موقع النيلين:
2025-08-12@19:20:07 GMT

إبراهيم عثمان يكتب: التناقض

تاريخ النشر: 7th, May 2025 GMT

*لا يُقاس الخطاب السياسي بما يصرّح به فحسب، بل أيضاً بما يسكت عنه، أو بما ينقضه في بنيته العميقة. وحين نقرأ خطاب “تقدم”، فإننا لا نواجه فقط ازدواجاً في المواقف، بل تناقضاً بنيوياً يكشف عن انشطار بين ظاهر الدعوى وباطن الممارسة. والمفارقة الكبرى هي أن ما تدعيه “تقدم” بالقول، هو ما ينقضه سلوكها العملي، بل ويثبت بطلانه دون حاجة إلى تفنيد خارجي!*

* *في خطاب “تقدم”، لا يُقرأ تصاعد جرائم الميليشيا بوصفه سبباً لرفضها، بل كذريعة لتعزيز شرعيتها التفاوضية.

فكلما ازداد عنفها، كلما تعززت ضرورة الحوار معها. وهذا يقلب المنطق الأخلاقي رأساً على عقب: يصبح الإجرام شرطاً موضوعياً للتفاوض، لا سبباً لنفيه.. المفارقة أن هذا المنطق يحمل إقراراً ضمنياً بأن الإجرام ليس عرضاً طارئاً، بل بنية داخلية في وجود الميليشيا، وأنها لا تستطيع أن تحارب بدونه. ومع ذلك يُستخدم لشرعنة بقائها عبر تفاوض يُفرغ السياسة من مضمونها الأخلاقي!*

* *الخطاب ذاته يعيد تعريف دلالة استباحة الميليشيا لبعض المناطق، فما هو في الواقع كارثة إنسانية للمواطنين، يُعاد تأويله لدى “تقدم” بوصفه إثباتاً لقوة الميليشيا، ولاستحالة هزيمتها. وبهذا يُنتزَع الفعل من سياقه الأخلاقي ويُدمج في سردية سياسية تبريرية. لا حاجة هنا للتنقيب عن النوايا، فالتصريحات نفسها تنقلنا من منطق “الردع بالعقوبة” إلى منطق “الخضوع بالقوة”، حيث تُقاس شرعية المجرم بقدرته على فرض شروطه. أي سيطرة الغلبة على الحجة، حين تتحول الاستباحة من جريمة إلى مسوِّغ تفاوضي!*

* *حين تتمسك “تقدم” بالتفاوض مع الميليشيا، فإنها تسقِط ــ ضمناً ــ ما تدعيه من سيطرة الإسلاميين على الدولة. لأن قبولها بالمفاوض الحكومي، يعني افتراضها أن لا مشكلة في تمثيله، وأنه ليس إسلامياً. وهذا نفي عمليّ لجوهر دعواها. فالخطاب هنا يهدم نفسه من داخله، لا من خارجه! أما إصرارها على أن مخرجات التفاوض يجب أن تتضمن محاربة الإسلاميين، فهو يحمل افتراضاً مضاعفاً: أن من سيوقع على تلك المخرجات إما أنه يشاركها العداء لخصومها، أو لا مانع لديه في جعلهم كبش فداء، وهذا يزيد في نسف دعواها!*
* *تبرير التفاوض مع الميليشيا بذرائع واقعية (تفادي دمار الدولة)، يتطلب “تعميماً” لهذا المنطق. أما حين تصرّ “تقدم” على أن يتضمن الحل المتفاوَض عليه محاربة الإسلاميين، فهي إما تنكر خطورة محاربتهم، أو تعترف بأنهم ليسوا خطراً موضوعياً، بل خصماً أيديولوجياً. وهنا ينهار خطابها بسبب تعارضه مع ذاته!*

* *تصريحات جعفر حسن حول تصنيف الميليشيا كجماعة إرهابية تكشف تناقضاً إضافياً. فهو يرى أن هذا التصنيف سيزيد الحرب اشتعالاً، وهذا يتضمن في داخله فكرة أن الميليشيا همجية وغير مسؤولة، فإن صُنِّفت فسيتضاعف إرهابها. لكنه في ذات الوقت يطالب بتصنيف خصومه الإسلاميين، دون أن يقلق من مآلات هذا التصنيف. فإما أن الإسلاميين في قناعته لا يمارسون إرهاباً، أو أنهم “إرهابيون مسؤولون” لن يضاعف التصنيف إرهابهم! وهذه مفارقة تقوّض خطابه، وتضعه في مأزق أخلاقي ومنطقي مزدوج!*

* ‏*ينزع بعض أتباع “تقدم” للاستفادة من حالة التشيطن لدى الميليشيا في شيطنة خصومهم السياسيين، بحديثهم عن دورهم في صناعتها، لكن المفارقة أن قادتهم لا يفعلون هذا أبداً، لأنه يحمل طعناً في العلاقة بالميليشيا الآن، ويعاكس سعيهم لتطبيع وجودها، بل إن حديث هؤلاء القادة عن ماضي الميليشيا يحمل طابع الحديث عن شرعيتها كقوات نظامية يحكمها قانون، وقد ذهب محمد الفكي إلى أكثر من ذلك حين تحدث عن كفاءتها ودورها التكاملي ــ الذي لا غنىً عنه ــ مع بقية الأجهزة النظامية، وعن أن غيابها سينتح منه خلل كبير في المنظومة الأمنية، وعن أنهم “كقادة لللبلد لن يسمحوا بتدميرها”!*

* *خطاب “تقدم” لا يستطيع التوفيق بين روايتين متناقضتين: الأولى تبرر الحرب بالحديث عن وجود جذور لها متمثلة في “التهميش”، والثانية مناقضة تنفي وجود الدافع الحربي عند الميليشيا، وتؤكد أنها لم تشعل الحرب، لكنه مع ذلك يضعهما معاً في خدمة غاية واحدة: تبرئة الميليشيا وتحويل المسؤولية إلى خصومها. لكن الجمع بين التناقضين لا ينتج توازناً بل إلغاءً. فكل منهما يفرغ الآخر من مضمونه!*

إبراهيم عثمان

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

مؤسسة زاهي حواس للآثار والتراث تنظم محاضرة بعنوان دور الاكتشافات الأثرية في صناعة السياحة الثقافية

في إطار أنشطتها التوعوية والثقافية، نظمت مؤسسة زاهي حواس للآثار والتراث محاضرة بعنوان “دور الاكتشافات الأثرية في صناعة السياحة الثقافية” ألقاها الأستاذ محمد عثمان، رئيس لجنة السياحة الثقافية، تناول خلالها أهمية الاكتشافات الأثرية في دعم وتنشيط السياحة، وخاصة السياحة الثقافية في مصر.

مؤسسة زاهي حواس 

وخلال المحاضرة، استعرض عثمان الدور المحوري للأقصر كمتحف مفتوح يزخر بالمقابر والمعابد الأثرية الفريدة، مشيرًا إلى أن الاكتشافات الحديثة في المنطقة كان لها أثر كبير في جذب أنظار العالم وزيادة أعداد السياح. كما تطرق إلى أهمية الطيران المباشر في تسهيل حركة السائحين، ودور الترويج الإعلامي في إبراز قيمة هذه الاكتشافات.

وفي سياق حديثه عن صناعة السياحة الثقافية، أوضح أن هذا النمط السياحي يعد أحد أهم روافد الاقتصاد الوطني، إذ يجمع بين استكشاف التاريخ والاستمتاع بالتجارب الثقافية، ما يجذب شرائح واسعة من السائحين الباحثين عن الأصالة والمعرفة.

وأكد عثمان أن مصر، بما تمتلكه من تراث حضاري فريد، قادرة على أن تكون الوجهة الأولى عالميًا للسياحة الثقافية إذا ما تم استثمار هذا التراث بالشكل الأمثل.

واختتم عثمان بالتأكيد على أن الاستثمار في الاكتشافات الأثرية والترويج لها يمثل أداة استراتيجية لتعزيز مكانة مصر كوجهة سياحية عالمية، مشددًا على ضرورة تكامل الجهود بين مختلف الجهات للحفاظ على هذا التراث واستثماره في دعم الاقتصاد وتنمية السياحة الثقافية.

طباعة شارك مؤسسة زاهي حواس زاهي حواس تراث مؤسسة زاهي حواس للآثار والتراث السياحة

مقالات مشابهة

  • رأي.. عمر حرقوص يكتب: حماس بعد الحرب… المتحول وموانعه
  • مؤسسة زاهي حواس للآثار والتراث تنظم محاضرة بعنوان دور الاكتشافات الأثرية في صناعة السياحة الثقافية
  • ما سبب التناقض الإيراني حيال ممر ترامب؟ خبراء يجيبون
  • شاعر فلسطيني يستغرب التناقض بين التصريحات العربية والأفعال بشأن غزة (شاهد)
  • مبارك الفاضل يفجّر مفاجآت داوية حول اعتقال “المصباح”.. ويتّهم الإسلاميين بشن “حملة جائرة” ضد مصر
  • تعلن محكمة ضوران انس الابتدائية بأن الأخ/ إبراهيم محمد العمدي تقدم إليها بطلب انحصار وراثه
  • إبراهيم شعبان يكتب: جحيم احتلال غزة بالكامل يلوح في الأفق.. هذه أخطاره
  • إغلاق محل تجاري في الشيخ عثمان لمخالفته التسعيرة الرسمية
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: حكومة الأمل.. كتاب لم يقرأه السودانيون
  • حملة “النظافة ثقافة” تبدأ في اللاذقية بحضور المحافظ محمد عثمان ومشاركة عدد من الفرق التطوعية