نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، تقريرًا تحليليًا للباحثة والمؤرخة برونوين إيفيريل، تناولت فيه التاريخ المعقد لعلاقة الأميركيين بالقهوة، وأكدت فيه أن "حب القهوة في الولايات المتحدة لم يكن أبدًا مسألة ذوق فقط، بل سياسة واقتصاد وتاريخ استعماري طويل".

في تقرير بعنوان "كيف تعلّم الأميركيون حب القهوة؟"، تكشف إيفيريل أن ولع الأميركيين بالقهوة ليس ظاهرة حديثة أو نتيجة للانتشار العالمي لسلسلة "ستاربكس"، بل يعود إلى ما قبل الثورة الأميركية، حين كانت القهوة سلعة أساسية في نظام التجارة داخل الإمبراطورية البريطانية، ومن ثم في اقتصاد الاستقلال الأميركي، الذي بني على التهريب والتبادل التجاري خارج الحدود الاستعمارية.

بحسب التقرير، كانت القهوة حاضرة بقوة في صلب الحياة اليومية للمستعمرين الأميركيين في القرن الثامن عشر، ليس فقط في المدن الكبرى، بل حتى في المناطق الريفية مثل ولاية فيرجينيا، حيث تبادل المزارعون التبغ للحصول على القهوة المستوردة.

وقد أدت الضرائب البريطانية على القهوة غير البريطانية إلى إشعال غضب المستهلكين، حتى أصبحت المقاهي مراكز لنقاشات ثورية ومقاطعات اقتصادية. وفي مفارقة لافتة، شكلت المقاهي مكانًا لاجتماع لجان مقاومة الضرائب البريطانية، مثل لجنة "المراقبة والتفتيش" في فيلادلفيا، والتي منعت استهلاك القهوة البريطانية رغم أن اللقاءات نفسها كانت تتم في مقهى ويليام برادفورد.

مع انهيار العلاقات مع بريطانيا، لم يتردد الأميركيون في اللجوء إلى التهريب للحصول على القهوة من جزر الكاريبي الفرنسية والهولندية، متجاوزين القيود التجارية الإمبراطورية. وتصف المؤرخة ذلك بأنه كان أشبه بـ"حصاد المهربين"، حيث عمل التجار الأميركيون على اختراق السوق الاستعمارية لتلبية الطلب المتزايد على القهوة.

ورغم الدعوات إلى التقشف ومقاطعة القهوة، كما أوصى جون آدامز زوجته أبيجيل بـ"التخلي عن القهوة"، استمر كثير من الأميركيين في تناولها، حتى خلال الحرب الثورية، ما أدى إلى تضخم الأسعار وندرة في الأسواق، وصلت إلى حد فرض تسعيرات رسمية من الكونغرس ومحاولات لمصادرة البضائع المحتكرة.

مع انتهاء الحرب، انفجرت تجارة القهوة. فبينما كان الأميركيون يشربون 2 مليون رطل سنويًا من القهوة قبل الثورة، ارتفع الرقم إلى أكثر من 40 مليونًا بنهاية القرن الثامن عشر. وفتحت اتفاقية الصداقة والتجارة مع فرنسا الباب أمام تدفقات ضخمة من القهوة من مستعمرات مثل سان دومينغو ومارتينيك، لتتحرر القهوة من السيطرة البريطانية.

لكن المثير في هذا التحول، كما تؤكد "فورين بوليسي"، هو أن الأميركيين لم يسعوا يومًا لإنتاج القهوة محليًا، بل ركزوا على التجارة والتوزيع والابتكار في طرق التحضير. وبين عامي 1790 و1865، سجّلت الولايات المتحدة أكثر من 90 اختراعًا مرتبطًا بإعداد القهوة، مما حولها إلى "صناعة أميركية" رغم أن حبوبها لم تُزرع على الأراضي الأميركية.

تلخص المؤرخة الأميركية هذه القصة بقولها: "القهوة قصة نجاح مالي في التاريخ الأميركي، لكنها تتناقض مع الأسطورة الوطنية للاستقلال الاقتصادي". فقد كانت القهوة، منذ بداياتها، رمزًا لعلاقة أميركا بالاقتصاد العالمي، وليست سلعة محلية مستقلة كما تروج بعض السرديات.

وفي القرن التاسع عشر، تراجعت الرسوم الجمركية على القهوة، ثم ألغيت تمامًا عام 1832، ليغرق البن البرازيلي الأسواق الأميركية، ويتحول من سلعة نخبوية إلى مشروب شعبي متاح للجميع، بسعر لا يتجاوز سبعة سنتات للرطل.

اليوم، لا تقتصر دلالات القهوة على الطقس الصباحي الأميركي أو نكات "اللاتيه والليبراليين"، بل أصبحت رمزًا لتشابك الاستهلاك والسياسة والتجارة الخارجية. فكما تقول إيفيريل: "زيارة المقهى اليومية في الولايات المتحدة هي ممارسة استهلاكية ذات أبعاد سياسية وتاريخية، مرتبطة بسلاسل التوريد العالمية والصراعات الاستعمارية".

طباعة شارك القهوة فورين بوليسي أمريكا البرازيل البن

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: القهوة فورين بوليسي أمريكا البرازيل البن على القهوة

إقرأ أيضاً:

ترامب: السلام في الشرق الأوسط أصبح حقيقة.. والدور المصري سيكون محوريًا في المرحلة المقبلة

أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه يقدّر الحب والاحترام الذي لمسه خلال زيارته إلى مصر، مشيرًا إلى أن الحديث عن السلام في الشرق الأوسط كان حلمًا بعيد المنال بالنسبة للكثيرين، «لكن ها هو الآن يتحقق على أرض الواقع».

مقر انعقاد قمة السلام

وقال ترامب، خلال كلمته عقب وصوله إلى مقر انعقاد قمة السلام في شرم الشيخ، إن مصر ستلعب دورًا محوريًا خلال الفترة المقبلة في تثبيت وقف إطلاق النار وإعادة الاستقرار إلى المنطقة، معربًا عن تقديره للرئيس عبد الفتاح السيسي وجهوده المتواصلة في دعم مسار السلام.

الرئيس السيسي يطلب دعم ترامب لإعادة إعمار غزةالرئيس السيسي: نتطلع لدعم الرئيس ترامب لمؤتمر إعادة الإعمار في غزة

وتأتي كلمة ترامب ضمن فعاليات قمة شرم الشيخ للسلام التي تناقش سبل وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق عملية إعمار شاملة تضمن مستقبلًا أكثر استقرارًا وأمنًا لشعوب المنطقة.

طباعة شارك قمة السلام الرئيس الأمريكي ترامب دونالد ترامب السلام الشرق الأوسط غزة

مقالات مشابهة

  • جولدمان ساكس: المستهلكون الأمريكيون يتحملون أكثر من نصف تكلفة الرسوم الجمركية
  • خطر يهدد الولايات المتحدة.. لماذا يختلف الأميركيون حول كل شيء؟
  • يعزز المناعة وينقي الدم.. فوائد ورق الغار المغلي للجسم
  • أضرار الإفراط في شرب القهوة على البشرة والشعر
  • ترامب: السلام في الشرق الأوسط أصبح حقيقة.. والدور المصري سيكون محوريًا في المرحلة المقبلة
  • المؤتمر: قمة شرم الشيخ تؤكد أن السلام أصبح مبدأ ثابتا في فكر الدولة المصرية
  • نيويورك تايمز: هل تستطيع إسرائيل إصلاح علاقاتها مع الأميركيين؟
  • طبيب الجهاز الهضمي يكشف عن مشروب يومي يذيب دهون الكبد
  • قيادي بحماس: الاحتلال يتلاعب بقوائم الأسرى ويراوغ حتى مع الأميركيين
  • أضرار تناول القهوة على معدة فارغة