من الكارثة إلى البناء.. التعليم في درنة الليبية مؤشر للتعافي الاقتصادي
تاريخ النشر: 12th, October 2025 GMT
بعد عامين من إعصار "دانيال" الذي اجتاح مدينة درنة شرقي ليبيا في 11 سبتمبر/أيلول 2023، تعيش المدينة تحوّلًا ملحوظًا من مشهد الدمار إلى مرحلة التعافي، وتبدو عودة المدارس هذا العام دون تأجيل علامة بارزة على هذا التحول.
فعودة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية لم تكن مجرد استئناف للعملية التربوية، بل تحوّلت إلى مؤشرٍ واضح على انتعاش البنية التحتية وتحرك الدورة الاقتصادية في المدينة المنكوبة.
في سبتمبر/أيلول 2025، فتحت معظم مدارس درنة أبوابها في مختلف الأحياء بعد عمليات إعادة تأهيل شملت إصلاح البنية التحتية وتجهيز المرافق التعليمية والخدمية.
وقال مدير قسم الإعلام والاتصال في مراقبة التربية والتعليم بدرنة عبد الله أبو النجا، في تصريح خاص للجزيرة نت، إن نحو 95% من المؤسسات التعليمية عادت إلى العمل بشكل كامل، بعدما كانت نسبة العودة العام الماضي لا تتجاوز 60%.
وأوضح أن الحياة الدراسية "عادت بشكل جميل جدا، وهو أمر انعكس إيجابيا على المدينة بأكملها"، مضيفا أن "عودة المؤسسات التعليمية أعادت معها الحركة إلى مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، لأن التعليم هو الأساس في أي مدينة".
ويشير أبو النجا إلى أن العام الدراسي الجديد بدأ وفق الخطة العامة للدولة، بخلاف العام الماضي الذي شهد تأخيرًا بسبب نقص المرافق. ويرى أن انتظام الدراسة "أعاد الثقة والأمل إلى المواطنين، ومثّل نقطة تحوّل في عودة النشاط الاقتصادي إلى المدينة".
قبل الإعصار، كانت درنة -الواقعة على الساحل الشمالي الشرقي لليبيا- تعاني ضعفا في الاستثمارات العامة وتدهورا تدريجيا في البنية التحتية التعليمية والصحية.
وكان السدان الرئيسيان اللذان يحميان المدينة من الفيضانات (سد البلاد وسد بومنصور) قد شهدا إهمالًا مزمنًا قبل الكارثة، ما أدى إلى انهيارهما عندما ضرب إعصار "دانيال" المنطقة، فتدفقت السيول المدمرة واجتاحت الأحياء السكنية والمدارس والمرافق العامة.
إعلانووفقًا لتقرير مشترك صادر في 24 يناير/كانون الثاني 2024 عن البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بلغت احتياجات إعادة الإعمار في المناطق المتضررة، وعلى رأسها درنة، نحو 1.8 مليار دولار، في حين قُدّرت الخسائر الإجمالية بأكثر من 1.65 مليار دولار.
في 28 سبتمبر/أيلول 2023، أُنشئ صندوق إعادة إعمار درنة والمناطق المتضررة بقرار من مجلس النواب، ليكون الجهة المسؤولة عن تنسيق مشاريع الإعمار.
وخلال عام 2024، بدأ الصندوق في تنفيذ مشاريع حيوية، من أبرزها صيانة جسر البكور وتطوير المرافق التعليمية والمستشفيات وشبكات الكهرباء والمياه.
وبحسب تقرير (رحلة درنة من الخراب إلى التجديد)، تم بناء أكثر من 2000 وحدة سكنية حديثة وتجهيز مرافق عامة كالمدارس والحدائق، إلى جانب مشاريع للربط المروري والجسور.
ومع ذلك، ما زالت بعض التقارير الدولية -ومنها تقرير هيومن رايتس ووتش- تشير إلى تحديات تتعلق بالشفافية والحوكمة في إدارة أموال الإعمار وتوزيع الموارد.
التعليم محرّكا اقتصاديايرى المحلل الاقتصادي مدحت الغدامسي أن "التعافي الاقتصادي لا يتحقق إلا بعد استقرار اجتماعي، وعودة المدارس في درنة تمثل انعكاسًا لحالة اجتماعية إيجابية بعد مأساة إعصار (دانيال) وما خلّفه من خسائر بشرية ومادية جسيمة".
وأوضح الغدامسي، في حديث للجزيرة نت، أن "عودة الدراسة مؤشر على تحسّن البنية التحتية وتوافر الإمكانات البشرية والموارد اللازمة، ما ينعكس على العرض والطلب وحركة الأسواق وسلاسل التوريد المرتبطة بالمستلزمات التعليمية والخدمات الاجتماعية".
وأضاف أن "الاستدامة الاقتصادية تتطلب تكاملا بين مسارات الإعمار والبنية التحتية والخدمات العامة -كالتعليم والصحة والطاقة والبلديات- مع تفعيل القطاعات الإنتاجية الأخرى مثل الموانئ والمواصلات والتجارة والصناعة والزراعة والسياحة والخدمات المالية"، معتبرًا أن هذا التكامل "يخلق حلقة اقتصادية مستدامة تشجع الاستثمار وتوظيف التقنيات الحديثة".
من جانبها، قالت إيمان عيسى، وهي مواطنة من درنة، في تصريحٍ خاص للجزيرة نت، إن "العودة إلى المدارس هذا العام أفضل بكثير من العام الماضي، رغم بعض العراقيل مثل تأخر وصول الكتاب المدرسي واكتظاظ أكثر من مدرسة في مبنى واحد".
وأضافت أن المدينة "أصبحت أكثر حداثة وتنظيمًا، مع إدخال تحسينات خدمية ومعيشية واضحة تُسهِّل حياة المواطن وتخدم احتياجاته اليومية".
وأشارت إلى أن "الحياة في درنة بدأت تعود تدريجيا إلى طبيعتها، وأن جودة المرافق الجديدة خففت كثيرًا من معاناة السكان بعد الكارثة"، مؤكدةً أن "الأهالي يشعرون بارتياح كبير لعودة أبنائهم إلى مقاعد الدراسة دون تأخير".
وختمت بالقول: "أكثر ما يبعث الأمل هو ما نراه من مشاريع إعمار تُنفّذ بأحدث التقنيات وجودة لم نعهدها من قبل، وهذا ما يجعلنا نشعر فعلا بأن درنة تتعافى".
تحديات لا تزال قائمةرغم التحسن الملحوظ، تواجه المدينة عددًا من التحديات الاقتصادية والإدارية. فبحسب عبد الله أبو النجا، لا يزال نحو 1500 معلم في درنة ينتظرون الإفراج عن مرتباتهم، بعد أن عمل العديد منهم لأكثر من عامين دون أجر، محذرًا من أن "توقفهم عن العمل قد يسبب أزمة تعليمية حقيقية".
إعلانويؤكد أن "الركود الاقتصادي الذي شهدته المدينة في بداية العام الدراسي بسبب تأخر صرف المرتبات بدأ يتراجع بعد تحسن السيولة، ما أنعش الحركة التجارية خصوصًا في محلات القرطاسيات والملابس".
رغم أن نسبة التعافي في درنة تُقدّر اليوم بنحو 80% وفق تصريحات عبد الله أبو النجا وتحديثات صندوق الإعمار، فإن المدينة تحولت من مرحلة من الإغاثة إلى التنمية.
فمشاريع إعادة بناء الجسور والطرق والمساكن أعادت ملامح الحياة إلى مناطق كانت شبه مدمّرة مثل جسر البلاد والوادي، في حين يعكف صندوق الإعمار على استكمال البنية الخدمية الأساسية.
بهذه الصورة تبدو عودة التعليم في درنة ليست فحسب حدثا تربويا، بل مؤشرا اقتصاديا واجتماعيا يعكس بداية مرحلة جديدة في مسار التعافي.
فبينما لا تزال التحديات قائمة، فإن إرادة الإعمار، ومشاركة المجتمع المحلي، واستمرار دعم القطاعات الخدمية، قد تجعل من درنة نموذجًا ليبيًّا فريدًا في إعادة البناء على أسس تنموية مستدامة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات البنیة التحتیة أبو النجا أکثر من فی درنة
إقرأ أيضاً:
العدوان الاسرائيلي على المصيلح: رسالة مكشوفة بمنع البناء وإعادة الإعمار
طغى العدوان الإسرائيلي على منشآت مدنية اقتصادية في منطقة المصيلح في صيدا على ما عداه من أحداث لبنانية ما يعزز الخشية من أن تكون إسرائيل في صدد رفع وتيرة اعتداءاتها على لبنان بعد اتفاق وقف النار في غزة.وهذا الموقف عبّر عنه بوضوح رئيس الجمهورية جوزاف عون بسؤاله"عما إذا كان هناك من يفكر في التعويض عن غزة في لبنان، لضمان حاجته لاستدامة الاسترزاق السياسي بالنار والقتل؟".وكتبت "النهار": لم يكن حجم الخسائر الفادحة الذي خلفته الغارات الإسرائيلية الحارقة والصاعقة على المصيلح وحده العامل الصادم في هذا التطور الخطير بل أيضا في كونه الغارات الأوسع على لبنان منذ اتفاق ٢٧ تشرين الثاني من جهة وفي استهدافاته السياسية والميدانية من المقلب الإقليمي واللبناني . اذ ان تدمير عدد هائل من الآليات في قطاع البناء بدا ترجمة لرسالة إسرائيلية مكشوفة بمنع البناء وإعادة الإعمار على نطاق واسع يتجاوز جنوب الليطاني وهذا امر بالغ الخطورة في دلالاته. كذلك، فإن توقيت الغارات الأوسع والأعنف وسط الاستعدادات لتظاهرة ديبلوماسية عالمية ستحصل في شرم الشيخ مطلع الأسبوع احتفاء ببدء تنفيذ اتفاق غزة شكل الهدف الذي يفترض ان يقلق لبنان إلى حدود قصوى أيضا . ما استقرأه معظم المراقبين والمعنيين من الفجر الحارق في المصيلح ان إسرائيل أبلغت لبنان مباشرة عزل أي تأثيرات إيجابية لاتفاق غزة عن الوضع في لبنان بمعنى ترك الميدان اللبناني مفتوحا أمامها ما دام سحب السلاح تماما ونهائيا من حزب الله لم ينجز ولن ينجز قريبا . الأمر الذي يضع لبنان مجددا امام اختبار شديد الحرج والدقة والخطورة ولن تكفيه قطعا مظاهر التضامن وبيانات الاستنكار ما دام المأزق يشتد ميدانيا وسياسيا.
وكتبت "نداء الوطن": هل حوّلت إسرائيل تركيزها على لبنان بعد انطلاق المرحلة الأولى من "خطة ترامب" لوقف الحرب في غزة؟ سؤال طرحه متابعون بعد سلسلة الضربات غير المسبوقة التي نفذها الطيران الحربي الإسرائيلي فجر السبت، واستهدفت ستة معارض للجرّافات والحفارات على طريق المصيلح - الزهراني في جنوب لبنان.
مصادر سياسية متابعة أشارت لـ "نداء الوطن" إلى أنّ ضربات المصيلح شكلت تصعيدًا مفاجئـًا، كونها جاءت بالتزامن مع "هدنة غزة" التي كان يؤمل أن تنسحب على لبنان، ولكن يبدو أنّها حملت أكثر من رسالة. فبحسب المصادر نفسها، تؤشر غارات السبت إلى أنّ لبنان، ورغم التطورات الإيجابية في غزة، لا يزال في عين العاصفة وفي مرمى الضغوطات الإسرائيلية والأميركية، حيث قد يتدهور الوضع الأمني بشكل دراماتيكي في حال عدم البدء بخطوات عملية وفعلية لتنفيذ خطة حصر السلاح غير الشرعي.
وتابعت المصادر بأن الضربات تحمل في طياتها رسالة تحذيرية واضحة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، كونها استهدفت مواقع قريبة من منزله في المصيلح.
وكتبت "الديار": طرح العدوان الجوي الاسرائيلي الواسع والعنيف امس، على مجموعة منشآت مدنية في منطقة المصيلح، على مقربة من دارة الرئيس نبيه بري، اسئلة عديدة حول اهدافه وتوقيته، لا سيما انه ادى الى تدمير ما يزيد على 300 جرافة وآلية في احد اكبر المنشآت لهذه الآليات، التي تساهم في ازالة االدمار الذي احدثه وتحدثه الاعتداءات الاسرائيلية،وفي ورشة اعادة الاعمار الموعودة.
ولم يكن هذا العدوان الجديد مفاجئا في ظل استمرار الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان،لكن توقيته ونوع الاستهداف تركا علامات استفهام على ما يخبئه العدو الاسرائيلي للبنان بعد اتفاق غزة.
وترك عدوان الأمس أيضاً اسئلة تتعلق بالمرحلة المقبلة بعد اتفاق انهاء حرب غزة، كما عبر مصدر سياسي بارز لـ"الديار"، داعيا الدولة والحكومة الى خطة جديدة متكاملة على الصعيد الديبلوماسي والسياسي ولدى كل المحافل، من اجل ممارسة ضغوط جدية وفعالة على "اسرائيل>، لوقف عدوانها والالتزام باتفاق وقف النار والقرار 1701 والانسحاب من الاراضي المحتلة واعادة الاسرى".
وقال المصدر "ان المرحلة وتمادي "اسرائيل" في اعتداءاتها، يفترض ان يناقش مجلس الوزراء في جلسة خاصة هذا الوضع الخطير، للخروج بقرارت وخطة شاملة لوقف العدوان، لا سيما ان دور واشنطن وتحرك موفديها وآخرهم توم باراك، لم يسفر عن اية نتائج ايجابية، بل ان تصريحاته الاخيرة برهنت واكدت انحيازه "لإسرائيل" واساءات الى لبنان".
وتوقف المصدرعند دعوة الرئيس عون الى اسناد لبنان بنموذج هدنة غزة، لافتا الى "انها تشكل صرخة قوية لتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه لبنان، لكن يجب ان تعزز مثل هذه المواقف بخطوات وتحرك فاعل للحكومة في كل الاتجاهات، لالزام "اسرائيل" بوقف عدوانها وتطبيق اتفاق وقف اطلاق النار، لا سيما ان اتفاق غزة يمكن ان يحفز راعيا الاتفاق اميركا وفرنسا للضغط على "اسرائيل" بشكل جدي وفعال".
وكشف المصدر عن اتصالات جرت بين المسؤولين مؤخرا، للتعاطي مع المرحلة ما بعد اتفاق غزة، موضحا "ان لبنان لم يتلق معلومات او اشارات جديدة وملموسة،حول توجه ومسار الدور الاميركي في شأن التعاطي مع اتفاق وقف النار".
وكتبت" الشرق الاوسط": ترى مصادر محلية في جنوب لبنان أن الاستهدافات الأخيرة للمعارض الواقعة بعيداً عن الحدود "تعني أن إسرائيل تعرقل مهام إعادة الإعمار، وتريد القضاء على أي محاولة لإعادة إطلاق مظاهر الحياة"، لافتة إلى أن القوات الإسرائيلية "تضرب منبع تلك الآليات التي تستهدفها يومياً، بالنظر إلى أن هذه المعارض، ترفد ورش إزالة الركام وإعادة الإعمار بالمعدات اللازمة".
في تطور ميداني خطير نفذ الطيران الحربي الاسرائيلي فجر امس 12 غارة جوية استهدفت محيط اوتوستراد مصيلح النجارية والوادي المحاذي له ملحقة دمارا هائلا في المنطقة وقطع الاوتوستراد. وادت الغارات الى تدمير اكثر من 300 الية بين جرافات وحفارات، بينها اكثر من 100 الية "بوب كات"، صغيرة الحجم، والمعارض التي تعرضت للتدمير الكامل. وأعلنت وزارة الصحة ان الغارة أدت إلى سقوط شهيد من الجنسية السورية وإصابة سبعة أشخاص بجروح، أحدهم من الجنسية السورية وستة لبنانيين. في المقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه "هاجم بنية تحتية إرهابية تابعة لحزب الله في منطقة جنوب لبنان، وفككها، حيث كانت هناك آليات هندسية تُستخدم لإعادة بناء البنية التحتية الإرهابية في المنطقة التي كانت تتواجد فيها". وبعد الظهر، استهدفت غارة اسرائيلية سيارة في بلدة قلاويه قضاء بنت جبيل، متسببة بسقوط شهيد. مواضيع ذات صلة حيدر من المصيلح: العدوان رسالة إسرائيلية لمنع الإعمار Lebanon 24 حيدر من المصيلح: العدوان رسالة إسرائيلية لمنع الإعمار