عارف بن خميس الفزاري

[email protected]

 

في ظل الطفرات المُتلاحقة في مجال الذّكاء الاصطناعيّ، تتزايد الحاجة إلى ضرورة إنشاء مُنظمة دولية مُستقلة تُعنى بتنظيم هذا المجال الآخذ في التوسع بشكل غير مسبوق. فبينما تحقق أنظمة الذّكاء الاصطناعيّ إنجازات مُذهلة في قطاعات متعددة، من الرعاية الصحية إلى أنظمة الدفاع، تتنامى المخاوف بشأن التهديدات الأخلاقية والقانونية وحتى الوجودية التي قد تنشأ عن غياب إطار دولي موحد يضبط هذا التطور.

وقد عبّر عن هذه المخاوف البروفيسور جيفري هينتون (Geoffrey Hinton)، أحد مؤسسي تقنيات التعلم العميق، محذرًا من أنّ الذّكاء الاصطناعيّ قد يصبح أذكى من البشر، وأنه "من غير الواضح إن كنَّا سنتمكن من السيطرة عليه لاحقًا" (Vincent, 2023).

تصريحات هينتون تعكس قلقًا متناميًا بين خبراء الصناعة بشأن تسارع الذّكاء الاصطناعيّ وتجاوزه للقدرة التنظيمية الحالية، وهو ما يجعل الحاجة إلى تدخل دولي أكثر من أيّ وقت مضى.

لقد بات الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. فهو يُستخدم في المستشفيات لتشخيص الأمراض، وفي المؤسسات الأمنية لرصد التهديدات وفي الأنظمة التعليمية لتحليل أداء الطلاب وتقديم محتوى مخصص لهم، بل وحتى في أنظمة العدالة لاتخاذ قرارات متعلقة بالإفراج أو التوصية بالأحكام. لكن هذا الانتشار السريع ترافقه تحديات عميقة ترتبط بالخصوصية والتمييز وشفافية الخوارزميات وغياب المساءلة القانونية في حال وقوع ضرر. السؤال الذي يُطرح اليوم: من يملك سلطة رسم الخطوط الحمراء لاستخدام الذكاء الاصطناعي؟ هل يُترك الأمر لتقديرات كل دولة على حدة، أم أن الأمر بات يستوجب تدخلاً دوليًا شاملًا، يضمن الاستخدام الآمن والعادل والمسؤول لهذه التقنية؟ في الواقع تعكف العديد من الدول الكبرى وتتنافس على تطوير نماذج متقدمة من الذكاء الاصطناعي، منها ما يمتلك قدرات توليدية قادرة على كتابة النصوص وإنتاج الصور، بل وحتى محاكاة المشاعر. هذه النماذج، إذا تُركت دون رقابة قد تُستخدم في التزييف العميق والتحريض السياسي والتلاعب بالأسواق، أو حتى إدارة أنظمة أسلحة مُميتة ذاتيًا دون تدخل بشري مباشر.

وفي ظل هذه التحديات، بدأت بعض التكتلات مثل الاتحاد الأوروبي في وضع تشريعات تنظم الذّكاء الاصطناعيّ، مثل قانون الذّكاء الاصطناعيّ الأوروبي (AI Act)، الذي يُعد من أوائل المحاولات الجادة لتصنيف المخاطر وفرض معايير للشفافية والمساءلة وفق تكتلات سياسية واقتصادية والذي دخل حيز التنفيذ في أغسطس 2024م. كما تبنّت منظمة اليونسكو في عام 2021 توصيات أخلاقية بشأن الذّكاء الاصطناعيّ والتي ركزت على احترام حقوق الإنسان وتعزيز التنمية المستدامة. غير أن هذه المبادرات، رغم أهميتها تبقى ذات طابع إقليمي أو توجيهي غير ملزم للغير، مما يبرز الحاجة إلى كيان دولي يتمتع بصلاحيات أوسع.  وفي هذا السياق، حذرت دراسة صادرة عن جامعة أكسفورد ومراكز بحثية دولية من أن الاستخدامات الخبيثة للذكاء الاصطناعي ستتزايد بشكل خطير في غياب تنظيم دولي فعال.

وقد أكدت الدراسة- التي حملت عنوان The Malicious Use of Artificial Intelligence: Forecasting, Prevention, and Mitigation، والصادرة عن معهد مستقبل الإنسانية بجامعة أكسفورد (Future of Humanity Institute, University of Oxford)- على أن المخاطر تشمل التضليل الإعلامي، والتحكم الآلي في الأسلحة، والهجمات السيبرانية المتقدمة، داعية إلى إنشاء منظمة دولية تعزز التعاون بين الدول، وتضع أطرًا للوقاية والتخفيف من التهديدات المستقبلية. وإلى جانب التهديدات السياسية والأمنية، تناولت ذات الدراسة أيضًا أبعادًا اقتصادية مقلقة لاستخدامات الذكاء الاصطناعي الخبيثة، مشيرة إلى أن الذّكاء الاصطناعيّ قد يُستخدم في أتمتة الهجمات المالية والابتزاز الرقمي والتلاعب بالأسواق.

فقد أوضحت أنّ المهاجمين السيبرانيين يمكنهم استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل قواعد بيانات ضخمة وتحديد الأهداف بناءً على الثروة أو السلوك الشرائي، مما يسمح بشن هجمات موجهة بدقة على مؤسسات أو أفراد بعينهم. وتضيف أنّ انخفاض تكلفة تنفيذ مثل هذه الهجمات بفعل الأتمتة وسرعة انتشارها، قد يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية على نطاق واسع وتهدد الاستقرار المالي خصوصًا في الدول ذات البنية الرقمية الهشة. بل إنّ الدراسة حذّرت من أنّ هذه الهجمات قد تضعف الثقة في الأنظمة المالية الرقمية وتُحدث خللًا في السوق العالمي نتيجة تكرار الهجمات المعتمدة على تزييف البيانات أو نشر المعلومات الكاذبة عبر شبكات ذكية تعمل بشكل ذاتي دون رقابة بشرية مباشرة. (Brundage et al., 2018)

إنّ إنشاء منظمة دولية تُعنى بتنظيم الذّكاء الاصطناعيّ، تحت مظلة الأمم المتحدة يكتسب أهمية متزايدة في الأوساط الأكاديمية والبحثية والاقتصادية والسياسية. هذه المنظمة من المفترض أن تضطلع بعدة مهام رئيسة، منها على سبيل المثال لا للحصر: وضع إطار تشريعي وأخلاقي ملزم ومراقبة التطبيقات العسكرية والأمنية والتجارية للذكاء الاصطناعي وتسهيل نقل التكنولوجيا للدول النامية بالإضافة إلى ضمان احترام الخصوصية والعدالة وعدم التمييز في خوارزميات التعلم الآلي. ومع ذلك، ربما قد تواجه الفكرة تحديات سياسية واقتصادية كبيرة، إذ تخشى بعض الدول الصناعية من أن يؤدي وجود منظمة رقابية إلى كبح جماح الابتكار أو التأثير على تفوقها التقني والاقتصادي. وتبرز هنا إشكالية تحقيق التوازن بين حرية التطوير من جهة، وضرورة التنظيم والحماية من جهة أخرى. وفي هذا السياق، يمكن الاستفادة من نماذج ناجحة لتعاون دولي قائم، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تنظم الاستخدام السلمي للطاقة النووية أو منظمة الصحة العالمية التي تدير التنسيق الصحي العالمي. فكما أنّ الطاقة النووية والصحة تمسان مصير البشرية، فإنّ الذّكاء الاصطناعيّ بات اليوم في صميم القرارات المصيرية والمجتمعية. إنّ إنشاء منظمة دولية للذّكاء الاصطناعيّ لا يُعد ترفًا تنظيميًا فحسب، بل ضرورة استراتيجية لحماية البشرية من انفلات تقني قد يؤدي إلى كوارث سياسية واقتصادية واجتماعية. فكلما تأخر العالم في وضع أسس مشتركة، زادت الفجوة بين الدول وتعاظمت المخاطر المحتملة.

والسؤال الذي ينبغي أن يُطرح على طاولة قادة الذّكاء الاصطناعيّ والمعنيين ليس "هل يجب أن ننظم الذّكاء الاصطناعيّ؟" بل "هل نستطيع أن نتحمل تكلفة عدم تنظيمه؟".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الوزراء: من التشخيص للعلاج.. الذكاء الاصطناعي يغير قواعد الطب

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً قدم من خلاله عرضاً لمزايا وتحديات توظيف الذكاء الاصطناعي في القطاعات الصحية، مع إلقاء نظرة على بعض التجارب الدولية في هذا المجال، حيث أشار إلى أن أنظمة الرعاية الصحية شهدت على مدار السنوات الماضية تحولًا كبيرًا بفضل إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي باتت تؤدي دورًا محوريًّا في التشخيص، ورعاية المرضى، والإدارة، وتعزيز الصحة العامة؛ وأصبحت توفر إمكانات كبيرة، بدءاً من أدوات التعلم الآلي القادرة على قراءة الصور الطبية بدقة، إلى منصات المراقبة الصحية عن بُعد، بما يُسهم في تحسين الكفاءة في المجال الطبي، مضيفاً أنه في ظل التحديات المتزايدة، مثل نقص الكوادر، وتزايد الأمراض المزمنة، تتجه دول عديدة اليوم لتبني حلول ذكية ترتكز على البيانات والتعلم الآلي؛ ما يجعلها في طليعة ثورة صحية رقمية تُعيد تشكيل مستقبل الرعاية الصحية عالميًّا.

وأكد المركز تحقيق تقنيات الذكاء الاصطناعي تأثيرًا ملحوظًا في مجال الرعاية الصحية وخاصة فيما يتعلق بتحسين دقة التشخيص والكشف المبكر عن الأمراض؛ فالتعلم الآلي (Machine learning)، وهو عنصر أساسي في الذكاء الاصطناعي المستخدم في الرعاية الصحية، أحدث نقلة نوعية في هذا المجال من خلال تحسين التشخيص والعلاج؛ فعن طريق معالجة كميات هائلة من البيانات السريرية، يمكن للخوارزميات تحديد الأنماط والتنبؤ بالنتائج الطبية بدقة كبيرة.

كما تساعد تقنية "التعلم الآلي" في تحليل سجلات المرضى، والتصوير الطبي، واكتشاف علاجات جديدة؛ ما يساعد المتخصصين في الرعاية الصحية على تحسين العلاج وخفض التكاليف. وكذلك يُتيح التعلم الآلي التشخيص الدقيق للأمراض، وتقديم علاجات مخصصة، واكتشاف التغيرات الطفيفة في العلامات الحيوية، والتي قد تشير إلى مشكلات صحية محتملة.  ولعل أبرز الأمثلة على تقنيات التعلم الآلي برنامج (EchoNext) الذي يتم توظيفه في اكتشاف أمراض القلب الهيكلية بنسبة دقة تبلغ 77%، وقد أسهم بالفعل في اكتشاف آلاف الحالات عالية الخطورة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك أداة "معالجة اللغة الطبيعية" (NLP) وهي أحد أشكال الذكاء الاصطناعي التي تُتيح لأجهزة الكمبيوتر فهم اللغة البشرية واستخدامها، ويُستخدم هذا النوع من الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية بشكل متزايد، وهو ما يُسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية من خلال تشخيص أدق، وتبسيط الإجراءات السريرية.

على الجانب الآخر، يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولًا كبيرًا في الجوانب الإدارية للرعاية الطبية؛ فمن خلال أتمتة المهام الروتينية، مثل: إدخال البيانات، ومعالجة المطالبات، وتنسيق المواعيد، تُتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي لمقدمي الرعاية والمؤسسات الصحية توفير الوقت للتركيز على رعاية المرضى.

علاوة على ذلك، يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على تقليل الأخطاء البشرية من خلال تسريع مراجعة السجلات الطبية، والصور الشعاعية، ونتائج الاختبارات. ومع منحه للمهنيين الطبيين مزيدًا من التحكم في سير عملهم، يمكنهم تقديم رعاية ذات جودة عليا مع الحفاظ على الكفاءة في التكاليف.

أشار التحليل إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي توفر فرصًا كبيرة لمعالجة أزمات أنظمة الرعاية الصحية، وخاصة المتعلقة بارتفاع النفقات وأزمة القوى العاملة؛ فالتقديرات تشير إلى أن نفقات الرعاية الصحية قد ارتفعت بوتيرة سريعة خلال السنوات العشرين الماضية، ويُقدّر أن ما لا يقل عن 20% من هذه النفقات يتم هدرها.

في الوقت نفسه، يواجه قطاع الرعاية الصحية أزمة حادة في القوى العاملة؛ إذ تُقدِّر "منظمة الصحة العالمية" (WHO) وجود عجز بنحو 10 ملايين عامل صحي بحلول عام 2030، خاصة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. كما أن العاملين في قطاع الصحة يعانون من الإرهاق الشديد؛ حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 50% من المهنيين الصحيين يعانون من الاحتراق الوظيفي.

وفي هذا السياق، يأتي دور الذكاء الاصطناعي ليحدث تغييرات جوهرية في تنظيم الرعاية الطبية، من خلال نقل المهام الحيوية وتعزيز أداء العاملين في القطاع الصحي، وهو ما يؤدي إلى تحسين نتائج المرضى ورفع كفاءة التشغيل.

أوضح التقرير أنه رغم المكاسب التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية، لا يخلو الأمر من تحديات عديدة تتطلب التعامل معها، خاصة مع تزايد استثمارات المؤسسات الصحية في استخدام هذه التقنيات، ويأتي في مقدمة هذه التحديات:

-خصوصية البيانات: حيث تُعَد حماية البيانات الشخصية من أبرز المخاوف المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية؛ فأنظمة الذكاء الاصطناعي تعتمد على كميات هائلة من بيانات المرضى لتعمل بكفاءة، لكن أي سوء في التعامل مع هذه البيانات قد يؤدي إلى خروقات في الخصوصية. وتزداد الخطورة عندما تكون تلك البيانات مدرجة على منصات سحابية أو مجموعات بيانات غير محمية بشكل كافٍ.

-غياب أطر تنظيمية واضحة: رغم أن بعض المناطق، مثل الاتحاد الأوروبي، تبنَّت تشريعات شاملة مثل قانون الذكاء الاصطناعي (EU AI Act) لعام 2024، فإن العديد من الدول -خاصة في الجنوب العالمي- لا تمتلك تنظيمًا واضحًا لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية. هذا التباين يعقِّد عملية نشر أدوات الذكاء الاصطناعي عالميًّا، خاصة بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات.

-صعوبة مواكبة التطورات: هناك صعوبة في مواكبة قطاع الصحة للابتكارات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ فالذكاء الاصطناعي يُعَد قطاعًا ناشئًا، ومعظم الشركات العاملة فيه لا يتجاوز عمرها عشر سنوات، بينما قطاع الرعاية الصحية يُعَد صناعة ناضجة تهيمن عليها مؤسسات راسخة. هذا التفاوت بين طبيعة القطاعين قد يُبطئ وتيرة الابتكار، من خلال الإجراءات والهياكل المتجذّرة التي قد تعوق تبني التقنيات الجديدة.

-صعوبات التكامل مع أنظمة المعلومات الصحية: يتطلب تطبيق الذكاء الاصطناعي في المستشفيات دمجًا فعّالًا مع السجلات الصحية الإلكترونية وقواعد بيانات التصوير الطبي وسير العمل السريري، ومع هذا، فالعديد من المؤسسات الصحية تفتقر إلى البنية التحتية التكنولوجية والمعايير اللازمة لضمان هذا التكامل؛ ما يؤدي إلى تنفيذ مجزَّأ وأعباء إدارية إضافية.

-التحيّز الخوارزمي والعدالة الصحية: تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على البيانات التي تُدرَّب عليها، وإذا كانت هذه البيانات تفتقر إلى تمثيل سكاني متنوع، فقد يؤدي ذلك إلى أداء ضعيف في تشخيص أو علاج فئات معينة من السكان. وقد كشفت عدة دراسات أن العديد من النماذج التجارية المستخدمة في الرعاية الصحية أظهرت تحيزًا عنصريًّا واجتماعيًّا؛ مما يُعمِّق الفجوات في جودة الرعاية الصحية.

-مقاومة القوى العاملة: رغم تزايُد الحماس تجاه الذكاء الاصطناعي، فإن كثيرًا من العاملين في المجال الصحي يبقون مترددين أو مقاومين له، بسبب مخاوف من فقدان الوظائف أو المسؤولية القانونية أو نقص التدريب.

وفي هذا السياق، يُعد كسب ثقة الأطباء وقبولهم أمر بالغ الأهمية لنجاح تطبيق الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي. ولحدوث ذلك؛ يجب أن تتاح للأطباء إمكانية الاطلاع على كيفية اتخاذ النظام للقرارات، والتأكد من اعتماده على معلومات طبية دقيقة وحديثة. كذلك، يجب أن يكون استخدام هذه الأنظمة ملتزمًا بالقوانين والضوابط لضمان الاستخدام الأخلاقي وعدم تعريض المرضى للخطر.

وأوضح المركز أنه في ظل المزايا العديدة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، بدأ عدد من الدول في توظيفه بشكل متزايد لدعم جهودها في مواجهة تفشي الأمراض، ومن بين أبرز هذه الدول: الدانمارك والصين وبريطانيا ورواندا ومالاوي.

وفي هذا الصدد؛ تُعَد الدانمارك تجربة رائدة في التحول الرقمي والاعتماد على الذكاء الاصطناعي والروبوتات في الرعاية الصحية؛ حيث تستثمر في تطوير "مستشفيات المستقبل" التي تعتمد على الأتمتة والخدمات الرقمية.

كما أنشأت الدانمارك عددًا من المنصات الابتكارية المرتبطة مباشرة بالمستشفيات، مثل مستشفى جامعة "جنوب الدانمارك"، بهدف تجربة الحلول التقنية في بيئة سريرية حية. وتشمل هذه المراكز: "مركز الروبوتات السريرية" الذي يدمج التقنية مع المهام اللوجستية والعلاجية، و"مركز الذكاء الاصطناعي الإكلينيكي" المعني بتطوير أدوات تحليلية تدعم التشخيص، و"مركز التكنولوجيا الطبية المبتكرة" الذي يركِّز على الطب عن بُعد والتطبيقات الذكية.

أوضح التحليل أن هذه المنصات تُتيح التعاون المباشر بين المهندسين والأطباء؛ مما يُعجِّل باختبار الحلول وتكييفها مع احتياجات الواقع السريري، كما توفر للشركات -لا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة- نموذجًا متكاملًا جاهزًا للتوصيل والتشغيل يتيح اختبار المفاهيم وتطوير النماذج الأولية بالتعاون مع الفرق الطبية؛ حيث يتم التركيز على الحلول التي تعالج تحديات حقيقية داخل المستشفيات، مثل: تقليل المهام المتكررة، وإتاحة وقت أكبر للرعاية المباشرة.

وفي "المختبر الوطني للروبوتات" بجامعة هيريوت‑وات في بريطانيا، تم تطوير "روبوت ARI" لدعم المرضى بعد الجراحة أو الإصابات؛ حيث يُوجِّه المرضى خلال تمارين إعادة التأهيل؛ مما يخفف الضغط على أخصائي العلاج الطبيعي.

وفي الصين، اعتمدت المستشفيات الكبرى منذ يناير 2025 نموذج (DeepSeek)، الذي يدمج الذكاء الاصطناعي في مجالات علم الأمراض وتحليل الصور الطبية ودعم القرار الإكلينيكي. وقد بدأت الصين في تطبيقه بالمؤسسات الطبية الكبرى في شنغهاي، ثم توسعت على الصعيد الوطني، وقد أدى ذلك إلى تحسين دقة التشخيص، وتسريع سير العمل، وتخفيف الضغط على الأطباء.

وكذلك، وظَّفت رواندا الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن مرض "جدري القرود" (Mpox)، وهو مرض نادر وقاتل تفشّى بين عامي 2022 و2023؛ ما ساعد في التصدي السريع للمرض وحماية الفئات المعرضة للخطر.

أيضًا، في مدينة "ليلونغوي" في مالاوي، تم توظيف نظام مراقبة الأجنة المدعوم بالذكاء الاصطناعي، الذي طُوِّر بالشراكة بين شركة البرمجيات الأمريكية (PeriGen) ووزارة الصحة في مالاوي ومستشفى "تكساس للأطفال" الأمريكية، وقد أسهم بالفعل في خفض وفيات حديثي الولادة بنسبة 82% خلال ثلاث سنوات؛ حيث يقوم بتحليل نبض الجنين بشكل مستمر، وينبِّه الطاقم الطبي فورًا للتدخل، وهو ما يُعَد تحسنًا كبيرًا مقارنة بالفحوصات اليدوية المتقطعة.

وأشار التحليل إلى أنه في ظل الاعتماد المتزايد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي، أوصى العديد من المنظمات الدولية بتضمين هذه التطبيقات ضمن منصات الصحة الوطنية؛ حيث يمكن للدول ذات البنية التحتية الرقمية الأساسية تبني أدوات بسيطة، مثل: روبوتات المحادثة التنبيهية، وتذكيرات الرسائل النصية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، بينما الدول ذات النظم القوية يمكنها اعتماد تطبيقات أكثر تقدمًا كالتنبؤ الفوري بالأوبئة، وتحسين إدارة الموارد.

وأوضح المركز أنه على الرغم من الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في تحسين التشخيص وتسريع العلاج وتخفيف الأعباء الإدارية، فإن التحديات المصاحبة له لا تقل أهمية؛ فحماية الخصوصية، وضمان الإنصاف، وبناء الثقة، وتحقيق التنظيم الفعّال، كلها قضايا لا بُدَّ من معالجتها بجدية، ويتطلب تجاوز هذه التحديات تنسيقًا وثيقًا بين الحكومات، والمطورين، والمؤسسات الصحية، ومنظمات المجتمع المدني، من أجل تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي موثوقة وأخلاقية وشاملة.

طباعة شارك مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار توظيف الذكاء الاصطناعي الرعاية الصحية تقنيات الذكاء الاصطناعي التشخيص والعلاج القطاع الصحي

مقالات مشابهة

  • الوزراء: من التشخيص للعلاج.. الذكاء الاصطناعي يغير قواعد الطب
  • يصاب بالتسمم باستشارة من «الذكاء الاصطناعي»
  • اعتراف دوليّ وريادة عالمية تتويجًا لجهود المملكة في حماية الطيور المهاجرة
  • أبوظبي تكتب قصة نجاح في الذكاء الاصطناعي
  • البيئة تعتزم تنفيذ مشروع ضخم مع منظمة عالمية كبرى .. تفاصيل مهمة
  • نائب محافظ سوهاج يُطلق مبادرة «سوهاج Ai» لتأهيل الشباب في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني
  • عبيدات يكتب ( توظيف الذكاء الاصطناعي في قطاع النقل العام )
  • أبرز اتجاهات الذكاء الاصطناعي التوليدي في 2025
  • إطلاق CharGPT5 في خطوة نحو الذكاء الاصطناعي الفائق
  • الجدل الاقتصادي في شأن الذكاء الاصطناعي (3- 5)