في عالم تتشابك فيه المصالح الدولية وتتصاعد فيه التصريحات المثيرة للجدل، تبقى السيادة الوطنية خطًا أحمر لا يقبل المساومة. وفي قلب هذا المشهد، تقف قناة السويس شامخةً، شاهدةً على تاريخ طويل من الكفاح والحقوق السيادية التي لا تقبل الجدل. وفي حديث مهم، أوضح الدكتور محمد إبراهيم، عميد كلية الحقوق الأسبق بجامعة طنطا، أبعاد السيادة المصرية الكاملة على هذا الشريان الملاحي الحيوي.

سيادة مصر المطلقة على قناة السويس

شدد الدكتور محمد إبراهيم على أن لمصر السيادة الكاملة غير المنقوصة على قناة السويس، مشيرًا إلى أن تنظيم حركة الملاحة وفرض الرسوم بما يتناسب مع الخدمات المقدمة أمر خاضع بالكامل للقرار المصري. وأوضح أن أي تصرف أحادي من أي دولة أجنبية يمس هذه الحقوق يعد خرقًا واضحًا للقانون الدولي وتدخلًا غير مشروع في الشؤون الداخلية المصرية.

 

الدكتور محمد إبراهيمالحق في فرض الرسوم مقابل الخدمات

وأضاف إبراهيم أن من حق مصر، استنادًا إلى مبدأ السيادة، فرض الرسوم التي تراها مناسبة على السفن العابرة مقابل الخدمات الملاحية والإرشادية التي تقدمها، لضمان أمن وسلامة السفن خلال رحلتها عبر القناة. وأكد أن هذا الأمر لم يكن وليد اللحظة بل هو ممارسة قديمة، تعود إلى عهود التبعية للسلطنة العثمانية ثم الحماية البريطانية، واستمر بعد استقلال مصر واستعادة سيادتها الكاملة.

القناة ومرجعيات القانون الدولي

وأشار الدكتور محمد إبراهيم إلى أن مصر، منذ إصدارها التصريح الشهير عام 1957 بقبول اختصاص محكمة العدل الدولية للنظر في أي نزاع حول تطبيق اتفاقية القسطنطينية لعام 1888، وضعت نفسها تحت مظلة القانون الدولي. وأكد أن أي محاولة لمخالفة الحقوق المصرية ستواجه بالطعن القانوني أمام المحاكم الدولية المختصة، مما يعزز الموقف المصري ويؤكد احترامه للقوانين والأعراف الدولية.

تعقيب على تصريحات ترامب

وفي سياق متصل، علّق الدكتور إبراهيم على التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر منصته "تروث سوشيال"، والتي طالب فيها بمرور السفن الأمريكية مجانًا عبر قناتي بنما والسويس، مبررًا ذلك بأن الولايات المتحدة "هي التي ساهمت في وجود هاتين القناتين".

انتقد إبراهيم هذا الربط، واصفًا إياه بالخطأ التاريخي والقانوني، مؤكدًا أن للولايات المتحدة الأمريكية دورًا محدودًا أو يكاد يكون منعدمًا في تاريخ إنشاء قناة السويس، سواء في الماضي أو الحاضر. وأضاف أن خلط الأمور على هذا النحو يعبر عن سوء فهم لطبيعة العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة والقناة، مؤكدًا أن قناة السويس كانت ولا تزال مشروعًا مصريًا بامتياز.

مصر قادرة على الدفاع عن حقوقها

اختتم الدكتور محمد إبراهيم حديثه بالتأكيد على أن مصر، بدعم من تاريخها وقوانينها واتفاقياتها الدولية، قادرة على حماية حقوقها في قناة السويس. وأشار إلى أن أي محاولات للضغط أو التدخل في هذه السيادة ستقابل بالرد القانوني والدبلوماسي المناسب، بما يحفظ لمصر مكانتها ودورها المحوري في حركة التجارة العالمية.


وكانت قد شهدت قناة السويس عبر تاريخها الحديث معارك ضارية، سطر خلالها المصريون ملاحم بطولية خالدة في مواجهة قوى الغزو والاحتلال. تفاصيل هذه المعارك، التي استعرضتها مصادر عدة بينها كتب "أسرار الحملة على مصر"، و"العلاقات المصرية البريطانية بين 1952 و1956"، ومذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي، تحكي عن تضحيات جسيمة وشجاعة لا تُنسى.
عرابي وصراع الخيانة والصمود

عام 1882، تحركت الإمبراطورية البريطانية لاجتياح الإسكندرية، ثم واصلت زحفها نحو الداخل حتى اصطدمت بالجيش المصري بقيادة الزعيم أحمد عرابي في معركة كفر الدوار، حيث أُجبرت على التراجع. غير أن البريطانيين لجأوا إلى خطة بديلة عبر قناة السويس. عرابي، مدركاً خطورة الموقف، قرر ردم القناة لمنع الغزو، لكن فرديناند ديليسبس، خائن العهود، خدعه بدعوى "حياد القناة" ومنع مرور السفن الحربية.

استغل البريطانيون هذه الخدعة ونفذوا إنزالاً بحرياً على مدينة الإسماعيلية يوم 20 أغسطس، لتشهد المدينة مقاومة شعبية باسلة رغم الفارق الكبير في التسليح. انسحب عرابي إلى القصاصين، حيث نصب كميناً محكماً للإنجليز، قبل أن يضطر للتراجع لاحقاً إلى التل الكبير، نتيجة خيانة بعض أعوانه الذين كشفوا للعدو عن مواقع الضعف، مما أدى إلى الهزيمة في معركة 13 سبتمبر الشهيرة.

موقعة الإسماعيلية.. يوم الشرطة المجيد

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ورغم انسحاب البريطانيين من معظم المدن المصرية، أبقوا على احتلالهم لمنطقة قناة السويس، مما دفع الفدائيين المصريين إلى شن حرب عصابات ضد معسكراتهم منذ عام 1951. ومع تصاعد الهجمات، استهدفت القوات البريطانية مركز شرطة الإسماعيلية في 25 يناير 1952، مطالبة بإخلائه.

رفض رجال الشرطة الاستسلام ودافعوا ببسالة عن المركز رغم قلة السلاح والعتاد، موقعين 35 قتيلاً وجريحاً في صفوف العدو، في موقعة خلدها التاريخ وأصبحت رمزاً لبطولات الشرطة المصرية.

العدوان الثلاثي.. شعب في مواجهة ثلاث قوى عظمى

في يوليو 1956، أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، ما أثار غضب بريطانيا وفرنسا اللتين تآمرتا مع إسرائيل لشن عدوان ثلاثي على مصر. بدأ الهجوم الإسرائيلي على سيناء يوم 29 أكتوبر، لكن الجيش المصري تصدى ببسالة، موقعاً خسائر فادحة بالمظليين والدبابات الإسرائيلية، وأسقط الطيران المصري نحو عشر طائرات إسرائيلية خلال ثلاثة أيام.

وفي الأول من نوفمبر، شنت الطائرات البريطانية والفرنسية ضربات جوية مكثفة على مدن مصرية عدة. لاحقاً، حاولت قوات الغزو احتلال بورسعيد عبر إنزال بحري وجوي يوم 5 نوفمبر، لكن بسالة الجيش والمقاومة الشعبية عطلت تقدمهم وأفشلت أهدافهم.

رغم المجازر التي ارتكبها الاحتلال في بورسعيد والتي راح ضحيتها أكثر من ألف مدني، إلا أن مقاومة الشعب المصري أجبرت القوات المعتدية على قبول وقف إطلاق النار، لتنسحب القوات البريطانية والفرنسية في نهاية المطاف تحت ضغط المقاومة وضغوط دولية.

نصر أكتوبر.. عبور العزة والتحرير

في أعقاب هزيمة 1967، فرضت إسرائيل سيطرتها على الضفة الشرقية لقناة السويس، مدعمة مواقعها بخط بارليف الحصين. إلا أن الجيش المصري، بقيادة الرئيس أنور السادات، فاجأ العالم بهجوم مباغت يوم 6 أكتوبر 1973.

بأكبر تمهيد نيراني عرفه التاريخ العسكري، تلاه عبور الآلاف من الجنود المصريين القناة وتسلق الساتر الترابي، تمكنت القوات المصرية خلال ساعات معدودة من تحرير معظم الضفة الشرقية، وتثبيت أقدامها بقوة في سيناء، لتسطر بداية النهاية للاحتلال الإسرائيلي لهذه المنطقة الاستراتيجية.

وهكذا، تتجلى الحقائق القانونية والتاريخية واضحةً كالشمس، لتؤكد أن قناة السويس ليست مجرد ممر مائي، بل رمز لسيادة مصر وإرادتها الوطنية. ورغم محاولات البعض للخلط أو التشويش، يبقى الحق المصري ثابتًا لا تهزه التصريحات ولا تهدده الأوهام، مدعومًا بالقانون الدولي وتاريخ طويل من الدفاع عن الكرامة والسيادة.

طباعة شارك قناة السويس الكفاح مصر ترامب الحقوق

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: قناة السويس الكفاح مصر ترامب الحقوق الدکتور محمد إبراهیم قناة السویس

إقرأ أيضاً:

ترامب يؤكد انتهاء علاقته بماسك ويحذره من “عواقب وخيمة”

#سواليف

أكد الرئيس الأمريكي دونالد #ترامب أن علاقته بإيلون #ماسك قد “انتهت”، محذرا إياه من ” #عواقب_وخيمة ” إذا موّل مرشحين ديمقراطيين لمواجهة الجمهوريين المؤيدين لمشروع قانون الميزانية الشامل.

وخلال مقابلة هاتفية مع شبكة “NBC News” قال ترامب، ردا على سؤال فيما إذا كان يرغب في المصالحة مع الملياردير الأمريكي: “لا”. وعندما طُرح عليه سؤال حول احتمال انتهاء #العلاقة مع ماسك قال: “أفترض ذلك، نعم”.

وأوضح ترامب أنه لا ينوي التواصل مع ماسك في المستقبل القريب، قائلا: “أنا مشغول بأمور أخرى، وليس لدي نية للتحدث إليه”.

مقالات ذات صلة الدويري: نتنياهو أمام خيارين لا ثالث لهما بشأن الأسير تسنغاوكر 2025/06/07

كما اتهم ماسك بعدم احترام “مقام رئاسة الولايات المتحدة”، مضيفا: “هذا تصرف سيء للغاية، لأنه يظهر عدم احترام للمؤسسة التي يمثلها المنصب”.

وتوعد الرئيس الأمريكي حليفه السابق بعواقب وخيمة إذا قرر تمويل مرشحين ديمقراطيين لمواجهة الجمهوريين الذين صوتوا لصالح مشروع الميزانية الشامل الذي يدعمه الحزب الجمهوري، قائلا: “إذا قام بذلك، فسيتحمل العواقب”. لكنه امتنع عن توضيح ماهية هذه العواقب. وتابع بقوله: “سيدفع ثمنا باهظا جدا إذا فعل ذلك”.

وتُعد هذه التصريحات الأكثر تفصيلا من ترامب منذ أن تبادل الطرفان التهديدات والهجمات المتبادلة عبر منصتي “إكس” و”تروث سوشيال” الأسبوع الجاري.

وكان ماسك قد شنّ هجوما لاذعا على ترامب الخميس عبر “إكس”، تضمن منشورا أُزيل لاحقا يشير إلى الروابط السابقة بين ترامب و جيفري إبستين المدان بقضايا الاستغلال الجنسي للأطفال.

وصرح ماسك بأن السبب الحقيقي وراء عدم الكشف الكامل عن ملفات إبستين هو وجود اسم ترامب فيها، خصوصا أن التحقيقات أكدت وجود آلاف الصفحات غير المنشورة بعد، والتي تحتوي على أدلة قد تمس شخصيات في مواقع حساسة.

ورد ترامب السبت بقوله: “هذه أخبار قديمة تم تداولها على مدار سنوات، وحتى محامي إبستين نفى أي علاقة لي بالأمر”.

وقبل انفجار الخلاف، كان ماسك قد أعرب عن انتقاده لمشروع قانون الإنفاق الذي أقره مجلس النواب بقيادة الجمهوريين الشهر الماضي.

وفي رد على انتقادات ماسك خلال اجتماع في المكتب البيضاوي الخميس، قال ترامب: “أنا محبط جدا لأن إيلون كان مطلعا على تفاصيل هذا المشروع، وقد قدمت له دعما كبيرا”.

ورد ماسك على ذلك بسلسلة منشورات حملت مطالبات بعزل ترامب وانتقادات حادة لسياسة الرسوم الجمركية التي قال إنها ستؤدي إلى ركود اقتصادي في الولايات المتحدة.

ليرد ترامب من خلال منشورات على “تروث سوشيال”، بالقول: “لا أمانع أن يتحول إيلون ضدي، لكنه كان يجب أن يفعل ذلك منذ شهور”، في إشارة إلى معرفته بمضمون مشروع القانون قبل إقراره. واقترح ترامب إنهاء الدعم الحكومي والعقود التي تمنحها الحكومة لشركات ماسك، معبرا عن استغرابه من عدم قيام إدارة بايدن بذلك.

غير أن ترامب أوضح السبت أنه لم يفكر بجدية في تنفيذ هذا الاقتراح بعد، قائلا: “لدي الصلاحية للقيام بذلك، لكنني لم أمنحه اهتماما فعليا”.

وعن تأثير معارضة ماسك لقانون “مشروع الميزانية”، أبدى ترامب ثقته بتمريره في مجلس الشيوخ قبل الرابع من يوليو، مشيرا إلى أن الحزب الجمهوري أصبح أكثر وحدة مما كان عليه سابقا.

وأضاف: إن الخلاف الحالي “ساعد في تسليط الضوء على مزايا مشروع القانون، مما دفع غير المهتمين إلى التركيز عليه، وفي هذا الجانب، كانت هناك منفعة كبيرة، لكني أعتقد أن إيلون حزين ومحبط جدا، وهذا أمر مؤسف”.

يُذكر أن ماسك قدّم دعما ماليا كبيرا لحملة ترامب في انتخابات 2024، حيث أنفق أكثر من ربع مليار دولار لتعزيز فرصه في الولايات المتأرجحة.

كما عينه ترامب في بداية إدارته مسؤولا عن “وزارة كفاءة الحكومة”، حيث أشرف على تقليصات واسعة في الوظائف الحكومية وإغلاق وتقليص عدد من الوكالات.

مقالات مشابهة

  • زاهي حواس يروج للسياحة المصرية على قناة FOX الأمريكية
  • خبير قانوني: زواج فتاة من شاب مصاب بمتلازمة داون حرية شخصية
  • ساخرا من تصريحات اعتراض السفينة مادلين.. ترامب: هل إسرائيل بحاجة لاختطافها؟
  • الراعي في افتتاح سينودس الاساقفة: نحن هنا لنصل إلى الحقيقة الكاملة التي تحرّرنا وتوحّدنا وتطلقنا
  • توك شو| الاقتصاد المصري يجذب المستثمرين الهنود.. وتامر عاشور يكشف عن طقوس العيد
  • خبير اقتصادي: المتحف المصري الكبير يعزز قطاع السياحة ويدعم النقد الأجنبي
  • خبير اقتصادي: افتتاح المتحف المصري الكبير يرفع إيرادات النقد الأجنبي
  • متحف قناة السويس يحتفل بـ اليوم العالمي للبيئة ..صور
  • العليمي يشيد بمأرب وقبائلها الأصلية والنهضة التي تشهدها المحافظة والعرادة يؤكد جاهزية القوات لإفشال أي محاولة حوثية لاختراق الجبهة الداخلية
  • ترامب يؤكد انتهاء علاقته بماسك ويحذره من “عواقب وخيمة”