حضور لافت للدراسات الاستراتيجية خلال أبوظبي الدولي للكتاب 2025
تاريخ النشر: 5th, May 2025 GMT
استحوذت الدراسات والأبحاث الاستراتيجية على اهتمام قطاع كبير من المسؤولين والباحثين والمثقفين والزوار خلال فعاليات الدورة الـ 34 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025، الذي اختتم فعالياته 5 مايو/ أيار الجاري بنجاح كبير، فيما حقق 80 إصداراً لمركز “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” حضوراً لافتاً خلال المعرض.
وزار جناح “إنترريجونال” آلاف الزوار من صناع القرار والمثقفين والباحثين من مختلف أنحاء المنطقة على مدار أيام المعرض للاطلاع على أحدث إصدارات المركز التي قدمت رؤى وتحليلات لأبرز القضايا الإقليمية والعالمية.
وجاءت مشاركة المركز في المعرض في سياق تعزيز الفكر الاستراتيجي الخليجي والعربي، من خلال الإصدارات المعمقة وحزمة من الجلسات الحوارية المتخصصة واللقاءات التفاعلية التي تناولت أبرز التحولات السياسية والاقتصادية والأمنية على الساحتين الإقليمية والدولية.
وشهد جناح “إنترريجونال” تفاعلاً من زوّار المعرض، مع المحتوى البحثي والأطروحات الفكرية الهادفة.
وتميّزت مشاركة المركز بتوقيع نخبة من إصداراته الحديثة التي لاقت اهتماماً واسعاً من القرّاء والمهتمين، حيث شارك المؤلفون في جلسات توقيع مباشرة وجلسات نقاش معمّقة أبرزت القيمة التحليلية للإصدارات ودورها في إثراء النقاش العام حول القضايا الراهنة.
واستقبل الجناح عدداً من الشخصيات الرسمية والأكاديمية والإعلامية، من بينهم: ياسر القرقاوي، مدير عام “صندوق الوطن”، رئيس مجلس إدارة مسرح دبي الوطني والدكتور جابر الحوسني، مدير مركز البحوث والدراسات القضائية في دائرة القضاء في أبوظبي والقاضي محمد عبدالقادر موسى رئيس المركز والدكتور عوض صالح مستشار اتفاقية اليونيسكو للحفاظ على التراث الثقافي الإنساني، الذين أكدوا على جودة المخرجات الفكرية للمركز وعلى جهوده في دعم البيئة المعرفية في دولة الإمارات والمنطقة.
وأكد المركز أن مشاركته في المعرض تأتي في سياق حرصه على الانخراط الفعّال في المشهد الثقافي الإماراتي، وتعزيز الحوار الفكري مع مختلف فئات المجتمع، إلى جانب توسيع دائرة التأثير الإقليمي عبر تقديم تحليلات عميقة تتسم بالمهنية والحياد العلمي.
وتعكس مشاركة “إنترريجونال” في المعرض التزامه الراسخ بتكريس المعرفة الاستراتيجية كأداة لفهم التغيرات المتسارعة في العالم، من خلال حضور إعلامي متنامٍ ومنصات رقمية متخصصة، بما فيها تطبيق المركز الذكي وموقعه الإلكتروني الذي يتيح الوصول إلى تقاريره وتحليلاته المتعمقة.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
بقلم : سمير السعد ..
في عالمٍ تُثقله الحروب وتغرقه الفواجع، تبرز قصيدة “تهويدة لا تُنيم” للشاعر العراقي غسان حسن محمد كصرخة شعرية تحمل وجع الوطن، وتجسِّد الإنسان العراقي في زمنٍ لم يعد فيه للتهويدات مكان، ولا للطفولة حضنٌ آمن. غسان، ابن العمارة ودجلة والقصب، هو شاعر يكتب بقلبه قبل قلمه، ويغزل قصائده من نسيج الوجع العراقي بأدقّ خيوط الإحساس وأصفى نبرة صدق.
يفتتح الشاعر قصيدته بمشهد يختزل حجم الانهيار الداخلي في صورة جسدية/معمارية رمزية:
“من ربّت على ظهرِ الجسر..،
حتى انفصمت عُراه.”
ليتحوّل الجسر، رمز العبور والحياة، إلى معبر نحو الفقد والانفصال، ولتمتدّ صورة اليُتم على النهر كلحن لا يُفضي إلى الوصول:
“ليمتدَّ اليتمُ على كامل النهرِ،
يعزفُ لحنَ اللاوصول؟!”
هنا لا يتحدث الشاعر عن اليتيم بمعناه الفردي، بل يُحوّله إلى حالة جماعية تسري في جسد المكان، حالة بلد بأكمله يُرَبّى على غياب الآباء، وانقطاع الحكايات.
تدخل الحرب بوصفها شخصية غاشمة، لا تنتظر حتى تهدأ التهويدة، بل تُباغت الزمن وتفتك بالطمأنينة:
“الحرب..،
الحرب..،
(لعلعةٌ..):
كانت أسرعَ من تهويدة الأمِّ لوليدها”
هكذا يضع الشاعر التهويدة، رمز الحنان والرعاية، في مواجهة مباشرة مع صوت الحرب، لنعرف أن النتيجة ستكون فاجعةً لا محالة. ولا عجب حين نسمع عن الوليد الذي لم تمنحه الحياة حتى فرصة البكاء:
“الوليدُ الذي لم يفتر ثغرهُ
عن ابتسام..”
فهو لم يعرف الفجيعة بعد، ولم يلعب، ولم يسمع من أبيه سوى حكاية ناقصة، تُكملها المأساة:
“لم يَعُد أباه باللُعبِ..,
لم يُكمل حكايات وطنٍ..،
على خشبتهِ تزدهرُ المأساة لا غير.!”
في هذا البيت تحديدًا، يكشف غسان عن قدرة شعرية مدهشة على تحويل النعش إلى خشبة مسرح، حيث لا تزدهر إلا المأساة، في تورية درامية تفتك بالقلب.
ثم يأتي المشهد الفاصل، المشهد الذي يُكثّف حضور الغياب:
“عادَ الأبُّ بنعشٍ.. يكّفنهُ (زهرٌ)
لم يكُن على موعدٍ مع الفناء.!”
فالموت لم يكن مُنتظرًا، بل طارئًا، كما هي الحرب دومًا. لقد كان الأب يحلم بزقزقة العصافير، وسنابل تتراقص على وقع الحب:
“كان يمني النفسَ
بأفقٕ من زقزقات.،
وسنابلَ تتهادى على وقع
أغنية حبٍّ..
تعزفها قلوبٌ ولهى!”
بهذا المشهد، يقرّب الشاعر المأساة من القلب، يجعل القارئ يرى الأب لا كمقاتل، بل كعاشق كان يحلم بأغنية، لا بزئير دبابة. حلمُ الأب كُسر، أو بالأدق: أُجهض، على خيط لم يكن فاصلاً، ولا أبيض، بين الليل والنهار:
“حُلم أُجهض على الخيط
الذي لم يكن فاصلاً..،
ولا ابيضَ..
بين ليلٍ ونهار”
لا زمن في الحرب، لا بداية ولا نهاية، ولا فاصل بين حلمٍ وحطام. فالحرب تعيش في الفراغ، وتُشبع نهمها من أجساد الأبناء دون أن ترمش:
“ذلك أن لا مواقيت لحربٍ..
تُشبعُ نهمَ المدافع بالأبناء..”
وفي النهاية، تأتي القفلة العظيمة، القفلة التي تحوّل الحرب من آلة صمّاء إلى كائنٍ لو امتلك عيناً، لبكى، ولابتسم الطفل:
“فلو كانَ للحربِ عينٌ تدمع.،
لأبتسم الوليد!”
ما أوجع هذا البيت! إنه انقلابٌ شعريّ كامل يجعل من التهويدة التي لم تُنِم أيقونةً لفجيعة كاملة، وابتسامة الوليد غاية ما يتمنّاه الشاعر، وكأنّها وحدها قادرة على إنهاء الحرب.
غسان حسن محمد الساعدي ، المولود في بغداد عام 1974، والحاصل على بكالوريوس في اللغة الإنجليزية، هو عضو فاعل في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق. صدرت له عدة مجموعات شعرية ونقدية منها “بصمة السماء”، و”باي صيف ستلمين المطر”، و”أسفار الوجد”، إضافة إلى كتابه النقدي “الإنصات إلى الجمال”. شاعرٌ واسع الحضور، يكتب بروح مغموسة بجماليات المكان وروح الجنوب العراقي، وينتمي بصدق إلى أرضه وناسها وتاريخها الأدبي والثقافي.
شاعر شفاف، حسن المعشر، لطيف في حضوره، عميق في إحساسه، يدخل القصيدة كمن يدخل الصلاة، ويخرج منها كما يخرج الطفل من حضن أمه، بكاءً وشوقًا وحلمًا. هو ابن العمارة، وابن دجلة، وابن النخيل والبردي، يدخل القلوب دون استئذان، ويترك فيها جُرحاً نديًّا لا يُنسى.
في “تهويدة لا تُنيم”، لا يكتب الساعدي الشعر، بل يعيش فيه. يكتب لا ليواسي، بل ليوقظ. لا ليبكي، بل ليُفكّر. قصيدته هذه، كما حياته الشعرية، تُعلن أن الشعر ما يزال قادراً على فضح الحرب، وردّ الضمير إلى مكانه، لعلّ الوليد يبتسم أخيرًا.