شخصيات من شمال الشرقية تجسّد مسيرة التنوير والتواصل الحضاري للعمانيين في إفريقيا
تاريخ النشر: 30th, April 2025 GMT
في إطار الفعاليات المصاحبة لمعرض مسقط الدولي للكتاب، شهد جناح ضيف الشرف جلسة تاريخية بعنوان "الحضور الثقافي والاجتماعي لشخصيات مهاجرة من شمال الشرقية في إفريقيا"، احتضنتها قاعة الفراهيدي، وأدارها الدكتور ناصر الندابي، بمشاركة نخبة من الباحثين العمانيين الذين سلطوا الضوء على ثلاث شخصيات كان لها دور محوري في التفاعل الحضاري والثقافي بين عمان وإفريقيا: الشيخ عبدالله بن سليمان بن حميد الخارثي، والشيخ هاشل بن راشد المسكري، والشاعر علي بن حمد الحجري.
رائد النضال في زنجبار
استهل الباحث ناصر الريامي الجلسة بتقديم عرض معمق حول سيرة الشيخ عبدالله بن سليمان بن حميد الخارثي، مستعرضًا محطات حياته الثلاث، من بداياته في زنجبار، إلى مشاركته في أحداث عُمانية محورية في مطلع القرن العشرين، ثم عودته إلى زنجبار ومساهماته الواسعة هناك، وأخيرًا دوره النضالي بعد سقوط النظام عام 1964 حتى وفاته.
وأشار الريامي إلى أن الشيخ عبدالله تولى رئاسة الجمعية العربية في زنجبار لفترة قياسية دامت 15 عامًا، وكان خلالها رمزًا للوحدة والدفاع عن القيم العربية والإنسانية، ولم يقتصر نشاطه على القضايا العُمانية أو العربية، بل دافع عن الأفارقة المظلومين كما في حادثة "إعدام المواشي" الشهيرة، مؤكدًا أن العدالة الإنسانية كانت منطلقه الأول.
كما تطرقت الورقة إلى مشاركته في تأسيس الجمعية العربية عام 1922، وعلاقاته الإقليمية والدولية، وزياراته المتعددة إلى الدول العربية، إضافة إلى نفيه القسري وتفاصيل عودته إلى عمان بمساعدة شخصيات دبلوماسية من مصر والبحرين والسعودية، لتغدو رحلته رمزًا لمرحلة من الصمود والإصرار الثقافي والسياسي.
صوت الصحافة
من جانبها، قدمت الدكتورة سعاد بنت سعيد السيابية دراسة موسعة عن سيرة الشيخ هاشل بن راشد المسكري، مؤكدة على دوره الرائد في الصحافة العُمانية في زنجبار، لا سيما من خلال صحيفة "الفلق"، التي ترأس تحريرها في ثلاث فترات مختلفة منذ تأسيسها عام 1929.
أشارت الدكتورة سعاد إلى أن الشيخ المسكري تجاوز حدود الصحافة ليكون فاعلًا ثقافيًا واجتماعيًا، حيث كتب نحو 400 مقال، منها أكثر من 120 مقالًا في "الفلق"، تناولت قضايا الأمة العربية، والمجتمع الزنجباري، والدفاع عن العمانيين خلال فترات الأزمات، كما شارك في ثورة 1936 وتعرض للأذى الجسدي بسبب مواقفه.
كما سلّطت الضوء أيضًا على حضوره الإنساني من خلال الأوقاف التي خصصها لبناء المدارس والمساجد ومغاسل الموتى، مؤكدة أن الشيخ المسكري كان من أبرز رواد النهضة الثقافية العمانية في المهجر.
من بادية بدية إلى جبال نفوسة
أما الباحث عبدالله بن سعيد الحجري، فقدم ورقة توثيقية عن الشاعر العُماني علي بن حمد بن سيف الحجري، الذي هاجر من ولاية بدية في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري إلى شمال إفريقيا، حيث عاش في مناطق مثل وادي ميزاب وجبل نفوسة، وترك أثرًا علميًا وأدبيًا قلّ نظيره.
تناول الحجري الجذور العلمية لعائلة الشاعر، مشيرًا إلى أن والده وجده وعمه كانوا من كبار العلماء والنساخ، وأن الشاعر نسخ مخطوطات علمية مهمة قبل هجرته، ورغم أن الروايات الشعبية قالت إن مغادرته كانت إثر خلاف مع والده، إلا أن الوثائق تكشف أنه غادر بدافع علمي، ضمن ما يشبه "السياحة العلمية".
عثر الحجري على قصائد للشاعر في أرشيفات المغرب العربي، وقام بتحليل مضامينها التي مزجت بين عتاب الغربة، والحنين إلى الوطن، والفخر بالهوية العُمانية. كما وثّق وجود رسائل فقهية أرسلها الحجري إلى علماء مغاربة يستفسرون فيها عن الفقه المشرقي، إضافة إلى تشطير نادر لقصيدة أفلح بن عبدالوهاب الرستمي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی زنجبار
إقرأ أيضاً:
قيادة عُمانية لحدث عالمي
علي بن سالم كفيتان
قبل أيام بينما أمضي في رحلتي إلى العاصمة الكينية نيروبي عبر أجنحة الطيران القطري، أستشعر الجهد الكبير الذي بذله زملائي في هيئة البيئة، للإعداد والتحضير لمؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة (UNEA 7)، والذي تلتئم أعماله في العاصمة الكينية منذ الأول من ديسمبر وحتى منتصفه، ويقود هذا الحدث الاستثنائي سعادة الدكتور عبدالله بن علي العمري رئيس هيئة البيئة في سلطنة عُمان، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة، بمشاركة نخبة من خيرة الكفاءات العُمانية في الهيئة، لرئاسة جلسات العمل وقيادة دفة الحدث إلى بَر الأمان.
ولا شك أن حجم الثقة الكبيرة التي منحها سعادته في الأعوام الماضية لفريق عمله ولَّدت قيادات بيئية عالمية قادرة على توجيه دفة الكون نحو السلام البيئي؛ ففريق العمل العُماني يعمل كخلية نحل لإنجاح الحدث الذي لا يخلو من تداخلات سياسة وضغوط اقتصادية. وفي هكذا حدث، تصبح البيئة هي الفيصل؛ فيخطب ودها أرباب الحكومات ويشد الرحال إليها أصحاب المال والأعمال، والكل يبحث عن ضالته في نيروبي.
وبرئاسة سلطنة عُمان لهذا الحدث الاستثنائي العالمي طوال عامين بكل كفاءة واقتدار وبشهادة كل الشركاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة والوفود المشاركة ومن مختلف دول العالم، فقد انتقلنا من المشاركات الخجولة إلى دائرة التأثير العالمي في صناعة القرار، وليس المشاركة فيه؛ حيث أثبت العامان الماضيان أن القائد الحقيقي هو الذي يصنع قادة قادرين على الاستمرار في حمل هَمِّ عُمان وطموحها للعالم، وأن العُمانيين لديهم شغف العمل مع العالم بكل ندية وكياسة في ذات الوقت.
هذا ما صنعه سعادة الدكتور رئيس هيئة البيئة رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة، وشهادتي في زملائي أعضاء الوفد مجروحة، فلا يكاد الدكتور ربيع يهدأ للحظة طول النهار، وأسأل نفسي أحيانًا: هل ينام ربيع؟ رجلٌ لم ألتقيه وجهًا لوجه إلّا في هذه التظاهرة العالمية، وأحببتُ العمل معه، وأسرني بدماثة خلقه، مثل كل المتعاملين معه من مختلف بقاع الدنيا، وأبهرتني عَزَّة التي تُنسِّق اجتماعات لا تنتهي ولقاءات ماراثونية لا حصر لها مع الفرقاء، وفي كل وفد تحضر الابتسامة العريضة والضيافة العُمانية والرزانة في الترحيب والوداع؛ ليبدأ العمل فورًا مع وفد آخر في القائمة التي تحملها عزة دون كلل أو ملل، وهنا.. أرى بأُم عيني براعة عمل العلاقات الدولية في هذه السيدة العُمانية المتألقة.
ولا يمكنني إغفال الحديث عن المهندس سالم؛ فالرجل هو ظل القيادة العُمانية للحدث بأناقته المعتادة، وحرصه على أن يكون كل شيء على ما يرام. تراه خلف الرئيس وجنبه، يحمل الكلمات، ويُترجِم النصوص، ويتعامل مع الجميع بروح نادرًا ما تجدها في رجل مثله، ولديه الحلول الجاهزة، ويفهم كل حركة وسكنة للرئيس، ويُترجمها على الفور إلى التنفيذ دون حديث، وتبيَّن لي أن هناك لغة غير منطوقة بين الرجلين.
إنَّ إيجاد توافقٍ على مشاريع القرارات في هكذا حدث يتطلب وجودًا سياسيًا فاعلًا، وهذا ما وفَّرته سفارتنا في نيروبي طوال عامين من العمل الدؤوب؛ إذ إن سعادة السفيرة نصراء الهاشمية سفيرة سلطنة عُمان لدى كينيا، متواجدة بكثافة، وطاقمها برئاسة سعيد العمري تجده في كل المشاهد والأحداث. ولا شك أنني أرى استثمارًا ناجحًا لسُمعتنا السياسية البارزة لإنجاح الرئاسة العُمانية؛ فعندما يحتاج الوضع إلى استخدام المشرط السياسي واللغة الدبلوماسية الدافئة المُفعمة بروح قابوس- طيب الله ثراه- وحكمة جلالة السلطان هيثم المعظم- حفظه الله ورعاه- نجدها حاضرة في سعادة السفيرة العُمانية في نيروبي، وفريقها الرائع، ولا شك أن وجود سفير عُماني للجامعة العربية في كينيا مَنَحَ المناسبة بُعدًا آخر؛ فالدكتور خالد الكثيري مارس كل صلاحيته وتأثيره للتوافق العربي حول مشاريع القرارات المعروضة على الجمعية، وأضفى روحًا جديدة على سيمفونية العمل العُماني في نيروبي.
هنا تجلَّى عمل العُمانيين بقيادة مُلهمة وفريق ليس له ولاء إلّا لعُمان وسلطانها المفدى وخير البشرية.
لقد حاولتُ أن أكون جزءًا من المشهد قدر استطاعتي؛ فالوقت يمضي ونحن بحاجة إلى توافق حول جميع القرارات مساء الجمعة؛ لنُترجم ما قُمنا به طوال عامين من جهد وعمل محترف إلى واقع. وشاركتُ بكل طاقتي ومعرفتي للدفع مع هذا الفريق الرائع بالعمل قُدمًا منذ وطأت قدماي أرض نيروبي.
انبهاري بالطاقم التفاوضي العُماني شدَّني لأبذل قصار جهدي معهم، والعدو سريعًا في كل الاتجاهات لنجبر الفرقاء على الاتفاق؛ فمن لقاءات مع رؤساء وفود الدول إلى المجموعات السياسية والاتحادات وجمعيات المجتمع المدني وأصحاب النفوذ السياسي والمالي، كل ذلك كان يحدث يوميًا، والكل يعرف موقعه. وفي حال احتجتُ إلى قرار فهو حاضر؛ لأن الرئاسة العُمانية حاضرة في شخص رجل يُحب عُمان ويُجل العُمانيين، ويعترف بطاقاتهم الكامنة، وكان ذلك جليًا في هذا البناء المتحد من مختلف الجهات ذات العلاقة في عُمان؛ فوزارة الطاقة والمعادن حاضرة؛ حيث ينافح الدكتور المشرفي في رُدهات صُنع القرارات المتعلقة بالطاقة والمعادن، ويعمل في صمتٍ على تحسين القرارات ومواءمتها مع التوجهات التي تُرضي أكبر قدر من الشركاء والأشقاء، وتزيل أي توجس؛ تمهيدًا لإقرار أصعب القرارات. وهذا ما حصل بالأمس واحتفلنا معًا في الحدث الجانبي الذي نظمته جمهورية كولومبيا، حتى وقت متأخر، بتمرير قرار التعدين، الذي لاقى مساحةً واسعةً من النقاش خلال الأيام الماضية، وفي النهاية أُقِر المشروع بالصياغة العُمانية الكولومبية وصفق الجميع.
صَمْتُ يونس الحجري يُولِّد ضجيجًا في رُدهات الحدث؛ فالتنظيم والبروتوكول العُماني حاضر بامتياز، وصبر صالح السعدي على تتبع الأحداث ورفع التقارير والملخصات اليومية، يوفر مادة دسمة للتفاوض، والدكتور المعمري يُثري الحوارات بخبرته المتراكمة، بينما الدكتور سيف اليعقوبي من وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه يُتابع بحرص مشاريع القرارات ذات الصلة باستدامة النظم الزراعية ومواءمتها مع مخرجات الحدث.. كل ذلك رسم لوحة عُمانية بارزة في نيروبي.
وللحديث بقية.
رابط مختصر