصالح اقتصادية أكثر من غيرها، فضلًا عن رفضها جميعًا الهيمنة الأجنبية والانسياق وراء "الأجندات" الخارجية.
قائد الانقلاب في النيجر يفوض جيوش مالي وبوركينا فاسو الجارتين التدخل على أراضي بلاده في حال التعرض لهجوم pic.twitter.com/fsGnn9I07U
— قناة الجزيرة (@AJArabic) August 25, 2023
أعلنت تشاد وموريتانيا والجزائر، رفضها للتدخل العسكري. هل يضعف هذا من سرعة التدخل أو هناك تبدّل في المواقف؟نعم كانت مواقف الجزائر وموريتانيا قوية، وشهدنا كيف أن الموقف الجزائري في الاتحاد الأفريقي والرافض للتدخل العسكري أحرج عددًا من الدول المتحمسة لهذا التدخل. وأعتقد أن موقفها مؤثر جدًا.
أما تشاد التي كان موقفها غير واضح في بداية الأمر، فقد تعدل إلى رفض التدخل العسكري في النيجر، خاصة بعد زيارة رئيس وزراء النيجر الجديد علي محمد الأمين زين (المعيّن من قبل النظام العسكري) لها.
أين تقف فرنسا والولايات المتحدة من كل هذا المشهد منذ الانقلاب حتى الآن؟هناك تباين كبير بين موقفي الولايات المتحدة وفرنسا؛ فالأخيرة ومنذ اليوم الثالث للانقلاب وعندما تأكدت بأن المجلس العسكري يرفض هيمنتها وأصدر قرارات بحقها، بدأت بإظهار العداء وعقد مجلس دفاعها اجتماعًا كان أهم قراراته، إصدار أوامره لقيادة "إيكواس" للتدخل العسكري.
أما أميركا، فتعاملت ببرود وعقلانية وحكمة، وهي في الحقيقة تملك حلفاء أقوياء داخل المنظومة العسكرية في النيجر، ولا ترغب في تصعيد الموقف، بينما فرنسا تبحث عن وكيل لها في البلاد.
ماذا يعني نجاح إيكواس في التدخل العسكري إن تم، وماذا يعني إخفاقها في رأيك؟دعني أقول إن إيكواس أخفقت من البداية عندما عجزت عن القيام بمهامها الأساسية. وثانيًا أخفقت عندما تحولت إلى غرفة عمليات تستخدمها فرنسا لتنفيذ مخططها. وثالثًا ليس بمقدورها التدخل عسكريًا؛ لأنه صعب ومعقد.
والذي يُعجز إيكواس عن التدخل هو ضعفها كمؤسسة إقليمية، بمقابل قوة المجلس العسكري في النيجر حزمًا وتماسكًا وتصميمًا، وقد نجح إلى حد كبير في تهميش المنظمة.
ولو تجرأت المجموعة وتدخّلت عسكريا فإنها تكون قد كتبت نهايتها بنفسها، ولن يخسر الأفارقة في غرب القارة شيئًا، على العكس سيخرجون من الوصاية الغربية التي كبّلتهم بوكلاء وطنيين.
أيهما أقرب للتحقق: الحل العسكري أو الدبلوماسي؟ ولماذا؟قطعًا الحل الدبلوماسي كان أنجع وأفضل وأصلح، ولكن ضيعته إيكواس بسوء تقديرها وتصرفات قيادتها، وقطعت كل السبل المؤدية إلى ذلك وكسبت أعداء جدد.
الحروب لا تأتي بالحلول، خاصة إذا كان فيها طرف ثالث، بل يكون حصادها التدمير والإفساد والكوارث والمجاعات. ولو افترضنا أن هناك حربًا، فالتاريخ يقول إن الحروب -كذلك- تنتهي بالتفاوض، ولذلك لماذا لا يكون طريق الحل هو التفاوض قبل دق طبول الحرب التي لا أحد يعلم مآلاتها ولا نهاياتها؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المجلس العسکری فی النیجر التدخل العسکری للتدخل العسکری
إقرأ أيضاً:
هل رفض نيجيريا الاستسلام لترامب يؤشر على تدهور علاقات واشنطن في أفريقيا؟
نشرت مجلة فورين بوليسي أن نيجيريا، الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في أفريقيا، رفضت السياسة الأميركية الهادفة لترحيل مهاجرين من دول ثالثة إليها، مؤكدة أنها لن تنصاع لهذا الضغط رغم محاولة واشنطن استخدام الحوافز الاقتصادية والدبلوماسية لكسب موافقة الدول.
وأشار المقال الذي نشرته فورين بوليسي للكاتبة النيجيرية أولاجوموكي أيانديلي، الأستاذة بجامعة نيويورك، إلى أن وزير الخارجية النيجيري يوسف توغار قال في يوليو/تموز الماضي إنّ بلاده لديها "ما يكفي من مشاكلها الخاصة"، ولن تكون مستودعا لترحيل اللاجئين الذين لا تربطهم صلات بها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بلومبيرغ: استخبارات إسرائيل تعود للتركيز على الجواسيس بدل التكنولوجياlist 2 of 2جوزيب بوريل: قادة الاتحاد الأوروبي متواطئون مع إسرائيلend of listوعلّقت أيانديلي قائلة إن هذه الخطوة تمثل رفضا أوسع للمنطق التبادلي، الذي ظل يحكم العلاقات الأميركية-الإفريقية لسنوات. وأضافت أن نيجيريا لا تدافع فقط عن حدودها، بل تدافع عن سيادتها واستقلالها في صنع القرارات.
سياسة غربيةوأوضحت أن توسيع سياسة الترحيل التي بدأت في أميركا اللاتينية خلال الولاية الأولى لترامب امتدت إلى أفريقيا، مدعومة بوعود مساعدات أفضل وشروط تجارية مواتية وتخفيف قيود التأشيرات، كما ألقت السياسة الأوروبية والبريطانية بظلالها المشابهة من خلال اتفاقيات، مثل اتفاقية لندن-رواندا، ونقل طالبي اللجوء إلى مواقع خارجية.
وعن أسباب الرفض النيجيري، قالت الكاتبة إن نيجيريا تعاني من ضغوط داخلية كبيرة، بدءا من ارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي، وارتفاع بطالة الشباب، والنزاعات في الشمال، واستنزاف الموارد. كما أن السجون مكتظة بنسبة 137%، واستيعاب مرحّلين أميركيين معزولين سيزيد الأعباء على مؤسسات هشّة بالفعل، ويحول موارد نادرة بعيدا عن الاحتياجات المحلية العاجلة.
وأضافت أن هذا الموقف ينبع أيضا من الرؤية النيجيرية للسياسة الخارجية، والتي ترتكز على "ركائز أربع": الديمقراطية، والتنمية، والديموغرافيا، والشتات، وهي تؤكد طموح نيجيريا لتقود القارة الأفريقية من منطلق سيادة وسياسات خارجية قائمة على الإصلاح وليس التبعية.
إعلانورفض نيجيريا، وفقا للكاتبة، لا يخلو من مخاطرة، فقد يؤدي إلى توتر في العلاقات مع واشنطن والتأثير على التعاون المستقبلي، الأمر الذي قد يفجّر اضطرابا تجاريا ودبلوماسيا.
نيجيريا ترسم مسارا جديدا في الموقف الأفريقي حيث تسعى إلى إنهاء دور "المنفّذ" الذي لطالما فرضه الغرب على دول الجنوب لتنفيذ سياساته مقابل المساعدات رسم مسار جديدومع ذلك، فإن نيجيريا ترسم مسارا جديدا في الموقف الأفريقي، حيث تسعى إلى إنهاء دور "المنفّذ" الذي لطالما فرضه الغرب على دول الجنوب لتنفيذ سياساته مقابل المساعدات.
ومنذ فترة، كان يُنظر إلى الدول الأفريقية كجهة تحل أزمات الغرب، دون أن تحصل على صوت في صنع القرار. لكن الأمور بدأت تتغيّر، فقد رفضت جنوب أفريقيا ضغوط الولايات المتحدة في صلاتها مع روسيا وإيران، لا سيما في المسائل التجارية.
وتقول إيانديلي إن نيجيريا تبرز، اليوم، كبادئة لرؤية تتبنى استقلالية القرار الوطني، وشراكات قائمة على الاحترام المتبادل، حيث توفر دول مثل الصين وروسيا وتركيا وقطر والسعودية والإمارات بدائل غير مشروطة، تستهدف الاستثمار والبنى التحتية دون التلكؤ السياسي والشروط الأخلاقية. ومع أن تلك الخيارات تأتي بمخاطر كمشكلات الديون أو الحوكمة، فإنها تُفضّل لأنها تعامل الدول الأفريقية كشركاء متساوين، وليسوا أدوات خدمية.
تحذير لواشنطنوسلوك نيجيريا يمثل تحذيرا لواشنطن بأن الهيمنة والعقود المشروطة لم تعد تكفي، وأن احترام السيادة الوطنية، والقبول بالدول الأفريقية كشركاء حقيقيين يمثل الأساس للسياسة الخارجية الفعالة في المستقبل، فالتزامات الشراكة بديلا عن الضغوط ستكون العملة الجديدة للدبلوماسية.
وفي الختام، قالت إيانديلي إن رفض نيجيريا لترحيل مهاجرين من دول ثالثة يُعد موقفا إستراتيجيا قائما على مبدأ السيادة والواقعية وأسس السياسة الخارجية المستقلة، ويعكس توجها متزايدا في أفريقيا نحو إعادة صياغة علاقاتها الدولية بصورة أقل تبعية وأكثر احتراما للحقوق والمصالح المحلية.