دول الخليج هي التي ستملي سياسة أمريكا الخارجية
تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT
درج دونالد ترامب على أن يحقق مراده بطريقته. ولكن هذا قد يتغير هذا الأسبوع حينما يواجه الفوضى التي تسبب فيها في الشرق الأوسط. ففيما يبدأ رحلة على مدى ثلاثة أيام إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، يتعهد رئيس الولايات المتحدة بأمور عظام. وهو كدأبه واهم. فالواقع هو أن سياسات الولايات المتحدة المتهورة المتعارضة المهملة في المنطقة تحقق فشلا عاما.
وقادة الخليج لديهم من القوة ما يتيح تقويم مسار ترامب، لو أنهم قرروا استعمال هذه القوة. فهو يعتمد عليهم اعتمادا غير مسبوق ـ يفوق كثيرا اعتماده على أوروبا ـ بوصفهم وسطاء دبلومسيين، وشركاء أمنيين، وداعمين ماليين. والنهج الذي يتبعه في فلسطين فيوشك أن يبلغ بها نكبة ثانية هو مزيج من الانحياز والقسوة والجهل المحض. ودونما عون من العرب، قد تبقى الولايات المتحدة وإسرائيل في شرك مأزق سياسي مدمر لا نهاية له.
يعرف ترامب أنه ليس بوسعه تجاهل رؤى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ونظرائه في الخليج بشأن غزة وسوريا واليمن. وهم يعارضون محاربة إيران التي سبق أن هددت بها الولايات المتحدة وإسرائيل. وترامب بحاجة إليهم حلفاء له في نزاعه التجاري والجمركي مع الصين. وقد استضاف دبلوماسيون خليجيون محادثات سلام أوكرانية روسية دعمها ترامب شخصيا. وهو حريص أشد الحرص على إبقاء أسعار النفط على انخفاضها.
فضلا عن أنه طامع في صفقات استثمارية ومبيعات سلاح في الشرق الأوسط بمليارات الدولارات.
غير أن للدعم الخليجي ثمنا لا بد من دفعه. وانظروا على سبيل المثال إلى أمل ترامب في توسيع ما يعرف بالاتفاقات الإبراهيمية لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية. فمهما يكن ما يقوله ترامب، يتعهد محمد بن سلمان بأن هذا لن يحدث بدون ضمان تقدُّم نحو دولة فلسطينية مستقلة، وذلك احتمال تمقته حكومة إسرائيل. وقد وصف محمد بن سلمان ما وقع من قتل بعد السابع من أكتوبر لأكثر من اثنين وخمسين ألف فلسطيني في غزة بـ«الإبادة». وفي الرياض، سوف يلاقي ترامب ضغطا كبيرا لإنهاء الحصار الإسرائيلي وإعادة فرض وقف إطلاق النار.
تزداد العلاقات الأمريكية الإسرائيلية توترا، في ظل رفض ترامب حتى الآن الدعوات لإضافة العاصمة الإسرائيلية إلى جدول زيارته. وبغض النظر عن أثر الرهائن الإسرائيليين الذين لا يزالون محتجزين لدى حماس، فإن بنيامين نتنياهو وحلفاءه في اليمين المتطرف يخططون لاحتلال عسكري طويل الأمد لغزة ولعمليات طرد جماعي للفلسطينيين. وبرغم دعم ترامب قبل شهرين وحديثه الأهوج عن إقامة «رفييرا في الشرق الأوسط»، يبدو أنه قد أدرك متأخرا أن السلام لا يتحقق على هذا النحو.
ولقد فوجئ نتنياهو ـ المستمر في تحريضه للولايات المتحدة على الانضمام إلى إسرائيل في عمل عسكري ضد إيران هذا العام ـ بإعلان ترامب المفاجئ الشهر الماضي عن محادثات مع طهران حول البرنامج النووي. كما جاء تراجع ترامب الفجائي بالقدر نفسه الأسبوع الماضي بإنهاء الضربات الجوية الأمريكية لليمن بمثابة ضربة مفاجئة لإسرائيل المستمرة في قصف الحوثيين. ويأتي هذان التحولان في السياسة، بجانب تغير نبرة ترامب فيما يتعلق بغزة، نتيجة ضغط خليجي فعال.
كما يريد القادة العرب بدعم تركي أن يحجِّم ترامب عمليات إسرائيل العسكرية في لبنان، وفي سوريا بصفة خاصة التي تتعرض لضرباتها المتكررة منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر. فجميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي الستة يؤيدون التعامل مع رئيس سوريا المؤقت أحمد الشرع وحكومته الائتلافية.
ويقول الشرع: إنه لا يريد القتال مع إسرائيل وينصب تركيزه على إعادة توحيد بلده المحطم. وقد أسفرت زيارته المهمة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر عن عروض سخية بمساعدات في إعادة الإعمار. غير أن ترامب، خلافا لبريطانيا والاتحاد الأوروبي، يرفض تخفيف عقوبات حقبة الأسد. وهذا خطأ جسيم يعرقل آمال السوريين في بداية جديدة، وقد يسمح لإيران وروسيا بالرجوع إليها. صحيح أن تحول سوريا إلى بلد ديمقراطي موال للغرب مغنم عظيم، لكنه يبدو في الوقت الراهن أشبه بفرصة مهدرة.
لو أن ترامب يريد أن يضمن دعم الخليج لأجندته الأوسع، فعليه أن يعطي في المقابل شيئا ذا قيمة. وقد يكون ذلك إحياء للاتفاق النووي الأمريكي الأوروبي لعام 2015 مع إيران في عام (الذي تراجع عنه بحماقة في عام 2018)، مع ضمان ألا يشن نتنياهو والمتشددون في طهران حربا أخرى. ويحتمل جدا أن يقدم ترامب على هذه الخطوة. فهو يزعم أنه «رئيس السلام». وهذه فرصته ليثبت هذا.
يمكن لاتباع أمريكا نهجا أكثر استنارة تجاه غزة وسوريا أن ينقذ أهدافا أخرى لترامب، من قبيل: تخفيض أسعار الطاقة وتعزيز الاستثمار الخليجي في الشركات والوظائف بالولايات المتحدة. ومواقف المملكة العربية السعودية محورية في كلا الأمرين. فالتخفيضات المستدامة في أسعار الوقود بالنسبة للمستهلك قد تهدئ ناخبي ترامب المحبطين وتساعد في ترويض التضخم في الولايات المتحدة. وقد طرح محمد بن سلمان في يناير صفقة استثمارية أمريكية لمدة أربع سنوات بقيمة ستمئة مليار دولار. وقد يليها المزيد.
فهل بوسع هذه الجزرة البدينة أن تكون السبب الرئيسي لاختيار ترامب للسعودية لتكون أول زيارة رسمية له بعد تنصيبه مثلما فعل في 2017؟ وثمة إغراء إضافي يتمثل في الاتفاقية الأمنية الأمريكية السعودية التي تشمل حزمة أسلحة أولية للرياض بقيمة مائة مليار دولار يجري العمل عليها. وسوف تنشأ فرص كثيرة لشركات ترامب العائلية أيضا لو كان لنا مؤشر في منتجع الجولف الفاخر في قطر. فرغبة ترامب العارمة في تحقيق الأرباح لا تتأثر أوهى تأثر باحتمال تضارب المصالح.
إن تنامي قوة ونفوذ دول الخليج حقيقة لا مهرب منها في الحياة الجيوسياسية والاقتصادية في القرن الحادي والعشرين. لكن لو كان ترامب رجلا أكثر شجاعة، وأكثر استقامة، لذهب إلى غزة في الأسبوع القادم ليرى بنفسه الخراب الذي تسبب فيه هو وحلفاؤه في اليمين المتطرف.
ولكنه لن يفعل هذا. فمعروف للكافة أن ترامب ليس هذا الرجل النبيل. ومعروف أيضا أنه ليس برجل دولة.
سيمون تيسدال معلق الشؤون الخارجية في صحيفة ذي جارديان.
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة محمد بن سلمان
إقرأ أيضاً:
عفت السادات: سياسة مصر الخارجية تتحرك بعقل الدولة وقلب الأمة
أكد النائب عفت السادات، رئيس حزب السادات الديمقراطي ووكيل لجنة العلاقات الخارجية بـ مجلس الشيوخ، أن السياسة الخارجية المصرية تمثل نموذجًا للدولة الرشيدة التي تتعامل مع العالم من منطلق الثوابت والمصالح الوطنية العليا، دون أن تنجرف إلى محاور أو تدخلات تضر بأمن الشعوب واستقرار الدول.
وقال السادات ، إن مصر تتحرك اليوم على الساحة الدولية بعقل الدولة وقلب الأمة، فهي تمارس دورها المحوري بحكمة وهدوء، وتتمسك بمبادئها دون أن تفرط أو تزايد، وهو ما جعلها محل احترام وتقدير من كافة الأطراف الإقليمية والدولية.
وأشار إلى أن القيادة السياسية، وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وضعت أسسًا متينة للدبلوماسية المصرية الحديثة ترتكز على الاحترام، والحوار، والقدرة على البناء لا الهدم.
وأضاف أن ما تشهده السياسة الخارجية من نجاحات ملموسة، سواء في الملفات الإقليمية أو العلاقات الثنائية مع القوى الكبرى، هو انعكاس لجهد مؤسسي متكامل ما بين مؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية والأجهزة المعنية كافة، وهو ما أعاد لمصر مكانتها المستحقة كقوة عقلانية مؤثرة وفاعلة في محيطها.
وأشار السادات، إلى أن موقف مصر من القضية الفلسطينية كان واضحًا في كل المحافل، فهي لم تتأثر بأي ضغوط أو ظروف دولية، وظلت متمسكة بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. وأضاف أن مصر ليست فقط داعمًا سياسيًا للقضية، بل تبذل جهدًا إنسانيًا وميدانيًا ملموسًا، سواء من خلال دعم أهالي غزة بالمساعدات والإغاثات، أو عبر استضافة كافة جولات التفاوض والمصالحة.
كما نوّه إلى أن استنكار مصر الأخير لأي عدوان عسكري على دولة ذات سيادة، مثلما حدث في إيران، يعكس تمسكها الثابت باحترام القانون الدولي، ورفضها للتصعيد العسكري خارج إطار الشرعية. ولفت إلى أن الدولة المصرية تؤمن بأن الحلول الدبلوماسية هي السبيل الأوحد لحماية شعوب المنطقة من الدمار، وأن لغة الحوار لا تزال الخيار الأفضل مهما اشتد الخلاف.
وأوضح السادات، أن مصر تتحرك على أساس ثابت لا يتبدل، فهي لا تتورط، بل تقود؛ ولا تتبع، بل ترسم المسار الذي يخدم أمنها القومي ويحافظ على مصالح الشعوب العربية. وأشار إلى أن القيادة السياسية نجحت في تحقيق معادلة دقيقة بين استقلالية القرار السياسي، والانفتاح المتوازن على العالم، وهو ما انعكس في ثقة المجتمع الدولي في الطرح المصري لأي أزمة.
وأكد على أن مصر تسير في الطريق الصحيح، بسياسة خارجية حكيمة لا تبحث عن الأضواء، بل عن النتائج. وأكد أن الدعم الشعبي والسياسي لهذا النهج ضرورة وطنية، داعيًا إلى إبراز النجاحات الخارجية كما نحتفي بالإنجازات الداخلية، لأن استعادة الدور الإقليمي لمصر هو أحد أعمدة الأمن القومي والاستقرار.