البيت الأبيض مضطر إلى التراجع عن الرسوم الجمركية
تاريخ النشر: 27th, April 2025 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري.
يُعرف الرئيس دونالد ترامب بمتابعته الدقيقة لتحركات سوق الأسهم، واهتمامه الكبير بردود أفعاله على السياسات الاقتصادية والسياسية للحكومة لكن، ولسوء حظه، فإن الأسواق العالمية واصلت ارتجافها بسبب سياسة الرسوم الجمركية التي ينتهجها، حتى بعد إعلانه تأجيلًا كبيرًا لمدة 90 يومًا على فرض رسوم جديدة على جميع الدول، باستثناء الصين.
تشير المعطيات المباشرة وغير المباشرة إلى أن السبب الرئيسي وراء تغيير الإدارة الأمريكية لموقفها كان سوق السندات السيادية الأمريكية. ففي يوم واحد، قفز معدل الفائدة الفعلية إلى 5%.
ونظرًا لأن مثل هذه التغيرات لا ينبغي أن تحدث في ظل هذا القدر من الفوضى، يرى كثير من الخبراء أن تراجع الرئيس كان ردًا مباشرًا على المؤشرات السلبية في سوق الديون. وكانت المرة الأخيرة التي حدث فيها شيء مماثل خلال أزمة «الاندفاع نحو السيولة» مع بداية جائحة كورونا في مارس 2020.
ما حدث في سوق الديون كشف عن ضعف وهشاشة موقف الإدارة الأمريكية.
يكشف سلوك سوق السندات أن السياسات الجمركية الأمريكية العشوائية تُلحق الضرر بالأسواق. ويبدو أن وزير الخزانة، سكوت بيسنت، قد نصح ترامب بضرورة التفاوض على اتفاقات تجارية مع الحلفاء قبل الدخول في مواجهة مع الصين.
لطالما وصفت الولايات المتحدة حتى أقرب حلفائها بأوصاف مثل «اللصوص» و«المحتالين» و«الناهبين»، ولذلك فإن تراجع واشنطن عن تكتيكاتها الجمركية الأولية كشف أن هذه الاستراتيجية لم تكن سوى استعراض تنمّر ومقامرة رعناء، لا خطة مدروسة.
مرعوبًا من ردود فعل الأسواق، تراجع ترامب سريعًا، وقال في اجتماع متلفز لمجلس وزرائه: «سيكون هناك دائمًا مشاكل في مرحلة الانتقال»، مضيفًا إن «الصعوبات أمر طبيعي». من جهتها، لم تُبدِ بكين أي مؤشرات على التراجع، بل رفعت من حدة ردها بفرض رسوم إضافية وصلت إلى 125% على السلع الأمريكية.
الخطوة الغريبة في لعبة الشطرنج التي يخوضها ترامب هي استثناء الصين من إجراءات التخفيف الجمركي. وإذا بقي الوضع على حاله، فإن الاقتصاد الصيني سيواجه تحديات كبرى بسبب تقييد وصوله إلى السوق الأمريكية.
ومع ذلك، عبّر ترامب عن أمله في التوصل إلى اتفاق مع الصين. وقال: «أعتقد أننا سنصل إلى شيء جيد جدًا لكلا البلدين. أنا أتطلع إليه».
حتى بعد تراجع الولايات المتحدة عن بعض إجراءاتها القاسية، فإنها أبقت على حاجز جمركي ضخم لا مثيل له منذ ثلاثينيات القرن الماضي. فقد فرضت رسومًا موحدة بنسبة 10% على جميع الدول، بغض النظر عما إذا كان لديها فائض أو عجز تجاري مع الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، دول مثل أستراليا وهولندا والمملكة المتحدة والإمارات تشتري من الولايات المتحدة أكثر مما تبيعه لها، ومع ذلك لم تُستثنَ من الرسوم.
المشكلة الجوهرية في النظام الاقتصادي العالمي اليوم هي أن السياسات الأمريكية تدفع القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم، واللتين تتكامل اقتصادياتهما، إلى التصادم. فرض رسوم بهذه المعدلات الفلكية يُشكل ضربة قاصمة للعلاقات التجارية بين بلدين يشكل حجم تبادلهما نحو 3% من إجمالي التجارة العالمية. وقد تتوقف شرايين الاقتصاد العالمي عن النبض.
سوف تتضح عواقب كل ذلك بسرعة. فمن المتوقع أن ترتفع الأسعار في كلا البلدين، وقد تُهدد مصانع الإنتاج، ويخسر الناس وظائفهم. وقدّرت مؤسسة «جولدمان ساكس» مؤخرًا أن إدخال رسوم جديدة سيؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 2.4%، غير أن الصين تستطيع التخفيف من آثار هذه التحديات من خلال الدعم الحكومي، وهي ميزة لا تتوفر في الولايات المتحدة التي يُهيمن عليها القطاع الخاص، ولا تملك الحكومة فيها أدوات تدخّل مباشر مماثلة.
وفي الآونة الأخيرة، أصيب العالم بالدهشة من تخبط الإدارة الأمريكية في تبرير فرض رسوم على واردات بسيطة من دول إفريقية فقيرة، والتعديلات التي أُدخلت على معدلات الرسوم قبل تنفيذها، والأخطاء في منهجيات احتسابها.
بات حتى أقرب الحلفاء للولايات المتحدة لا يثقون في إدارتها، التي تُصدر قرارات وتصريحات صادمة، ثم تلغيها أو تعدّلها بالاندفاع ذاته. المواطنون العاديون في مختلف أنحاء العالم يتساءلون: ما الذي يمكن التفاهم عليه مع هذه الولايات المتحدة؟ أمام أعيننا، تتآكل الثقة في الدولة الأقوى في العالم بسرعة كبيرة.
ربما حان الوقت للعالم أن يبدأ في تشكيل نظام عالمي جديد، يتجاوز واشنطن، بتقلّباتها ونزعاتها المتقلبة وخيالاتها غير الواقعية.
جومارت أوتورباييف رئيس وزراء جمهورية قرغيزستان السابق، وأستاذ في مدرسة الحزام والطريق بجامعة بكين للمعلمين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة رسوم ا
إقرأ أيضاً:
الذهب يرتفع محليًا وعالميًا وسط جدل حول الرسوم الجمركية الأمريكية على السبائك السويسرية
سجلت أسعار الذهب في السوق المحلية مكاسب طفيفة خلال تعاملات الأسبوع الماضي، تزامنًا مع ارتفاع الأوقية في البورصة العالمية، في ظل تقلبات حادة بالسوق العالمي عقب الجدل الذي أثارته أنباء فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية على واردات سبائك الذهب قبل أن تنفي الإدارة الأمريكية رسميًا المضي في القرار.
أسعار الذهب اليوموأظهر تقرير صادر عن منصة "آي صاغة"، المتخصصة في تداول الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت، أن الذهب ارتفع بنسبة 0.4%، بارتفاع قدره 20 جنيهًا لعيار 21 خلال الأسبوع الماضي، ليرتفع من 4600 إلى 4620 جنيهًا للجرام، في المقابل، حققت الأوقية بالسوق العالمية مكاسب بنحو 1% لتصعد من 3363 إلى 3397 دولارًا.
سعر جرام الذهبوقال سعيد إمبابي، المدير التنفيذي للمنصة، إن سعر جرام الذهب عيار 24 بلغ 5280 جنيهًا، وعيار 18 سجل 3960 جنيهًا، وعيار 14 وصل إلى 3080 جنيهًا، فيما بلغ سعر الجنيه الذهب نحو 36960 جنيهًا.
الرسوم الجمركيةوأكد، إمبابي، أن تضارب الموقف الأمريكي بشأن الرسوم الجمركية على السبائك السويسرية يظل عاملاً مؤثرًا في توجهات السوق، مع احتمال انعكاس أي مستجدات على الأسعار المحلية بسرعة.
كانت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية قد أصدرت في 31 يوليو خطابًا أوضحت فيه أن واردات سبائك الذهب بوزني الكيلوجرام و100 أوقية لن تُستثنى من الرسوم الجمركية، لتخضع لضرائب بنسبة 39% على الواردات من سويسرا – أكبر مركز لتكرير الذهب في العالم – وهو ما أثار صدمة في الأسواق وأربك سلاسل الإمداد العالمية، مهددًا نحو 24 مليار دولار من الصادرات السويسرية إلى الولايات المتحدة.
القرار دفع بعض المصافي السويسرية إلى تعليق أو تقليص الشحنات، فيما وصف البيت الأبيض هذه المعلومات بأنها «مضللة» وأعلن عزمه إصدار أمر تنفيذي لتوضيح الموقف، لكن حالة القلق ظلت مسيطرة على الأسواق.
العقود الآجلة للذهب في نيويورك قفزت إلى 3534 دولارًا للأوقية قبل أن تتراجع إلى 3497 دولارًا، بينما بقيت الأسعار في لندن شبه مستقرة، ما وسّع الفجوة السعرية بين السوقين إلى أكثر من 100 دولار، ويرى محللون أن استمرار هذه الفجوة قد يعيد رسم خريطة تدفقات الذهب عالميًا ويؤثر على جاذبية بورصة «كومكس» الأمريكية أمام المستثمرين الدوليين.
وتُستخدم السبائك عالية النقاء الواردة من سويسرا في دعم العقود المالية المتداولة في «كومكس»، ما يجعل أي قيود جمركية تهديدًا مباشرًا للبنية التحتية للسوق.
وقال كريستوف وايلد، رئيس جمعية مصنعي وتجار المعادن الثمينة السويسرية، إن هذه الرسوم «صفعة جديدة» للعلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، محذرًا من انعكاساتها على قدرة السوق على تلبية الطلب العالمي المتنامي.
على الصعيد الاقتصادي، عززت بيانات أمريكية ضعيفة من رهانات الأسواق على أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه سبتمبر المقبل، بعد أن أظهر تقرير الوظائف غير الزراعية تباطؤًا في التوظيف، وانكماش نشاط قطاع الخدمات وفق مؤشر معهد إدارة التوريدات .
ويظل التضخم عامل الحسم؛ فقد ارتفع مؤشر الأسعار المدفوعة في قطاع الخدمات إلى أعلى مستوياته منذ نوفمبر 2022، وهو ما قد يبقي الفيدرالي في حالة ترقب بين السيطرة على التضخم ودعم التوظيف، وتشمل بيانات الأسبوع المقبل مؤشر أسعار المستهلك، ومؤشر أسعار المنتجين، ومبيعات التجزئة، وطلبات إعانة البطالة، إضافة إلى تصريحات عدد من مسؤولي الفيدرالي.
وكشفت وزارة العمل الأمريكية يوم الخميس عن ارتفاع طلبات إعانة البطالة الأمريكية بمقدار 228 ألف طلب مقابل توقعات بـ 221 ألفًا، والقراءة السابقة 218 ألفًا، بجانب وصول طلبات الإعانة المستمرة إلى 1.97 مليون، وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر 2021.