*لا يُقاس الخطاب السياسي بما يصرّح به فحسب، بل أيضاً بما يسكت عنه، أو بما ينقضه في بنيته العميقة. وحين نقرأ خطاب “تقدم”، فإننا لا نواجه فقط ازدواجاً في المواقف، بل تناقضاً بنيوياً يكشف عن انشطار بين ظاهر الدعوى وباطن الممارسة. والمفارقة الكبرى هي أن ما تدعيه “تقدم” بالقول، هو ما ينقضه سلوكها العملي، بل ويثبت بطلانه دون حاجة إلى تفنيد خارجي!*
* *في خطاب “تقدم”، لا يُقرأ تصاعد جرائم الميليشيا بوصفه سبباً لرفضها، بل كذريعة لتعزيز شرعيتها التفاوضية.
* *الخطاب ذاته يعيد تعريف دلالة استباحة الميليشيا لبعض المناطق، فما هو في الواقع كارثة إنسانية للمواطنين، يُعاد تأويله لدى “تقدم” بوصفه إثباتاً لقوة الميليشيا، ولاستحالة هزيمتها. وبهذا يُنتزَع الفعل من سياقه الأخلاقي ويُدمج في سردية سياسية تبريرية. لا حاجة هنا للتنقيب عن النوايا، فالتصريحات نفسها تنقلنا من منطق “الردع بالعقوبة” إلى منطق “الخضوع بالقوة”، حيث تُقاس شرعية المجرم بقدرته على فرض شروطه. أي سيطرة الغلبة على الحجة، حين تتحول الاستباحة من جريمة إلى مسوِّغ تفاوضي!*
* *حين تتمسك “تقدم” بالتفاوض مع الميليشيا، فإنها تسقِط ــ ضمناً ــ ما تدعيه من سيطرة الإسلاميين على الدولة. لأن قبولها بالمفاوض الحكومي، يعني افتراضها أن لا مشكلة في تمثيله، وأنه ليس إسلامياً. وهذا نفي عمليّ لجوهر دعواها. فالخطاب هنا يهدم نفسه من داخله، لا من خارجه! أما إصرارها على أن مخرجات التفاوض يجب أن تتضمن محاربة الإسلاميين، فهو يحمل افتراضاً مضاعفاً: أن من سيوقع على تلك المخرجات إما أنه يشاركها العداء لخصومها، أو لا مانع لديه في جعلهم كبش فداء، وهذا يزيد في نسف دعواها!*
* *تبرير التفاوض مع الميليشيا بذرائع واقعية (تفادي دمار الدولة)، يتطلب “تعميماً” لهذا المنطق. أما حين تصرّ “تقدم” على أن يتضمن الحل المتفاوَض عليه محاربة الإسلاميين، فهي إما تنكر خطورة محاربتهم، أو تعترف بأنهم ليسوا خطراً موضوعياً، بل خصماً أيديولوجياً. وهنا ينهار خطابها بسبب تعارضه مع ذاته!*
* *تصريحات جعفر حسن حول تصنيف الميليشيا كجماعة إرهابية تكشف تناقضاً إضافياً. فهو يرى أن هذا التصنيف سيزيد الحرب اشتعالاً، وهذا يتضمن في داخله فكرة أن الميليشيا همجية وغير مسؤولة، فإن صُنِّفت فسيتضاعف إرهابها. لكنه في ذات الوقت يطالب بتصنيف خصومه الإسلاميين، دون أن يقلق من مآلات هذا التصنيف. فإما أن الإسلاميين في قناعته لا يمارسون إرهاباً، أو أنهم “إرهابيون مسؤولون” لن يضاعف التصنيف إرهابهم! وهذه مفارقة تقوّض خطابه، وتضعه في مأزق أخلاقي ومنطقي مزدوج!*
* *ينزع بعض أتباع “تقدم” للاستفادة من حالة التشيطن لدى الميليشيا في شيطنة خصومهم السياسيين، بحديثهم عن دورهم في صناعتها، لكن المفارقة أن قادتهم لا يفعلون هذا أبداً، لأنه يحمل طعناً في العلاقة بالميليشيا الآن، ويعاكس سعيهم لتطبيع وجودها، بل إن حديث هؤلاء القادة عن ماضي الميليشيا يحمل طابع الحديث عن شرعيتها كقوات نظامية يحكمها قانون، وقد ذهب محمد الفكي إلى أكثر من ذلك حين تحدث عن كفاءتها ودورها التكاملي ــ الذي لا غنىً عنه ــ مع بقية الأجهزة النظامية، وعن أن غيابها سينتح منه خلل كبير في المنظومة الأمنية، وعن أنهم “كقادة لللبلد لن يسمحوا بتدميرها”!*
* *خطاب “تقدم” لا يستطيع التوفيق بين روايتين متناقضتين: الأولى تبرر الحرب بالحديث عن وجود جذور لها متمثلة في “التهميش”، والثانية مناقضة تنفي وجود الدافع الحربي عند الميليشيا، وتؤكد أنها لم تشعل الحرب، لكنه مع ذلك يضعهما معاً في خدمة غاية واحدة: تبرئة الميليشيا وتحويل المسؤولية إلى خصومها. لكن الجمع بين التناقضين لا ينتج توازناً بل إلغاءً. فكل منهما يفرغ الآخر من مضمونه!*
إبراهيم عثمان
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
محافظ اللاذقية يطّلع على جهود إخماد الحرائق في ريف اللاذقية الشمالي
اللاذقية-سانا
زار محافظ اللاذقية محمد عثمان موقع الحرائق المندلعة بين قريتي السكرية والريحانية بريف اللاذقية الشمالي، للاطلاع على جهود فرق الإطفاء المشاركة بعمليات إخماد الحرائق.
والتقى عثمان الفرق المشاركة في عمليات الإطفاء، بما في ذلك عناصر الدفاع المدني، وغرفة العمليات المشتركة، وأشاد بالجهود المبذولة لاحتواء النيران، مؤكداً متابعته المستمرة واستعداده الكامل لدعم سرعة الاستجابة لأي طارئ، وتعزيز إجراءات السلامة في المناطق المتضررة.
تابعوا أخبار سانا على