الكارثة الأخرى: إبادة ومجاعة في السودان
تاريخ النشر: 24th, April 2025 GMT
مرّت سنتان على الحرب التي اندلعت في السودان بين طرفيّ الحكم العسكري الذي ورثته البلاد من عمر البشير سيئ الذكر. وحيث لا تنعم حالة السودان ولو بعِشر فقط من الاهتمام الإعلامي العالمي الذي تناله حرب الإبادة الصهيونية الجارية في غزة، فإن حجم الكارثة البشرية فيه مروّع هو أيضاً، إذ يقدَّر عدد قتلى حرب العسكر ضد العسكر بما يزيد عن 150 ألفاً، بينما يبلغ عدد النازحين حوالي 13 مليوناً ويصل عدد الذين تهددهم مجاعة حادة إلى 44 مليوناً، وهو رقم قياسي يجعل من حرب السودان أعظم أزمة إنسانية في عالمنا الراهن.
طبعاً، يسهل فهم العوامل الجيوسياسية التي تجعل الاهتمام العالمي بالحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة وسائر الشرق الأوسط اهتماماً رئيسياً، ناهيك من الاهتمام بالغزو الروسي لأوكرانيا. بيد أنه لا يمكن إنكار الوجهة العنصرية التي تهيمن على الأيديولوجيا العالمية «العفوية» والتي جعلت دائماً مدى اهتمام الإعلام العالمي بالحروب متناسباً عكسياً مع درجة اسوداد بشرة المعنيين. ومن أسطع الأمثلة على ذلك، الحرب التي دارت رحاها في جمهورية الكونغو الديمقراطية (كونغو كينشاسا) طوال خمس سنوات بين صيف 1998 وصيف 2003 والتي ذهب ضحيتها حوالي ستة ملايين من البشر بين قتلى مباشرين وغير مباشرين. خارج أفريقيا جنوبي الصحراء، كان العالم «ينكشف أنفه» إزاء ما يحصل في الكونغو، بينما يعير اهتماماً أعظم بكثير لأحداث كان عدد القتلى فيها أدنى بكثير، كحرب كوسوفو (1999) واعتداءات تنظيم «القاعدة» على نيويورك وواشنطن (2001) والتدخل الأمريكي في أفغانستان الذي تلاها، ثم الاحتلال الأمريكي للعراق (2003).
وبوجه عام، فإن الحروب التي لا يشارك فيها مباشرة جنود بيضٌ من الشمال العالمي، سواء أكانوا أمريكيين أو أوروبيين، بمن فيهم الروس بالطبع، لا تحظى سوى بحد متدنّ للغاية من الاهتمام العالمي. وهي ذي حالة السودان الشقيق، الذي يشهد حرباً بين طرفين محلّيين حصراً، ولو أسعرت نارَها أطرافٌ إقليمية بدعمها لميليشيا «قوات الدعم السريع» الإبادية على الأخص، وقد مارست الدور الأخطر في هذا المجال الإمارات العربية المتحدة، بالتحالف مع طرف عالمي هو روسيا، وهو الثنائي ذاته الذي لعب الدور الرئيسي في دعم خليفة حفتر في الحرب الأهلية الليبية.
يقدَّر عدد قتلى حرب العسكر ضد العسكر بما يزيد عن 150 ألفاً، بينما يبلغ عدد النازحين حوالي 13 مليوناً ويصل عدد الذين تهددهم مجاعة حادة إلى 44 مليوناً
والحقيقة أن الدول الغربية، ولو لم يكن لها دور مباشر في الحرب السودانية، إنما تتحمل المسؤولية الأساسية عمّا حلّ بالبلاد. ذلك أن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى السودان بين بداية عام 2021 واستقالته في أيلول/سبتمبر 2023، الألماني فولكر بيرتيس، الذي لعب دور «الرجل الأبيض» في توليه مهمته بما لم يخل من رائحة استعمارية كريهة، إنما تصرّف بصورة كارثية ضارباً عرض الحائط بالمبادئ التي يُفترض بالغربيين أنهم متمسكون بها، ربّما لاعتباره أن السودانيين ليسوا أهلاً للديمقراطية.
فإذ وقع الانقلاب الذي قاده عبد الفتّاح البرهان على المسار الديمقراطي الناجم عن ثورة 2019 في خريف 2021، أي خلال وجود بيرتيس مبعوثاً للأمم المتحدة في البلاد، سعى هذا الأخير جهده للتوفيق بين العسكر والقيادة المدنية التي أطاحوا بها، بدل أن يقف موقفاً صارماً ضد الانقلابيين ويدعو المجتمع الدولي إلى ممارسة أقصى الضغط عليهم كي يعودوا إلى ثكناتهم ويفسحوا المجال أمام مواصلة المسار الديمقراطي. ذلك التساهل مع العسكر ومحاولة التوفيق بينهم والمدنيين بدل اتخاذ موقف حاد منهم، شجّعاهم على الطمع بإدامة سيطرتهم الكاملة على البلاد، الأمر الذي أدّى، بعد سنتين، إلى اندلاع القتال بين طرفيهما، القوات النظامية و«قوات الدعم السريع»، وكل طرف طامعٌ بالاستفراد بالسيطرة على البلاد.
والحال أن ليس أمام حرب السودان سوى مخرجين: إما أن تتحمّل الأمم المتحدة أخيراً مسؤوليتها، فتنظّم تدخل قوات دولية تفرض على الفريقين المتحاربين وقفاً للنار، وتفرض عليهما من ثم الانكفاء إلى ثكناتهما بينما تتيح للمسار الديمقراطي أن يتواصل وتقدّم له كامل الدعم، بما في ذلك ما يلزم من أجل حلّ «قوات الدعم السريع» المشؤومة وفرض تغييرات جذرية على القوات النظامية السودانية كي تتحوّل من جيش دكتاتورية عسكرية إلى جيش خاضع للسلطات المدنية؛ أو يسير السودان نحو التقسيم، الأمر الذي يعني إدامة حكم العسكر على شطره الشرقي وفرض «قوات الدعم السريع» (ميليشيا الجنجويد سابقاً) سيطرتها الكاملة على إقليم دارفور بما يتيح لها مواصلة حرب الإبادة العنصرية التي بدأت بممارستها منذ بداية القرن الراهن تحت إشراف البشير، الذي كافأها في عام 2013 بمنحها صفة رسمية كأحد فصائل القوات المسلّحة السودانية.
في نهاية هذا المطاف حول مأساة السودان العظيمة، لا بدّ من أن نشير أيضاً إلى تقاعس التضامن العالمي مع شعب السودان المنكوب. فإذ نرحّب أحرّ ترحيب بالتطوّر العظيم الذي شهدته حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني استنكاراً لحرب الإبادة الصهيونية في غزة، لا يسعنا سوى أن نأسف لاستمرار ارتهان التضامن العالمي بالاهتمام الإعلامي الذي وصفنا أعلاه. فمن الملّح أقصى الإلحاح أن تقوم حركة تضامن واسعة مع شعب السودان، في الدول الغربية على الأخص، لكن أيضاً في سائر مناطق العالم ومنها المنطقة العربية، وتضغط من أجل تدخّل الأمم المتحدة لوقف تلك المأساة الكبرى.
كاتب وأكاديمي من لبنان
نقلا عن االقدس العربي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
إندونيسيا تمنع دخول لاعبين إسرائيليين ودعوة أممية لحظرهم دوليا
رفضت إندونيسيا اليوم الجمعة منح تأشيرات للاعبي جمباز إسرائيليين، مما يكلفهم خسارة مكان في بطولة عالمية في جاكرتا هذا الشهر، في حين طالبت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحقوق الثقافية باستبعاد إسرائيل من المنافسات الرياضية الدولية.
وكان من المقرر أن يشارك الفريق الإسرائيلي في بطولة العالم للجمباز الفني في الفترة من 19 إلى 25 أكتوبر/تشرين الأول الجاري في إندونيسيا.
وقال وزير الشؤون القانونية الإندونيسي يوسريل إيزا ماهيندرا إن بلاده قررت عدم إصدار تأشيرات للرياضيين الإسرائيليين، عازيا ذلك إلى اعتراضات من جماعات مثل مجلس علماء الدين الإسلامي وحكومة جاكرتا.
وأضاف يوسريل في بيان أن القرار يتماشى مع سياسة إندونيسيا المتمثلة في عدم إقامة علاقات مع إسرائيل حتى تعترف باستقلال دولة فلسطين وسيادتها الكاملة.
استبعاد إسرائيلفي السياق، قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحقوق الثقافية، ألكسندرا زانتاكي، إن الوقت قد حان لاستبعاد إسرائيل من المنافسات الرياضية الدولية، بمعزل عن أي "خطة سلام"، وفق تعبيرها.
وفي مقابلة مع وكالة الأناضول، أشارت زانتاكي إلى أن أهمية ذلك تأتي بعد أن خلصت لجنة التحقيق الدولية المستقلة الأممية إلى أن إسرائيل ارتكبت جريمة إبادة جماعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ودعت المقررة الخاصة، الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) إلى استبعاد إسرائيل من المنافسات الدولية، دون انتظار نتائج خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب على غزة وتبادل أسرى.
وقالت زانتاكي: "قررنا أن نتحدث لأننا لا نستطيع التصرف وكأن الأمور طبيعية، وكذلك لا يمكن لاتحادات كرة القدم أن تتصرف بهذه الطريقة. للأسف، المؤسسات الرياضية لا تبادر بالتحرك في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان، لكننا هنا لا نتحدث عن انتهاكات عادية، بل عن جريمة استثنائية وغير مسبوقة".
إعلانوأفادت بأن لدى اللجنة أدلة من 41 مقرّرا وخبيرا مستقلا تابعين للأمم المتحدة، أكدت وقوع جرائم إسرائيلية جسيمة بغزة.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في قطاع غزة، ودعت دول العالم إلى الوفاء بالتزاماتها للجمها.
وخلص تقرير اللجنة إلى أن إسرائيل ارتكبت في غزة 4 من أصل 5 أفعال إبادة جماعية محددة في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وهي القتل وإلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم، ومفاقمة متعمدة للظروف المعيشية للفلسطينيين إلى حد تدميرهم كليا أو جزئيا، وتطبيق إجراءات تهدف إلى منع الإنجاب.
ودخل اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى حيز التنفيذ بعد موافقة الحكومة الإسرائيلية عليه الليلة الماضية، إلا أن نيران الاحتلال تواصلت صباحا في مناطق مختلفة من قطاع غزة.