إيران بين السطور.. الحاضر الغائب في قمة بغداد العربية
تاريخ النشر: 17th, May 2025 GMT
احتضنت العاصمة العراقية بغداد القمة العربية اليوم السبت وسط تحديات جسيمة تواجه المنطقة. وبينما تصدّرت ملفات فلسطين، السودان، وليبيا جدول الأعمال، برز غياب إيران الرسمي عن القمة، مقابل حضورها "الرمزي" أو "غير المعلن" في كواليس النقاشات، لتصبح كأنها "الحاضر الغائب" الأبرز في هذا المحفل العربي.
لم توجه الجامعة العربية دعوة مباشرة لإيران، باعتبارها دولة غير عربية، إلا أن تأثيرها بدا جلياً في مواقف بعض الدول المشاركة، وفي القضايا الإقليمية المطروحة للنقاش، وخاصة ما يتعلق بالأمن القومي العربي، وتحديداً في ملفات اليمن، سوريا، ولبنان.
اليمن: اتفقت بعض الوفود على ضرورة إيجاد حل سياسي شامل، مع تأكيد مخاوف من استمرار النفوذ الإيراني عبر دعم جماعة الحوثي.
لبنان: الأزمة السياسية المتواصلة والانقسام الداخلي، كثيراً ما رُبطت بالتأثير الإيراني عبر "حزب الله"، وهو ما طُرح ـ دون تسميته ـ ضمن كلمات بعض القادة.
سوريا: رغم عودة دمشق إلى الجامعة العربية، ظل الملف السوري مرتبطاً ضمنياً بالدور الإيراني، خاصة فيما يتعلق بإعادة الإعمار والتوازنات العسكرية.
بغداد، البلد المضيف، حرصت على إظهار دورها كجسر تواصل بين الفرقاء. وقد ظهر ذلك في تصريحات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي دعا إلى التهدئة الإقليمية وتغليب الحوار، من دون الإشارة صراحة إلى إيران، لكنه أشار إلى أهمية استقرار "الجوار الجغرافي والديني"، في تلميح غير مباشر.
العراق، الذي تربطه علاقات وثيقة مع إيران، سعى لتقديم نفسه كوسيط لا طرف منحاز، ما يعكس سياسة التوازن التي تعتمدها الحكومة الحالية.
رسائل غير مباشرة.. وقلق خليجي
الدول الخليجية، خاصة السعودية والإمارات، وإن أبدت انفتاحاً في الآونة الأخيرة على مسار التهدئة مع طهران، إلا أن كلمات ممثليها في القمة حملت رسائل تحذير واضحة ضد "أي تدخلات خارجية في الشؤون العربية"، وهي عبارة باتت تُقرأ في كثير من الأحيان على أنها موجهة ضد إيران.
المملكة العربية السعودية أكدت على سيادة الدول ورفض الأجندات العابرة للحدود.
البحرين تحدثت عن ضرورة "التصدي للميليشيات المدعومة خارجياً".
هل كانت إيران بحاجة للحضور؟
التحليلات السياسية تشير إلى أن طهران لم تكن بحاجة إلى حضور رسمي لتكون في قلب النقاش. فواقع التأثير الإيراني في المنطقة، عبر أدوات سياسية وعسكرية واقتصادية، يجعلها جزءاً لا يتجزأ من أي نقاش حول مستقبل الأمن العربي.
إن غياب إيران الرسمي عن قمة بغداد لا يعني تغييبها عن المشهد السياسي العربي، بل يكشف حجم التحدي الذي تمثّله لطبيعة التوازنات الإقليمية في المرحلة الراهنة. فالدول العربية ـ رغم اختلاف رؤاها ـ باتت تدرك أن تجاهل الدور الإيراني لم يعد ممكناً، لا في الملف الأمني ولا في ترتيبات ما بعد النزاعات، خاصة في دول مثل سوريا واليمن ولبنان.
يبدو أن بعض الدول العربية الكبرى، وعلى رأسها السعودية، تتجه نحو استراتيجية "الاحتواء الناعم" لإيران، عبر القنوات الدبلوماسية والتفاهمات الثنائية، مثل ما ظهر في اتفاق بكين الأخير. وهذا ما يفسر غياب اللهجة التصعيدية ضد طهران في كلمات القادة، مقابل التركيز على مفردات السيادة والحوار.
العراق يحاول أن يؤسس لنفسه دوراً جديداً بوصفه جسر تواصل بين العرب وإيران، لا سيما بعد أن نجح في استضافة لقاءات سعودية–إيرانية في الأعوام الماضية. وقد تكون بغداد اليوم تسعى لتعزيز هذا الدور عبر القمم العربية، لتقدم نفسها كمنصة توافق إقليمي وليس ساحة صراع.
رغم مظاهر الوحدة الشكلية، يظهر انقسام غير معلن في المواقف العربية تجاه إيران: محور الانفتاح (يضم السعودية، الإمارات، وقطر): يسعى لخفض التوتر عبر التفاهمات الاقتصادية والأمنية، ومحور التحفظ (مثل البحرين، المغرب، واليمن): لا يزال يرى في إيران تهديداً مباشراً لأمنه القومي.
وبينما تسعى طهران لإظهار انفتاح دبلوماسي، فإن سياساتها على الأرض لم تشهد تغييراً جوهرياً، بل تسعى لترسيخ وجودها في مناطق النفوذ التاريخية. وهو ما يجعل احتواءها مهمة معقدة تتطلب تنسيقاً عربياً غير متوفر حتى الآن.
تُظهر قمة بغداد أن إيران، وإن لم تكن على الطاولة، إلا أن ظلالها كانت حاضرة بقوة. ومع غياب رؤية عربية موحدة تجاهها، ستظل طهران رقماً صعباً في المعادلة الإقليمية، لا يمكن تجاوزه، ولا احتواؤه بسهولة، ما لم يُعاد رسم الاستراتيجية العربية الجامعة تجاهه.
وتُعقد القمة هذا العام تحت شعار: "حوار وتضامن وتنمية"، وسط ملفات عربية ساخنة، أبرزها حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة للشهر العشرين، إلى جانب أزمات إقليمية أخرى تشمل سوريا ولبنان والسودان.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية إيران مواقف حضور إيران مواقف قمة عربية حضور المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
محادثات إيران و3 دول أوروبية بإسطنبول.. كيف تنعكس على المفاوضات النووية؟
طهران- في سياق الجهود المستمرة لإبرام اتفاق نووي ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية المرتبطة به، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي -في تصريح صحفي قبل يومين- أن اجتماعا بين إيران والترويكا الأوروبية سيعقد اليوم في مدينة إسطنبول التركية.
وأوضح أن هذا اللقاء سيجمع بين المديرين السياسيين بوزارة الخارجية وممثلي الدول الأوروبية الثلاث الأعضاء في الاتفاق النووي لعام 2015، وهي ألمانيا وبريطانيا وفرنسا.
ويأتي هذا الاجتماع، حسب بقائي، في إطار مواصلة المشاورات والتنسيق بين الأطراف المعنية، حيث ستتناول الأجندة الرئيسية مناقشة المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، وسط مناخ دولي معقد وتطورات متسارعة على الساحة السياسية.
تكتسب الترويكا الأوروبية دورا محوريا في الملف النووي الإيراني بصفتها طرفا رئيسيا في اتفاق 2015. وفي هذا الإطار، تجري مشاورات فنية وسياسية مع خبراء إيرانيين لتقييم أهمية اجتماع إسطنبول وما يحمله من دلالات إستراتيجية، خصوصا في ظل المفاوضات في مسقط.
ويتساءل مراقبون عما إذا كانت هذه التحركات تشير إلى تموضع جديد للترويكا، يهدف إلى لعب دور أكثر استقلالية وفعالية في تقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن، وتوفير أرضية تفاوضية بديلة تعكس تغيرا في حسابات الأطراف الأوروبية تجاه مستقبل الاتفاق.
من المنظور الإيراني، تنظر طهران إلى الترويكا الأوروبية بوصفها شريكا تفاوضيا مهما، لكنها في الوقت ذاته تُبقي على قدر من الحذر تجاه مواقفها، نظرا لما تعتبره "انحيازا نسبيا" من الأوروبيين للسياسات الأميركية، لا سيما بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018.
إعلانوترى أن استمرار التنسيق معها يحمل أهمية سياسية ودبلوماسية، خاصة في ضوء تهديدات الأطراف الأوروبية بتفعيل آلية الزناد، مما يعني إرجاع جميع العقوبات السابقة دفعة واحدة.
في السياق، يرى أستاذ العلاقات الدولية جواد حيران نيا أن الدول الأوروبية الثلاث تجد نفسها اليوم على هامش المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن، بعد أن كانت شريكا رئيسيا في مفاوضات اتفاق 2015. ويؤكد للجزيرة نت أن هذا التهميش يثير قلق الأوروبيين من احتمال التوصل إلى اتفاق ثنائي بين إيران والولايات المتحدة، لا يأخذ مصالحهم الاقتصادية والإستراتيجية في الاعتبار.
???? وزير الخارجية الإيراني : أي استغلال لآلية "سناب باك" ستكون له عواقب وخيمة
حذر وزير الخارجية الإيراني السيد عباس عراقجي من أن تفعيل آلية "سناب باك" لإعادة فرض العقوبات سيؤدي إلى عواقب وخيمة، منها إنهاء دور أوروبا في الاتفاق النووي وتصعيد خطير في التوترات. pic.twitter.com/sTXdIeI401
— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) May 12, 2025
ورقة ضغطويشير حيران نيا إلى أن هذه الدول تسعى إلى لعب دور مستقل في السياسة الدولية، وهي غير راضية عن استبعادها من الملفات الحساسة، سواء في الملف النووي الإيراني أو في الحرب الأوكرانية، وهو ما يدفعها إلى التفكير بجدية في تفعيل "آلية الزناد" قبل انقضاء مهلة القرار الأممي 2231 في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وبرأيه، يريد الأوروبيون استخدام هذه الآلية كورقة ضغط، ليس فقط على إيران بل أيضا على واشنطن، لفرض حضورهم السياسي في صياغة أي اتفاق جديد، خاصة في ظل مخاوفهم من أن يكون الاتفاق المرتقب مؤقتا أو غير شامل.
ويقول إن الهواجس الأوروبية تتراوح بين برنامج طهران الصاروخي، وملف المعتقلين الأوروبيين، والدور الإقليمي الإيراني، وصولا إلى التعاون العسكري بين إيران وموسكو في حرب أوكرانيا، وهو ما تعتبره العواصم الأوروبية مساسا مباشرا بأمنها القومي.
إعلانوحسب أستاذ العلاقات الدولية، فإن إيران تدرك خطورة تفعيل آلية الزناد، خاصة أن إعادة فرض العقوبات الأممية قد تُفقدها أوراقا مهمة في التفاوض مع الولايات المتحدة، لذلك فضّلت الدخول في حوار مباشر مع الأوروبيين في محاولة لثنيهم عن هذه الخطوة، بعدما لمست محدودية تأثير الطلب الإيراني على الجانب الأميركي لكبحهم.
ويختم بالقول إن تفعيل الآلية سيُقابل -على الأرجح- برد إيراني قوي، قد يصل إلى حد الانسحاب من معاهدة حظر الأسلحة النووية، مما يعني انهيار المفاوضات بالكامل، مضيفا "لكنني لا أعتقد أن الأمور ستصل إلى هذا الحد، إذ يبدو أن كل الأطراف تحاول استخدام أدواتها للضغط دون أن تطيح بالمسار التفاوضي برمته".
دبلوماسية متعادلةمن جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية مصطفى نجفي أن طهران تنتهج دبلوماسية متعددة الأبعاد بالتوازي مع مفاوضاتها المباشرة وغير المباشرة مع الولايات المتحدة، إذ كثفت مؤخرا لقاءاتها مع الترويكا الأوروبية على مستوى نواب وزراء الخارجية.
وأوضح نجفي للجزيرة نت أن الاجتماع المرتقب اليوم، الذي كان من المقرر أن يُعقد سابقا في العاصمة الإيطالية روما قبل أن يُلغى بسبب توقف المحادثات الإيرانية الأميركية، يأتي في سياق مساعٍ لخفض التوتر مع أوروبا والتفاعل مع الأعضاء المتبقين في الاتفاق النووي، ومنع تفعيل آلية الزناد من قبل الأوروبيين.
وأضاف أن السياسة الإيرانية تقوم على التمييز بين موقفها من واشنطن وباقي أطراف الاتفاق، إذ تواصل طهران تواصلها مع موسكو وبكين من جهة، ومع لندن وباريس وبرلين من جهة أخرى، في محاولة للحفاظ على ما تبقى من الاتفاق. كما تربط بين المسار النووي والدبلوماسية الإقليمية من خلال تعزيز تواصلها مع دول الجوار الخليجي، بما في ذلك فتح قنوات للتنسيق والوساطة.
ووفق نجفي، فإن ملامح الدبلوماسية النووية الإيرانية باتت واضحة، ويمكن تلخيصها في 4 محاور رئيسية:
إعلان التفاوض مع واشنطن. التعاون مع روسيا والصين. خفض التصعيد مع أوروبا. بناء الثقة مع دول الخليج واستخدام ثقلها الإقليمي كأداة للوساطة.