الجزيرة نت ترصد مأساة انقطاع الكهرباء لأكثر من أسبوع في أم درمان
تاريخ النشر: 18th, April 2025 GMT
الخرطوم- بأسى يسرد السوداني محمد صديق الزمزمي رحلة معاناة 5 سنوات مع غسيل الكلى، لكن قمة مخاوفه كما يقول يعيشها هذه الأيام التي تشهد البلاد فيها انقطاعا تاما في الكهرباء، لأكثر من 8 أيام على التوالي، إثر استهداف مسيرات طويلة المدى لقوات الدعم السريع لمحولات توليد الكهرباء بسد مروي شمالي السودان للمرة الرابعة.
تنقل الزمزمي الذي يرقد في وحدة غسيل الكلى بمستشفى النو التعليمي بأم درمان بين مستشفيات عدة، في ظل الحرب التي شهدها السودان، أملا في الحصول على العلاج، لكن المشكلة واحدة كما يقول وهي نقص المواد الذي يزيد على المريض عبء شرائها من السوق.
لكن المشكلة التي يواجهها الزمزمي اليوم خارجة عن إرادته كما يقول للجزيرة نت، فهو يخشى أن يتوقف جهاز غسيل الكلى المخصص له والذي يعمل بمولد كهربائي، أو أن يتعطل لأي سبب نتيجة عمله لساعات طويلة، على مدى 8 أيام بشكل متوال بسبب انقطاع الكهرباء.
ولا يختلف وضع أحمد فاروق صالح كثيرا، وهو الذي أصيب بضمور في الكلى بسبب تلوث المياه، جراء تداعيات الحرب، وشاءت الأقدار أن تكون أول تجربة له مع غسيل الكلى في ظل انقطاع الكهرباء، ويقول للجزيرة نت إن أقسى ما يخشاه هو توقف جهاز الغسيل بسبب تعطل أحد مولدين يتناوبان العمل ليل نهار طوال الأيام الماضية في مستشفى النو.
تسبب انقطاع الكهرباء بتقلص السعة الاستيعابية لوحدة غسيل الكلى بمستشفى النو التعليمي من 27 ماكينة إلى 18، وبتقلص الزمن المخصص للغسيل من 3 ساعات إلى ساعتين، وفق ما أكدته للجزيرة نت المديرة الطبية لمركز غسيل الكلى بالمستشفى الدكتورة تسنيم عبد العزيز.
إعلانوخلّف انقطاع الكهرباء لفترات طويلة والمستمر حاليا لأكثر من أسبوع واقعا صعبا في كل القطاع الصحي بالسودان، مما يلقي عبئا كبيرا على إدارات هذه المستشفيات بتوفير بيئة عمل جيدة فيها.
ورغم تضافر الجهود لإيجاد حلول، فإن المولدات التي تستعين بها المستشفيات غير مصممة للعمل المتواصل على مدى أيام طويلة، وتكثر فيها الأعطال، بالإضافة إلى الاستهلاك العالي للوقود في ظل التردد المتزايد للمرضى على المستشفيات، كما يقول المدير العام للمستشفى الدكتور جمال الطيب العبيد.
وقال العبيد للجزيرة نت إنه "رغم عظم التحديات، فإن إدارة المستشفى لا تزال قادرة على التحكم في هذه المشكلات، ولم يشهد المستشفى -حتى الآن- انقطاعا للتيار الكهربائي".
يُذكر أن لمستشفى النو سجلا كبيرا في الحرب، إذ استهدفته قوات الدعم السريع بصورة متكررة، كان آخرها في فبراير/شباط الماضي، موقعة 6 قتلى، وقد ظل هذا المستشفى يعمل طوال الحرب المستمرة منذ عامين.
وغير بعيد عن مستشفى النو، تسبب انقطاع الكهرباء بمعاناة كبيرة للمرضى في مستشفى البلك للأطفال بأم درمان، بحسب ما صرحت به للجزيرة نت المديرة العامة للمستشفى الدكتورة مها حسين محمد، وقالت إن ضرب قوات الدعم السريع لمحول الكهرباء الرئيسي بسد مروي خلق تحديا كبيرا لهم في المستشفى.
ولكنها أكدت أن كوادر المستشفى تمكنوا رغم الظروف القاسية من تقديم خدمات متكاملة للمرضى، إذ يعد مستشفى البلك الوحيد المخصص للأطفال، والذي ظل يعمل طوال فترة الحرب رغم الاستهداف المتكرر من قبل قوات الدعم السريع.
وشهدت الفترة الأخيرة، وخاصة بعد استعادة الجيش السوداني للعاصمة الخرطوم والخرطوم بحري، زيادة في عدد المرضى بما نسبته 300%، أي بما يقارب من 400 إلى 500 مريض في اليوم.
أثر هذا الاستهداف الرابع من نوعه لقوات الدعم السريع لمحولات سد مروي لتوليد الكهرباء كثيرا على الخدمات الصحية الحيوية، وشكل تهديدا للأرواح، بحسب بيان لمنظمة أطباء بلا حدود، خاصة المستشفيين المدعومين من قبلها وهما مستشفى النو ومركز البلك للأطفال، بالإضافة إلى مستشفى أم درمان.
إعلانوتمثل التعقيدات البالغة التي تمر بها المستشفيات جزءا من واقع مأساوي أكبر، تسبب به انقطاع التيار الكهربائي بصورة متواصلة استمرت أكثر من أسبوع، نتيجة استهداف مسيرات الدعم السريع الطويلة المدى على مدى شهرين محطات كهربائية عدة، كان من أبرزها:
محطة كهرباء الشوك التي تغذي عدة مدن في شرق البلاد، واستهدفت مرتين. خزان سنار الذي يولد الكهرباء، واستهدف مرة واحدة. خزان الرصيرص، وهو خزان معني بتوليد الكهرباء، استهدف مرة واحدة. سد مروي ومحطة كهرباء مروي في شمال البلاد، استهدف 4 مرات. محطة كهرباء أم دباكر بالنيل الأبيض، واستهدفت 4 مرات. محطة كهرباء المرخيات بأم درمان، استهدفت مرتين.
وعمّق انقطاع الكهرباء في العاصمة الخرطوم ومدن سودانية أخرى الأزمات في شتى مناحي الحياة، فقد بات الحصول على كمية قليلة من الخبز ضربا من المعاناة، إذ يصطف عشرات المواطنين أمام المخابز التي تعمل بمولدات كهربائية ولساعات محددة، مما يضاعف أزمة المواطنين بالحصول على الخبز.
كما يعاني المواطنون في أم درمان بشحن هواتفهم، فقد أدى انقطاع الكهرباء إلى عزلة المواطنين عن العالم الخارجي جراء فراغ هواتفهم من الشحن الكهربائي، بينما لجأ البعض إلى تشغيل مولدات صغيرة الحجم وجعلها استثمارا صغيرا لشحن الهواتف، وباتت المشاهد الأكثر إثارة للانتباه هو اصطفاف المواطنين أمام أماكن شحن الهواتف، في حين تعاني أم درمان ليلا من ظلام دامس في بعض الأماكن لا يكسره إلا الأضواء المنبعثة من السيارات المتنقلة في الشارع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات انقطاع الکهرباء الدعم السریع مستشفى النو غسیل الکلى للجزیرة نت کما یقول أم درمان
إقرأ أيضاً:
تحتجزهم ميليشيا الدعم السريع في نيالا،، الأسرى،، صـرخة لاستعادة الإنسانية
تحتجزهم ميليشيا الدعم السريع في نيالا،،
الأسرى،، صـرخة لاستعادة الإنسانية..
مخاوف تنتاب ذويهم جراء الظروف القاسية التي تواجه الأسرى..
ضغوط محلية وإقليمية عبر مذكرتين للبرهان ومُفوَّض الاتحاد الأفريقي..
مطالب بتسليم الملف لرئيس الوزراء ليكون أحد مفاتيح الحل السياسي..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
بعد مرور أكثر من شهرين على تحرير العاصمة الخرطوم وإعلانها خالية من ميليشيا الدعم السريع، بدأت جيوش القلق تجتاح نفوس الأسر والعائلات الذين كان أبناؤهم محتجزين لدى ميليشيا الدعم السريع لفترات متفاوتة في مناطق مختلفة من العاصمة الخرطوم وضواحيها، وتزداد مخاوف هذه العائلات عن مصير أبنائهم في ظل الحديث المتواتر عن ترحيلهم القسري إلى مدينة نيالا، حيث اتخذتهم ميليشيا آل دقلو دروعاً بشرية لتفادي خطر القصف الجوي من سلاح الطيران أثناء مغادرتهم العاصمة في اتجاه الغرب، وبعد مرور أكثر من شهرين على ترحيلهم، تتفاقم مأساة هؤلاء الأسرى، وتخبو جذوة الأمل في نفوس عائلاتهم الذين لم يعودوا يطلبون إلا خيط، أو معلومة تطمئنهم على حياة أبنائهم.
ظروف إنسانية قاسية:
وكان الأسرى الذين تم العثور عليهم في مناطق صالحة وجبل أولياء عقب تحرير العاصمة الخرطوم، قد عانوا من ظروف قاسية ومخالفة لأدنى معايير المعاملة الإنسانية وفقاً لشهادات عدد من الأسرى الذين تم تحريرهم، حيث أكدوا أنهم قاسوا أوضاعاً مأساوية، افتقروا خلالها لأبسط مقومات الحياة، ما أدى إلى وفاة عدد منهم بسبب الجوع وانعدام الرعاية الصحية، ومن خرج منهم كان “عبارة عن هياكل عظمية”، نتيجة الجوع والعطش، وانعدام النوم، والتعرض المستمر للتعذيب النفسي، وسط تجاهل كامل لمتطلباتهم الإنسانية، وقد ظلت هذه الصور الإنسانية عالقة في النفوس، وهو ما يزيد طين القلق بلة لدى أسر وعائلات الأسرى الذين تم ترحيلهم إلى مدينة نيالا، خاصة وأن مصادر أكدت أن عملية الترحيل تمت عبر طرق برية وعرة، قطع خلالها الأسرى مئات الكيلومترات وهم في حالة صحية ونفسية بالغة التدهور دون الحصول على الغذاء الكافي أو الرعاية الطبية، الأمر الذي يجدد القلق والمخاوف من تفاقم أوضاعهم الصحية، خاصة في ظل تفشي الأمراض ونقص الدواء في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيا الدعم السريع.
مطالبة البرهان بالتدخل:
وفي الثالث والعشرين من يوليو الجاري وفي خطوة عكست حالة القلق الدائم والترقّب المؤلم والمخاوف التي تسللت إلى أفئدتهم وقلوبهم، وجهت أسر وعائلات الأسرى، نداءً إنسانياً مؤثراً إلى رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وطالبوا في مذكرة لهم الرئيس البرهان بالتدخل العاجل للكشف عن مصير أبنائهم الذين انقطع الاتصال بهم منذ اندلاع الحرب، مشددين على ضرورة أن تتحرك الحكومة وأجهزتها المختصة بشكل فوري للكشف عن مصير أبنائهم المختفين منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل 2023م، في وقت تتصاعد فيه المخاوف من تعرضهم لانتهاكات جسيمة قد تصل حد الإخفاء القسري أو التعذيب الممنهج، وأعربت أسر وعائلات المحتجزين لدى ميليشيا الدعم السريع عن قلقها البالغ على سلامة أبنائهم في ظل غياب المعلومات المؤكدة عن أوضاعهم، مناشدين كل من له تواصل أو اتصال أو تأثير على هذه القوات أن يُسارع بنقل صوتهم إليها، وأن يعمل على طمأنتهم عن ذويـهم من هؤلاء الأسرى، ويمكِّن الجهات المختصة من الوصول إليهم والاطمئنان على سلامتهم، مؤكدين أن قضية الأسرى من النظاميين والمدنيين قضية إنسانية بحتة، ولا ينبغي أن تكون رهينة للتجاذبات أو الصراعات.
مذكرة للاتحاد الأفريقي:
ولم يمضِ أسبوع على النداء الذي وجهه أسر وعائلات المعتقلين لدى ميليشيا الدعم السريع إلى الفريق عبد الفتاح البرهان، حتى عادت ذات الأسر والعائلات إلى مطالبة الاتحاد الأفريقي لتبني مبادرة إنسانية ترمي إلى إبرام صفقة تبادل بين الجيش وميليشيا الدعم السريع، ودعوا في مذكرة قدمت إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي السفير محمود علي يوسف، التكتل القاري إلى الاضطلاع بدور قيادي في تسهيل مبادرة محايدة وخاضعة للرقابة الدولية لتبادل الأسرى بين أطراف النزاع في السودان، منوهين إلى القلق الذي ينتاب هذه الأسر والعائلات على سلامة أبنائها المحتجزين في ظل غياب المعلومات المؤكدة عن أوضاعهم، داعين الاتحاد الأفريقي إلى الدفاع عن حقوق الفئات الضعيفة من المحتجزين، وخاصة الأطفال والنساء وذوي الإعاقة، بما يتماشى مع الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ومعايير القانون الدولي الإنساني.
دور حكومة الأمل:
ويطالب مراقبون بضرورة الدفع بملف الأسرى المعتقلين لدى ميليشيا الدعم السريع إلى رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس، الذي يحمل على عاتقه مسؤولية انتشال البلاد من هذا النفق المظلم، وقالوا إن إدريس مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بإعطاء هذا الملف أولوية قصوى، ذلك أن ملف الأسرى ليس فقط قضية إنسانية وأخلاقية، بل أحد مفاتيح الحل السياسي وبوابة لبناء الثقة بين أطراف النزاع، الأمر الذي يتوجب على حكومة الأمل المدنية أن تضغط عبر الوسائل الدبلوماسية والمنصات الإقليمية والدولية لكشف مصير الأسرى وتأمين إطلاق سراحهم وفقاً لمواثيق القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، مشددين على ضرورة أن تتحمل المنظمات الإنسانية والحقوقية، سواء المحلية أو الدولية، إضافة إلى الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية في هذا الملف، وإعمال ضغوط مستمرة على ميليشيا الدعم السريع للسماح بزيارة الأسرى، وضمان معاملتهم معاملة إنسانية، وفق ما نصت عليه اتفاقيات جنيف.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر تبقى النداءات الإنسانية المتكررة من قبل الأسر والعائلات، ضرورة مرحلية ملحة لما تُحدثه من تأثير سياسي وأمني كبير، فهي تعيد ملف الأسرى إلى واجهة الأحداث، وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والإنسانية، كما تشكل ورقة ضغط داخلي على الميليشيا المتمردة لإبداء حسن النية عبر إطلاق سراح الأسرى، ذلك أنّ استمرار التعتيم على مصير المحتجزين يكرّس مزيداً من الألم ويعمّق جراح الوطن، وبالتالي فإنّ كل صوت يُرفع للمطالبة بالكشف عنهم، وكل جهد يُبذل لتحريرهم، هي مبادرة نحو استعادة إنسانية ضاعت في أتون الصراع، وخطوةٌ أولى على طريق طي تداعيات النزاع.