رأي.. عمر حرقوص يكتب: حماس بعد الحرب… المتحول وموانعه
تاريخ النشر: 12th, August 2025 GMT
هذا المقال بقلم الصحفي والكاتب اللبناني عمر حرقوص*، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
محاولات مستمرة في المنطقة لوضع حرب غزة على مسار يؤدي إلى نهايتها، أو على الأقل هذا ما يتمناه الفلسطينيون ومعهم المفاوضون والمسؤولون العرب، فيما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يتحدث عن إعادة احتلال القطاع والسيطرة عليه للقضاء على حركة حماس.
مستقبل "الحركة" إذاً يبدو أنه مرتبط بنهاية الحرب التي تقترب من ختام عامها الثاني، إسرائيل تستعجل تحضيراتها لاحتلال القطاع، فيما البحث الإقليمي يذهب باتجاهات مختلفة منها الانخراط بالحياة السياسية وما يتطلبه ذلك من التزامات ترتبط بمنظمة التحرير، مقابل الاستمرار في العمل العسكري غير المتكافئ، وما يعني ذلك من استمرار للمقتلة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
دولياً، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه لا يعتقد أن حماس يجب أن تبقى في قطاع غزة، بينما يلمّح نتنياهو إلى أن الهدف من احتلال القطاع ليس فقط إنهاء جناحها العسكري، بل ربما منع عودتها حتى كفاعل سياسي. وفي المقابل، تتحرك الدبلوماسية العربية لوضع حل قابل للحياة — كما في اللقاء الأخير بين الملك الأردني وولي العهد السعودي — في محاولة لرسم ملامح مرحلة ما بعد الحرب.
عند النظر إلى تاريخ المنطقة والقضايا المرتبطة بالملف الفلسطيني أو غيره مثل القضية الكردية، نجد أن حركات مسلحة استطاعت الانتقال إلى العمل السياسي، لكن بشروط وظروف خاصة. مثلا حركة فتح التي تأسست عام 1959 كحركة مقاومة مسلحة، ثم حصلت على شرعية دولية عبر مسار طويل توّج في مؤتمر مدريد للسلام واتفاق أوسلو في التسعينات، رافقها إعلان التخلي عن العمل المسلح مقابل الاعتراف بها كممثل شرعي للفلسطينيين.
أما في لبنان فانتقل حزب الله المصنف إرهابياً على اللوائح الأمريكية والمدعوم من طهران من العمل العسكري فقط إلى الانخراط في الحياة السياسية واحتفظ بسلاحه تحت ذريعة مقاومة احتلال إسرائيل للجنوب اللبناني، ما أبقى على ازدواجية الدولة والسلاح، رغم الدستور الذي يؤكد على منع سلاح الميليشيات بالكامل.
وفي حالة حزب العمل الكردستاني، فهو تأسس عام 1978 بهدف إنشاء دولة كردية مستقلة في جنوب شرق تركيا وأجزاء من سوريا والعراق وإيران. ولكن الحزب وبتجربته التي وصلت إلى طريق مسدود وفق قادة فيه بدأ في الأشهر الأخيرة بالتخلي عن السلاح مقابل وعود ببدء عملية تفاوض مع السلطات التركية.
وفي حالة حركة حماس، فهي نشأت عام 1987 كحركة مقاومة مرتبطة فكرياً بالإخوان المسلمين، شاركت في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، وانقلبت على منظمة التحرير عام 2007 وطردتها من قطاع غزة بعد معركة قتلت فيها العشرات من عناصر حركة فتح، وواصلت العمل المسلح عبر جناحها العسكري، كتائب القسام. واليوم، تصنَّف الحركة كـ"منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة وأوروبا، ما يجعل أي مسار نحو شرعنة دورها السياسي أصعب بكثير.
أي دور مستقبلي لحماس يبدأ بخطوات تجاه الشعب الفلسطيني، مثل الانتقال من تلقي المبادرات ومناقشتها أو رفضها إلى طرح مبادرة خاصة بها قد تكون قاسية ولكنها ضرورية، مثل طرح تخليها عن السلاح، مقابل إعطاء الفلسطينيين حق العيش بأمان وحرية، وهذه الخطوة تفترض أيضاً تدخلاً عربياً سريعاً لاحتواء تفاقم الأمور بحال بدأت إسرائيل خطواتها لاحتلال للقطاع.
احتواء "حماس" يحتاج لشروط صعبة، منها إعلان وقف دائم للعمل المسلح وفك أي ارتباط عسكري مع الخارج، ومراجعة نقدية علنية لعملية 7 أكتوبر وتبعاتها الكارثية على الفلسطينيين، وتبنّي برنامج سياسي يتماشى مع قرارات الشرعية الدولية، ومعها الانخراط في مصالحة فلسطينية شاملة برعاية عربية.
ولكن مقابل أي تدخل عربي هناك المواقف الحالية لترامب ونتنياهو التي توحي بأن السيناريو الأقرب على المدى القصير هو استبعاد حماس من إدارة غزة، وربما السماح بهامش سياسي محدود خارجها إذا قبلت الحركة شروطاً قاسية قد تطرح لاحقاً.
أمام حركة حماس نماذج أخرى بعضها تخلى عن السلاح بالكامل وبعضها الآخر مدعو لتسليم سلاحه، فحركة فتح نموذج التحول الكامل نحو السياسة حيث حصلت عبر التفاوض على موطئ قدم للسلطة الفلسطينية. بينما هناك نموذج حزب الله الذي دمج بين السلاح والسياسة ويقف اليوم على مفترق طرق يدفعه للتخلي عن السلاح، أما حماس فهي أمام معادلة أصعب: إما مراجعة شاملة تؤدي إلى التحول إلى حزب سياسي منزوع السلاح، أو مواجهة خطر الإقصاء التام من المشهد الفلسطيني، أو لنقل إقصاء الفلسطينيين عن الأراضي الفلسطينية.
وفي ظل الضغط الإسرائيلي–الأمريكي، فإن مسار ما بعد الحرب سيتوقف على قدرة العرب على صياغة حل وسط يوازن بين استقرار غزة وحق الفلسطينيين في تمثيل سياسي شامل.
وتبقى سيناريوهات عدة محتملة لمستقبل حماس، أبرزها التحول إلى حزب سياسي منزوع السلاح، مندمج في مؤسسات منظمة التحرير، يتبنى برنامجاً سياسياً معتدلاً، وأمامه عقبة رفض أجنحة داخل الحركة وانعدام الثقة الإسرائيلية. أو الاحتفاظ بجناح سياسي محدود في الخارج، وتحجيم الدور العسكري، وأمام هذا الاقتراح استمرار التصنيف كمنظمة إرهابية.
إمكانية تحول حركة حماس إلى حزب سياسي منزوع السلاح بعد الحرب ليست مستحيلة نظرياً، لكنها مشروطة بأمور صعبة، أبرزها مراجعة جذرية لسلوكها وأهدافها، بما في ذلك الاعتراف بالضرر الكارثي لـ7 أكتوبر على الشعب الفلسطيني، وقبول إقليمي ودولي لدورها الجديد، وهذا يتطلب تغيير خطابها وأدواتها، وتسوية فلسطينية داخلية تسمح بدمجها في النظام السياسي، وهو ما يتطلب توافقاً مع فتح وبقية الفصائل.
*عمر حرقوص، صحفي، رئيس تحرير في قناة "الحرة" في دبي قبل إغلاقها، عمل في قناة "العربية" وتلفزيون "المستقبل" اللبناني، وفي عدة صحف ومواقع ودور نشر.
نشر الثلاثاء، 12 اغسطس / آب 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: حرکة حماس بعد الحرب عن السلاح
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شعبان يكتب: جحيم احتلال غزة بالكامل يلوح في الأفق.. هذه أخطاره
يسوّق رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، مجموعة من الأكاذيب الجديدة حول الوضع في غزة، زاعمًا أنهم لا يسعون إلى السيطرة عليه ككيان حاكم هناك، بل يريدون "تسليمها إلى قوات عربية" تضمن أمن إسرائيل، وتدير القطاع بشكل "صحيح"، وتوفر "حياة كريمة" لسكانه!
ما يقوله نتنياهو، لا يتعدى كونه طُعمًا يحاول تمريره إلى دول العالم، وحتى إلى الرأي العام الإسرائيلي، الذي يرفض فكرة احتلال غزة بالكامل، رغم أن الاحتلال يسيطر فعليًا حاليًا على نحو 75% من القطاع المحاصر. لذلك، يكذب نتنياهو مدّعيًا أن قواته ستدخل غزة لتحتلها مؤقتًا، بهدف إخراج حركة حماس وضمان هزيمتها، ثم الانسحاب بعد ذلك!
وهى كذبة لا تنطلي على طفل، هل يُعقل أن نتنياهو سيُسلّم غزة بعد إحكام السيطرة عليها؟ ولمن؟ لقوات عربية؟! لم يُحدد من هي تلك القوات، ولا توجد أي مؤشرات فعلية أو اتفاقات معلنة بشأن هويتها أو عددها. أي جيوش عربية ستقبل التورط في القطاع لتحرسه "خدمةً" لإسرائيل وضمانًا لأمنها؟!
تصريحات نتنياهو، تبدو كذبة مكشوفة حقيرة، هدفها تمرير خطة الاحتلال الكامل لغزة، والتضحية بمن تبقى من الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، واستمرار الحرب لأطول فترة ممكنة، لتأجيل الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 2026، وبقائه على رأس حكومة الاحتلال.
وعلى الرغم من التسليم الكامل بحق المقاومة الفلسطينية في التصدي للاحتلال وضربه وإيلامه، فإن الرد السياسي لحركة حماس حتى الآن يبدو مشجعًا لنتنياهو على مواصلة جرائمه. فالحركة، التي تؤكد تمسكها بالبقاء، لم تُظهر أي نية للخروج من المشهد. صحيح أنها أمّنت كوادرها داخل الأنفاق، لكنها فشلت تمامًا في تأمين حياة أكثر من 2 مليون فلسطيني، تُركوا فريسة للقتل والدمار والتجويع والانتقام الإسرائيلي بعد عملية 7 أكتوبر 2023.
ويبدو أن، قطاع غزة مقبل على جحيم أكبر، قد لا يتبقى منه شيء. كارثة الاحتلال الكامل ستكون وبالًا على الشعب الفلسطيني، كما ستكون وبالًا أيضًا على جنود الاحتلال، وهو ما حذر منه رئيس أركان جيش الاحتلال، إيال زامير بنفسه، ويرفض علنا حتى اللحظة فكرة الاحتلال الكامل للقطاع.
لكن الشعب الفلسطيني، وهو ما يهمّنا، سيدفع الثمن الأفدح، خصوصًا أن الاحتلال الكامل يبدو كمرحلة تمهيدية لما أعلنه نتنياهو صراحة: عن بدء عملية تهجير الفلسطينيين من القطاع خلال أسابيع، دون الإفصاح عن وجهتهم، أو الدول التي ستشارك في هذه الجريمة.
ويبقى الموقف المصري هو الأوضح والأقوى عربيًا. فمصر ترفض الإبادة، ومصر ترفض التهجير القسري للفلسطينيين، وترفض استمرار الحرب، وتواصل أداء دورها المحوري في جهود الوساطة. أما بقية الدول العربية، فقد اختفى بعضها من المشهد تمامًا، في حين البعض الآخر باع القضية.
جحيم غزة لا يعني أهلها فقط، بل هو قضية أمن قومي عربي يجري سحقه على يد الاحتلال، الذي ينفذ مشاريعه بلا رادع. كل ذلك يحدث دون أن تهتز جفون كثير من العواصم العربية، وكأن غزة تقع في كوكب آخر.
المطلوب اليوم.. ليس الدفاع عن أهالي غزة فقط، بل إفشال كل مشاريع الهيمنة الإسرائيلية – المدعومة بصمت وتواطؤ من إدارة ترامب – قبل أن نصل إلى لحظة الندم الجماعي، ونردد المقولة الشهيرة: "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض".