محاصرة بالحرب والفيضان.. من يُنقذ جزيرة توتي السودانية؟
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
بعد 4 أشهر قضتها تحت نيران الحرب استطاعت إيناس عرابي الخروج من جزيرة توتي التي تتوسط مدن العاصمة السودانية ووصلت إلى مدينة ود مدني وسط البلاد في رحلة نزوح قاسية واجهت خلالها شبح الموت إلى جانب استنزاف مالي كبير.
وتروي إيناس لموقع “سكاي نيوز عربية” فصلا من مآسي تراجيدية يعيشها السكان الذين تركتهم خلفها، فما يزال الجسر الوحيد الذي يربط الجزيرة ببقية مدن العاصمة السودانية مغلقاً أمام حركة المارة مما خلق نقص في السلع الرئيسية وانعدام الخدمات الصحية إذ لا يوجد مشفى أو مركز طبي بتوتي في الوقت الراهن.
وإلى جانب نيران الحرب المشتعلة في جميع اتجاهاتها، باتت جزيرة توتي تواجه شبح الغرق مع حلول موسم فيضان النيل والذي يبلغ ذروته في شهر سبتمبر من كل عام وهو ما يزيد القلق على سكانها.
وتتوسط الجزيرة مدن العاصمة السودانية الثلاث، الخرطوم، بحري، أم درمان ويطل الجزء الجنوبي منها على القصر الرئاسي وتفصلها منه بضع مترات وهي عرض مجرى نهر النيل الأزرق، بينما يحدها من الناحية الغربية مجمع السلاح الطبي التابع للجيش ومن الشمال حلة حمد، وجميعها أماكن ملتهبة بالمعارك العسكرية.
وتتميز توتي التي تبلغ مساحتها نحو 990 ويسكنها حوالي 20 ألف شخص، بمناظرها الطبيعية الخلابة وكانت الوجهة المحببة للسودانيين للاستجمام على مياه النيل وقضاء أوقات ممتعة.
ورغم قربها من مركز العاصمة السودانية إلا أن الجزيرة تحمل طابع الحياة الريفية البسيطة، كما لدى سكانها طبيعة خاصة جعلتهم يرتبطون بها وجدانياً لحد بعيد فمن المستحيل أن يحتملوا العيش خارجها، وهو ما جعل الآلاف يقبعون داخلها حتى الآن رغم المخاطر المحيطة بها.
ويقول يوسف بشير، أحد سكان جزيرة توتي لموقع “سكاي نيوز عربية” “النيران تحيط بتوتي من كل الاتجاه، وقد تحول الجزء الجنوبي المقابل للقصر الرئاسي إلى ثكنة عسكرية مما اضطر سكانه لمغادرته، بينما لا يزال الجانب الشمالي والشرقي مليء بالسكان الذين فضلوا البقاء في ظل معاناة بالغة”.
ويضيف: “أصبح السكان يعتمدون على المراكب والقوارب عبر منفذ نيلي وحيد يؤدي إلى مدينة بحري للمغادرة النهائية أو بغرض الحصول على المواد الغذائية والاحتياجات الحياتية ومن ثم العودة مجدداً”.
ويشير إلى أن قوات الدعم السريع التي تفرض سيطرتها على الجزيرة قامت بتعيين أحد منسوبيها “عُمدة” على توتي يتولى مهمة إصدار تصاريح مرور ورقية للسكان الراغبين في الخروج من الجزيرة والعودة اليها، وذلك بهدف تسهيل حركتهم وحتى لا يتعرضون لمضايقات في الدوريات العسكرية التابعة لها.
ويتخوف بشير من تأثير واسع على الجزيرة خلال موسم الفيضان الحالي حيث لم يتم عمل التدابير الاحترازية التي يقوم بها السكان في كل عام لمنع تسلل المياه إلى المنازل والمناطق السكنية.
وكان برنامج الأمم المتحدة للحد من المخاطر والكوارث قد اختار في العام 2015 جزيرة توتي ضمن أفضل 8 مناطق على مستوى العالم في استخدام المهارات التقليدية والثقافة المحلية للحد من مخاطر الفيضانات.
ورغم المخاطر يتمسك السكان بالبقاء في جزيرة توتي، وتقول إيناس عرابي “والدتي ترفض مغادرة الجزيرة فهي تخشى من أن تذهب إلى وضع غير محسوب في الولايات ومتخوفة من النزوح ومآلاته غير المحسوبة”.
وتضيف: “في كل يوم تزداد تعقيدات الخروج من الجزيرة، لقد استغلنا مركباً بمبلغ مالي عالي ووصلنا إلى الضفة الأخرى في مدينة بحري وتوجهنا جنوبا، كنا خائفين نظراً للانتشار العسكري الكثيف والتفتيش الدقيق”.
وتابعت: “وصلنا إلى السوق المركزي شمبات ومنها إلى منطقة حطاب أقصى شمال العاصمة السودانية، ومن ثم التوجه جنوبا مجددا عبر طريق دائري مؤدي إلى ولاية الجزيرة وسط البلاد، وكانت رحلة شاقة أنفقت خلالها مبالغ طائلة نظير أجرة السيارة فضلاً عن الأذى النفسي جراء مشاعر الرعب والخوف التي لازمتني”.
وأشارت إلى أن جزيرة توتي وصلت مرحلة انعدام المواد الغذائية حتى ملح الطعام خلال الفترة الماضية، قبل أن يتم فتح المنفذ النيلي وصار السكان يحصلون على احتياجاتهم من مدينة بحري، لكن المخاطر تبقى قائمة في ظل احتدام المعارك العسكرية في كافة اتجاهاتها.
سكاي نيوز عربية
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: العاصمة السودانیة
إقرأ أيضاً:
الجزيرة نت ترصد حالات سوء التغذية بين أطفال غزة
غزة – تنشغل أخصائية التغذية سوزان معروف بفحص عشرات الأطفال الذين وصلوا مستشفى أصدقاء المريض في مدينة غزة للاشتباه بإصابتهم بمضاعفات سوء التغذية، بعد أن ظهرت عليهم أعراض الهزال ونقص الوزن، حيث تمنع إسرائيل منذ بداية مارس/آذار الماضي دخول الغذاء والدواء لسكان قطاع غزة.
وينتظر الآباء والأمهات في طابور طويل للاطمئنان على صحة أطفالهم التي شهدت انتكاسة بسبب فقدانهم الغذاء الصحي، وغياب الفواكه والخضراوات واللحوم ومشتقات الألبان من الأسواق، في وقت تصاعدت فيه تحذيرات هيئات محلية ودولية متخصصة في رعاية الأطفال من كارثة وشيكة تطال ما يزيد عن 70 ألف طفل في غزة.
على سرير الفحص، تظهر أجساد أطفال دون الخمس سنين نحيلة جدا، بعدما تطورت الأعراض على عدد منهم ولم تعد تقوى أقدامهم على حملهم.
المرض ومضاعفاتهتقول الأخصائية سوزان معروف، للجزيرة نت، إن إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر زاد علامات سوء التغذية لدى الأطفال في غزة، وتزايدت أعداد المرتادين للقسم الذي استحدثه مستشفى أصدقاء المريض في يونيو/حزيران الماضي، لمتابعة الحالة الصحية للأطفال الذين يتعرضون للتجويع.
وأكدت أن أعراض سوء التغذية انتقلت بحالات كثيرة من المرحلة البسيطة إلى المتوسطة، ووصلت إلى الحادة لبعضهم، الذين يعانون نقصا شديدا في الوزن وضعفا في الحركة وهزال الجسم، واصفرار البشرة، وتكسر الأظافر.
إعلانوتجتهد سوزان لمنح الأطفال ما تبقى لدى المستشفى من مكملات غذائية، بعدما نفد البسكويت عالي الطاقة، وأوشك مخزون الحليب الذي كانت تعتمد عليه في العلاج على النفاد، مما يُصعِّب مهمتها.
وتقول سوزان إن عدم توفر الغذاء الصحي وغياب العلاج اللازم للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية يؤخر شفاءهم، ما ينذر بمزيد من المضاعفات التي تلاحق أجسادهم الهزيلة، وتضيف أن نسبة سوء التغذية ارتفعت لدى الأطفال لأكثر من 10% في الأيام الأخيرة.
ولفتت المختصة الغذائية إلى أن الأطفال دون الخمس سنوات من الفئات الهشة، وتكمن أهمية هذه المرحلة العمرية في بناء أجسادهم للمستقبل، لكن فقدان العناصر الغذائية من فيتامينات وبروتينات يمنع نموهم بشكل سليم.
وحذرت من أن استمرار إغلاق معابر قطاع غزة سيزيد من تدهور صحة الأطفال بشكل مخيف، ويخطر بانتشار المزيد من الأمراض بسرعة، وارتفاع معدلات سوء التغذية.
محاولة الإنقاذوعلى أسرَّة المرض داخل القسم المخصص من المستشفى ذاته، ترقد أجساد صغيرة يسيطر عليها الهزال الشديد، لتلقي العلاج الذي يساعدهم على استعادة عافيتهم.
تقول والدة الطفلة سهام -التي أتمت عامها الأول وهي تتنقل من مستشفى لآخر بحثا عن الرعاية- "بعد شهرين من ولادتها بدأت تظهر علامات تردي وضعها الصحي، حتى قرَّر الأطباء إخضاعها للمتابعة داخل المستشفى بسبب تدهور حالتها".
ويظهر الاصفرار جليا على وجه الرضيعة الشاحب، والتي ترفض تناول أيا من الطعام المعلب الشحيح أصلا في الأسواق، ما يبقيها نائمة لساعات طويلة، في ظل غياب الغذاء الصحي الذي يساعدها على الشفاء.
وعلى سرير مجاور تبدو علامات المرض على الطفلة سلام (7 سنوات)، التي لم تعد تقوى على المشي بعد أن انتفخت قدماها، وأصابها الهزال، حتى اكتشف الأطباء أن السبب يعود لنقص البروتين، وباشروا بتقديم العلاج والمدعِّمات الغذائية حتى تستعيد وزنها.
وتحرص الطواقم الطبية على تقديم العلاج بانتظام للطفلة الرضيعة سلام، للتغلّب على انخفاض الوزن الشديد الذي أدى لضعف شديد في يديها وقدميها.
ويشرح طبيب الأطفال محمد أبو شمالة السبب الرئيس لسوء التغذية قائلا إنه يكمن في نقص الكمية المطلوبة من السعرات الحرارية التي يتناولها الأطفال لقلة الغذاء المتوفر في غزة.
إعلانوعبّر أبو شمالة، في حديثه للجزيرة نت، عن خشيته على حياة الأطفال دون الخامسة، لأن سوء التغذية يؤثر على نموهم مستقبلا، وقد يصيبهم بأمراض في أوقات لاحقة من أعمارهم.
وتعمل أقسام سوء التغذية في مشافي غزة وفق المعايير التي وضعتها منظمة الصحة العالمية من خلال قياس الوزن والطول وحجم الذراع، وعليه، يتم التعامل مع الأطفال الذين يحتاجون الرعاية، سواء بالمتابعة الميدانية أو بمبيتهم داخل المستشفيات حال كانوا يعانون من سوء تغذية حاد.
وأكد الطبيب أبو شمالة أن سوء التغذية انتشر بين جميع الفئات العمرية بسبب قلة الموارد الغذائية، محذرا من زيادته والتسبب بمضاعفات أكبر على الأطفال والتأثير على مناعتهم حال استمرار إغلاق المعابر.
ولفت إلى أن المكمِّلات الغذائية التي يقدمها الأطباء كبديل عن الخضراوات والفواكه والغذاء الصحي للمصابين بسوء التغذية لم تعد موجودة، والأدوية نفدت من جميع المستشفيات، ما يعيق تعافي الحالات المرضية، وحذر من أن استمرار الأوضاع على هذا الحال ربما يؤدي لوفاة المزيد من الأطفال.
بانتظار الموت
وحسب آخر إحصائية صادرة عن الجهات الحكومية في غزة، فإن 65 ألف طفل معرضون للموت بسبب سوء التغذية، وذلك بعد إعلان وزارة الصحة -في وقت سابق- ارتفاع عدد الوفيات نتيجة سوء التغذية إلى 57 طفلا.
وحذر تقرير مشترك صادر عن صندوق الأمم المتحدة للأطفال "اليونيسيف" وبرنامج الغذاء العالمي من كارثة وشيكة، إذ يواجه 71 ألف طفل وأكثر من 17 ألف أُم خطر سوء التغذية، ويحتاجون لعلاج عاجل.
وقال التقرير إن مبادرة التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي توصلت إلى أن 470 ألف شخص في غزة يواجهون الجوع، كما أن جميع السكان يعانون انعداما شديدا في الأمن الغذائي.
وحثت المنظمتان الدوليتان جميع الأطراف على تلبية احتياجات المدنيين والسماح للمساعدات بدخول غزة فورا، والوفاء بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي الإنساني.
إعلان