لجريدة عمان:
2025-05-11@07:25:34 GMT

الهامشيون

تاريخ النشر: 7th, May 2025 GMT

أتساءل دوما عن السبب الذي يجعلنا نشعر بالاحتراق بعد أيام مجهدة ومركّزة ولذيذة كأيام معرض الكتاب، أتساءل عن السبب الخفـي لذلك الاحتراق العطري للبان أرواحنا، لا احتراق العبل وحشائش المزرعة. لا ينقضي معرض الكتاب فـي كل نسخه التي تعهدته فـيها و«تخرّست» فـيه كما نقول بلهجتنا الدارجة؛ إلا ووجدتني أودع عزيزا حين ينقضي، كأنما أواري فلذة من فلذات كبدي أو حبيبا مخلصا.

قد يبدو المشهد شاعريا أو حزينا، لكن هذه الأيام التي تتيح لنا استراق الوقت للقيا الأحبة والصحاب الذين شتتنا السبل عنهم وفرّقتنا المعايش فـي بقاع عماننا الحبيبة أو خارجها، لا تشبهها أيام الأعياد حتى!.

يمثل لي معرض الكتاب بحواراته الهامشية وأناسه «الهامشيين» ألفة دافئة أتوق إليها كل حين. وكعادتنا الظالمة فـي التركيز على ما يقع فـي دائرة الضوء فحسب ونسيان الهامش الذي يصنع الحياة، ننسى الأحداث والناس الذين يحيون المعرض ويمنحون حياتنا المعنى والدفء والاستمرارية. فمن بائع الكتب الذي صار ملازما لدار بعينها واكتسب معرفة بالكتب والناس، إلى الحمّال الذي اعتدنا أن نتعامل معه فـي كل معرض، إلى الحارس الذي نختم اليوم بتبادل الطرف حول التأخير ووقت الخروج من المعرض، حياة فـي الهامش لكنها حياة تصنع تجربتنا فـي معرض الكتاب. فـي جلسة ليلية لطيفة قرب المزارع والحقول السمائلية، زرت صديقي العزيز وتجاذبنا أطراف الحديث. عن الطفولة، بيوت الطين، الأمهات وتضحياتهن، الآباء وحنانهم الممزوج بشيء من الصلابة وما يبدو كأنه غلظة، وعن الأناس الذين اعتدنا تسميتهم بالهامشيين. هؤلاء الناس الذين لا يعبأ بهم أهل القرية ولا يلقون لحضورهم وغيابهم بالا. فلا يدعونهم إلى موائدهم ولا يزورونهم ولا يسألون عنهم، بل يتعاملون معهم كما لو كانوا من ديكور المكان الذي يكمل الخلفـية والمشهد؛ كومبارس ليس له أهمية.

لكن هؤلاء الهامشيين، هم من نتذكرهم فـي طفولتنا حين نستعيد الذكريات الشفـيفة والأحداث الطريفة. نتذكر الرجل الذي كان يعيش وحيدا ولم يكن له زوجة أو أبناء، وكان يصر على الذهاب إلى المشفى لغسيل الكلى بسيارات الأجرة، كي لا يزعج جيرانه بمشاويره الصحية. بل كان يفعل ما هو أشد وأنبل، فقد كان -رغم كبر سنه وقلة ما فـي يده- يحمل معطرا للجو حيثما ذهب، وذلك لأنه ابتلي بقربة البول يحملها أينما ذهب، ويرش من معطر الجو حين يركب مع أحد أو يلتقي أحدهم!. حين رحل، لم يكن بجواره أحد، رحل كما نسمة باردة آتية من الحقول المبلولة فـي ليلية صيفـية صافـية.

استحضرنا ذكريات «عمو شنبو» أو كما يطلقون عليه «الشنبي»، وهو رجل ذو شارب كث وابتسامة لا تفارق محياه بتاتا، فلا نتذكره إلا بتلك الابتسامة الدائمة وتلك الطرف التي يلقيها على الصغير قبل الكبير. كان ينفق ماله فـي إطعام الأطفال فـي المدرسة، فـيوزع عليهم النقود فـي وقت الفسحة. وحين عضه الدهر بنواجذه، وأصابته العسرة؛ لم يتوقف عن فعل ما كان يقوم به، بل قام بجمع علب المشروبات الغازية المعدنية، وكان يبيعها ليحصل على بضع بيسات ينفقها على الأطفال ممن يصادفهم. يرى البعض تصرفات هؤلاء الناس كما لو أنها جنون أو خبال، ولكن الإنسان وما يبقى منه، هو سيرته العطرة وذكراه التي تنتقل من شفة لأخرى، فإما أن يُذكر بالخير والحمد، أو يطوى ذكره إلا فـيما فعله من شر.

يبتعد بعض العقلاء عن الضوء، ويختارون حياة بسيطة يسيرة، رغم مقدرتهم على عيش البديل لتلك الاختيارات أو نمط الحياة، فنسميهم بالهامشيين. ويفعل هؤلاء ما نراه حماقة أو ننبزه بأقذع الصفات والهمز واللمز والسخرية الفجة القاسية، بينما هم فـي الحقيقة أناس عرفوا لُبّ الحياة، وذاقوا لذة المعرفة الحقة بالحياة والناس، فاختاروا أن يكونوا المصباح المنير والشتلة الخضراء فـي وجه الصحراء. وكما قال العماني القديم ابن دريد

وَإِنَّمَا الْمَرْءُ حَدِيثٌ بَعْدَهُ

فَكُنْ حَدِيثًا حسنا لمن وعى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: معرض الکتاب

إقرأ أيضاً:

شنآن بين تجار "البازارات" ومالك عقار بالمنطقة السياحية بأكادير (فيديو)

يحدث منذ مدة شنآن كبير، وشد وجذب بين مالك عقار فندق بالمنطقة السياحية بأكادير، وتجار « البازارات » المكترين لمحلاتهم بممر « تافوكت » المطل على شارع 20 غشت، بعد تظلم هؤلاء من إحداث مالك العقار لأبواب حديدية بالممر، مما يؤثر بشكل سلبي على الرواج التجاري بمحلاتهم التجارية.

هذا الجدل أثير في الندوة الصحافية التي نظمتها جمعية أرباب « البازارات » وتجار منتوجات الصناعة التقليدية بأكادير مساء أمس الخميس، ردا على ما أسموه بتمادي مالك العقار في استفزازهم لدفعهم للخروج من محلاتهم المكتراة، وذلك بنية توسيع مشروعه السياحي على حساب محلاتهم، بدلا من الجلوس على طاولة الحوار مع التجار الذين تملكوا أصولهم التجارية منذ الثمانينيات.

وحسب محمد المعيار وهو عضو في الجمعية المهنية المذكورة، فإن التجار أصبحوا متضررين من غلق الممر المؤدي لمحلاتهم التجارية، رغم كونه المنفذ الأساسي للمارة منذ التسعينيات، يسلكه المواطنون الراغبون في الوصول إلى كورنيش المدينة أو من لهم نية التبضع من محلاتهم.

هاته العرقلة حسب تعبير المتحدث، نتيجة نصب أبواب حديدية بمدخل الممر، ووضع حراس أمن خاص يعمد بعضهم إلى منع التجار من إيصال سلعهم إلى المحلات.

ممثل التجار قال بأن عدد المحلات يناهز 160 محلا، حيث سيكون إغلاق هاته المحلات بمثابة سبب مباشر في تشريد أسر هؤلاء التجار الذين أصبحوا مستعدين للخروج للاحتجاج، إثر استنفادهم لجميع محاولات التواصل مع الجهات المسؤولة، ومراسلة السلطات ومصالح الجماعة الترابية دون أي نتيجة.

كلمات دلالية اكادير الشرطة الادارية المغرب المنطقة السياحية جماعة اكادير سياحة ممر تافوكت

مقالات مشابهة

  • حاكم العاصمة الأرجنتينية: جناح “الشؤون الإسلامية” في معرض الكتاب يعكس وجه المملكة الحضاري
  • وفد برئاسة نقيب الكتاب يزور الروائي الكبير صنع الله إبراهيم في مستشفى معهد ناصر
  • مفاجآت وبالاسم.. كريستيانو رونالدو يطالب برحيل هؤلاء اللاعبين من النصر كريستيانو
  • في الميناء وطرابلس.. القوات تدعم هؤلاء
  • من ظهر السبت حتى الاثنين... يُمنع هؤلاء من السير في محافظتَي لبنان الشمالي وعكّار!
  • شنآن بين تجار "البازارات" ومالك عقار بالمنطقة السياحية بأكادير (فيديو)
  • مداهمات في الشمال.. هؤلاء سقطوا في قبضة الجيش
  • شارع المتنبي.. مخاوف الأفول بضياع الكتاب والقارئ ومكتبات خجولة في القيصيرات
  • جمعية القصة والرواية في اتحاد الكتاب تستعيد نصوصاً قديمة عن مآسي العهد البائد
  • خالد بيبو يكشف المستور: كولر ظلم هؤلاء النجوم.. وكنتُ الدرع الذي يحميه من الغضب الجماهيري