عربي21:
2025-07-13@04:58:10 GMT

أزمة بلبن.. قراءة أخرى!

تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT

أول من يستحق الرثاء في أزمة سلاسل محلات "بلبن" هي الصحافة المصرية، التي انتقلت للأمجاد السماوية، وتحولت من "صاحبة الجلالة" إلى الفقيدة يرحمها الله!

فقد تُرك المشهد في هذه الأزمة لطرفي الصراع، وهما السلطة التنفيذية من جانب، وأحد ملاك هذه السلاسل من جانب آخر، وغابت الصحافة، وفي غيابها كان الصخب عبر السوشيال ميديا، وبعد انتشار ظاهرة "المواطن الصحفي"، صار الصحفيون مجرد ناشطين على منصات التواصل، ينافسون روادها في "الهبد".

وكانت الآمال معقودة أن يقوم الصحفيون المحترفون بترشيد هذه الفوضى، بالمعلومة والخبر، لكنهم صاروا جزءا من الحالة، لأن المهنة انقرضت في مصر، من جراء تكميم الأفواه غير المسبوق في تاريخ الصحافة المصرية، ولم تعرفه المحروسة ولو في الحكم العسكري في طبعته الأولى (1952-1970)!

عندي تحفظ على كثير من الظواهر التي ارتبطت بمنصات التواصل، من "المواطن الصحفي"، إلى "المدونات"، وهو نفخ في الأشياء وتصويرها على أنها اختراعات، ربما لفتح الباب لميادين جديدة للدراسات الإعلامية الأكاديمية، التي استهلكت موضوعتها، وصارت الدراسات الأكاديمية في معظمها تدخل في باب علم لا ينفع وجهل لا يضر، ولا بد من تحديث الموضوعات كل فترة، فكان سيل الدراسات عن السوشيال ميديا، وما أنتجته من آثار، وبعد سيل الدراسات في هذه الموضوع، نحن الآن في مرحلة أخرى هي مرحلة الذكاء الاصطناعي، عندما يصبح التعامل على طريقة "فرح العمدة" في مصر، و"عرس الزين" في السودان، وهذا ليس موضوعنا!

كشفت عن عدم ثقة في كل ما تتخذه السلطات في مصر من إجراءات، فهي إن أغلقت المحلات لأسباب أعلنتها، فهي ولا شك تبتز ملّاكها، وهي إن قررت فتحها بعد الالتزام بالضوابط والمعايير المطلوبة، فالمعنى أنها حصلت منه على المعلوم بدفع الإتاوة المطلوبة
فالموضوع أننا افتقدنا الصحافة في أزمة محلات "بلبن"، والتي كشفت عن عدم ثقة في كل ما تتخذه السلطات في مصر من إجراءات، فهي إن أغلقت المحلات لأسباب أعلنتها، فهي ولا شك تبتز ملّاكها، وهي إن قررت فتحها بعد الالتزام بالضوابط والمعايير المطلوبة، فالمعنى أنها حصلت منه على المعلوم بدفع الإتاوة المطلوبة، ولا أتصور أن نظام حكم فاقدا للمصداقية لدى الناس على هذا النحو، يمكن أن ينام الليل، أو ينتظر مستثمرين أجانب يغامرون بالاستثمار في مصر، وما ظلمناهم!

تحت أمر الدولة:

فقد بدت الإجراءات الحكومية منذ البداية تفتقد للمنطق، عندما قررت السلطات المحلية في محافظة الجيزة غلق 11 محلا من هذه السلسلة، بحجة تعرض ثلاثة مصريين للتسمم بعد تناولهم منتجاتها، ولو كانت مصر في عهد تمارس فيه الصحافة لكان التحرك في اتجاه سؤال صاحب التصريح وهو محافظ الإقليم عن بيانات الثلاثة؛ ما أسماؤهم؟ وفي أي مستشفيات يتلقون العلاج؟ والوصول اليهم والاستماع لهم، والحصول على التقارير الطبية الخاصة بحالتهم، لكن مع كثرة الصحف، والقنوات التلفزيونية، والمواقع الإلكترونية، وأكثرها يتبع الشركة المتحدة، وبعضها يمول من الخارج، فلم تتطوع أي وسيلة إعلامية للقيام بهذه المهمة، ولم تجد أي وسيلة نفسها معنية بالتحقيق في ذلك!

لنقف على أن تكميم وسائل الإعلام لم يعد قاصرا على ما يخص رأس السلطة، أو أعضاء الحكومة، ولكن الحماية تشمل مجمل أداء السلطة التنفيذية ولو فيما يختص بالوقوف على حقيقة تصريحات محافظ الجيزة، فهل ما استقر في وجدان القائمين على الاتصال أن المحافظ لا يقول الحقيقة كاملة، وأنه يعبر عن سياسة عليا، بدأت بإغلاق 11 محلا من هذه السلاسل، على أساس أن ثلاثة أفراد تعرضوا للتسمم، ولم تنته بإغلاق أكثر من مئة محل على مستوى القُطر المصري، بحجة أن الهيئة القومية لسلامة الغذاء قامت بحملة وأخذت عينات من الخامات والمنتجات ثبت من خلالها وجود بكتريا ممرضة، وألوان محظورة دوليا؟!

قلت لم تنته بذلك، لأن النهاية السعيدة بدأت بإعلان مؤمن عادل، أحد ملاك المحلات، بأنه "تحت أمر الدولة"، وفي اليوم التالي تدخلت "الدولة"، لحل المشكلة، وإذا اختزل العهد الحالي الدولة في النظام، فصار الأخير مرادفا لها، فإن رأس النظام هو من أصدر توجيها بحل المشكلة، لينعقد اجتماع حكومي في نفس اليوم برئاسة وزير الصحة وبحضور أجهزة الرقابة ومالك السلسلة الذي أعلن التزامه بالضوابط المطلوبة، وكأنها كانت غائبة، أو أنها من "الأسرار" التي لم يطلع عليها قبل ذلك، وبعد أيام قليلة يتم الإعلان عن فتح جميع الفروع، لالتزامها بالمعايير، هكذا بهذه السرعة الجنونية، لتصبح العلاقة بين المحلات والسلطة "صافي يا لبن.. حليب يا قشطة"!

فلا شيء عن إجراءات قانونية اتخذت نظير استخدام "ألوان محظورة دوليا" كما جاء في بيان الهيئة القومية لسلامة الغذاء، والمنشور على موقع مجلس الوزراء، وفي هذه الحالة لا يكون الإغلاق فقط هو العقوبة، لأنها عقوبة إدارية، وهناك جانب جنائي في الموضوع. كما لم نجد أحدا من السلطة يطمئننا عن أحوال الثلاثة الذين أصيبوا بالتسمم، وإن كانوا على قيد الحياة، فقد ذهبت العروس للعريس، وأصبح الجري للمتاعيس، وغدا قضية أخرى، وهذه القضية هي الجدل الذي أثاره الأستاذ السابق في جامعة الأزهر، سعد الهلالي، عن المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث!

الدعاية المجانية للسلاسل:

لو كان هناك أحد من أنصار نظرية المؤامرة، لوجد في أزمة السلاسل "بلبن" وهذه النهاية السعيدة السريعة بتدخل رأس النظام، ما يدخل ضمن الدعاية لهذه السلاسل، وهي لا تنقصها الدعاية لكن كما يقولون؛ زيادة الخير.. خيران، والملاك انتهجوا دعاية تقليدية ناجزة منذ البداية ومع أول محل في السلسلة، تمثلت في خلق زحام أمامها، عن طريق أُسر العاملين، وذلك للعب على "نفسية المستهلك"، وهناك أنواع من الدعاية التقليدية البسيطة تنتجها المطاعم ومن في حكمها غير معروفة!

وأذكر في هذا الصدد، أنني قبل سنوات تناولت الغداء مع فنان كبير في أحد المطاعم ذائعة الصيت في القاهرة، فلما هممت بدفع الحساب، أمسك بيدي وأقسم ألا أفعل، ثم فوجئت بنا ننصرف للخارج بدون أن يدفع هو أيضا، وسط وداع لائق بمقامه من العاملين، وعندما لفتُ انتباهه إلى ذلك قال إن وجودنا دعاية لهم.. وكان هذا تواضعا منه فالحقيقة أن وجوده هو دعاية!

فهل هناك دعاية تعادل هذه الضجة التي أثيرت وأزمة تدخّل رئيس الجمهورية لحلها، والذي تدخل بصفته وشخصه، بعد اهتمام إعلامي واسع، استضافت فيه قنوات تلفزيونية المالك الرئيس لهذه السلسلة، مؤمن عادل، في دعاية غير مدفوعة الأجر، ثم إن السلاسل أمام الرأي العام صارت خاضعة لإشراف الرقابة على الغذاء، وصاحبها يعلن التزامه بمعاييرها، فأي دعاية تتفوق على هذه الدعاية!

فهل كانت وسائل الإعلام تدرك هذا الجانب في الأزمة، منذ البداية، فلم تفتش في تصريحات محافظ الجيزة عن تسمم ثلاثة نتيجة تناولهم منتجات "بلبن"، أم أن عدم الانشغال مرده أن الصحافة لقت حتفها ولم يعد هناك من يهتم بممارستها ولو في شأن بسيط بعيدا عن السياسات، وبعيدا عن الخوض في أصول الحكم؟!

الأزمة طرحت أسئلة دون إجابات، وفي عهود عرفنا فيها الصحافة لم تكن القضية لتنتهي وتترك خلفها كل هذه الأسئلة التي تصيب المرء بالريبة، وتملؤه الظنون!
في الحقيقة، إن تجاوز موضوع الذين أصيبوا بالتسمم بدأ مبكرا، منذ انتقال القصة من محافظ الجيزة لتكون على مستوى أوسع، فمع البيان الأول للهيئة القومية لسلامة الغذاء، الذي تبناه مجلس الوزراء، لم يتم ذكر حادثة التسمم هذه، الأمر الذي نفاه مؤمن عادل بتحديه إعلانه أن فردا واحدا فقط أصيب بالتلبك المعوي وليس بالتسمم، ولم ترد السلطة على هذا النفي!

وليس الادعاء بتسمم ثلاثة أفراد فقط الذي كان يحتاج لتحقيق الصحافة، بل إن الملف برمته بحاجة لذلك، بيد أن الصحافة المصرية في ذمة الله، فكان هذا العبث الذي شاهدناه على مدى عدة أيام، فهل كان مسلسلا هابطا؟!

لقد ذكر بيان تال للهيئة القومية لسلامة الغذاء أنه سبق أن جمعهم لقاء بالمالك واتفقوا معه على ضرورة الالتزام بالمعايير ولم يلتزم، ودور الصحافة أن تسأل المالك عن هذه المعلومة، فإذا صحت كان هذا معناه أن الأمر لا يجوز فيه البلاهة التي ارتسمت على وجهه وكأنه فتح سلسلته دون أن يعرف معايير السلامة في منتجاته باعتبارها من "الأسرار"، وإذ كان الجهاز الرقابي يكذب فإن السؤال هو لمصلحة من ذلك؟!

إن الأزمة طرحت أسئلة دون إجابات، وفي عهود عرفنا فيها الصحافة لم تكن القضية لتنتهي وتترك خلفها كل هذه الأسئلة التي تصيب المرء بالريبة، وتملؤه الظنون!

رحم الله الصحافة المصرية!

سطور أخيرة:

بعد أن انتهيت من كتابة هذه السطور، قرأت أن الاجتماع مع صاحب "بلبن" ومحلات أخرى يملكها كان قد شملها قرار الإغلاق، استغرق ثماني ساعات، وكان مع 5 جهات في الدولة.. يا إلهي إنهم يحلون مشاكل الشرق الأوسط، أو مشكلة سد النهضة!

x.com/selimazouz1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه بلبن الصحافة المصرية الغذاء مصر السيسي غذاء صحافة بلبن مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القومیة لسلامة الغذاء الصحافة المصریة فی مصر

إقرأ أيضاً:

محمد المر: الصحف الإماراتية لعبت دوراً محورياً في تشكيل الوعي الوطني

فاطمة عطفة 

«فكرة معرض الصحافة العربية انطلقت من مسؤوليتنا الإنسانية وإيماننا الراسخ ورسالتنا في مكتبة محمد بن راشد، التي نهدف من خلالها للحفاظ على الأدب والإرث والذاكرة الثقافية العربية، ونقلها جيلاً بعد جيل، خاصة أن الصحافة شكلت ولا تزال تشكل على مر العقود أداة محورية في نقل المعرفة، وتوثيق التحولات الاجتماعية، وصياغة الرأي العام». بهذه الكلمات يضيء معالي محمد أحمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، على المعرض الذي لاقى إقبالاً وإعجاباً كبيرين حيث يحتضن أكثر من 500 دورية ومطبوعة بعضها يعود إلى القرن التاسع عشر، موزعة على 7 أقسام رئيسة: قسم المرأة، وقسم الطفل، وقسم الأدب، وقسم الفن، وقسم الصحافة الإماراتية، وقسم الصحافة المتخصصة، وقسم الصحف. مبيناً في حديثه لـ(الاتحاد) أن الرسالة التي يجسدها المعرض «تنسجم بشكل واضح مع رؤية قيادتنا الرشيدة في ترسيخ مكانة دولة الإمارات كمركز إشعاع ثقافي ومعرفي على مستوى العالم العربي، حيث يبرز المعرض الدور الرائد للدولة في دعم الإعلام المسؤول وتعزيز الحوار الفكري البناء».

أخبار ذات صلة برعاية منصور بن زايد.. «ليوا للرطب» ينطلق غداً بمشاركة مجتمعية واسعة الإمارات تتوّج اليوم أبطال أولمبياد الكيمياء الدولي


ويضيف معالي محمد المر: «حين نعود إلى بدايات الصحافة العربية فإن البوصلة يجب أن تتجه إلى مصر، الدولة التي انطلقت منها الشرارة الأولى للصحافة العربية، وكانت صحفها منابر للفكر والتنوير، ومصانع لتشكيل الوعي العربي في مفترق تاريخي بالغ الأهمية». وأكد معاليه أن الصحافة المصرية جسدت، منذ القرن التاسع عشر، روح التجديد والإصلاح، وأسهمت في إرساء قواعد التعبير الحر، وكانت ملاذاً للمفكرين، ومسرحاً للجدل الثقافي والسياسي، ومحركاً للحركات الاجتماعية. وفي هذا المعرض، حين نطالع بأعيننا أعداداً نادرة من الوقائع المصرية، وروز اليوسف، وصباح الخير، وآخر ساعة، فإننا نقرأ فصولاً حية من سيرة العقل العربي، ومن إرث لا يزال يلهمنا حتى اليوم. ويكفي القول: إن بعض هذه الصحف لا يزال يصدر إلى الآن رغم مرور مئة عام على انطلاقتها».
وعن بداية الصحافة في الإمارات، قال معاليه: « لقد ارتبطت نشأة الصحافة في دولة الإمارات ارتباطاً وثيقاً بحركة التنوير الثقافي والفكري التي رافقت بدايات التأسيس، حيث لعبت دوراً جوهرياً في نقل المعرفة وترسيخ الهوية الوطنية، وأسهمت في نشر الثقافة الإماراتية والعربية محلياً وعالمياً، كما شكلت الصحافة منبراً لتوثيق التحولات الكبرى التي شهدها المجتمع».
وأضاف أن نشأة الصحف في دولة الإمارات كانت في ستينيات القرن الماضي، وكانت تطبع في مطابع متواضعة لكنها حملت التنوير والتثقيف للقارئ، وقد أسهمت هذه الصحف المبكرة في خلق مساحة للتعبير في زمنٍ كانت في وسائل الاتصال محدودة، وكانت الكلمة المطبوعة هي الوسيط لتداول الأخبار والأفكار. ومع إعلان قيام دولة الاتحاد في العام 1971، شهدت الصحافة الإماراتية نهضة نوعية، حيث صدرت صحف كبرى مثل «الاتحاد» و«الخليج» و«البيان»، ثم لاحقاً «الإمارات اليوم»، حيث لعبت هذه الصحف دوراً محورياً في تشكيل الوعي الوطني، وتعزيز الانتماء للدولة الحديثة، لم تكن تلك الصحف مجرد ناقل للأخبار، بل كانت منابر لبناء اللغة المشتركة والهوية الثقافية، وقدمت على صفحاتها أقلاماً محلية وعربية، طرحت قضايا الفكر والتنمية والحداثة، وكانت المجلات الأسبوعية ترافق الصحف، مما ساعد على ازدهار الصحافة المحلية واتساع رقعة تأثيرها.

صياغة الواقع
ولفت معالي محمد المر إلى أن الصحافة في الإمارات كانت شاهداً وفاعلاً، لا تكتفي برصد الواقع، بل تُسهم في صياغته، وقد تحولت خلال العقود الأخيرة إلى قوة ناعمة تعكس صورة الدولة إقليمياً وعالمياً، من خلال المهنية العالية، والانفتاح الثقافي، والدور الحضاري في تعزيز قيَم التسامح والتواصل بين الشعوب.
وحول أهمية المعارض الأرشيفية، قال معاليه: «يمثل الأرشيف ركيزة أساسية في حفظ الذاكرة الإنسانية، وهو أداة مهمة لفهم تحولات المجتمعات وتوثيق إنجازاتها. وعلى الصعيدين المحلي والعالمي، تبرز أهمية الأرشيف في حفظ الوثائق التاريخية والفكرية والثقافية، بما يتيح للأجيال الجديدة الاطلاع على المسارات التي صنعت حاضرها وأسست لمستقبلها. ومن هنا فإن المعارض الأرشيفية المتخصصة، كمعرض الصحافة العربية في مكتبة محمد بن راشد وغيرها، تؤدي دوراً محورياً في إبراز هذا البعد الحضاري».
وحول أهمية إقامة معرض للصحافة العربية في توعية الأجيال الجديدة بتاريخ الإعلام وهويته الثقافية، يقول معالي محمد المر: «تكمن أهمية هذا المعرض في كونه جسراً يربط الأجيال الجديدة بجذور الصحافة العربية ومسيرتها الطويلة، بما تحمله من أحداث، تحولات، وأصواتٍ شكّلت جزءاً كبيراً من الوعي الجمعي في المنطقة. فالمعرض لا يقتصر على عرض صفحات من صحف ودوريات قديمة، بل يمثل أرشيفاً حيّاً لأصوات الناس، نبض المجتمعات، وتحولات الفكر العربي عبر عقود، كما أن المعرض يتيح فرصة فريدة للجيل الرقمي الحالي لفهم كيف كانت الكلمة المطبوعة ذات تأثير نافذ، وكيف كان للصحافة دور رئيس في إشعال النقاشات الفكرية، وتأريخ الوقائع ونقلها بصورتها الأصلية، كما يساعد على توضيح السياقات التي ولدت فيها تلك الأحداث، والتي تحمل تيارات فكرية مختلفة، عبر المقالات الافتتاحية، الكاريكاتيرات والرسومات المعبرة، والتحقيقات التي كانت تتصدر الصفحات الأولى، إضافة إلى أن المعرض يمنح فرصة للزوار للتعرف على تاريخ الإعلام المكتوب، بوصفه أداة البناء للهويات الثقافية والاجتماعية، ويبرز مدارس فكرية واتجاهات تحريرية مختلفة من الصحافة القومية، إلى المستقلة، وصولاً إلى الصحافة المتخصصة الموجهة لكل شرائح المجتمع، وهو ما يعزز لدى الجيل الجديد فهماً عميقاً لكيفية تشكل السرديات الإعلامية، من خلال عرض مجموعات مميزة من صحف ومجلات، والتعرف إلى الأسماء اللامعة في عالم الصحافة العربية من كتَّاب ومفكرين».

أبرز المقتنيات 
وعن أبرز المقتنيات المعروضة في أقسام معرض الصحافة العربية، يقول معالي محمد المر: «يضم المعرض مجموعة نادرة واستثنائية من المقتنيات الصحفية والمجلات المتخصصة والعامة، موزعة على عدة أقسام تعكس تنوع المحتوى وتطوره الزمني والثقافي. من بين أبرز المعروضات في قسم الصحافة الإماراتية نذكر: «أخبار دبي» (1969)، و«درع الوطن» (1971)، و«جريدة الاتحاد» (1969)، التي تمثل بدايات الإعلام الوطني. أما قسم الأطفال فيحتوي على مجلات أيقونية مثل «السندباد» (1952) و«ميكي» (1962) و«مانجا العربية» (2021)، ما يُظهر تطور صحافة الطفل عبر الأجيال. وفي قسم الفنون نجد إصدارات مثل «العفريت» (1924) و«الحياة السينمائية» (1978)، بينما يوثق قسم المرأة حضوراً مبكراً ومؤثراً من خلال مجلات مثل «أنيس الجليس» (1899) و«سيدتي» (2016). ورأى معاليه أن الصحف التاريخية تحضر بقوة في قسم الصحف مثل «الوقائع المصرية» (1893)، إلى جانب مجلات أدبية مؤثرة مثل «المقتبس» و«عالم الفكر» في قسم الأدب. كما يتضمن المعرض مجلات متخصصة مبكرة كـ«الفلاحة المصرية» (1898) و«روز اليوسف» (1925). ويبرز من بين الأندر: «صباح الخير» (1962)، و«أبو نظارة» بخط اليد (1895)، و«جريدة الخلافة» (1881). كما يعرض المعرض أحدث الإصدارات مثل «المقطع» (2023)، ليجمع بذلك بين التراث والحداثة، ويوفر توثيقًا حياً لمسيرة الصحافة العربية في مختلف مجالاتها وحقبها.

مقالات مشابهة

  • حرية الصحافة بين مطرقة النقد البناء وسندان الاتهامات المجانية جهة مراكش آسفي نموذجا :
  • محمد المر: الصحف الإماراتية لعبت دوراً محورياً في تشكيل الوعي الوطني
  • آمال ماهر تروج لأحدث أغانيها خبر عاجل
  • نادي الصحافة يهنىء الزميلتين نداف وخداج
  • قسم التعمير بالحوز… حاجة ملحة إلى تسيير محكم وتواصل مسؤول من رئيسه :
  • تركيا.. قرار بحجب بث قناة تلفزيونية معارضة
  • ما الذي يحرك الطلب على المشاريع العقارية التي تحمل توقيع المشاهير؟
  • جدل بالمغرب حول مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة
  • الصحافة العالمية تواصل اليوم الاشادة بالهلال وتعلق من الهلال إلى باريس.. ريال مدريد يتلقى الدرس مرتين
  • قراءة في كتاب: هندسة الوعي؛ رائد سمور