منذ عام 2016، شهد الاقتصاد المصري ثلاث موجات من تعويم الجنيه، تزامنت كل منها مع تحولات جذرية في القطاع العقاري، حيث نجح كبار المستثمرين -أو ما يُطلق عليهم "أباطرة العقارات"- في تحويل الأزمات النقدية إلى فرص استثمارية غير مسبوقة. اليوم، ومع تصاعد الضغوط على العملة المحلية، تُشير التوقعات إلى موجة تعويم رابعة للجنيه بحلول نهاية 2025 أو مطلع 2026، مدفوعة باتساع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق الموازي، في ظل استمرار تلاعب النخبة العقارية بآليات السوق.



تُسلط هذه المقالة الضوء على استراتيجيات هؤلاء الأباطرة في استغلال فروق الصرف، وتحذيرات من انفجار فقاعة عقارية قد تُعيد رسم خريطة الاقتصاد.

تحويل القروض إلى دولارات: اللعبة التي لا تنتهي

اعتمدت شركات التطوير العقاري الكبرى آلية جهنمية ثلاثية المراحل لجني أرباح طائلة: أولها، الحصول على قروض محلية بالجنيه المصري بفائدة مدعومة لا تتجاوز 5 في المئة عبر استغلال الثغرات القانونية (مِن خلال شركات وهمية تُنشَأ بأسماء شركات صناعية أو خدمية لا تُساهم في الاقتصاد الحقيقي)، وثانيها، تحويل تلك القروض من الجنيه إلى الدولار عبر تسهيلات من النظام، وثالثها، تسعير الوحدات العقارية بالدولار، استعدادا لموجة تعويم جديدة يُتوقع أن ترفع سعر الدولار إلى 60-65 جنيها.

وقد حقق هذا النموذج أرباحا خيالية في السابق: فكل جنيه واحد مصري تأخذه تلك الشركات في شكل قرض؛ ينتج ربحا صافيا يقارب 57 جنيها حتى نهاية دورة القرض -حسب دراسة للمركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام (تكامل مصر)- وهو ما يساوي نسبة أرباح 5700 في المئة.

التعويم القادم وقاطرة التسويق العقاري

بات التعويم المُتوقع أداة تسويقية للوحدات الفاخرة، حيث خلَّف التعويم الأخير -وفق إحصائيات مركز "تكامل مصر"- نتائجَ مقلقة، فقد ارتفع الطلب بنسبة 40 في المئة على الوحدات المُسعَّرة بالدولار في الساحل الشمالي منذ مطلع 2025، رغم تراجع القوة الشرائية للمواطن العادي. وهناك توقعات بارتفاع سعر المتر في العاصمة الإدارية إلى 60 ألف جنيه (ما يعادل 1170 دولارا) في نهاية 2025، بعد أن كان 9 آلاف جنيه عام 2020، بالإضافة إلى تحوُّل 75 في المئة من مبيعات المدن الجديدة إلى المغتربين الذين يشترون بالدولار، وفق أحدث البيانات.

أرباح طائلة.. وفواتير اجتماعية باهظة

رغم تحقيق السوق العقاري أرباحا قياسية (تُقدَّر بنحو 43.6 مليار دولار بنهاية 2025)، فإن التداعيات تنذر بكارثة:

1- فقاعة عقارية: تُقدِّر دراسة لمركز "تكامل مصر" أن أسعار الوحدات السكنية تزيد عن قيمتها الحقيقية بنسبة 81 في المئة، مع وجود أكثر من مليون و800 ألف وحدة خالية غير مُشغَّلة.

2- اختفاء الطبقة المتوسطة: تراجعت حصة الإسكان المتوسط من 55 في المئة إلى 20 في المئة منذ 2016، بينما يعجز 88 في المئة من الشباب تحت سن 35 عاما عن شراء شقة.

3- انهيار المقاولين الصغار: أعلنت 3 آلاف شركة مقاولات إفلاسها منذ 2020، وفق إحصاءات المركز.

التعويم الرابع: بين أرباح الأباطرة وانهيار الطبقة الوسطى

التعويم المُنتظر -دون ضوابط حقيقية- سيعمق الأزمة، إذ ستعمد الشركات الكبرى (بدعمٍ من النظام) إلى سحب قروض جديدة لتحويلها إلى دولار، مما يزيد الضغط على الاحتياطي النقدي ويرفع الأسعار المحلية بنسبة 50 في المئة. وفي حين تُعلن الحكومة أن التعويم قد يكون جزءا من حزمة إنقاذ مع صندوق النقد الدولي، فإن الواقع يؤكد أن المواطن العادي سيُدفع مرة أخرى لتحمُّل فاتورة الأرباح العقارية.

لماذا يدعم النظام شركات العقارات الكبرى؟

قد يظن البعض أن النظام بمعزلٍ عن تداعيات السوق العقاري، لكن العكس هو الصحيح. فالنظام -عبر شركاته- في قلب هذه الدائرة، إذ يُعتبر أكبر مستثمر عقاري في مصر. فمن العاصمة الإدارية إلى رأس الحكمة والضبعة الجديدة، وحتى مشروعات إسكان الشباب (التي تُباع بأضعاف تكلفتها الحقيقية)، ينهل النظام من كعكة الفساد العقاري، حيث تُوزَّع أكثر من 30 في المئة من إيرادات المشروعات كعمولات لرجال النظام، بالإضافة إلى الأرباح التي يجنونها عبر شركات وهمية تُنشَأ بأسماء أقاربهم، وتفوز بمناقصات الإنشاء الحكومية بالأمر المباشر، ثم تُسند الأعمال إلى مقاولي الباطن مقابل 50 في المئة من التكلفة الدفترية.

هل نستطيع إنقاذ ما تبقى قبل فوات الأوان؟

التعويم المقبل ليس مجرد قرار نقدي، بل اختبارٌ لمدى عدالة النظام الاقتصادي. فبدلا من ضخ القروض المليارية في جيوب "أباطرة العقارات"، يتطلب الوضع: أولا دعم الصناديق العقارية المُنظمة لتمويل الإسكان الاجتماعي، وثانيا، فرض ضرائب تصاعدية على الوحدات الفاخرة، وثالثا، إطلاق برامج إسكان تشاركي مدعومة بشكل حقيقي من الدولة، وإلا فإن التعويم الرابع سيدفن أحلام جيلٍ كامل في الحصول على سكنٍ آدمي.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء المصري تعويم الجنيه استثمارية مصر استثمار الجنيه تعويم قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المئة من

إقرأ أيضاً:

إحالة مالك محل للمحاكمة بتهمة النصب على المواطنين فى 15 مايو

قررت نيابة 15 مايو، إحالة مالك محل للمحاكمة أمام محكمة الجنح، بتهمة النصب على المواطنين والاستيلاء على أموالهم بحجة استثمارات مقابل أرباح شهرية.


وألقت أجهزة الأمن القبض على مالك محل، لاتهامه بالاستيلاء على مبالغ مالية من المواطنين بحجة استثمارها، مقابل أرباح شهرية.

 

فى إطار كشف ملابسات ما تبلغ لقسم شرطة 15 مايو بمديرية أمن القاهرة، من عدد من الأشخاص بتضررهم من (مالك محل – مقيم بدائرة قسم شرطة المقطم) لقيامه بالنصب والاحتيال عليهم، والاستيلاء منهم على مبالغ مالية بدعوى استثمارها لهم مقابل أرباح مالية، إلا أنه قام بغلق هاتفه وترك محل سكنه.

 

بالفحص أمكن ضبط المشكو فى حقه، وبمواجهته أقر بارتكابه الواقعة، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية.




مشاركة

مقالات مشابهة

  • رئيس بلدية بقاعصفرين: قرار القاضي العقاري حول القرنة السوداء يتناقض مع الوثائق والمعطيات
  • الصمد: القرار العقاري حول القرنة السوداء إعدادي
  • أرباح البنوك الأوروبية مهددة بالتآكل إذا طبقت رسوم ترامب
  • إنتاج قياسي لشركة نفط تركية.. وتحقيق أرباح ضخمة
  • إحالة مالك محل للمحاكمة بتهمة النصب على المواطنين فى 15 مايو
  • خلال فعاليات قمة مصر للأفضل.. «طلعت مصطفى» تتصدر قائمة أقوى 100 شركة في مصر.. وتحصد جائزة المطور العقاري الأول لعام 2025
  • اتحاد شركات التأمين المصرية يفتح باب الترشح لعضوية مجلس الإدارة
  • داكر عبد الله يكشف تأثير الصراعات الدائرة بالمنطقة على القطاع العقاري
  • 20 مليار ريال أصول "جهاز الاستثمار".. و1.5 مليار أرباح 2024
  • الرقابة المالية تعتمد النظام الأساسي لاتحاد شركات التأمين المصرية