مدى تأثير التعريفات الأمريكية على الصادرات العُمانية ؟
تاريخ النشر: 22nd, April 2025 GMT
تأتي القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية على الواردات من السلع والمنتجات التي تدخل الولايات المتحدة الأمريكية والتي تم تطبيقها في الخامس من أبريل من هذا العام وبنسب متفاوتة على جميع الدول، حدثًا اقتصاديًا قد يؤدي إلى الانكماش الاقتصادي العالمي ويرفع من معدلات التضخم في أغلب البلدان.
تلك التعريفات الجمركية يجب أن توقظ دولًا ما زالت في سباتها الاقتصادي ومنها الدول العربية والإسلامية وحتى الخليجية منها، فلعها تدرك ولو بعد حين، بأن أمريكا لا تكترث بالآخرين مقابل مصالحها الاقتصادية والتجارية. الجدير بالذكر هناك أنواع كثيرة من السلع يتم تصديرها من سلطنة عُمان إلى الولايات المتحدة ومنها المنتجات الصناعية والاستهلالية والمواد البلاستيكية والألمنيوم ومصنوعاته والحديد والصلب والأسمدة والمعادن.
لتحديد مدى تأثير تلك التعريفات على الصادرات العُمانية للولايات المتحدة الأمريكية من السلع والمنتجات هناك حاجة إلى معرفة قيمة تلك الصادرات. حسب البيانات الإحصائية لحركة التجارة الدولية بين البلدين فقد بلغت جملة الصادرات السلعية غير النفطية من سلطنة عُمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية ما يزيد قليلا على (1.1) مليار دولار أمريكي حتى نهاية عام (2024). في المقابل بلغت الواردات من الولايات المتحدة إلى سلطنة عُمان ما يزيد قليلا على (1.4) مليار دولار أمريكي خلال المدة نفسها. عليه يمكن القول بأن الميزان التجاري يميل لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية بمعنى أن سلطنة عُمان تستورد منها أكثر مما تصدر إليها. وبالتالي، ادعاءات الولايات المتحدة الأمريكية بأن كثيرًا من دول العالم استفادت من السوق الأمريكي قد لا يكون صحيحا على أقل تقدير بالنسبة لبيانات الاستيراد والتصدير بين البلدين
وبهدف تنشيط التبادل التجاري، وقعت سلطنة عُمان على اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأ تنفيذ بنودها في عام (2009) تلك الاتفاقية تهدف إلى الإلغاء الفوري للتعريفات الجمركية لتشمل ما يزيد على (87 %) من السلع والمنتجات بين البلدين وما يتبقى يتم إلغاؤه تدريجيًا خلال عشر سنوات من بدء سريان الاتفاقية وفق برنامج زمني يعتمد على طبيعة السلع والمنتجات. توقيع تلك الاتفاقية لم يكن سهلا بل استمرت المفاوضات لسنوات. ومن المزايا الأخرى التي حققتها مراحل المفاوضات لتلك الاتفاقية هو تأثيرها المباشر في تسريع إنشاء اتحاد عمال سلطنة عُمان كشرط للدخول في تلك الاتفاقية.
كما أن هناك إيجابيات كثيرة لاتفاقية التجارة الحرة بالنسبة لسلطنة عُمان وهو النفاذ لأكبر سوق اقتصادي على مستوى العالم الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تحتل المرتبة الخامسة في حجم التبادل التجاري بين البلدين في حركة التصدير وإعادة التصدير للسلع والمنتجات العُمانية متجاوزة التبادل التجاري مع بعض دول الخليج العربية. كما أعطت الشركات والمصدرين العُمانيين مجالًا للدخول إلى السوق الأمريكية مما يعطي المنتجات العُمانية انتشارًا أوسع للمستهلك الأمريكي. أيضًا أوجدت الاتفاقية بيئة تجارية جاذبة للاستثمارات مع زيادة معدل الاستثمار المباشر في قطاعات متعددة مما يُسهم في خلق فرص عمل بين البلدين.
بالنظر إلى شمولية الاتفاقية على سلع ومنتجات كثيرة من الصادرات العُمانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتجاوز تلك الصادرات المليار دولار العام الماضي. عليه قد يكون هناك تأثير مباشرة لتلك التعريفات على المنتجات والسلع العُمانية التي يتم تصديرها -على أقل تقدير- يزيد من تكلفتها عند دخولها للسوق الأمريكي وبالتالي، تضعف من تنافسيتها مقارنة بالسلع والمنتجات الأمريكية. وحول مدى علاقة فرض التعريفات الجمركية في ظل وجود اتفاقية التجارة الحرة السارية المفعول حتى الآن بين البلدين، فإن الأمر يحتاج إلى تحليل قانوني أكثر عمقًا، حيث إن الولايات المتحدة فرضت تلك التعريفات بشكل شمولي حتى لشركائها التجاريين ومنهم الاتحاد الأوروبي وكندا والصين. كما أنه يمكن الاستنتاج بأن الاتفاقية أوجدت نصوصا تجيز الاستثناء من بعض بنود الاتفاقية عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي لكلا البلدين. بيد أنه في المقابل فإن كندا على سبيل المثال، رفعت شكوى ضد الولايات المتحدة الأمريكية أمام منظمة التجارة العالمية طاعنة في عدم مشروعية تلك التعريفات الجمركية.
أيضًا فإن دول العالم أصبحت تنتهج سياسات وأساليب توسعية للحد من تأثير تلك التعريفات على صادراتها للولايات المتحدة الأمريكية. على سبيل المثال، فإن الصين التي تكتسح منتجاتها السوق الأمريكي، بدأت بالتحرك بشكل سريع لعمل زيارات دبلوماسية لدول في قارة آسيا رغبة منها في توضيح سياساتها التجارية وأيضا فتح قنوات وأسواق تجارية للانفتاح على تلك الدول بشكل أكثر وأيضا لتعويض ما يلحقها من الأضرار الاقتصادية نتيجة التعريفات العالية المفروضة عليها.
ولعل الجميع يتطلع من الجهات الحكومية العمل على تقييم آثار تلك التعريفات وتداعياتها على الاقتصاد الوطني والصادرات العُمانية وما هي مجالات التحفيز الاقتصادي الذي يمكن منحه للشركات العُمانية لتقليل تأثير تلك التعريفات الجمركية للمحافظة على استدامة الصادرات العُمانية. بالإضافة إلى ذلك، هناك أهمية لتعزيز جانب الشراكات التجارية الإقليمية والدولية والامتثال للمعايير العالمية في الإنتاج والتصنيع لكي تتمكن المنتجات والصادرات العُمانية من الصمود في وجه المنافسة العالمية. وبالتالي، تؤكد الزيارات السامية السابقة والحالية لجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- إلى هولندا وروسيا نهجًا اقتصاديًا مهمًّا يُسهم في التنويع الاقتصادي ويعمل على إيجاد مزيد من الشراكات الاقتصادية لتوسيع حركة التصدير وإعادة التصدير للسلع والمنتجات العُمانية لتغزو الأسواق العالمية.
إن النهج السياسي لسلطنة عُمان ورغبتها في إرساء دعائم السلام بين الشعوب يمنحها ميزة تنافسية في زيادة التبادل التجاري والاستثماري القائم على المصالح المشتركة. كما أنه من المناسب قيام دول مجلس التعاون الخليجي وما يمثله من قوة اقتصادية ومالية ودور فاعل في سوق الطاقة العالمي الدخول في التفاوض الجماعي ككتلة واحدة عند مناقشة التعريفات الأمريكية الجديدة وإيلاء المصالح المشتركة العليا لدول مجلس التعاون.
لا شك بأن التعريفات الجمركية الأمريكية الجديدة تشكل تحديا بالنسبة لسلطنة عُمان كون الولايات المتحدة تعتبر شريكًا اقتصاديًا أخذ وقتًا طويلًا للوصول إلى هذا الحجم من التبادل التجاري بين البلدين. إلا أن فرض تلك التعريفات تعدّ وسيلة نحو إعادة النظر في السياسات الاقتصادية للخروج من هذه المعضلة وتحويلها إلى فرصة للنمو.
لذا؛ فإن الجهات الحكومية ينبغي لها العمل -سويًا- مع الشركات العُمانية وتحليل مدى خطورة تلك التعريفات على نمو الصادرات العُمانية.
كما يتطلب تكثيف التواصل مع الدول الشقيقة والصديقة نحو فتح مسارات جديدة للتجارة الدولية وعدم الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت تتصف بالنعرة العدائية لشعوب العالم ضاربة عرض الحائط اتفاقيات التجارة الحرة ومبادئ التعاون الدولي القائم على تعزيز المصالح التجارية والاقتصادية المشتركة بين الشعوب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة التعریفات الجمرکیة الصادرات الع مانیة السلع والمنتجات التبادل التجاری السوق الأمریکی تلک الاتفاقیة التجارة الحرة بین البلدین اقتصادی ا من السلع کما أن
إقرأ أيضاً:
عبدالله بن زايد يختتم زيارة عمل إلى الولايات المتحدة
واشنطن/ وام
اختتم سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، زيارة عمل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التقى خلالها عدداً من كبار المسؤولين في البيت الأبيض وأعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكي.
وشملت زيارة سموه لقاء مع ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، حيث جرى بحث العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وسبل تعزيزها بما يخدم مصالحهما المتبادلة.
كما استعرض اللقاء التعاون الثنائي في مختلف القطاعات التنموية، لاسيما الاقتصادية والتجارية والعلمية، إلى جانب التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي.
والتقى سموه ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، حيث بحث اللقاء علاقات التعاون والشراكة بين دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية، وما تشهده من نمو وتطور في مختلف المجالات.
وتطرقت المحادثات أيضا إلى مجمل التطورات الإقليمية، وسبل إنهاء التوتر والتصعيد الذي تشهده المنطقة ويهدد أمنها واستقرارها.
وبحث سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان خلال لقائه سعادة ستيفن ميلر، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض للسياسات ومستشار الأمن الداخلي، عددا من الملفات والموضوعات ذات الاهتمام المشترك، والمتصلة بمسارات التعاون الإستراتيجي بين البلدين، والعمل المشترك لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية، وصون السلم والأمن الدوليين.
كما عقد سموه اجتماعاً مع هوارد لوتنيك، وزير التجارة الأمريكي، تطرق إلى سبل دعم وتوسيع مسارات التعاون الثنائي في المجالات كافة، بما يخدم الأولويات التنموية للبلدين، ومنها المجالات الاقتصادية والمالية والتجارية وغيرها.
وعقد سموه أيضاً اجتماعات مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، وعدد من أعضاء الكونغرس، تم خلالها استعراض سبل البناء على العلاقات الإستراتيجية الإماراتية الأمريكية المتطورة لتعزيز ازدهار ورخاء البلدين وشعبيهما، ودعم جهود تحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وأكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان خلال اللقاءات أن العلاقات بين دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية تعد نموذجا مميزا للتعاون الدولي الداعم للتنمية والسلام والاستقرار، مشيدا بالشراكة الإيجابية والبناءة التي تربط بين البلدين على مدار عقود.
وأعرب سموه عن تطلع دولة الإمارات إلى مواصلة العمل مع الولايات المتحدة لتعزيز تطور وازدهار هذه العلاقة المميزة من أجل رخاء البلدين وشعبيهما.