حقائق و بديهيات «للأسف يجب ان تقال»

بكري الجاك

الحقيقة الموضوعية التى لايمكن مقارعتها بالغلاط و الهتاف ان السودان ظل فى حالة احتراب داخلي منذ ماقبل الاستقلال (أغسطس ١٩٥٥ حركة الأنانية ون) حينها كانت منطقة الخليج تحت الانتداب البريطاني و لم يكن هنالك دول مثل الامارات و قطر و لاغيرها و التى كانت موجودة كانت لا تملك قوت عامها.

و الحقيقة الموضوعية التى لا يمكن محوها انه كان هناك نظام يسمي الانقاذ أتى بانقلاب عسكري فى عام ١٩٨٩ و قام بتأجيج الحرب الأهلية باسم الجهاد و استثمر فى خلق الصراعات القبلية و تكوين المليشيات و تقنين الفساد و تطبيعه حتى ظن الناس الاستقامة هى ضرب من ضروب الخيال.

و الحقيقة الموضوعية التى لا يمكن تغييرها بالاكاذيب ان الشعوب السودانية قامت بثورة عظيمة فى ديسمبر ٢٠١٨ شاركت فيها كل فئات المجتمع السوداني و ان القيادة المدنية التى قادت مشروع الثورة اتخذت تقديرات سياسية اتضح لاحقا ان بعضها كان غير صحيح و لكن لم تفشل الفترة الانتقالية، و كما لا يمكن ان نساوي بين ٢٦ شهر للحكم الانتقالي و ثلاثين عاما من التخريب الممنهج و النهب المشاع للانقاذ، و لم تفشل المرحلة الانتقالية و لكن انقلب عليها من يتحاربون الآن، كما عمل على افشالها تحالف المال و السلطة الذي عماده الاسلاميين و ربائبهم بالتامر و التخريب اولا و الانقلاب ثانيا و اخيرا الحرب.

و الحقيقة الموضوعية التى لا يمكن نفيها بإعادة كتابة التاريخ ان حرب السودان بدأت بين السودانيين و لها عدة اسباب مباشرة و غير مباشرة من بينها الخلل البنيوي فى بنية الدولة حتى قبل اعلان استقلالها.

عليه اي محاولة لتصوير حرب السودان كحرب خارجية او غزو اجنبي او كلها محض عدوان خارجي هو ذهول عن رؤية قرص الشمس او رفض حقيقة ان الشمس تشرق من الشرق و هذا لا يعني انه ليس هناك عوامل خارجية ( شبكة مصالح و دول) اصبحت ذات تأثير عالي فى استمرار حرب ١٥ أبريل و هذه العوامل سيكون لها دور فى الطريقة التى ستنتهي بها الحرب.

و جوهر القول انه بدلا من ترديد ان الحرب غزو اجنبي كشكل من أشكال الهروب الي الا مام علينا ان نتسائل عن ما هو دورنا نحن كسودانيين لايقافها بدلا من لعن الظلام و الخارج؟ اية محاولة للوم الخارج فقط و كفي هو ليس فقط نوع من الكسل الذهني بل هو التخلي عن ال agency اي قدرتنا على الفعل.

قليل من الموضوعية لا يضر و مهما كانت المواقف من الحرب و الرؤي فى تفسيرها لا يوجد ما يجب ان يقدم على ايقافها باي صيغة كانت و الا فما قيمة ان يكون الفرد منا علي صواب فى التشخيص و لكن المريض قد أصبح جثة هامدة؟ فلنعمل جميعنا على إسكات البنادق و لنواصل اختلافنا و جدلنا عن ما حدث حينما نجد الامان فللحقيقة اوجه عدة.

بكري الجاك
١٨ مايو ٢٠٢٥

الوسومبكري الجاك حرب السودان حرب خارجية غزو اجنبي كتابة التاريخ

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: بكري الجاك حرب السودان حرب خارجية غزو اجنبي كتابة التاريخ

إقرأ أيضاً:

ضرورة الحل الشامل للأزمة في السودان

ضرورة الحل الشامل للأزمة في السودان

تاج السر عثمان بابو

1

بعد انقلاب 30 يونيو 1989 الذي نفذه الإسلاميون، ازدادت نيران الحرب اشتعالا.. بعد أن توصلت الحركة السياسية السودانية إلى اتفاقية السلام أو اتفاق الميرغني – قرنق، وتم التوجه للسلام في إطار وحدة البلاد، والاتفاق على عقد المؤتمر الدستوري، اتسع نطاق الحرب ليشمل دارفور وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبا، وحدثت الابادة الجماعية في دارفور بعد أن كون نظام الانقاذ الجنجويد، حتى اصبح البشير ومن معه مطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية ويجب تسليمهم بعد محاكمة علي كوشيب. حتى تم توقيع اتفاقية نيفاشا، التي تم بعدها انفصال الجنوب.

2

بعد انفصال جنوب السودان ازدادت الأزمة الوطنية في البلاد عمقا، واشتدت حدة الضائقة المعيشية والمجاعة في اطراف البلاد، والارتفاع الجنوني في الأسعار بعد تخفيض قيمة الجنية السوداني. ومصادرة حرية الصحافة والتعبير، وتجددت الحرب في المناطق الثلاث: جنوب كردفان والنيل الأزرق وابيي اضافة للحرب التي كانت مشتعلة في دارفور، وارتفاع صوت الخطاب العنصري الذي فتح الباب لحروب الابادة في تلك المناطق. وتوتر العلاقة بين دولتي الشمال والجنوب والتي وصلت ذروتها بعد أزمة احتلال هجليج. وتطورت الأحداث حتى انفجار ثورة ديسمبر التي أطاحت بالبشير لكن انقلاب اللجنة الأمنية قطع الطريق أمامها، وتمت مجزرة فض اعتصام القيادة العامة وبعدها تم التراجع عن ميثاق قوى الحرية والتغيير الذي تم التوقيع عليه في يناير 2019، وتم استبداله بالتوقيع على الوثيقة الدستورية التي قننت الشراكة مع العسكر والدعم السريع دستوريا، وتم التوقيع على اتفاق جوبا الذي تحول إلى مناصب ومحاصصات في السلطة، وحتى الوثيقة الدستورية تم خرقها إلى أن تم الانقضاض عليها بانقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي اعاد التمكين للإسلاميين وقاد للحرب اللعينة الجارية حاليا التي تهدد بتقسيم البلاد مرة أخرى.

3

ولا شك أن انفصال الجنوب كان له تداعيات خطيرة داخليا واقليميا، وهو يعبر عن فشل المؤتمر الوطني في حل المشكلة والتي زادها تعقيدا بعد انقلاب 30 يونيو 1989م، والحرب الجهادية والدينية التي كان لها نتائج ضارة عمقّت جراحات الوطن. وبعد أن فشل النظام في الحل العسكري، وقّع تحت الضغوط المحلية والعالمية اتفاقية نيفاشا التي اوقفت الحرب التي دارت لمدة 21 عاما. استندت الاتفاقية علي قاعدة سودان واحد بنظامين، وكانت الاتفاقية ثنائية وتحمل في طياتها جرثومة الانفصال كما يتضح من التقسيم الشمولي للسلطة بين الشريكين في الشمال والجنوب، فضلا عن أن المؤتمر الوطني لا يمثل الشمال والحركة الشعبية لاتمثل الجنوب، وقسمة عائدات البترول التي ازكت النزعة الانفصالية، ونظام مصرفي بنافذتين، وتقسيم البلاد علي أساس ديني. وجاءت حصيلة ممارسة الست سنوات الماضية لتكرس الصراع بين الشريكين، بعد الفشل في انجاز التحول الديمقراطي، وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللون أو العرق، وتحقيق التنمية وتحسين الاوضاع المعيشية في الشمال والجنوب، وتكريس الفوارق الطبقية والفساد، اضافة الي عدم توفير مقومات الاستفتاء والتي تتلخص في قيام انتخابات حرة نزيهة تشرف عليها لجنة انتخابات مستقلة ومحايدة، تنتج عنها حكومة ذات قاعدة واسعة هي التي تشرف علي الاستفتاء علي تقرير المصير مما يجعل الوحدة في النهاية هي الراجحة في النهاية، ولكن ذلك لم يتم ، وكان تزوير الانتخابات، والتي رفضت نتائجها القوي السياسية في الشمال والجنوب، اضافة الي تأخير ترسيم الحدود وعدم تكوين لجنة استفتاء ابيي ، وعدم تطبيق الاتفاقية فيما يختص بمنطقتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق مما ادي لعودة الحرب فيهما.

4

لقد اكدت تجربة اتفاقية نيفاشا فشل الحل الثنائي المفروض من الخارج والذي استبعد القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني، ويبقي ضرورة الاستفادة من تلك التجربة ومنع حدوثها

حتى لا تتكرر تجربة انفصال جنوب السودان وتمرير مخطط تمزيق السودان الي دويلات وخاصة بعد احتلال الدعم السريع الفاشر وبابنوسة وهجليج التي لها النفط مما يعزز خطوات الانفصال.

وهذا يتطلب الاتفاق على موقف وطني موحد يجنب البلاد شر ذلك المصير. ولشعب السودان تجربة كبيرة في الوصول لحلول لمشاكله الداخلية كما حدث في تجربة الاستقلال عام 1956م عندما ثواثقت القوي السياسية والنقابية علي دستور السودان الانتقالي الذي كفل الحقوق والحريات الأساسية وكان استقلال السودان بعيدا عن الاحلاف العسكرية والارتباط بالخارج. وكذلك عندما اشتدت الأزمة الوطنية العامة في أخر سنوات ديكتاتورية عبود بعد أن اشتد اوار حرب الجنوب والضائقة المعيشية وأزمة الحريات الديمقراطية، توحد شعب السودان خلف جبهة الهيئات التي قادت الاضراب السياسي العام والعصيان المدني ضد النظام حتي تمت الاطاحة به في ثورة اكتوبر 1964م واستعادة الديمقراطية ودستور السودان الانتقالي المعدل لعام 1964م. وتوحد شعب السودان مرة ثالثة ضد نظام مايو الديكتاتوري في التجمع الوطني لانقاذ الوطن الذي قاد انتفاضة مارس- ابريل 1985م التي اطاحت بحكم الديكتاتور نميري واستعادة الديمقراطية. وشعب السودان قادر علي استلهام تلك التجارب مع أخذ الظروف الجديدة لاسقاط الحكومتين غير الشرعيتين في بورتسودان ونيالا. وقطع الطريق أمام حل ثنائي آخر مفروض من الخارج والذي قد يكرّس تفتيت ماتبقي من الوطن.

5

وبالتالي من المهم قيام أوسع جبهة جماهيرية من أجل وقف الحرب واسترداد الثورة وقيام الحكم المدني الديمقراطي، وخروج العسكر والدعم السريع والمليشيات من السياسة والاقتصاد، وعدم الإفلات من العقاب. وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والتعليمية والأمنية، والترتيبات الأمنية لحل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، وقيام دولة المواطنة التي تحترم التعدد الديني والثقافي والعرقي واحترام حقوق الانسان وسيادة حكم القانون ولضمان وحدة ما تبقى من الوطن،  وقيام المؤتمر الدستوري الشامل الذي يرسم خريطة الطريق للمخرج من النفق المظلم الذي دخلت فيه البلاد، وتحقيق التنمية المتوازنة، والتوزيع العادل للثروة والسلطة.

الوسوماتفاق الميرغني- قرنق الإبادة الجماعية الإسلاميون السودان انقلاب 25 اكتوبر 2021 انقلاب 30 يونيو 1989 تاج السر عثمان بابو جبال النوبة جنوب السودان حرب 15 ابريل 2023م دارفور نيفاشا

مقالات مشابهة

  • العقوبات المتراكمة ليست كافية لوقف الحرب في السودان
  • النفط يُحمى.. والشعب السوداني يترك للمجهول!
  • محنة التعريفات الجزئية الملتبسة..
  • ضرورة الحل الشامل للأزمة في السودان
  • إقبال دبلوماسي كثيف نحو السودان.. كيف يمكن أن تتم ترجمة نتائجه على أرض الواقع
  • السودان على مفترق طرق: حرب استنزاف أم مفاوضات جادة؟
  • غوتيريش: الأمم المتحدة ستلتقي طرفيّ حرب السودان
  • حوار مع صديقي المصري عاشق السودان
  • الإمارات: الحرب في السودان بلا منتصر والإغاثة يجب أن تتدفق دون عوائق
  • علي فوزي يكتب.. السودان بين الصراع والبحث عن قائدٍ وطني