آخر تحديث: 21 أبريل 2025 - 9:48 صبقلم:د.هيثم الزبيدي تكمن المشكلة الإيرانية التي سبقت انهيار جزء مهم من خريطة “الإمبراطورية”، التي شيدها المرشد الإيراني علي خامنئي تحت راية الحرس الثوري و”فيلق القدس”، في أنها تمددت بأكبر من قدرتها على ترتيب الأمر واستتبابه لها. افترض الإيرانيون أن لديهم قدرات على توجيه مجموعة موالية، أو ما صار يعرف بالذراع، كي يحققوا ما يريدون في تلك الساحة الإقليمية؛ أي صار لديهم “حزب الله” سوري و”حزب الله” يمني و”حزب الله” عراقي بالمستوى الذي برز فيه حزب الله الأصلي في لبنان واستطاع أن يفرض إرادته على البلد، بل وزحف ليستعرض قوته على الإقليم كقوة مقاتلة في سوريا أولا، ثم كخبراء يفترض أنهم لبنانيون، لكنهم في الحقيقة أو بالتدريب خبراء إيرانيون.

مسمى حزب الله السوري جاء خليطا من ميليشيات قادمة عبر الحدود، من العراق وأفغانستان وإيران ومن بين الدول التي لديها حضور ديمغرافي شيعي، مع إضافة قدرات الدولة السورية تحت راية الرئيس السابق بشار الأسد. مسمى حزب الله اليمني معروف واسمه “أنصارالله” وهو الاسم الديني لنعرة دينية قبلية ورثت ما تدعيه الإمامة المتوكلية في اليمن من أحقية دينية في الحكم، لكنها في النهاية راية قبلية اسمها الحوثي. حزب الله العراقي، بكل مسمياته المختلفة من ميليشيات، هو الحشد الشعبي الذي أصبح قوة ضاربة بما تلقاه من تسليح وتمويل ودعم وصل إلى درجة أن القوة الجوية الأميركية تحولت، خلال الفترة التي شهدت الحرب على داعش، إلى ما يشبه القوة الجوية للحشد الشعبي. تم هذا بالرغم من أن المهام القتالية الرئيسية في مواجهة داعش أسندت للجيش العراقي وقوات الأمن العراقية الناشئة آنذاك. استغل الحشد الفرصة لأن يرتب الأميركيون من الجو جغرافيا تدمير أرضية شهدناها في ما حل بالموصل وغيرها. ومع التدمير تمت إعادة توزيع النفوذ على الأرض وفتح الطريق بين الحدود الإيرانية من جهة والحدود السورية من جهة أخرى ليبسط، وللمرة الأولى، الامتداد الجغرافي بين طهران والبحر المتوسط في سوريا ولبنان. قضم الإيرانيون أكثر من قدرتهم على الابتلاع. ثم جاءت حماس المختالة بوهم القدرات والصواريخ والمسيّرات والأنفاق لتكون اللقمة الأخيرة في فم الإيرانيين. كان “طوفان الأقصى” لحظة خطأ إستراتيجي مستعجل وفادح لن تسامح إيران نفسها عليه أبدا مهما ادعت أن الأمر تم بإرادة فلسطينية.استجمعت إسرائيل كل خططها التي جهزتها على مدى سنين من الإعداد والتفكير، خصوصا ضد العدو الأساس، أو رأس الحربة في المشروع الإيراني وهو حزب الله، ثم ضربته -بكل ما تعنيه الكلمة- من حيث لم يحتسب. جهز الحزب أنفاقا وصواريخ لتكرار حرب 2006، وتجهزت إسرائيل بهجوم بقياسات مفصلة لكل عضو من أعضاء حزب الله بجهاز بيجر يرتديه أو ووكي توكي يحمله. وعندما حان الوقت للقصف الثقيل، استفادت إسرائيل من شبكتها المعلوماتية والتجسسية، وضربت كل قيادات الحزب. كانت الضربات قاسية ودقيقة وانتقائية إلى درجة أنك تستطيع أن تقول إن إسرائيل نفسها اختارت ألّا تقتل الأمين العام الحالي لحزب الله نعيم قاسم لتجد من يتحدث باسم الحزب. استمر القتل والتدمير في غزة بلا أدنى اعتبار إنساني، وقتل “مهندس” الطوفان يحيى السنوار الذي غرق وأغرق غزة معه، بل وصل الإسرائيليون إلى طهران لتصفية رئيس حماس إسماعيل هنية، وإلى بيروت لقتل نائب رئيس حماس صالح العاروري.فهم الأتراك ما يحدث فتحركوا (أو نسقوا – لا فرق) وانتهى نظام الأسد بأسرع ما يتوقع أي مراقب. إلى حد تلك اللحظة لم يعرف الإيرانيون مدى انكشافهم الإستراتيجي. حركوا ذراعهم اليمنية بطريقة استعراضية كمن يحرك بيدق الشطرنج لتتبع رد فعل الطرف المقابل. هنا تغيرت المعادلة جزئيا بعد ردود فعل ضعيفة من الإدارة الديمقراطية للرئيس جو بايدن. لكن التغيير سيكون بعودة الجمهوريين للسيطرة على كل مفاصل الحكم في واشنطن.دخل عامل الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب ليكسب مشروع تدمير خريطة الامتداد بعدا إضافيا. للأمانة التحليلية، هذه المرة التقط الإيرانيون الرسالة بوضوح وأعادوا تأهيل خطهم المنقذ في مسقط على عجل. اليوم لدى الإيرانيين ما يقولونه عن تفاوض -مباشر أو غير مباشر- مع الأميركيين، وصل اليوم إلى الفقرات الفنية، وهو ما يفتح الباب للمفاوضات وجها لوجه. تغيرت اللهجة الإيرانية بسرعة أيضا. خامنئي نفسه صار يتحدث عن إشارات إيجابية. عندما تفتح الخارجية الأميركية أوراقها بعد مئة عام ربما من الآن عقب إجراءات رفع السرية، أو بعد أن يبادر مؤرخ عماني إلى قراءة تسجيلات أو محاضر اللقاءات غير المباشرة، أو بعد أن نعجل التاريخ بسقوط نظام طهران وتكشف الملفات، سيعرف المهتمون آنذاك ماذا قدم الإيرانيون وماذا وضعوا على الطاولة من أذرع لاسترضاء واشنطن. لكن ممّا تم تداوله من حديث وتذمر لدى الأذرع، نستطيع أن نقول إن منظومة المرشد – الحرس لم تترك مجالا الآن لأية صدفة: “أنتم أيها الأذرع ما هو مطروح على الطاولة وليس أجهزة التخصيب النووي.” لم يكن واردا أن تتمكن إيران من تطوير أسلحة نووية. استفادت من هذا الوهم لتمرير مشروعها الأكبر في السيطرة على المنطقة. هكذا أرى الأمر. لربما يجادل البعض بأني أراه معكوسا. لكن أي مراقب لن يتوهم أن يرى تجربة نووية إيرانية، وإن حدثت فإن الرد الأميركي – الإسرائيلي – الغربي سيكون كاسحا. طهران كانت تساوم بالملف النووي لتحافظ على مكاسبها الإقليمية الكبرى: سوريا والعراق واليمن ولبنان وغزة. أما وقد ضاع جزء كبير من المشروع، فإن العودة إلى التفاوض تحمل معها خريطة ما تبقى.بالنسبة إلى إيران انتهى المشروع السوري بلا عودة، وأفضل حظوظ حزب الله هو البقاء كحزب سياسي في لبنان، ولا يزال مصير الحوثيين على المحك ويرتبط بمدى رغبة الأميركيين في التصعيد معهم إلى مستوى تدمير قدراتهم أو استهداف قياداتهم بطريقة قطع الرأس كما جرى في لبنان. القوة الوحيدة المعتبرة التي نجت إلى حد الآن هي الحشد الشعبي. وبالنظر إلى أهمية العراق وإمكانياته، فإن قدرات هذه القوة تتضاعف خصوصا إذا احتسبنا مستوى تغلغلها السياسي والإداري والاقتصادي في البنية العراقية.يضع الإيرانيون كل الأذرع الأخرى على الطاولة، لكنهم سيترددون مرات ومرات قبل طرح موضوع الحشد الشعبي. العراق كان جوهرة التاج في “الإمبراطورية” الإيرانية. وتريد إيران الحفاظ على هذا المكسب المتبقي بعد أن ضاع الكثير، وما تبقى هو في طريقه إلى الضياع.ما المطلوب من الحشد الشعبي مقابل أن تناور إيران بالملف النووي وتحاول إقناع الأميركيين بصدق نواياها وإلهاءهم بالتفاصيل، وخصوصا تفاصيل ملف العقوبات والنفط مقابل “التضحية” بالتكنولوجيا النووية؟ المطلب مررته إيران على لسان أكثر من زعيم ميليشيا من أذرعها الصغيرة والكبيرة في العراق: “أن نمثل دور المستسلم لسلطة الدولة العراقية وأن نتحول إلى أحزاب سياسية وأن نذوب في النسيج السياسي العراقي.” ما تريده إيران هو فسحة زمنية مدتها أربعة أعوام، عليها أن تشتريها بأي ثمن إلى حين رحيل دونالد ترامب عن البيت الأبيض. من وجهة نظر إيرانية، فإن النظام في طهران يحكم منذ أكثر من أربعين عاما، منها أكثر من 35 عاما تحت ظل راية خامنئي، في حين مرت أربعة أعوام من حكم ترامب، ثم انشغلت أميركا بأربع سنوات أخرى من ضوضاء ترامب، وها هو يعود إلى أربع ثانية. لكنه في النهاية سيرحل. ولا أحد يجادل بأن هناك ترامب واحدا لن يتكرر. على طهران أن تنحني لعاصفة ترامب كي تنجو. بعد رحيله لكل حادث حديث، سواء أكان من يرثه رئيسا جمهوريا يستفيد من “معجزات” ترامب الاقتصادية، أم إدارة ديمقراطية تعيد -كما فعل بايدن- عقارب الساعة إلى الوراء.في وجه من وجوهه، هذا ما هو مطروح على الطاولة في مسقط. انتهى عصر الأذرع فلا بأس من التضحية بها مهما أوحت إيران بالعكس؛ ولكن إلا خسارة الحشد الشعبي. خسارة الحشد الشعبي الآن كارثية لإيران لأنها تعني فقدان كل ما بنته منذ انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية، بل منذ إطلاق مشروع تصدير الثورة يوم وصل آية الله الخميني إلى طهران والحكم. معركة بقاء الحشد الشعبي مصيرية خصوصا بعد انفصام شخصية الدولة العراقية بجزء يريد أن يستعيد بعضا من وهج العراق كما يوحي رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وآخر يصر على حكم العراق تحت مظلة “الإطار” -أي الحشد وإيران- كما يوحي رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. أي تصريح أو حديث عن تفاصيل فنية تقنية ونووية وعن أذرع بين طهران وواشنطن، لا تهدف إيران منهما إلا إلى التشويش على هدفها الحقيقي في حماية درة تاج استثماراتها التوسعية: العراق.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: الحشد الشعبی على الطاولة حزب الله أکثر من

إقرأ أيضاً:

إسطنبول تحتضن جولة جديدة من المحادثات النووية بين إيران ودول أوروبية

يجتمع وفد إيراني في إسطنبول -اليوم الجمعة- مع مبعوثين فرنسيين وبريطانيين وألمان لاستئناف المحادثات بشأن برنامج إيران النووي، في وقت تهدّد فيه الدول الأوروبية الثلاث بإعادة فرض العقوبات الأممية على طهران.

وأوضح مصدر أوروبي أن الأوروبيين يستعدّون لتفعيل آلية إعادة فرض العقوبات "في حال عدم التوصل إلى حل تفاوضي" داعيا الإيرانيين لاستئناف تعاونهم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وفي المقابل، قالت الخارجية الإيرانية إن "اجتماعنا مع الترويكا الأوروبية اليوم فرصة لاختبار واقعيتها وتصحيح نظرتها بشأن الملف النووي" الإيراني.

وأضاف البيان الإيراني "نأمل أن تستفيد بريطانيا وفرنسا وألمانيا من اجتماع اليوم لتعويض مواقفها غير البناءة السابقة".

وكان كاظم غريب آبادي نائب وزير الخارجية الإيراني -الذي سيشارك بمحادثات إسطنبول- وصف الثلاثاء الماضي اللجوء إلى آلية "سناب باك" بأنّه "غير قانوني بتاتا" مؤكدا أنّ الدول الأوروبية "أنهت التزاماتها" بعدما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018.

وأضاف غريب آبادي "لقد حذّرناهم من المخاطر، لكنّنا ما زلنا نسعى إلى أرضية مشتركة".

وسبق لطهران أن هددت بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي التي تضمن الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، إذا ما أعاد الأوروبيون فرض العقوبات الأممية عليها.

وتحمّل إيران وكالة الطاقة الذرية جزءا من المسؤولية عن الضربات الإسرائيلية والأميركية التي طالت أراضيها، وقد علقت رسميا كل أشكال التعاون مع هذه الوكالة الأممية مطلع تموز/يوليو الجاري.

وسيكون هذا أول اجتماع بين الطرفين منذ شنّت إسرائيل هجوما واسع النطاق على إيران منتصف يونيو/حزيران، ضربت خلاله مواقع نووية وعسكرية رئيسية مما أشعل فتيل حرب بين الطرفين استمرت 12 يوما وتدخّلت فيها الولايات المتّحدة بضرب 3 مواقع نووية إيرانية.

إعلان

والدول الغربية الثلاث -بالإضافة إلى الولايات المتّحدة والصين وروسيا- هي الأطراف الموقّعة على الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 مع إيران، ونص على فرض قيود كثيرة على النووي الإيراني مقابل رفع تدريجي لعقوبات الأمم المتحدة عن طهران.

لكن الولايات المتحدة انسحبت عام 2018 من هذا الاتفاق من جانب واحد خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، وأعادت فرض عقوبات قاسية على طهران.

وبالمقابل، تمسكت باريس ولندن وبرلين باتفاق 2015، مؤكدة رغبتها بمواصلة التجارة مع إيران، مما جنب الأخيرة إعادة فرض العقوبات الأممية أو الأوروبية عليها.

لكن هذه العواصم الأوروبية الثلاث تتهم اليوم طهران بعدم الوفاء بالتزاماتها وتهدّدها بإعادة فرض العقوبات بموجب آلية منصوص عليها بالاتفاق. وبمجرد انتهاء صلاحية هذه الآلية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل يمكن إعادة فرض العقوبات الأممية على طهران.

"فخر وطني"

وبعد الحرب، جددت إيران تأكيدها على أنّها لن تتخلى عن برنامجها النووي، واصفة إياه على لسان وزير خارجيتها عباس عراقجي بأنه مسألة "فخر وطني".

وأكد عراقجي مجددا أمس أنه "من المهم لهم (الأوروبيين) أن يعلموا أن مواقف إيران ثابتة وأن تخصيبنا سيستمر".

وغادر مفتشو "الطاقة الذرية" إيران إثر قرارها تعليق التعاون معهم، لكنّ فريقا فنّيا من الوكالة سيزور طهران قريبا بعد أن أعلنت أنّ التعاون بين الطرفين سيتّخذ "شكلا جديدا".

وأكّد عراقجي أنّ أنشطة تخصيب اليورانيوم "متوقفة حاليا" بسبب الأضرار "الجسيمة والشديدة" التي لحقت بالمنشآت النووية جراء الضربات الأميركية والإسرائيلية.

ولا تزال الهوة واسعة جدا بين واشنطن وطهران بشأن قضية تخصيب اليورانيوم، إذ تعتبر الأخيرة هذه الأنشطة حقّا "غير قابل للتفاوض" بينما تعتبرها واشنطن "خطا أحمر".

ووفق وكالة الطاقة الذرية فإنّ إيران هي الدولة الوحيدة غير النووية التي تُخصّب اليورانيوم إلى مستوى عال (60%). وهذا المستوى يتجاوز بكثير الحد الأقصى البالغ 3.67% المنصوص عليه بالاتفاق الدولي المبرم عام 2015 مع القوى الكبرى، لكنه أدنى من مستوى الـ90% اللازم لصنع قنبلة نووية.

وتنفي إيران الاتهامات الغربية والإسرائيلية لها بالسعي لصنع قنبلة ذرية، مؤكدة أنّ برنامجها النووي مدني وأهدافه سلمية محض.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تُصعّد ضد إيران: خامنئي هدف مباشر في أي ضربة قادمة
  • الحشد الشعبي يعلن إطلاق رواتب منتسبيه لشهر تموز
  • إيران تعدم شخصين متهمين بالارتباط بمنظمة مجاهدي خلق المحظورة
  • هل تنجو إيران من آلية الزناد في ظل مباحثاتها مع الترويكا الأوروبية؟
  • اعتقال منسق الحشد الشعبي والفرقة الرابعة في سوريا
  • الحشد الشعبي ينفي اقالة الفياض من منصبه
  • خبراء وسياسيين:لن يستقر العراق بوجود الحشد الشعبي الإيراني الإرهابي
  • محادثات إيران مع الترويكا الأوروبية.. مناورة دبلوماسية أم محاولة جادة لتفادي المواجهة؟
  • اغتيالات دقيقة واختراقات ذكية.. هل فقدت طهران السيطرة أمام تمدّد الموساد داخل إيران؟
  • إسطنبول تحتضن جولة جديدة من المحادثات النووية بين إيران ودول أوروبية