بعد تصريحات ترامب.. خبير قانوني يؤكد: مصر تملك السيادة الكاملة على قناة السويس
تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT
في عالم تتشابك فيه المصالح الدولية وتتصاعد فيه التصريحات المثيرة للجدل، تبقى السيادة الوطنية خطًا أحمر لا يقبل المساومة. وفي قلب هذا المشهد، تقف قناة السويس شامخةً، شاهدةً على تاريخ طويل من الكفاح والحقوق السيادية التي لا تقبل الجدل. وفي حديث مهم، أوضح الدكتور محمد إبراهيم، عميد كلية الحقوق الأسبق بجامعة طنطا، أبعاد السيادة المصرية الكاملة على هذا الشريان الملاحي الحيوي.
شدد الدكتور محمد إبراهيم على أن لمصر السيادة الكاملة غير المنقوصة على قناة السويس، مشيرًا إلى أن تنظيم حركة الملاحة وفرض الرسوم بما يتناسب مع الخدمات المقدمة أمر خاضع بالكامل للقرار المصري. وأوضح أن أي تصرف أحادي من أي دولة أجنبية يمس هذه الحقوق يعد خرقًا واضحًا للقانون الدولي وتدخلًا غير مشروع في الشؤون الداخلية المصرية.
وأضاف إبراهيم أن من حق مصر، استنادًا إلى مبدأ السيادة، فرض الرسوم التي تراها مناسبة على السفن العابرة مقابل الخدمات الملاحية والإرشادية التي تقدمها، لضمان أمن وسلامة السفن خلال رحلتها عبر القناة. وأكد أن هذا الأمر لم يكن وليد اللحظة بل هو ممارسة قديمة، تعود إلى عهود التبعية للسلطنة العثمانية ثم الحماية البريطانية، واستمر بعد استقلال مصر واستعادة سيادتها الكاملة.
القناة ومرجعيات القانون الدوليوأشار الدكتور محمد إبراهيم إلى أن مصر، منذ إصدارها التصريح الشهير عام 1957 بقبول اختصاص محكمة العدل الدولية للنظر في أي نزاع حول تطبيق اتفاقية القسطنطينية لعام 1888، وضعت نفسها تحت مظلة القانون الدولي. وأكد أن أي محاولة لمخالفة الحقوق المصرية ستواجه بالطعن القانوني أمام المحاكم الدولية المختصة، مما يعزز الموقف المصري ويؤكد احترامه للقوانين والأعراف الدولية.
تعقيب على تصريحات ترامبوفي سياق متصل، علّق الدكتور إبراهيم على التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر منصته "تروث سوشيال"، والتي طالب فيها بمرور السفن الأمريكية مجانًا عبر قناتي بنما والسويس، مبررًا ذلك بأن الولايات المتحدة "هي التي ساهمت في وجود هاتين القناتين".
انتقد إبراهيم هذا الربط، واصفًا إياه بالخطأ التاريخي والقانوني، مؤكدًا أن للولايات المتحدة الأمريكية دورًا محدودًا أو يكاد يكون منعدمًا في تاريخ إنشاء قناة السويس، سواء في الماضي أو الحاضر. وأضاف أن خلط الأمور على هذا النحو يعبر عن سوء فهم لطبيعة العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة والقناة، مؤكدًا أن قناة السويس كانت ولا تزال مشروعًا مصريًا بامتياز.
مصر قادرة على الدفاع عن حقوقهااختتم الدكتور محمد إبراهيم حديثه بالتأكيد على أن مصر، بدعم من تاريخها وقوانينها واتفاقياتها الدولية، قادرة على حماية حقوقها في قناة السويس. وأشار إلى أن أي محاولات للضغط أو التدخل في هذه السيادة ستقابل بالرد القانوني والدبلوماسي المناسب، بما يحفظ لمصر مكانتها ودورها المحوري في حركة التجارة العالمية.
وكانت قد شهدت قناة السويس عبر تاريخها الحديث معارك ضارية، سطر خلالها المصريون ملاحم بطولية خالدة في مواجهة قوى الغزو والاحتلال. تفاصيل هذه المعارك، التي استعرضتها مصادر عدة بينها كتب "أسرار الحملة على مصر"، و"العلاقات المصرية البريطانية بين 1952 و1956"، ومذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي، تحكي عن تضحيات جسيمة وشجاعة لا تُنسى.
عرابي وصراع الخيانة والصمود
عام 1882، تحركت الإمبراطورية البريطانية لاجتياح الإسكندرية، ثم واصلت زحفها نحو الداخل حتى اصطدمت بالجيش المصري بقيادة الزعيم أحمد عرابي في معركة كفر الدوار، حيث أُجبرت على التراجع. غير أن البريطانيين لجأوا إلى خطة بديلة عبر قناة السويس. عرابي، مدركاً خطورة الموقف، قرر ردم القناة لمنع الغزو، لكن فرديناند ديليسبس، خائن العهود، خدعه بدعوى "حياد القناة" ومنع مرور السفن الحربية.
استغل البريطانيون هذه الخدعة ونفذوا إنزالاً بحرياً على مدينة الإسماعيلية يوم 20 أغسطس، لتشهد المدينة مقاومة شعبية باسلة رغم الفارق الكبير في التسليح. انسحب عرابي إلى القصاصين، حيث نصب كميناً محكماً للإنجليز، قبل أن يضطر للتراجع لاحقاً إلى التل الكبير، نتيجة خيانة بعض أعوانه الذين كشفوا للعدو عن مواقع الضعف، مما أدى إلى الهزيمة في معركة 13 سبتمبر الشهيرة.
موقعة الإسماعيلية.. يوم الشرطة المجيد
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ورغم انسحاب البريطانيين من معظم المدن المصرية، أبقوا على احتلالهم لمنطقة قناة السويس، مما دفع الفدائيين المصريين إلى شن حرب عصابات ضد معسكراتهم منذ عام 1951. ومع تصاعد الهجمات، استهدفت القوات البريطانية مركز شرطة الإسماعيلية في 25 يناير 1952، مطالبة بإخلائه.
رفض رجال الشرطة الاستسلام ودافعوا ببسالة عن المركز رغم قلة السلاح والعتاد، موقعين 35 قتيلاً وجريحاً في صفوف العدو، في موقعة خلدها التاريخ وأصبحت رمزاً لبطولات الشرطة المصرية.
العدوان الثلاثي.. شعب في مواجهة ثلاث قوى عظمى
في يوليو 1956، أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، ما أثار غضب بريطانيا وفرنسا اللتين تآمرتا مع إسرائيل لشن عدوان ثلاثي على مصر. بدأ الهجوم الإسرائيلي على سيناء يوم 29 أكتوبر، لكن الجيش المصري تصدى ببسالة، موقعاً خسائر فادحة بالمظليين والدبابات الإسرائيلية، وأسقط الطيران المصري نحو عشر طائرات إسرائيلية خلال ثلاثة أيام.
وفي الأول من نوفمبر، شنت الطائرات البريطانية والفرنسية ضربات جوية مكثفة على مدن مصرية عدة. لاحقاً، حاولت قوات الغزو احتلال بورسعيد عبر إنزال بحري وجوي يوم 5 نوفمبر، لكن بسالة الجيش والمقاومة الشعبية عطلت تقدمهم وأفشلت أهدافهم.
رغم المجازر التي ارتكبها الاحتلال في بورسعيد والتي راح ضحيتها أكثر من ألف مدني، إلا أن مقاومة الشعب المصري أجبرت القوات المعتدية على قبول وقف إطلاق النار، لتنسحب القوات البريطانية والفرنسية في نهاية المطاف تحت ضغط المقاومة وضغوط دولية.
نصر أكتوبر.. عبور العزة والتحرير
في أعقاب هزيمة 1967، فرضت إسرائيل سيطرتها على الضفة الشرقية لقناة السويس، مدعمة مواقعها بخط بارليف الحصين. إلا أن الجيش المصري، بقيادة الرئيس أنور السادات، فاجأ العالم بهجوم مباغت يوم 6 أكتوبر 1973.
بأكبر تمهيد نيراني عرفه التاريخ العسكري، تلاه عبور الآلاف من الجنود المصريين القناة وتسلق الساتر الترابي، تمكنت القوات المصرية خلال ساعات معدودة من تحرير معظم الضفة الشرقية، وتثبيت أقدامها بقوة في سيناء، لتسطر بداية النهاية للاحتلال الإسرائيلي لهذه المنطقة الاستراتيجية.
وهكذا، تتجلى الحقائق القانونية والتاريخية واضحةً كالشمس، لتؤكد أن قناة السويس ليست مجرد ممر مائي، بل رمز لسيادة مصر وإرادتها الوطنية. ورغم محاولات البعض للخلط أو التشويش، يبقى الحق المصري ثابتًا لا تهزه التصريحات ولا تهدده الأوهام، مدعومًا بالقانون الدولي وتاريخ طويل من الدفاع عن الكرامة والسيادة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: قناة السويس الكفاح مصر ترامب الحقوق الدکتور محمد إبراهیم قناة السویس
إقرأ أيضاً:
مصر والصين.. شراكة صناعية متنامية تحول قناة السويس إلى قلب الاستثمار العالمي
تحولت المنطقة المحيطة بقناة السويس خلال السنوات الأخيرة إلى مساحةٍ حيوية للاستثمارات الصينية في مصر، ليست مجرد نموذج تعاون اقتصادي بل نافذة للصين نحو أسواق إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط. دخول مئات الشركات وتأسيس عشرات المشروعات أعادا تشكيل ملامح النشاط الصناعي واللوجيستي في المنطقة، في وقت تعمل فيه القاهرة على تعظيم الفائدة من موقعها الاستراتيجي وسياساتها التحفيزية.
قوة الأرقام ونمو الاستثمارات
شهدت الاستثمارات الصينية ارتفاعاً ملموساً خلال العام الجاري، إذ سجّلت زيادة قدرها نحو 2.7 مليار دولار في أول أحد عشر شهراً لتصل إلى 5.7 مليار دولار في نوفمبر مقارنةً بفترة سابقة كانت فيها نحو 3 مليارات دولار، وفق بيانات الهيئة المعنية. وعلى مدار ثلاث سنوات ونصف نجحت الهيئة في جذب استثمارات تُقدّر بنحو 11.6 مليار دولار، نصفها تقريباً من شركات صينية، ما يعكس عمق الشراكة الاقتصادية بين البلدين في هذه المنطقة.
مشروعات استراتيجية وشراكات لوجستية وصناعية
لم تقتصر التدفقات الصينية على أعمال صغيرة بل تضمّنت مشاريع كبرى متعددة المجالات. فالتعاون مع منطقة "تيدا" الصينية داخل المنطقة الاقتصادية شمل أكثر من مئتي مشروع صناعي وخدمي ولوجستي باستثمارات تتجاوز ثلاثة مليارات دولار، فيما بلغ حجم التعاون في منطقة القنطرة غرب الصناعية نحو 700 مليون دولار. أما على صعيد الصفقات الفردية فقد أُبرمت عقودٌ مهمة هذا العام، أبرزها عقد بقيمة مليار دولار لشركة "سايلون" الصينية لتصنيع إطارات السيارات، وعقد آخر لشركة CJN لإنشاء مصنع أسمدة فوسفاتية ضمن مشروع "سخنة 360" المطور من قبل شركة السويدي للتنمية الصناعية باستثمارات مماثلة.
مزايا المنطقة الاقتصادية وجذب المستثمرين
تستفيد الاستثمارات من سهولة الإجراءات، والإعفاءات الجمركية والضريبية التي توفرها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، إلى جانب موقعها الجغرافي الذي يربط بين قارات العالم ويتيح وصولاً سريعاً إلى أسواق بمليارات المستهلكين. هذه العوامل، إلى جانب التوترات التجارية العالمية وارتفاع تكلفة سلاسل الإمداد التقليدية، دفعت العديد من الشركات الصينية إلى تنويع مواقع إنتاجها واللجوء إلى مصر كمحطة استراتيجية للتصدير وإعادة التصدير.
القاهرة تُظهر حرصًا واضحًا على تعميق شراكتها مع الصين وتوسيع قاعدة الإنتاج المشترك، ليس كهدف رقمي بحت بل كمسار لبناء قدرات صناعية وتكنولوجية حقيقية ذات قيمة مضافة. المسؤولون يؤكدون أن الغاية تتجاوز جلب رأس المال إلى مجرد أرض مصرية؛ الهدف هو خلق صناعة وطنية أقوى، رفع حصة الإنتاج المحلي في سلاسل القيمة، وزيادة الصادرات إلى الأسواق الإقليمية والدولية مع إبقاء أكبر قدر ممكن من العائد الاقتصادي داخل اقتصادنا.
أما قناة السويس فصارت أكثر من ممر ملاحٍ؛ تحولت إلى حلبة استثمارية تنافسية يشعلها تزايد التدفقات الصينية. ومع استمرار تحسين بيئة الأعمال وربط الحوافز بسياسات التصنيع والتصدير، تبدو مصر في وضع يمكنها من تحويل هذه الاستثمارات إلى محرك نمو حقيقي يعيد تنشيط الصناعة ويوفر فرص عمل جديدة ويعزز موقع البلاد داخل شبكات القيمة العالمية.