الاقتصاد نيوز — بغداد

 

خلال زيارته إلى الشرق الأوسط، حطّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرحال في ثلاث دول عربية، بدأت بالمملكة العربية السعودية، ثم انتقل إلى قطر، ومن ثم إلى الإمارات. زيارة وصفت بأنها "تاريخية"، لما تضمنته من قرارات وتحركات غير مسبوقة، أبرزها إعلان رفع العقوبات عن سوريا، في خطوة شكّلت صدمة لدى أوساط عديدة في البيت الأبيض، لا سيّما وأن بعض هذه العقوبات مفروضة منذ عقود.

وفي ظل هذه التطورات، بدأت ترتفع في العراق تساؤلات محورية، من أبرزها: ما الفائدة التي يمكن أن تجنيها بغداد من رفع العقوبات عن دمشق؟ وهل ستفتح هذه الخطوة آفاقًا جديدة في المجال الاقتصادي؟

أعلن ترامب عزمه إصدار أمر بوقف جميع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، في خطوة وصفها محللون بأنها "غير اعتيادية للغاية" و"تكاد تكون غير مسبوقة في تاريخ تخفيف العقوبات الحديث".

وفي هذا السياق، أكد مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية، الدكتور مظهر محمد صالح، أن رفع العقوبات الدولية عن سوريا يحمل انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد العراقي. 

وقال صالح في حديثه لـ"الاقتصاد نيوز"، إن المرحلة المقبلة قد تشهد نموًا ملحوظًا في حجم التبادل التجاري بين البلدين، لا سيما في مجالات السلع الزراعية الموسمية، والصناعات التحويلية، والطاقة، والسياحة.

وأشار إلى أن سوريا قد تمثل سوقًا مهمة للصادرات العراقية، والعكس صحيح، تبعًا للمزايا النسبية التي تتمتع بها السلع في كلا السوقين. 

كما بيّن أن موقع العراق الجغرافي، وموانئه الجنوبية، قد تجعله ممرًا رئيسيًا لعبور البضائع من الخليج إلى سوريا، وهو ما من شأنه تعزيز الاستثمار في قطاع النقل والخدمات اللوجستية، وخلق فرص عمل محلية.

ولفت صالح إلى أن تحسن الأوضاع الاقتصادية في سوريا سيساهم في تقليل النزوح غير الشرعي والتهريب الحدودي الضار، مما سينعكس إيجابًا على الأمن الاقتصادي والاجتماعي للمناطق الحدودية.

ودعا في ختام حديثه إلى تعزيز التنسيق الحكومي بين بغداد ودمشق، وتحديث البنى التحتية في المناطق الحدودية، إلى جانب تطوير القطاع المصرفي والاستثماري، وإطلاق عمل الغرف التجارية والصناعية المشتركة، بما يتيح شراكات فعالة بين القطاعين الخاصين في البلدين.

 وعلى الجانب الدولي، كان الاتحاد الأوروبي وبريطانيا قد أقدما بالفعل على تخفيف بعض العقوبات عن سوريا، لكن خطوة واشنطن - إذا ما تحققت - قد تمثل انطلاقة حقيقية نحو رفع شامل، مما يشجع دولًا أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة.

 وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن قيمة الاقتصاد السوري تبلغ حاليًا نحو 21 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبًا حجم اقتصاد دول مثل ألبانيا وأرمينيا، رغم أن عدد سكان سوريا يفوقهما بأكثر من 20 مليون نسمة. كما تُظهر البيانات الرسمية أن الاقتصاد السوري تقلص إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2022، فيما تشير بعض التقديرات إلى انكماش بنسبة 83% حتى عام 2024.

 وزادت الأزمة تعقيدًا في عام 2019 مع دخول لبنان في أزمة مالية، بحكم الترابط الاقتصادي بين البلدين، ما دفع دمشق إلى اعتماد أسعار صرف متعددة لحماية ما تبقى من احتياطي العملات الأجنبية.

ومن جانبه، أكد الخبير في الشأن الاقتصادي صفوان قصي أن رفع العقوبات سيساهم بشكل مباشر في تعزيز التعاون المالي والتجاري بين العراق وسوريا. وبيّن أن التبادل الذي كان يتم عبر قنوات غير نظامية قد يشهد نقلة نوعية عبر التعامل الرسمي مع البنك المركزي السوري، ما يخفف الضغط على السوق السوداء، ويعزز استقرار السياسة النقدية في العراق.

وأضاف أن سوريا، عبر واجهتها البحرية على البحر الأبيض المتوسط، تمثل فرصة مهمة في مشروع “طريق التنمية” الذي يربط العراق بتركيا، حيث يمكن توسيعه ليشمل الربط مع الاقتصاد السوري، ما يفتح آفاقًا جديدة في التجارة والنقل الإقليمي.

كما أشار إلى أهمية إحياء خط النفط القديم الذي يربط كركوك بميناء بانياس السوري، معتبرًا أن تشغيل هذا الخط سيساهم في تنويع منافذ التصدير وتعزيز الشراكات الإقليمية، خاصة في قطاع الطاقة.

ويُذكر أن وفدًا عراقيًا رسميًا رفيع المستوى كان قد زار سوريا الشهر الماضي لدراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لإعادة تأهيل وتشغيل خط أنابيب كركوك-بانياس، أحد أقدم خطوط تصدير النفط في الشرق الأوسط.

 ووفق وكالة رويترز، فإن الحكومة السورية الجديدة قدّرت ديونها بما بين 20 إلى 23 مليار دولار، معظمها في شكل قروض ثنائية، إلا أن الرقم الحقيقي قد يتراوح بين 30 و50 مليار دولار إذا ما أُضيفت مطالبات محتملة من إيران وروسيا. كما أن احتياطيات البنك المركزي السوري من النقد الأجنبي لا تتجاوز حاليًا 200 مليون دولار، مقارنة بـ18.5 مليار دولار قبل الحرب، وفق صندوق النقد الدولي.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز

كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار رفع العقوبات العقوبات عن ملیار دولار عن سوریا

إقرأ أيضاً:

هل تنجح سوريا في تنفيذ اشتراطات إلغاء قانون قيصر؟

تنفس السوريون الصعداء بعد تصويت مجلس النواب الأميركي على إلغاء "قانون قيصر" ورفع العقوبات المفروضة على بلادهم، لكن الخطوات المنتظرة منهم تجعلهم أمام تحديات عديدة، كما أوضح محللون لبرنامج "ما وراء الخبر" ضمن حلقة (2025/12/11).

ورحبت سوريا على لسان وزير خارجيتها أسعد الشيباني بالخطوة الأميركية، حيث وصفها بـ"الإنجاز التاريخي والانتصار للحق، ولصمود الشعب السوري"، واعتبر أن إلغاء القانون يعكس إدراكا متزايدا لأهمية دعم سوريا في مرحلتها الحالية.

وينص مشروع القانون على أن إلغاء العقوبات يخضع لشروط معينة تتم مراجعتها كل فترة ومنها، أنه يجب على سوريا أن تحترم حقوق الأقليات، وأن تثبت أنها تتخذ خطوات ملموسة في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وأن تمتنع عن العمل العسكري الأحادي الجانب ضد دول الجوار.

بيد أن الاشتراطات الأميركية لإلغاء "قانون قيصر" في نظر الكاتب والباحث السياسي حسن الدغيم، لا تتناقض مع المصلحة الوطنية السورية، باعتبار أن سوريا لها مثلا خبرة في مكافحة الإرهاب وترى أن التهديد الإرهابي يقوض أمنها واستقرارها، كما أن من مصلحتها جلب الاستثمارات ورؤوس الأموال.

وعن الخطوات التي يتعين على الحكومة اتخاذها، يعتقد الدغيم -في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر- أن الحكومة حققت إنجازات داخلية ونجاحات في تعاملها مع الخارج، مشيرا إلى أنه لا توجد معارضة، بل هي مجرد "أصوات ومطالبات"، وأن الخطوات التي تتخذها يجب أن تكون على أرضية صلبة، لأن وحدة البلد -حسبه- لا تزال مهددة.

أولى الخطوات

وفي المقابل، يعتقد مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة في واشنطن، محمد العبد الله، أن على الدولة السورية أن تقوم بخطوات أولى في سبيل تنفيذ اشتراطات إلغاء "قانون قيصر"، منها مساعدة المستثمرين للقدوم إلى سوريا عبر تقديم قوانين مساعدة للاستثمار مثل قوانين الشفافية المالية ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي من البنود الواردة في اشتراطات رفع "قانون قيصر".

إعلان

ومن الناحية السياسية، يتعين على الحكومة السورية -يضيف العبد الله- أن تعمل على تنفيذ اتفاق 10 مارس/آذار بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية عبر تمثيل فعلي.

وبينما وصف رفع العقوبات عن سوريا بأنه ممتاز وسيريح الشعب والاقتصاد، انتقد العبد الله ما وصفها ببعض الإجراءات الحكومية مثل التعيينات الاقتصادية وتركيز السلطة بيد مجموعات ضيقة.

ويعتبر الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي أن الاشتراطات الأميركية لإلغاء "قانون قيصر" معظمها سياسية وليست تقنية اقتصادية، ولكنّ المهم فيها هو رفع العقوبات عن سوريا، ما سيؤدي إلى ضخ الأموال والاستثمارات في هذا البلد وخاصة من طرف دول الخليج، وستكون سوريا خلال الفترة المقبلة أكثر حرية على الصعيد الداخلي.

ويرى مكي أن النظام السوري سيكون حريصا على المضي قدما في تحقيق النتائج المنتظرة منه، لأنه على المستوى الداخلي يدرك أنه تحت المراقبة الشعبية.

ويذكر أنه بعد تصويت مجلس النواب الأميركي على إلغاء "قانون قيصر"، سيتم إرساله إلى مجلس الشيوخ للتصويت عليه الأسبوع المقبل على أن يُرسل لاحقا إلى الرئيس دونالد ترامب لتوقيعه.

وفي 11 ديسمبر/كانون الأول 2019، أقر الكونغرس الأميركي "قانون قيصر" لمعاقبة أركان نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد على جرائم حرب ارتكبها بحق المدنيين في سوريا.

ومن شأن إلغاء القانون أن يمهد الطريق لعودة الاستثمارات والمساعدات الأجنبية لدعم الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع التي تأسست في مارس/آذار 2025.

مقالات مشابهة

  • «اقتصادية قناة السويس».. مكاسب استراتيجية وتأمين حقيقي لمستقبل الاقتصاد المصري
  • ما تأثير إلغاء قانون قيصر على الاقتصاد السوري مستقبلا؟
  • إلغاء قانون قيصر.. قراءة اقتصادية في التحوّل الاقتصادي في سوريا منذ عقدين
  • من إلغاء قيصر إلى إعادة الإعمار.. مرحلة جديدة تنتظر الاقتصاد السوري
  • هل تنجح سوريا في تنفيذ اشتراطات إلغاء قانون قيصر؟
  • ما تداعيات التصويت الأميركي على إلغاء قانون قيصر ورفع العقوبات عن سوريا؟
  • اقتصادية قناة السويس توقّع عقد إنشاء مشروع صيني جديد لتصنيع منسوجات الألياف الدقيقة
  • وزير الاقتصاد السوري: إلغاء قانون قيصر يزيل أكبر العوائق أمام اقتصادنا
  • إلغاء قانون قيصر.. توقيع ترامب ينهي سنوات من خنق الاقتصاد السوري ليبدأ التعافي
  • النائب عارف السعايدة ينتقد الموازنة ويدعو لإصلاحات اقتصادية شاملة