عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، صدرت طبعة جديدة من الكتاب الشهير «فن الحرب» الذي وضعه في القرن السادس قبل الميلاد القائد العسكري الصيني والمفكر الاستراتيجي سون تزو، إذ تعد تلك الطبعة أول ترجمة كاملة ودقيقة عن الصينية مباشرة، وليس عن لغات وسيطة.
ويعد الكتاب أقدم المؤلفات العسكرية والاستراتيجية في التاريخ وأول محاولة معروفة لإقامة نظرية منهجية للتخطيط العسكري تصلح لإعداد وتدريب القادة العسكريين على الانتصار في الحروب.
وما زال الكتاب يحظى بالاحترام والتقدير في العالم كله نظراً لصلاحية مبادئه وملاحظاته للتطبيق حتى يومنا هذا، فرغم أنه ظهر للنور قبل 2500 عام فإنه أصبح جزءاً من اختبارات القبول في الكليات العسكرية بدول عديدة.
اللافت في «فن الحرب» أحد أشهر الكلاسيكيات الصينية على الإطلاق، أنه تعرض لتشويه كبير في معظم ترجماته. لم يُترجم عن اللغة الصينية مباشرة، بل عبر لغات وسيطة، أشهرها النسخة الفرنسية التي أنجزها الأب جان ماري أميوت وهي ترجمة تقريرية تشبه «الملخص» للكتاب. وعليها اعتمدت معظم الترجمات سواء الإنجليزية أو الألمانية أو العربية.
وللقارئ أن يتخيل مقدار التشوه الذي طال الكتاب فضلاً عن الزيادات التي ليست من أصله، لذا فإن من مميزات تلك الطبعة الجديدة أنها اعتمدت على نسخة «دار النشر للعلوم العسكرية الصينية» التي ترجمها فريق من الخبراء الصينيين المتخصصين ممن هم على درجة عالية من فهم اللغة العربية والإحاطة بها، وبطبيعة الحال الإلمام والدراية التامة باللغة الصينية وثقافتها. وقد أسهمت هذه العوامل في خروج الكتاب على أقرب ما يكون من المعنى الذي أراده المؤلف متلافية النقص والسقط والزيادات التي طالت النسخ الأخرى.
يقول سون تسي في كتابه الشهير إن فن الحرب مسألة ذات أهمية حيوية بالنسبة للدول، فهي تتعلق بحياة أفراد الجيش والشعب وموتهم، وأيضاً هي الطريق إلى بقاء الدولة أو هلاكها لذا لا بد من إجراء دراسات وبحوث جادة حولها.
ويشير إلى أن هذا الفن تتحكم فيه خمسة عوامل ثابتة تتمثل في السياسة والسماء والأرض والقائد والنظام، فالسياسة هي جعل الناس على وئام تام مع حاكمهم فيسيرون وراءه غير عابئين بما يهدد حياتهم من مخاطر، في حين أن السماء تشير إلى تأثير الليل والنهار والصفاء والمطر والبرد والحرارة وتغير المواسم.
وتعني الأرض ساحة القتال، وهي تشمل التلال والأودية والمسافات، بعيدة أم قريبة، والطرق، خطيرة أم آمنة، ضيقة أم واسعة، صالحة للحياة أم مهددة بالموت حسب تضاريس الأرض. ويجب أن يجسد القائد مناقب الحكمة والإخلاص والرحمة والشجاعة والصرامة، أما النظام فيعني تنظيم الجيش في تشكيلات مناسبة وتوزيع الرتب بصورة عادلة والسيطرة القوية على إدارة الإمدادات. ويشدد المفكر الصيني على هذه العوامل الخمسة قائلاً: «يجب أن يطلع عليها كل قائد، فمن فهمها كان النصر حليفه ومن لم يفهمها باء بالفشل».
كما يؤكد سون تسي على أن الحرب تقوم على الخداع، لذلك يجب أن نبدو عاجزين إذا ما كنا قادرين على الهجوم. ويجب أن نبدو متراخين إذا ما أردنا استخدام القوة، ويجب أن نوهم العدو أننا بعيدون عنه إذا ما اقتربنا منه. وإذا كان العدو يرغب في الحصول على فائدة فلنقدم طعماً لإغرائه. وإذ اختلط الحابل بالنابل في أوضاعه نهاجمه باغتنام الفرصة، وإذا كان على استعداد تام فلنركز اهتمامنا بالدفاع عن أنفسنا. وإذا كانت معنوياته عالية فلنزعجه، وإذا كان حذراً في العملية فلنجعله متغطرساً. وإذا كان متحداً داخلياً فلنغرس بذور الشقاق بين صفوفه. يجب أن نهاجم العدو من نقطة ضعفه الدفاعية ونفاجئه بتوقيت هجومنا عليه ومكانه. هذه هي البراعة التي يجب أن يتمتع به الاستراتيجي العسكري في العمليات الميدانية، وأيضاً هي السر في كسب النصر، الذي لا يمكن إفشاؤه قبل ربح المعركة مهما حدث.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
بلطجة أمريكية تُهدِّد القانون الدولي
عباس المسكري
في سابقة خطيرة تُهدد مبادئ السيادة والقانون الدولي، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ملوّحًا باغتيال قائد دولة ذات سيادة، ومثل هذه التصريحات لا يجب أن تمُر مرور الكرام؛ فهي تتجاوز حدود السياسة إلى منطق الاغتيال والبلطجة الدولية، وأمام هذا المشهد، يصبح الصمت تواطؤًا، والموقف الواضح ضرورة أخلاقية وقانونية.
وإذا قبلت الدول بصمت أو رضًا تصريحات ترامب التي يُهدد فيها باغتيال المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي، فعليها أن تُدرك أنَّها تُشرعن سابقة خطيرة وتهدم ما تبقى من أسس القانون الدولي.
من هو ترامب ليقرر من يُقتل ومن يُبقى؟ هل نصّب نفسه الحاكم الشرعي للعالم؟ وهل أصبحت سيادة الدول تُمحى بتغريدة أو تهديد؟
إنَّ مثل هذه التصريحات تستوجب تنديدًا دوليًا واضحًا، لا من باب الاصطفاف السياسي، بل من باب المبدأ والعدالة؛ لأن السكوت اليوم يعني القبول بمنطق الاغتيال كوسيلة لإسكات المخالفين، ويمنح أمثال ترامب رخصة ليُمارسوا البلطجة السياسية تحت غطاء الصمت العالمي.
وإذا كان العالم يرضخ لهذا المنطق، فليعلم أنه يفتح الباب أمام اغتيال كل من يقول "لا" لهيمنة القوة، وكل من يختار أن يكون حرًا في قراره، وإذا كانت الدول الغربية جاثية على ركبها لترامب، فنحن كعرب كرامتنا لا تسمح بذلك، فمن المفترض أن تكون هناك إدانة واضحة وصريحة من جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الإسلامي، تأكيدًا على رفضنا القاطع لهذا الانتهاك الفاضح لمبادئ السيادة والقانون الدولي، وتجسيدًا لوحدة موقفنا في مواجهة مثل هذه البلطجة الأمريكية.
كما يجب ألا يقتصر هذا الموقف على بيانات الإدانة فقط؛ بل ينبغي أن يتحول إلى عمل مشترك وحاسم عبر خطوات دبلوماسية فعلية، وضغوط مُتواصلة في المحافل الدولية، تعزز من موقفنا وتردع مثل هذه التجاوزات الخطيرة، مؤكدين بذلك أنَّ حماية السيادة والكرامة هي مسؤولية جماعية تتطلب تضامنًا واستراتيجية واضحة.