رئيس جديد للوزراء.. السودان بين خيوط التيه وخطوط الأمل
تاريخ النشر: 23rd, May 2025 GMT
الخرطوم – بعد أن ظل هدفا تقترب لحظة تحققه وتبتعد لسنوات، أصبح الدكتور كامل إدريس الطيب رئيسا لمجلس الوزراء، وهو شخصية أم درمانية ينتمي لهذه المدينة بكل معاني ومدلولات الانتماء، وتشرّب عبر النشأة والتعليم فيها ثقافة الوسط السوداني الذي تمثله أم درمان، التي أضحت لدى منظري السودانوية رمزا للأيقونات الجامعة للشخصية السودانية.
وله حظ وفير من التكوين الأكاديمي في مساقه القانوني تخصصا وتدريسا، وله رصيد مقدر في المعرفة بالعالم خارج بلاده، حيث عمل في الخارجية السودانية وشغل لدورتين رئاسة منظمة الملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة.
وفي مسار تطلعه لدور سياسي في بلاده ألَّف كتابا نشره عام 2015، سعى فيه إلى تقديم رؤية حول طريق السودان نحو المستقبل بعنوان "السودان 2025 تقويم المسار وحلم المستقبل".
وقبل أن يصبح دائم الحضور على لائحة الترشح لرئاسة الوزراء في محطات تحوّل مشوبة بالاضطراب منذ الإطاحة بنظام الإنقاذ، ترشح لرئاسة الجمهورية منافسا للرئيس الأسبق عمر البشير في الانتخابات الرئاسية 2010. وعلى الرغم من وجوده الطويل خارج السودان، فإنه على تواصل مع أحداث وموضوعات ونُخب السياسة منذ أيام الرئيس جعفر النميري.
إعلان تحدياتوعُرف بعلاقة وثيقة مع آخر زعيمين من عمالقة القادة السياسيين هما الصادق المهدي رئيس حزب الأمة وحسن الترابي زعيم الحركة الإسلامية، وهو من توسَّط بينهما ونظم اللقاء الذي جمعهما في مايو/أيار 1999، وهو اللقاء الذي استوطن أدبيات السياسة السودانية بمسمى "لقاء جنيف"، كان المهدي عهدئذ معارضا والترابي رئيسا للبرلمان قبل المفاصلة الشهيرة بين الإسلاميين، وانتهى باتفاق جنيف بين الزعيمين، الذي يرى كثيرون أن من شأنه تغيير وجه السودان إن قُدر له التنفيذ.
واليوم يتولى كامل إدريس رئاسة الوزراء في أعقَد ظروف السودان وأكثر أيامه عتمة، فالبلاد تعيش حربا شرسة منذ أكثر من سنتين لم تعهد مثيلها من قبل انتهت بتدميرها، وأنتجت سياقا سياسيا واجتماعيا معقدا، وامتدت تداعياتها وتشابكت مؤثراتها إلى الإقليم والعالم.
ومهما كانت استعدادات إدريس المعرفية والسياسية، فإن التحديات التي تواجهه، على تعقيدها، معيار النجاح والإخفاق فيها واضح يمكن حسابه بوضوح وقياس المدى الذي حققه، وتواجهه تحديات تحتشد بأخرى.
التحدي الأهم هو مواجهة حالة السيولة الإدارية التي وسمت صورة البلاد بالفوضى منذ الأيام الأخيرة للرئيس البشير وعبر سنوات ما بعد إسقاطه، وحتى اندلاع الحرب وصولا ليوم تسلّم الدكتور كامل إدريس رئاسة الوزراء، فما يمكن أن يوصف به المشهد الإداري للاقتصاد والسياسة هو حالة من الهشاشة تقترب من الانحلال، ما أدى إلى إهدار موارد البلاد وتضعضع أوضاع الناس المعيشية مع تداعيات النزوح، واللجوء الذي طال أكثر من 25% من السكان.
التحدي الثاني هو الحالة السافرة للتدخل الخارجي الإقليمي والدولي، حسب تقدير يقارب الإجماع من كثير من القوى السياسية السودانية والمراقبين لشأن البلاد، حتى أصبحت ألعوبة لتلاطم الأجندات الخارجية واصطراع إرادات التأثير والسيطرة في مسارها ومصيرها.
إعلانومن أهم مفاتيح التعاطي الخارجي التي ظلت مطلوبات ضاغطة لمنظومات مثل الاتحاد الأفريقي و"إيغاد" والأمم المتحدة وعدد من الدول، هو ضرورة الواجهة المدنية المستقلة للسلطة في السودان.
اختبار عملي
ويرى كثيرون أن تولي الدكتور إدريس قيادة مجلس الوزراء من شأنه أن يستجيب لتحدي الضغط الخارجي رغم ما يكتنف ذلك من صعاب، ونهج سياسة خارجية تعمل في اتجاهين يتطلب الإمساك بخيوط التوفيق بينهما مهارات عالية، فالمطلوب من ناحية استرداد القرار وتوطين التوجهات الخارجية وفق معايير المصلحة السودانية، ومن ناحية أخرى استجابة لمعايير ومتطلبات التعاطي الذي يجنب البلاد المزيد من المواجهة، خاصة أن مستوى التدخل الخارجي بلغ الانخراط في يوميات الحرب.
ويضع ذلك على فريق صناعة السياسة الخارجية دور إدارة مخاطر من الدرجة القصوى، وأهم مؤشرات القدرة على ذلك هو درجة الاستقلالية التي تتمتع بها حكومة إدريس، ودرجة الاتساق بين مستويات السلطة في مجلسي السيادة والوزراء.
وإن أشار قرار رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بإلغاء تكليف إشراف أعضاء المجلس على الوزارات إلى النية في تحقيق شرط استقلالية مجلس الوزراء، فإن الاتساق بين مستويات السلطة ينتظر اختبارا عمليا.
والشأن الخارجي مسار زلِق تتناهى فيه الخيوط لدى البعض لدرجة التداخل في نسيج يصعب فيه فرز الألوان بين التبعية والوطنية، ولهذا فمهارة المشي فيه تحتاج حيطة وحذرا حتى لا تستحيل فرص التحرر الوطني إلى منزلقات تمكين الإرادة الخارجية.
يواجه رئيس الوزراء وفريق عمله تحديات إدارة أزمات، النجاحُ فيها مقدمة ضرورية إلى تأسيس إقلاع جديد للبلاد وتعبيد الطريق لمنطلق وطني تودّع به البلاد أزماتها ويجنبها أجندات التمزيق، ويستخلص عبرة الحرب التي خاضتها، ويقتضي ذلك تحديد البرنامج والدور بوضوح وتوافق. وهذا يستوجب حشد أكبر كتلة سياسية وطنية تستصحب مرئياتها في الرؤى والبرنامج الذي تعمل حكومة كامل إدريس على تنفيذه.
إعلانوعلى فداحة غياب الحوار الوطني، فإن حضوره يخلق حالة من التوافق يُجنب الحكومة إهدار الطاقة في احتواء الصراع بين مكونات الكتلة المؤيدة لها. وما تكاثف التدخل الخارجي -كما يرى كثيرون- إلا من ثغرات عجز السودانيين عن إدارة حوار سياسي بين مختلف قواهم السياسية أو التباطؤ في تنزيل ما يتفقون عليه على واقع حياتهم.
تحالف "صمود" يستنكر دعم الاتحاد الإفريقي لتعيين كامل إدريس رئيسًا للوزراء في #السودان.. ما الأسباب؟#الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/nQ2fJ7H5OM
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) May 22, 2025
الحذر واجبتحدي الإجماع والتوافق الوطني ليس سياسيا محضا، بل إن الحرب أفرزت تمزقا اجتماعيا بتحشيد قوى قبلية ذات أثر كبير لمواجهة الدولة لمصلحة طموحات سلطوية لأفراد ورؤوس قبائل، ما أنتج حالة التصدع الاجتماعي الذي تئن منه البلاد، وهذا تحدٍّ يحتاج إلى جهد شعبي تديره الحكومة بوعي يُفعِّل ما أصلحت عليه اللغة السياسية المعاصرة للسودانيين برتق النسيج الاجتماعي.
وبما أن التحدي الأكبر الذي تعيشه البلاد أمني بسبب الحرب التي هددت وجودها، فإن أولوية البلاد القصوى تقوية شوكتها الدفاعية، وهو أمر تضطلع به قيادة الجيش ابتداء في وجهه العملياتي، ولكن حكومة إدريس معنية بالدفع السياسي في اتجاه تعزيز وتوكيد هذه الأولوية في خطابها السياسي وأولوياتها الاقتصادية ودفوعاتها الخارجية، بما يرفع عن البلاد مهدد الاستضعاف العسكري.
وبالطبع يتضمن ذلك المساهمة في تصميم نهايات سياسية للحرب، تحول دون تصنيع أسباب تجددها وتعزز ممسكات الوحدة الوطنية، وتنشئ توافقا على موقع الجيش في خارطة السياسة والمساحة التي يتحرك فيها، بما يحقق توازن الغايات بين الدور العسكري والمدني.
أثار تكليف الدكتور كامل إدريس للوهلة الأولى حالة من الانقسام السياسي بين مؤيد ومعارض، لكن سرعان ما ازدادت معدلات القبول، خاصة من القوى السياسية المؤيدة لما اصطُلح عليه "حرب الكرامة"، التي يخوضها الجيش في مواجهة قوات الدعم السريع.
إعلانوعلى الرغم من دفق هذا في مصلحة إدريس، فإن من يعرف تقلبات الطقس السياسي في السودان يلزمه كثير من الحذر، فالموقف المساند ليس شيكا على بياض بل بعض دوافعه لا ترتكز على تحليل سياسي رصين، بل حالة التيه التي يُحدِث فيها كل جديد نفحة أمل، على الدكتور كامل إدريس وفريقه أن يحيلها إلى اختيار واعٍ تعززه كل يوم التقدمات في الطريق الصحيح.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الدکتور کامل إدریس
إقرأ أيضاً:
بالفيديو.. ظهور نادر لزرافة يعيد الأمل في محمية الردوم السودانية
وكالات- متابعات تاق برس- في مشهد نادر الحدوث خلال الأعوام الأخيرة، وثق مقطع فيديو حديث ظهور زرافة تتجول بحرية داخل محمية الردوم الطبيعية في ولاية جنوب دارفور السودانية، في ظهور أعاد الأمل إلى نفوس المختصين بالحياة البرية بعد سنوات من تراجع أعداد الزرافات بسبب الصيد الجائر والنزاعات المسلحة والتعدين العشوائي.
وفي التفاصيل، تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في السودان المقطع المصور على نطاق واسع، بعد أن نشره أحد المستخدمين عبر صفحته على منصة “تيك توك” خلال الأيام الماضية، وسط إشادات بعودة الحياة البرية تدريجيا إلى المنطقة التي باتت تُعرف مؤخرا بلقب كولومبيا السودان”.
https://www.tagpress.net/wp-content/uploads/2025/07/storage_emulated_0_Android_data_com.fawazapp.blackhole_files_DCIM_blackhole_FF0AAGJO6RMP6BW53CGP.mp4
وتعد محمية الردوم الطبيعية إحدى أشهر المحميات في السودان، إلى جانب محميتي الدندر جنوب شرق البلاد وبوما بجنوب السودان قبل الانفصال.
وتقع المحمية الحدودية في أقصى جنوب غرب دارفور على بعد 1120 كلم من العاصمة الخرطوم، حيث تحدها جنوب السودان من الجنوب، وأفريقيا الوسطى من الجنوب الغربي، ويربطها بالدولتين معبران حدوديان هما (الحجيرات – راجا) و(دفاق – سنقو).
وتتميز الردوم بتنوعها البيئي والمناخي، حيث تتوزع أراضيها بين مناطق طينية رملية خصبة صالحة لزراعة المحاصيل والحبوب الزيتية والفواكه، وأراضٍ قيزانية تنتج محاصيل نقدية مثل الدخن والكركدي وغيرها، إضافة إلى إنتاج الماشية الذي يُقدر بنحو 15 ألف رأس. كما تشتهر بإنتاج الأخشاب الثمينة مثل التيك والمهوقني وصندل الردوم.
كولومبيا السودان
ورغم طبيعتها السياحية الفريدة، اشتهرت منطقة الردوم خلال السنوات الماضية بزراعة الحشيش المعروف محليا بـ”البنقو” على نطاق واسع، حتى أُطلق عليها وصف “كولومبيا السودان”، نظرا لتشابك غاباتها الكثيفة ووعورة تضاريسها التي جعلتها مركزا لتجارة المخدرات العابرة للحدود، مستفيدة من خصوبتها العالية وموقعها الجغرافي الفريد الذي يتوزع بين السودان وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى.
وغالبا ما تؤدي الأمطار الغزيرة إلى عزل المنطقة عن العالم الخارجي لأشهر متواصلة سنويا، ما يوفر ملاذا آمنا لعصابات المخدرات التي تخوض ضدها الشرطة السودانية مواجهات عسكرية متكررة، تصل أحيانا إلى حد استخدام الطائرات لإبادة حقول الحشيش التي توازي مساحتها مساحة دولة مثل البرتغال.
حمى الذهب ومسرح الفوضى
وفي السنوات الأخيرة، اجتاحت المنطقة حمى تعدين الذهب، حيث تضم نحو 13 منجما أشهرها مناجم “سونغو” جنوب مدينة نيالا، وجذبت مناجم الذهب آلاف المعدنين الباحثين عن الثروة قبل اندلاع الحرب الأخيرة في السودان قبل أكثر من عامين، ما أدى إلى تراجع الحركة التعدينية وعودة مظاهر الانفلات الأمني إلى واجهة المشهد.
وفي بضع سنين، تحوّلت المحمية الطبيعية، من ملاذ للحياة البرية إلى مسرح للفوضى البيئية بفعل التعدين. الآليات الثقيلة تشق الأرض بلا رحمة، والمواد السامة كالسيانيد والزئبق تسمم التربة والمياه، فتقضي على كل أشكال الحياة فيها. الحيوانات التي كانت تجوب أرضها بحرية – الأسود، الأفيال، النمور، الغزلان، القرود – سقطت ضحية الصيد الجائر والتشريد والانقراض. كما اقتُلع الغطاء النباتي واجتثت الأشجار الباسقة، لصناعة الأخشاب وتسقيف آبار الذهب، بينما غيّرت حفريات المناجم وردم الطرق طبيعة الأرض إلى الأبد. أما البشر، فقد تدفق أكثر من 100 ألف معدّن وعامل أو يزيدون إلى قلب المنطقة، حاملين معهم سوقا وصخبا واستهلاكا بلا حدود، ليكتمل بذلك مشهد التدمير الذي حوّل هذه المحمية من رمز للحياة إلى أرض ميتة تنتظر من يعيد إليها صوتها وحقها في البقاء.
رسالة أمل
ورغم كل تلك الظروف المعقدة التي تعيشها المنطقة، فإن ظهور الزرافة مؤخرًا بعث برسالة أمل جديدة تؤكد أن الحياة البرية في السودان لا تزال قادرة على الصمود، انتظارا لعودة الأمن والاستقرار بما يمكن هذه الأنواع النادرة من الازدهار مجددا في بيئتها الطبيعية.
المصدر: العربية
الحياة البرية في السودانمحمية الردوممحمية الردوم الطبيعية في السودان