درج دونالد ترامب على أن يحقق مراده بطريقته. ولكن هذا قد يتغير هذا الأسبوع حينما يواجه الفوضى التي تسبب فيها في الشرق الأوسط. ففيما يبدأ رحلة على مدى ثلاثة أيام إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، يتعهد رئيس الولايات المتحدة بأمور عظام. وهو كدأبه واهم. فالواقع هو أن سياسات الولايات المتحدة المتهورة المتعارضة المهملة في المنطقة تحقق فشلا عاما.

ولا غنى عن تصحيح مسار جذري.

وقادة الخليج لديهم من القوة ما يتيح تقويم مسار ترامب، لو أنهم قرروا استعمال هذه القوة. فهو يعتمد عليهم اعتمادا غير مسبوق ـ يفوق كثيرا اعتماده على أوروبا ـ بوصفهم وسطاء دبلومسيين، وشركاء أمنيين، وداعمين ماليين. والنهج الذي يتبعه في فلسطين فيوشك أن يبلغ بها نكبة ثانية هو مزيج من الانحياز والقسوة والجهل المحض. ودونما عون من العرب، قد تبقى الولايات المتحدة وإسرائيل في شرك مأزق سياسي مدمر لا نهاية له.

يعرف ترامب أنه ليس بوسعه تجاهل رؤى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ونظرائه في الخليج بشأن غزة وسوريا واليمن. وهم يعارضون محاربة إيران التي سبق أن هددت بها الولايات المتحدة وإسرائيل. وترامب بحاجة إليهم حلفاء له في نزاعه التجاري والجمركي مع الصين. وقد استضاف دبلوماسيون خليجيون محادثات سلام أوكرانية روسية دعمها ترامب شخصيا. وهو حريص أشد الحرص على إبقاء أسعار النفط على انخفاضها.

فضلا عن أنه طامع في صفقات استثمارية ومبيعات سلاح في الشرق الأوسط بمليارات الدولارات.

غير أن للدعم الخليجي ثمنا لا بد من دفعه. وانظروا على سبيل المثال إلى أمل ترامب في توسيع ما يعرف بالاتفاقات الإبراهيمية لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية. فمهما يكن ما يقوله ترامب، يتعهد محمد بن سلمان بأن هذا لن يحدث بدون ضمان تقدُّم نحو دولة فلسطينية مستقلة، وذلك احتمال تمقته حكومة إسرائيل. وقد وصف محمد بن سلمان ما وقع من قتل بعد السابع من أكتوبر لأكثر من اثنين وخمسين ألف فلسطيني في غزة بـ«الإبادة». وفي الرياض، سوف يلاقي ترامب ضغطا كبيرا لإنهاء الحصار الإسرائيلي وإعادة فرض وقف إطلاق النار.

تزداد العلاقات الأمريكية الإسرائيلية توترا، في ظل رفض ترامب حتى الآن الدعوات لإضافة العاصمة الإسرائيلية إلى جدول زيارته. وبغض النظر عن أثر الرهائن الإسرائيليين الذين لا يزالون محتجزين لدى حماس، فإن بنيامين نتنياهو وحلفاءه في اليمين المتطرف يخططون لاحتلال عسكري طويل الأمد لغزة ولعمليات طرد جماعي للفلسطينيين. وبرغم دعم ترامب قبل شهرين وحديثه الأهوج عن إقامة «رفييرا في الشرق الأوسط»، يبدو أنه قد أدرك متأخرا أن السلام لا يتحقق على هذا النحو.

ولقد فوجئ نتنياهو ـ المستمر في تحريضه للولايات المتحدة على الانضمام إلى إسرائيل في عمل عسكري ضد إيران هذا العام ـ بإعلان ترامب المفاجئ الشهر الماضي عن محادثات مع طهران حول البرنامج النووي. كما جاء تراجع ترامب الفجائي بالقدر نفسه الأسبوع الماضي بإنهاء الضربات الجوية الأمريكية لليمن بمثابة ضربة مفاجئة لإسرائيل المستمرة في قصف الحوثيين. ويأتي هذان التحولان في السياسة، بجانب تغير نبرة ترامب فيما يتعلق بغزة، نتيجة ضغط خليجي فعال.

كما يريد القادة العرب بدعم تركي أن يحجِّم ترامب عمليات إسرائيل العسكرية في لبنان، وفي سوريا بصفة خاصة التي تتعرض لضرباتها المتكررة منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر. فجميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي الستة يؤيدون التعامل مع رئيس سوريا المؤقت أحمد الشرع وحكومته الائتلافية.

ويقول الشرع: إنه لا يريد القتال مع إسرائيل وينصب تركيزه على إعادة توحيد بلده المحطم. وقد أسفرت زيارته المهمة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر عن عروض سخية بمساعدات في إعادة الإعمار. غير أن ترامب، خلافا لبريطانيا والاتحاد الأوروبي، يرفض تخفيف عقوبات حقبة الأسد. وهذا خطأ جسيم يعرقل آمال السوريين في بداية جديدة، وقد يسمح لإيران وروسيا بالرجوع إليها. صحيح أن تحول سوريا إلى بلد ديمقراطي موال للغرب مغنم عظيم، لكنه يبدو في الوقت الراهن أشبه بفرصة مهدرة.

لو أن ترامب يريد أن يضمن دعم الخليج لأجندته الأوسع، فعليه أن يعطي في المقابل شيئا ذا قيمة. وقد يكون ذلك إحياء للاتفاق النووي الأمريكي الأوروبي لعام 2015 مع إيران في عام (الذي تراجع عنه بحماقة في عام 2018)، مع ضمان ألا يشن نتنياهو والمتشددون في طهران حربا أخرى. ويحتمل جدا أن يقدم ترامب على هذه الخطوة. فهو يزعم أنه «رئيس السلام». وهذه فرصته ليثبت هذا.

يمكن لاتباع أمريكا نهجا أكثر استنارة تجاه غزة وسوريا أن ينقذ أهدافا أخرى لترامب، من قبيل: تخفيض أسعار الطاقة وتعزيز الاستثمار الخليجي في الشركات والوظائف بالولايات المتحدة. ومواقف المملكة العربية السعودية محورية في كلا الأمرين. فالتخفيضات المستدامة في أسعار الوقود بالنسبة للمستهلك قد تهدئ ناخبي ترامب المحبطين وتساعد في ترويض التضخم في الولايات المتحدة. وقد طرح محمد بن سلمان في يناير صفقة استثمارية أمريكية لمدة أربع سنوات بقيمة ستمئة مليار دولار. وقد يليها المزيد.

فهل بوسع هذه الجزرة البدينة أن تكون السبب الرئيسي لاختيار ترامب للسعودية لتكون أول زيارة رسمية له بعد تنصيبه مثلما فعل في 2017؟ وثمة إغراء إضافي يتمثل في الاتفاقية الأمنية الأمريكية السعودية التي تشمل حزمة أسلحة أولية للرياض بقيمة مائة مليار دولار يجري العمل عليها. وسوف تنشأ فرص كثيرة لشركات ترامب العائلية أيضا لو كان لنا مؤشر في منتجع الجولف الفاخر في قطر. فرغبة ترامب العارمة في تحقيق الأرباح لا تتأثر أوهى تأثر باحتمال تضارب المصالح.

إن تنامي قوة ونفوذ دول الخليج حقيقة لا مهرب منها في الحياة الجيوسياسية والاقتصادية في القرن الحادي والعشرين. لكن لو كان ترامب رجلا أكثر شجاعة، وأكثر استقامة، لذهب إلى غزة في الأسبوع القادم ليرى بنفسه الخراب الذي تسبب فيه هو وحلفاؤه في اليمين المتطرف.

ولكنه لن يفعل هذا. فمعروف للكافة أن ترامب ليس هذا الرجل النبيل. ومعروف أيضا أنه ليس برجل دولة.

سيمون تيسدال معلق الشؤون الخارجية في صحيفة ذي جارديان.

عن الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة محمد بن سلمان

إقرأ أيضاً:

ترامب يعلن أنه سخفض أسعار الأدوية في الولايات المتحدة.. ما بين 30% و80%

كشف الرئيس دونالد ترامب، الأحد، عن سياسة جديدة بشأن الأدوية اعتبر أنها ستخفض أسعارها في الولايات المتحدة بنسبة تراوح بين 30 و80%.

وأعلن ترامب في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي أنه يعتزم توقيع أمر تنفيذي يُدخل السياسة الجديدة حيز التنفيذ الساعة 9:00 صباحا (13,00 ت غ)، الاثنين، وذلك بهدف "إعادة الإنصاف مجددا لأمريكا".

وقال ترامب إنه يعتزم تطبيق سياسة "الدولة الأولى بالرعاية" التي تخفض كلفة الدواء المباع في الولايات المتحدة إلى أقل سعر تدفعه الدول الأخرى لنفس الدواء. وأشار إلى أن انخفاض كلفة الأدوية الموصوفة في الولايات المتحدة سيقابله ارتفاع في كلفتها في دول أخرى.



وسياسة "الدولة الأولى بالرعاية" هي إحدى قواعد منظمة التجارة العالمية وتهدف إلى عدم التمييز بين الدول الأعضاء أو عدم معاملة أي دولة معاملة تفضيلية على حساب الدولة الأخرى.

 وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها ترامب خفض أسعار الأدوية الأمريكية، فهو خلال فترة ولايته الأولى أعلن عن اقتراح مماثل، لكن خططه باءت بالفشل بمواجهة معارضة شديدة من قطاع صناعة الأدوية.

والشهر الماضي، وقع الرئيس الأمريكي أمرا تنفيذيا يهدف إلى خفض أسعار الأدوية من خلال منح الولايات مزيدا من الحرية للبحث عن أفضل الأسعار في الخارج، وتحسين عملية التفاوض على الأسعار.

تدفع الولايات المتحدة أعلى سعر عالمي للعديد من الأدوية الموصوفة، وغالبًا ما يكون ذلك ثلاثة أضعاف ما تدفعه الدول المتقدمة الأخرى. وقد صرّح ترامب بأنه يريد تقليص هذا الفارق، لكنه لم يُحدد علنًا كيفية تحقيق ذلك، ولم يُقدّم تفاصيل في منشوره.

كانت شركات الأدوية تتوقع صدور أمرٍ يُركز على برنامج التأمين الصحي "ميديكير"، وفقًا لأربعة من جماعات الضغط في قطاع الأدوية، والذين أفادوا بتلقيهم إحاطة من البيت الأبيض.

وتتوقع شركات الأدوية أن ينطبق الأمر على مجموعة واسعة من الأدوية بخلاف تلك التي تخضع حاليًا للتفاوض بموجب قانون خفض التضخم الذي أصدره الرئيس السابق جو بايدن.

بفضل هذا القانون، تفاوض برنامج ميديكير على أسعار عشرة أدوية، ومن المقرر تطبيقها العام المقبل. ومن المقرر التفاوض على أدوية أخرى لاحقًا هذا العام.



وقال أليكس شرايفر، المتحدث باسم أكبر مجموعة ضغط لشركات الأدوية الأمريكية، وهي مجموعة البحث والتصنيع الصيدلاني في أمريكا، في بيان عندما سئل عن الأمر التنفيذي المخطط لترامب: "إن تحديد الحكومة للأسعار بأي شكل من الأشكال أمر سيئ بالنسبة للمرضى الأمريكيين".

يذكر أن الإنفاق السنوي الأمريكي على الأدوية يتجاوز الـ 400 مليار دولار.

مقالات مشابهة

  • المجرم ترامب يطلب من السعودية استثمار تريليون دولار في أمريكا
  • شبكة بي بي سي: ترامب ودول الخليج.. ما الذي يريده كل طرف من الآخر؟
  • ترامب يطلب من السعودية استثمار تريليون دولار في الولايات المتحدة الأميركية
  • ترامب سيخفّض أسعار الأدوية في الولايات المتحدة ما بين 30% و80%
  • ترامب يعلن أنه سخفض أسعار الأدوية في الولايات المتحدة.. ما بين 30% و80%
  • الملك سلمان يوجه دعوات لقادة الخليج قبيل وصول ترامب الى السعودية
  • هل ستملي دول الخليج على ترامب شكل السياسة الخارجية؟
  • أكد بحثه ملفات إستراتيجية.. البيت الأبيض: ترامب يزور السعودية ويلتقي قادة الخليج بالرياض
  • تعزيزًا للصادرات غير النفطية من السلع والخدمات.. هيئة تنمية الصادرات السعودية تختتم أعمال البعثة التجارية إلى الولايات المتحدة الأمريكية