افتحوا النوافذ.. أضمن لكم نهاية البكتيريا في المستشفيات
تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT
إسماعيل بن شهاب البلوشي
لطالما كان تلوث الهواء أحد أكبر الأخطار الصحية التي تواجه البشر، إلا أن أغلب الناس لا يدركون مدى فتكه مقارنة بتلوث المياه. والسبب بسيط: نحن بطبيعتنا نميل إلى تصديق ما تراه أعيننا، ونتجاهل أو نقلل من شأن ما لا نراه، رغم أنه قد يكون أكثر خطورة وتهديدًا لحياتنا. فالماء حين يتعكر أو يتغير لونه، تدق أجراس الخطر فورًا، وتبدأ ردود الفعل.
لو افترضنا أن كوبًا من الماء تُرك مكشوفًا في مكان عام ليوم واحد، سنجد فيه لاحقًا ما يثير الاشمئزاز من الأوساخ والجراثيم وربما الحشرات الدقيقة. لكن ماذا عن الهواء الذي نتنفسه كل ثانية؟ إنه يحمل في طياته كميات هائلة من الملوثات، والغبار، والبكتيريا، والفيروسات. والأخطر من ذلك أنه قد يتحول إلى ناقل نشط للأمراض، خاصة في الأماكن المغلقة، كالمدارس، والمكاتب، وبشكل خاص المستشفيات.
هواء المستشفيات: ناقل صامت للعدوى
المستشفيات من المفترض أن تكون بيئة نظيفة، صحية، وآمنة. لكنها في كثير من الأحيان تتحول إلى مصدر لنقل العدوى، ليس بسبب سوء التعقيم أو ضعف الطواقم الطبية، وإنما بسبب إهمال عنصر بالغ الأهمية: تجديد الهواء. ففي بعض المستشفيات، لا تُفتح النوافذ أبدًا، وربما منذ اليوم الأول للافتتاح. بينما يتوافد إليها يوميًا العشرات، إن لم يكن المئات، من المرضى والزوار والعاملين. وكل من يدخل المستشفى، يضيف جزءًا من الملوثات التي يحملها في رئتيه، على ملابسه، في زفيره، أو على جلده. ومع مرور الوقت، يصبح الهواء خانقًا، مشبعًا بالبكتيريا التي تتكاثر بلا رقيب، وبالجراثيم التي تجد لها بيئة مثالية لتعيش وتتحور.
هل نتساءل أحيانًا: لماذا تتزايد حالات الإصابة بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية؟ لماذا نرى أشخاصًا دخلوا المستشفى لعلاج بسيط، فخرجوا بمضاعفات معقدة وعدوى لم تكن في الحسبان؟ الجواب في جزء كبير منه يعود إلى الهواء.
فتح النوافذ: حل بسيط.. لكنه فعّال
ما الحل؟ لست هنا لأعرض تقنية معقدة أو جهازًا باهظ الثمن. كل ما أقترحه هو أمر بسيط جدًا، لكنه مهمل تمامًا: فتح النوافذ. الأفضل بكثير عمل مراوح سحب للهواء يقابلها نوافذ كبيرة ومغلقة بمرشح يمنع دخول الغبار وبشكل مبسط وسهل يحاكي الطبيعة وأفضل وقت لتشغيلها هو أول الصباح وأول المساء إن تجديد الهواء من خلال التهوية الطبيعية ليس رفاهية، بل ضرورة طبية. النوافذ حين تُفتح تسمح بتدفق الهواء النقي، وطرد الملوثات، وتخفيف تركيز الجراثيم والبكتيريا في المكان. الهواء المتجدد يقلل فرص انتقال العدوى، ويعزز من صحة المرضى وقدرتهم على الشفاء.
وفي ظل التقدم الكبير في معرفة العلاقة بين جودة الهواء وصحة الإنسان، بات من غير المقبول أن نتجاهل هذا الجانب. علينا أن نعيد التفكير في تصميم المستشفيات، وفي بروتوكولات النظافة، بحيث يكون تجديد الهواء بندًا رئيسيًا، لا تفصيلًا ثانويًا.
دعوة للتغيير
إنني أكرر الدعوة لجميع القائمين على وزارة الصحة، الموقرة ولكل من يعمل في هذا المجال: لا تستهينوا بأهمية الهواء. دعونا نُعيد النظر في البديهيات، ونتبنى التهوية الطبيعية ونُدرج ذلك في سياسات المستشفيات. لنحارب البكتيريا والفيروسات كما نحارب أي عدو آخر ومقابل جهد ومال لا يذكر موفرين استغلال الشركات والنصائح المبطنة وما يسمى بيوت الخبرة التي همها الأول المال ثم المال والبشر يعانون وأن بالوقاية أولًا، ثم بالعلاج.
وإذا كان هناك إجراء واحد بسيط يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في مكافحة العدوى، فهو هذا: افتحوا النوافذ. أضمن لكم، كما أؤمن، أنكم بذلك تقطعون الطريق على كثير من البكتيريا، وتحفظون حياة الكثيرين وإني ومن أعماق قلبي افتخر واعتز بالمجال الصحي في وطني وكل القائمين عليه وعلى رأسهم معالي الدكتور وزير الصحة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
العلم يوضح كيفية هبوط القطط دائما على أقدامها
من أكثر المشاهد إذهالا في عالم الحيوان ومن أكثرها إثارة لفضول العلماء رؤية قطة تسقط من ارتفاع ثم تقوم بالتواء سريع في الهواء وتهبط على أقدامها وكأنها تتحدى قوانين الفيزياء.
هذه القدرة العجيبة ليست خرافة، وليست مجرد حظ، بل هي نتاج عملية عصبية وميكانيكية دقيقة تُعرف باسم "منعكس تعديل وضعية الجسم"، وهو قدرة فطرية تمتلكها القطط لتعديل وضعية أجسامها أثناء السقوط، بحيث تهبط على أقدامها بأمان.
ويظهر هذا المنعكس لدى الهررة الصغيرة في عمر 3 إلى 4 أسابيع، ويكتمل تماما في عمر 6 إلى 7 أسابيع، واللافت أن هذه القدرة لا تعتمد على الرؤية، إذ أظهرت الدراسات أن القطط العمياء تطور المنعكس ذاته، مما يشير إلى أنه مبرمج عصبيا في الجسم.
وفي جوهره، يعتمد هذا المنعكس على تناغم مذهل بين حاسة التوازن (الجهاز الدهليزي) ومرونة العمود الفقري والسيطرة العضلية الدقيقة، مما يسمح للقط بأن يدور في الهواء دون أن يخالف قانون حفظ الزخم الزاوي.
ولكن كيف يحدث هذا الأمر؟ أولا: عندما تبدأ القطة في السقوط يلتقط جهاز التوازن في أذنها الداخلية اتجاه الجاذبية، وهنا يعرف الجهاز العصبي تلقائيا نقطة مرجعية يتوجه إليها.
والجهاز الدهليزي عبارة عن قنوات مليئة بالسوائل وشعيرات حسية تستشعر الحركة والاتجاه، وترسل هذه الإشارات إلى الدماغ الذي يصدر أوامر للعضلات لتعديل الوضعية فورا حتى بدون الرؤية، وفي الواقع فإن هذه تعد حاسة معادلة للرؤية بشكل أو بآخر.
ثانيا: بعد ذلك تلتف القطة برأسها نحو الأرض، ثم تنثني عند الخصر ويدور النصف الأمامي من جسدها بشكل مستقل، أما النصف الخلفي فيدور في الاتجاه المعاكس، للحفاظ على الزخم العام ثابتا.
وفي هذه الحالة فإن القطة تثني أرجلها الأمامية لتجعل النصف الأمامي أخف وأسهل في الدوران، وتقوم في نفس الوقت بمد أرجلها الخلفية لزيادة وزن الجزء الخلفي (عزم القصور الذاتي).
إعلانوبهذه الطريقة يستطيع النصف الأمامي أن يدور مثلا 90 درجة، في حين لا يحتاج النصف الخلفي سوى إلى دوران بسيط في الاتجاه المعاكس (مثلا 10 درجات)، مما يحافظ على التوازن الكلي للحركة.
وتتمتع القطط بعمود فقري شديد المرونة يتكون من نحو 53 فقرة (مقارنة بـ33 عند البشر)، وهذا يسمح لها بالانثناء عند الخصر والتواء الجزأين الأمامي والخلفي بشكل منفصل، كما يساعدها الجلد الرخو والوزن الخفيف على الحركة السلسة، ويمنحها القدرة على امتصاص الصدمة عند الهبوط.
ثالثا: بعد ذلك تمد القطة أطرافها الأربعة قبل الهبوط لزيادة مقاومة الهواء وتقليل الصدمة عند النزول.
وتصل القطة أثناء السقوط إلى سرعة نهائية تبلغ نحو 96 كيلومترا في الساعة، وهي سرعة أقل من البشر بسبب وزنها الخفيف وبنيتها الديناميكية الهوائية.
وفي عام 1969 حلل عالمان من جامعة ستانفورد هذه الظاهرة باستخدام نماذج رياضية وتصوير عالي السرعة، وخلصت دراستهما -التي جاءت تحت عنوان "تفسير ديناميكي لظاهرة سقوط القطة"- إلى أن القطط تدور بشكل لا ينتهك قوانين الفيزياء بفضل تقسيم أجسامها وتحكمها الدقيق بها.
في 300 ملي ثانيةكان العالم الفرنسي إتيان-جول ماري من أوائل من وثقوا هذه الظاهرة باستخدام التصوير الفوتوغرافي المتتابع في أواخر القرن الـ19، حيث التقط صورا لقطة تسقط من ارتفاع، وبيّنت الصور كيف تدور القطة وتستقيم وتهبط بأقدامها، مما أثار اهتمام الأوساط العلمية.
ولاحقا، أجرت وكالة ناسا وعدد من الجامعات البيطرية دراسات أكثر تقدما باستخدام كاميرات فائقة السرعة، ووجدوا أن كل عملية الالتفاف تحدث خلال 300 ملي ثانية فقط، وهو ما يساوي أقل من ثلث ثانية.
وفي دراسة مشهورة نُشرت عام 1987 في دورية "جورنال أوف أميركان فيريناري ميدسن أسوسيشن" تم تحليل 132 حالة سقوط لقطط من مبانٍ عالية في نيويورك، والمفاجأة كانت أن القطط التي سقطت من ارتفاعات أعلى من 7 طوابق عانت إصابات أقل من تلك التي سقطت من ارتفاعات متوسطة.
والسبب في ذلك أنه بعد وصول القطة إلى السرعة النهائية يبدو أنها ترخي عضلاتها وتفرد جسمها لتوزيع الصدمة على مساحة أكبر كما لو كانت تنزلق في الهواء، وسُميت هذه الظاهرة أحيانا "متلازمة القطة الطائرة".
وفي الواقع، بينما تملك بعض الحيوانات مثل السناجب أو بعض الزواحف قدرة محدودة على التوازن في الهواء فإن القطط لا مثيل لها من حيث الدقة والفعالية، فالكلاب مثلا لا تملك هذا المنعكس، وتتعرض لإصابات خطيرة عند السقوط.
لم تتوقف أهمية منعكس تعديل وضع الجسم لدى القطط عند حدود علم الأحياء أو الطب البيطري، بل امتدت لتلهم مجالات متنوعة مثل الهندسة والفضاء والروبوتات، فعلى سبيل المثال استفاد مهندسو الروبوتات من فهم آلية التواء القطة في الهواء لتطوير روبوتات قادرة على استعادة توازنها أثناء السقوط أو فقدان الاستقرار.
ومن خلال محاكاة حركة العمود الفقري للقط صمّم الباحثون أنظمة تسمح للروبوت بتقسيم جسمه إلى أقسام أمامية وخلفية تدور بشكل منفصل للمساعدة على تصحيح الوضعية في الجو، تماما كما تفعل القطة.
إعلانوفي مجال رحلات الفضاء، درس العلماء كيف تتفاعل القطة مع تغير الاتجاه أثناء السقوط، رغم أن هذا المنعكس لا يعمل في بيئة انعدام الجاذبية.
هذه الأبحاث ألهمت تطوير برامج تدريب رواد الفضاء على الإدراك الجسدي والتوازن في الفضاء، حيث لا توجد "أعلى" أو "أسفل" كما نعرفهما على الأرض، وقد استعانوا بنماذج حركية مستوحاة من القطط لتعليم الرواد كيفية استخدام أجسامهم لتوجيه أنفسهم في الفضاء الضيق داخل المحطات الفضائية.
كما ساهمت دراسة ردود فعل القطط في تغذية خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تتحكم في المسيّرات، إذ تساعد النماذج المستوحاة من القطة في التعامل مع الحركات غير المتوقعة، مثل السقوط المفاجئ أو فقدان التوازن عبر اتخاذ قرارات لحظية تعيد التوازن بدقة عالية.