لطالما وصفت السحلية التي تعرف باسم "التيغو" الأرجنتيني والتي انتشرت يولاية فلوريد في أميركا، بأنها نوع "غازٍ" لا ينتمي للبيئة الأميركية، لكن علماء من متحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي كانوا على موعد مع مفاجأة غير متوقعة، وهي أنها ليست غريبة عن المكان.

وكشف علماء المتحف في دراستهم المنشورة في دورية "جورنال أوف بالينتولوجي" أن "التيغو" سكنت المنطقة قبل ملايين السنين، وكان دليلهم على ذلك فقرة فقرية صغيرة عثر عليها في شمال فلوريدا أوائل العقد الأول من الألفية، وظلت لغزا محيرا للعلماء على مدى عقدين، لكنها الآن تقلب المفاهيم رأسا على عقب بشأن "الضيف غير المرغوب فيه".

باستخدام الذكاء الاصطناعي ونماذج ثلاثية الأبعاد استطاع الباحثون تأكيد وجه الشبه بين سحلية التيغو والحفرية المجهولة (متحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي) الذكاء الاصطناعي بطل الاكتشاف

ويدين علماء المتحف بالفضل للذكاء الاصطناعي في هذا الاكتشاف، والذي مكّنهم من إجراء مقارنات بين الفقرة المحفوظة في صناديق المتحف وفقرات سحالي "التيغو" الحديثة، ليتعّرفوا على وجه الشبه بينهما.

ويحكي بيان صحفي رسمي صادر عن المتحف قصة الاكتشاف، الذي جاء عن طريق الباحث جيسون بورك من قسم علم الحفريات الفقارية بالمتحف، والذي رأي بالصدفة الفقرة محفوظة في صناديق المتحف فتذكرها وأعاد النظر إليها، وجاءت المفاجأة عندما رأى صورة لفقرات سحالي "التيغو" الحديثة، وتعرف على الشبه مباشرة.

إعلان

ولتوثيق مع توصل له بالفحص المبدئي، استعان بورك بزميله خبير التصوير الرقمي إدوارد ستانلي، الذي استخدم تقنيات حديثة تعتمد على الذكاء الاصطناعي ونماذج ثلاثية الأبعاد لتأكيد هوية الفقرة ومقارنتها بأكثر من 100 عينة رقمية من الفقرات الحديثة.

وكانت النتيجة المذهلة التي توصل لها الباحثان هي أن الفقرة تعود إلى نوع من سحالي "التيغو" لم يعرف من قبل، وأطلقوا عليه اسم "واوتاوغاتيجو فورميدوس" تكريما للغابة القريبة من موقع الاكتشاف، والتي تنتمي لفترة دافئة في تاريخ الأرض تعرف باسم "الذروة المناخية الميوسينية".

رحلة "التيغو" عبر العصور

ويقول الباحثون في البيان الذي نشره الموقع الرسمي للمتحف، إن سحلية "واوتاوغاتيجو فورميدوس عبرت على الأرجح من أميركا الجنوبية إلى جنوب شرق أميركا خلال فترة دفء عالمي قبل نحو 15 مليون سنة، ولم تتمكن من البقاء طويلا مع انخفاض درجات الحرارة لاحقا، إذ إن البيض الذي تضعه هذه السحالي حساس جدا للبرد، مما أدى إلى انقراضها في المنطقة".

ويضيف الباحثون أن "أحفادها الحديثة عادت اليوم إلى الموطن نفسه، ليس عبر البحر أو التغيرات المناخية، بل في صناديق الحيوانات الأليفة خلال التسعينيات، حيث أصبحت سحالي التيغو من الكائنات المفضلة في تجارة الحيوانات الغريبة، وما لبث الكثير منها أن هرب أو أُطلق في البرية، ليبدأ فصل جديد من التفاعل البيئي المعقد في فلوريدا".

ورغم أن سحالي "التيغو" تعرف بمظهرها الجذاب ونمطها الهادئ، فإنها ليست دائما ضيوفا مرحبا بها في البيئة البرية، فعند بلوغها يمكن أن يصل طولها إلى نحو متر ونصف  المتر، ووزنها إلى أكثر من 4 كيلوغرامات.

وقد أسهمت هذه البنية الضخمة، إلى جانب قابليتها للهرب أو الإطلاق العشوائي من قبل أصحابها، في تحولها إلى مصدر تهديد حقيقي للنظام البيئي في فلوريدا، حيث تصنف اليوم ككائن غازٍ يلتهم بيض الطيور والزواحف الأصلية ويقوض التوازن البيئي الهش.

إعلان

ورغم أهمية الاكتشاف الجديد في إلقاء الضوء على تاريخ سحلية "التيغو" بإعادتها إلى موطمها الأصلي، فإنه يبرز أيضا دور التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والمسح الثلاثي الأبعاد، في إعادة كتابة فصول من تاريخ الحياة على الأرض، والتسريع من وتيرة الاكتشافات في المتاحف التي تختزن كنوزا علمية في انتظار من يكشف أسرارها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

ثورة يونيو.. اكتشافات ومعارض دولية وإنجازات متعددة في قطاع الآثار

في ذكرى ثورة 30 يونيو.. شهدت وزارة السياحة والآثار نشاطا مكثفا خلال السنوات الماضية يعكس اهتمام القيادة السياسية بشكل كبير بهذا القطاع الحيوي، حيث حققت الوزارة سلسلة من الاكتشافات الأثرية المهمة، ومشروعات تطوير شاملة للمواقع والمتاحف، فضلاً عن جهود لاسترداد الآثار المهربة وتعزيز التوعية المجتمعية بالتراث الوطني.

- اكتشافات تعيد رسم خريطة التاريخ


أبرز ما تحقق على صعيد التنقيب الأثري، كان اكتشاف ثلاث مقابر فرعونية جديدة في منطقة دير أبو النجا بالأقصر، تعود لعصور الدولة الحديثة، أبرزها مقبرة الكاهن "أمون-إم-إيبِت" ومقبرة "بكي"، ما يعكس ثراء المنطقة بالمدافن الملكية والإدارية، كما تم الإعلان عن اكتشاف أثري استثنائي يُعد الأول من نوعه منذ قرن، تمثل في مقبرة يُرجّح أنها للملك تحتمس الثاني، من الأسرة الثامنة عشر، لتعيد الأنظار مجددًا إلى وادي الملوك.
وفي الكرنك، أسفرت أعمال الحفائر عن العثور على مجموعة من الخواتم الذهبية من الأسرة السادسة والعشرين، ضمن تعاون مصري - فرنسي. 
بينما كشفت بعثة مشتركة في شمال دلتا النيل عن بقايا مدينة أثرية ومعبد للإلهة "وذجت"، يعودان للعصور الفرعونية المبكرة.

- المتحف المصري الكبير 


استمر العمل في مشروع المتحف المصري الكبير، حيث تم تشغيل 12 قاعة جديدة أمام الزوار ضمن المرحلة التجريبية، وفاز المشروع بجائزة "فيرساي" كأحد أجمل سبعة متاحف افتُتحت حديثًا عالميًا، كما نال جائزة (FIDIC) العالمية نظير اتباعه أعلى معايير الإنشاءات. 
ومن المقرر افتتاح القاعات الكبرى، بما فيها قاعة الملك توت عنخ آمون، في الربع الأخير من عام 2025.
وكان مقررا أن يتم افتتاح المتحف في 3 يوليو المقبل، لكن التطورات التي شهدتها المنطقة والتطورات الإقليمية أدت إلى إعلان الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء الإعلان عن تأجيل افتتاح المتحف إلى الربع الأخير من العام الجاري.

- حماية الآثار وتطوير البنية التحتية


عملت الوزارة على تحديث وتطوير عشرات المواقع الأثرية، بما يشمل تفعيل المسارات المخصصة لذوي الإعاقة، وتثبيت شاشات إرشاد وكاميرات مراقبة، إضافة إلى تركيب لافتات بلغة برايل واللغة الصينية، ومن أبرز المواقع التي شملتها أعمال التحديث: أهرامات الجيزة، معبد كوم أمبو، متحف التحرير، وقلعة قايتباي.
وفي إطار التحول الرقمي، جرى تفعيل منظومة الدفع الإلكتروني للتذاكر في أكثر من 107 مواقع أثرية ومتاحف، بنسبة استخدام تجاوزت نسبة الـ 99%.

- استرداد آثار وتعزيز التعاون الدولي


على صعيد مكافحة تهريب الآثار، أعلنت الوزارة عن إحباط تهريب 357 قطعة أثرية واستعادة 60 قطعة من المملكة المتحدة، فضلاً عن استرجاع رأس تمثال رمسيس الثاني من سويسرا.
كما تم توقيع اتفاقيات مع جهات دولية، مثل التعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية (USAID) والمركز الأمريكي للأبحاث (ARCE)، لتوثيق القطع وعمل نظام معلوماتي متقدم للمتحف المصري بالتحرير.

- توعية مجتمعية وفعاليات ثقافية


أطلقت الوزارة عدة حملات مجتمعية لنشر الوعي الأثري في المدارس والجامعات تحت شعار "بداية جديدة لبناء الإنسان"، وشهدت المتاحف تنظيم ورش عمل وندوات تثقيفية، كما احتضن متحف الحضارة فعاليات مشروع "شجر الدر" الفني لتعزيز التواصل الثقافي.

- نقلة نوعية في الإدارة الأثرية
بهذا الزخم من الإنجازات، رسّخت وزارة السياحة والآثار موقعها كأحد أكثر القطاعات الحكومية ديناميكية في التعامل مع التراث، سواء من حيث الحماية، والعرض، أو التفاعل المجتمعي والدولي. 
وتبدو المؤشرات إيجابية لمزيد من المكتشفات والافتتاحات خلال العام المقبل، في ظل استراتيجية واضحة تعيد تقديم الحضارة المصرية للعالم بأسلوب حديث يحترم الأصول ويواكب التطورات.

- معرض "رمسيس وذهب الفراعنة": رحلة أثرية تسوّق السياحة
برز المعرض المؤقت "رمسيس وذهب الفراعنة" كأحد أبرز أدوات التسويق الثقافي، حيث جاب 6 محطات عالمية بدءًا من هيوستن (2021)، ثم سان فرانسيسكو (2022)، باريس (2023)، سيدني (2023)، كولون بألمانيا (من يوليو 2024 حتى يناير 2025)، ووصل محطة جديدة في طوكيو في مارس الماضي، ويستمر بها حتى سبتمبر القادم. 
ويضم المعرض 180 قطعة أثرية، منها تابوت رمزي للملك رمسيس الثاني من المتحف القومي للحضارة، ومجموعة نادرة من تماثيل وحلي وعناصر ثقافية تعكس مراحل من الدولة الوسطى حتى المتأخرة، ومن مقتنيات البعثة بسقارة ومتحف التحرير، وحظى بإقبال واسع في كل محطاته وحقّق عائدات إجمالية تقارب الـ 15 مليون دولار عبر الرحلة بأمريكا وأوروبا. 
 

طباعة شارك السياحة الآثار الاكتشافات الأثرية

مقالات مشابهة

  • حملة مانحي الأمل قلوب تنبض بالحياة في المتحف القومي للحضارة
  • متحف المركبات يحتفل باليوم العالمي للكاميرا
  • 28 يونيو 1865.. اليوم الذي تم فيه حل الجيش الأميركي
  • احتفالًا بـ العام الهجري .. متحف المنيل يستعرض قطعًا أثرية مميزة | شاهد
  • رئيس الوزراء في ذكرى 30 يونيو: الثورة كانت بداية تصحيح المسار وبناء الدولة الحديثة
  • متحف الإسكندرية القومي يحتفل بـ يوم البيئة العالمي
  • ثورة يونيو.. اكتشافات ومعارض دولية وإنجازات متعددة في قطاع الآثار
  • وزير التعليم العالي ينعى رئيس جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب
  • أحمد كريمة: التقنيات الحديثة ستؤدي للإلحاد.. وChatGPT سيخطب الجمعة
  • Africa Health ExCon.. الاستفادة من التقنيات الحديثة في تحسين نتائج المرضى