7رام الله- في تجمع بسيط، إلى الشمال من مدينة أريحا، شرقي الضفة الغربية، يسكن الفلسطيني عايد الكعابنة مع نحو ألف آخرين، وجميعهم يتخذون من تربية الأغنام مصدرا للرزق معتمدين على المراعي بمنطقة الأغوار.

لكن بالتزامن مع بدء حرب الإبادة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تفاقمت معاناة السكان حتى بلغت أوجها في الأيام الأخيرة، بحرمانهم من مياه نهر العوجا، وهو نهر معروف محليا ويعد مقصدا سياحيا للفلسطينيين، ومصدرا أساسيا للمياه بالنسبة للتجمع.

الجديد، وفق الكعابنة -في حديثه للجزيرة نت- أن المستوطنين قاموا منذ أيام بتجفيف قناة نهر العوجا بحرف مسارها الطبيعي لتبتعد عن التجمعات الفلسطينية إلى الأودية الخالية والمستوطنات القريبة، كما قاموا بتجفيف 3 آبار ارتوازية فلسطينية.

المستوطنون جففوا قناة العوجا شمال مدينة أريحا (مواقع التواصل-أرشيف) حرب مياه

تعد حرب المياه بمثابة ضربة قاضية لنحو 130 عائلة في التجمع وأغنامها المقدر عددها بنحو 5 آلاف، بعد استيلاء المستوطنين على نحو ألفين منها.

يضيف المواطن الفلسطيني "الماء حاجة أساسية، نحن الآن بدون ماء، عقدنا اجتماعات مع الجهات الرسمية الفلسطينية وجمعيات إغاثية دون جدوى، وضعنا سيئ جدا، نضطر لجلب صهاريج  المياه من مسافة بعيدة رغم مخاطر اعتراض المستوطنين وانتشارهم في الطرقات وهو ما يمنع أصحاب الصهاريج -من مناطق أخرى- من الوصول إلينا، مع حاجة كل منا لصهريج كل يومين".

يوضح الكعابنة أن حرب المياه كانت الحلقة الأخيرة من سلسلة اعتداءات، إذ سبقها سرقة الأغنام واعتقال السكان ومهاجمتهم والاعتداء عليهم بالضرب "أن يدافع الفلسطيني عن نفسه وأولاده ومنزله وأغنامه تهمة اعتقل بسببها 15 شخصا على الأقل، وفي المقابل فإن المستوطن في أمان وفي حماية شرطةِ وجيش الاحتلال".

إعلان

في ظل هذه الظرف، يبرز السؤال البديهي: ما الذي يضطر هؤلاء للبقاء؟ يجيب الكعابنة "هذه أرضنا، ولدت وعشت فيها وليس لي ولا أقبل أي بديل عنها، أعرف كل متر في جبالها وسهولها ومراعيها، أنا وأجدادي هنا قبل الاحتلال".

ويضيف "الهجرة والرحيل ليست خيارنا، وأكبر درس هو في لاجئي النكبة الذين ينتظرون العودة، منذ 77 عاما، بلا جدوى".


قوة الإرادة

وبالانتقال إلى جنوبي الضفة الغربية، فإن التجمعات الفلسطينية ليست أحسن حالا من حيث الملاحقة والاعتداء ومحاولات التهجير، وتبقى الإرادة سلاحا للتغلب على آلة الاحتلال وبطش مستوطنيه.

فقد أجبرت اعتداءات المستوطنين المتكررة سكان تجمع زنوتا، شرق بلدة الظاهرة، كاقتحام التجمع وضرب من فيه وتخريب ممتلكات السكان المقدر عددهم بنحو 250، على الرحيل وذلك أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفي غيابهم دمر المستوطنون ممتلكاتهم وكهوفهم ومدرسة صغيرة تخدمهم.

لكن هؤلاء لم يستسلموا، وكافحوا في محاكم الاحتلال وبمساعدة منظمات حقوقية حتى حصولهم على قرار قضائي يعيدهم إلى مساكنهم مع إلزام جيش الاحتلال بحمايتهم والسماح لهم بترميم ما تم تدميره.

وفق رئيس مجلس التجمع المحلي، فايز الطل، فإن أغلب السكان حزموا حقائبهم ورجعوا رغم المخاطر المحتملة، والتي تجددت بالفعل قبل أيام باقتحام المستوطنين للمدرسة وتدميرها مجددا.

يقول الطل -في حديثه للجزيرة نت- إنه تمكن من إعداد مستلزمات ترميم المدرسة، ويعكف مع عدد من المتطوعين على إعادة تأهليها لاستقبال الطلبة.

عن دواعي قبول الناس بالعودة رغم المخاطر، يشير إلى أن التجمع بالنسبة لسكانه "جزء من الروح، ولذلك يمتلكون إرادة صلبة للبقاء، حتى لو ظلوا وحدهم في كل الضفة".

وتابع "نحن أصحاب حق، التهجير مصيبة أكبر من الثمن المدفوع في البقاء، رغم المعاناة هنا فالعائلات تشعر بالاستقرار في مساكنها حتى لو كانت كهوفا، وتحافظ على نمط حياتها الموروث عن الأجداد وتدير شؤون حياتها وأغنامها ومراعيها وفق إمكانياتها".

إعلان

وتابع: لك أن تتخيل رحيل هذه العائلات لتجد نفسها فجأة دون مأوى ودون إمكانيات ودون أغنام، بل وتبحث عن أرض أو منزل للسكن، وتنتظر تبرعات الجمعيات، إنها مصيبة بكل معنى الكلمة، وضغط نفسي واقتصادي لا نحتمله، نموت هنا ولا نغادر مهاجرين.

اعتداءات المستوطنين على السكان الفلسطينيين لا تتوقف وآخرها حرمانهم من الماء (جمعية البيدر) تعلم الدرس

وباستعراض حكايات تجمعي العوجا وزنوتا، يتضح كم تعلم الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة الغربية -وإن كان بثمن باهظ-  دروسا من أحداث نكبة عام 1948 التي تحل اليوم الخميس ذكراها الـ77، وأهمها رفض التهجير.

وبالعودة إلى أحداث النكبة، فقد تعرض فلسطينيو48 لأكثر من 70 مجزرة واستشهد منهم نحو 15 ألفا على يد العصابات الصهيونية، ودمرت 531 قرية من بين قرابة 1300 قرية تدميرا كاملا، فيما هُجر نحو 947 ألفا من بين مجموع السكان في ذلك الوقت والبالغ مليون و400 ألف نسمة.

بالنظر إلى الثمن الذي دفعه الفلسطينيون في النكبة ولاحقا في نكسة 1948، والبدائل المأساوية للاجئين، كان قرار الصمود ورفض مخططات تهجير سكان قطاع غزة وتجمعات الضفة في المنطقة المصنفة "ج" والتي يسعى الاحتلال لضمها.

وقسمت اتفاقية أوسلو 2 عام 1995 أراضي الضفة إلى "أ" وتشكل 21% وتخضع للسيطرة الفلسطينية بالكامل، و"ب" وتشكل 18% وتخضع لسيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية، والنسبة الباقية منطقة "ج" وتقع تحت سيطرة إسرائيلية.

عن المعركة الشرسة والصامتة في عشرات التجمعات السكانية في المنطقة "ج" من الضفة الغربية، والخاضعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي الكاملة، تشير منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو إلى آلاف الانتهاكات بحق التجمعات البدوية في الضفة الغربية.

مستوطن يرعى أغنامه بين المساكن الفلسطينية بمنطقة شلال العوجا (الجزيرة)

 

البدو وحدهم

ويقول المشرف العام على المنظمة حسن مليحات للجزيرة نت "يقاوم المواطنون في التجمعات البدوية سياسات التهجير بالصبر والصمود واليسير الموسمي الذي لا يرقى لمستوى المعركة التي تدور رحاها في المنطقة "ج"، وهي معركة تتعلق بالديمغرافيا إضافة إلى الجغرافيا".

إعلان

بالأرقام يقول إن عام  2024  شهد 3 آلاف انتهاك بحق التجمعات البدوية البالغ عددها   212، ومنذ مطلع العام  الجاري بلغ العدد 1600 انتهاك، مشيرا إلى اضطرار 62 تجمعا للرحيل بعد 7 أكتو ر 2023، في حين تصر باقي التجمعات على البقاء ومنها 30 تجمعا تتعرض لاعتداءات شبه يومية.

يضيف مشرف جمعية البيدر أن "كل هذه الانتهاكات والمحرقة من سياسات التطهير العرقي يقاومها السكان بالصبر والمزيد من الصبر ، خاصة في ظل استهدافهم في أجسادهم ومواشيهم وممتلكاتهم رغم كل الموارد والدعم وعدم الاكتراث لهم في هذه المعركة الوجودية".

يوضح أن التجمعات المستهدفة تنتشر "في منطقة الأغوار مثل تجمعي شلال العوجا وعرب المليحات في منطقة المعرجات بمحيط مدينة أريحا، ومسافر يطا جنوب الضفة، ومناطق الأغوار الشمالية".

وتابع "البدو  هم الحراس الطبيعيون للأرض، وما زالت تجمعاتهم تتعرض لنكبة مستمرة وتعيش فصولها مع إشراقة كل يوم، في محاولة لاقتلاعهم واجتثاثهم ولإحلال المستوطنين مكانهم، لكنهم يتسلحون بالصبر والإرادة للبقاء".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الضفة الغربیة

إقرأ أيضاً:

في ظل حصار خانق.. غزة تسجل عشرات القتلى وحملة اعتقالات واسعة بالضفة الغربية

ارتفعت حصيلة القتلى في قطاع غزة، اليوم الخميس، إلى 43 شخصًا منذ فجر اليوم، جرّاء غارات جوية إسرائيلية استهدفت عدة مناطق في القطاع، بحسب ما أفادت به مصادر طبية فلسطينية.

وأوضحت المصادر أن مدينة خان يونس جنوب القطاع كانت الأكثر تضررًا، حيث أسفر القصف عن مقتل 26 شخصًا، عقب استهداف ما لا يقل عن ثمانية منازل. كما قُتل عدد من الفلسطينيين وأُصيب آخرون في قصف طال منزلًا في بلدة بني سهيلا شرقي المدينة.

وفي شمال القطاع، قُتل سبعة أشخاص على الأقل في قصف استهدف منزلًا في بلدة جباليا، فيما أودى قصف آخر على شقة سكنية في حي النصر بمدينة غزة بحياة أربعة فلسطينيين.

وتتزامن هذه التطورات مع استمرار القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وفي هذا السياق، كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن نية مؤسسة إغاثية مدعومة من الولايات المتحدة بدء عملياتها في غزة قبل نهاية شهر مايو الجاري، ضمن خطة لتوزيع المساعدات أثارت جدلًا واسعًا وانتقادات من أطراف دولية.

وكانت كل من كندا وإيطاليا وبريطانيا، إضافة إلى منظمة “أطباء بلا حدود”، قد وجّهت انتقادات لاذعة لإسرائيل، متهمةً إياها باستخدام الغذاء كأداة ضغط في الحرب، ومنع دخول الإمدادات الأساسية منذ أسابيع.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن فرض القيود على دخول الغذاء والوقود يهدف إلى الضغط على حركة “حماس”، مشيرين إلى أن الجيش يدرس حاليًا السماح بدخول المساعدات في ظل تدهور الوضع الإنساني داخل القطاع.

هذا وارتفعت حصيلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى 52 ألفا و928 قتيلا و119 ألفا و846 مصابا بين الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر 2023، وحصيلة القتلى والإصابات منذ استئناف إسرائيل الحرب في 18 مارس 2025 بلغت ألفين و799 قتيلا و7 آلاف و805 مصابين.

الجيش الإسرائيلي ينفذ حملة دهم واعتقالات واسعة في الضفة الغربية
شنّت القوات الإسرائيلية، فجر اليوم الخميس، حملة دهم واعتقالات واسعة طالت عدداً من مدن وبلدات الضفة الغربية، تخللتها اشتباكات، ومداهمات عنيفة، وتخريب لممتلكات، ما أسفر عن اعتقال عشرات المواطنين وإصابة عدد من السكان.

وقالت مصادر محلية إن القوات الإسرائيلية اقتحمت مخيم الفوار جنوب مدينة الخليل، واحتجزت أكثر من 70 مواطناً، بعد أن داهمت منازل السكان وعبثت بمحتوياتها. وخلال المداهمات، اعتدت القوات على مدير العلاقات العامة في نادي الأسير، أمجد النجار، وعلى زوجته وأطفاله، ما أدى إلى إصابة زوجته بكسور في يدها، وتحطيم أثاث المنزل.

وامتدت الحملة إلى بلدات أخرى في محافظة الخليل، شملت بيت كاحل شمالاً، وقرية دير العسل جنوب غرب، حيث فتشت القوات عدة منازل واحتجزت عدداً من المواطنين، قبل الإفراج عن بعضهم لاحقاً.

وفي مدينة نابلس، داهمت القوات منازل في بلاطة البلد واعتقلت أربعة شبان بعد تفتيش منازل ذويهم، كما اقتحمت منزلًا في بلدة طمون جنوب طوباس، وقصفته بعد محاصرته، مستخدمة الأسلحة الرشاشة وقذائف “الإنيرجا”، وقالت مصادر محلية إن العملية بدأت بتسلل وحدة خاصة إلى البلدة، تبعتها تعزيزات عسكرية مصحوبة بجرافة مجنزرة.

وخلال الحملة، صدمت دورية عسكرية إسرائيلية حافلة تقل أطفالاً من روضة في طمون، ما أدى إلى إصابة الأطفال بحالة من الهلع، بحسب مدير التربية والتعليم في طوباس عزمي بلاونة.

كما اقتحمت القوات الإسرائيلية مقر جامعة القدس المفتوحة في طوباس، وفجّرت مقهى مجاوراً للجامعة، ما أدى إلى تصاعد أعمدة الدخان من الموقع، وأعلن محافظ طوباس تأخير الدوام الرسمي في المؤسسات الحكومية بسبب الوضع الأمني المتدهور في المحافظة.

وفي الوقت ذاته، أغلقت القوات الإسرائيلية الطرق شمال محافظة رام الله والبيرة، واقتحمت مخيم قلنديا شمال شرقي القدس، وسط إطلاق كثيف للرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع، دون ورود أنباء عن وقوع إصابات.

وتأتي هذه الحملة في ظل تصاعد التوترات في الضفة الغربية، وسط استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدن الضفة، وازدياد وتيرة الاعتقالات والاشتباكات مع السكان المحليين.

مقالات مشابهة

  • ماذا قالت الفصائل الفلسطينية بمناسبة ذكرى النكبة 77؟
  • في ظل حصار خانق.. غزة تسجل عشرات القتلى وحملة اعتقالات واسعة بالضفة الغربية
  • استنفار أمني واسع في إسرائيل عقب عملية إطلاق نار في الضفة الغربية
  • “حماس”: قرار الاحتلال الإسرائيلي بشأن تسجيل الاراضي بالضفة خطوة خطيرة وإلغاء لاتفاق أوسلو
  • الخارجية الفلسطينية تحذّر من خطورة مصادقة الاحتلال الإسرائيلي على قرار "تسوية الأراضي"
  • الخارجية الفلسطينية تحذّر من خطورة مصادقة الاحتلال الإسرائيلي على قرار “تسوية الأراضي” بالضفة
  • القوى الفلسطينية في ذكرى النكبة: متمسكون بالثوابت الوطنية ومقاومة الاحتلال
  • كابينيت الاحتلال يصادق على قرار لنهب الأراضي في مناطق سي بالضفة الغربية
  • مظاهرة حاشدة في مقاطعة بألبرتا الكندية إحياءً لذكرى النكبة الفلسطينية